مُلخَّص: تُظهِر زيارة الملك سلمان إلى روسيا – التي تُعَد أول زيارة على الإطلاق يُجريها ملكٌ سعودي إلى هناك – أنَّ موسكو والرياض تنتقلان من مرحلة التنافس إلى مرحلة التعاون. ويسترشد هذا التقارب بالبراغماتية والمصالح المشتركة: رفع أسعار النفط العالمية، والتوصُّل إلى تسويةٍ في سوريا، وتطوير العلاقات العسكرية في وقتٍ يتسم بالغموض والارتياب في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم. بيد أنَّ هناك حدودًا معينة لمدى القرب المحتمل الذي يمكن أن تصل إليه العلاقات الروسية السعودية. فبينما تُطلق تحالفات روسيا مع إيران ونظام الأسد العنانَ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استخدام دبلوماسية متعددة الأطراف في المنطقة، تُعرقل هذه التحالفات تعميق العلاقات التجارية والدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج. وبالمثل، قد تَثبُت صعوبة تحقيق الآمال السعودية في تحقيق أرباحٍ سريعة مفاجئة من الاستثمار في الاقتصاد الروسي، ورغبة الرياض في شراء أسلحةٍ روسية على نطاقٍ واسع.

 

جديرٌ بالذكر أنَّ روسيا والمملكة العربية السعودية لم ينعما بعلاقةٍ ودية قطّ. فبالعودة إلى أوائل عصر الحرب الباردة، وبينما كان السوفييت متكاتفين مع مصر التي كانت تحت رئاسة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأنظمةٍ قومية علمانية أخرى، قاد السعوديون تحالفًا منافسًا من البلاد الملكية المُحافظة بالتعاون مع الغرب. وفي وقتٍ لاحق، شَرَع السعوديون – إلى جانب الأجهزة الأمنية الباكستانية – في تمويل المجاهدين الذين كانوا يقاتلون الجيش السوفيتي في أفغانستان ومساعدتهم. وبعد ذلك بوقتٍ كبير، كانت السلطات الروسية تعتبر المملكة العربية السعودية – التي أعادت تأسيس العلاقات الدبلوماسية معها بعد انقطاعٍ استمر 52 عامًا[1] – منبعًا لتصدير الإسلام المتطرف إلى المسلمين في منطقة شمال القوقاز ومناطق أخرى من الاتحاد السوفيتي. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ وسائل الإعلام المؤيدة للكرملين لا تُفوت أي فرصةٍ لانتقاد الولايات المتحدة – التي تزعم أنَّها ترعى الديمقراطية وحقوق الإنسان – بسبب تحالفها المستمر منذ وقتٍ طويل مع السعوديين. فضلًا عن الحرب الجارية في سوريا التي تقف فيها موسكو والرياض على جانبين متضادين. وعلاوةً على ذلك، عزَّز تدخُّل روسيا العسكري المباشر في سوريا منذ شهر سبتمبر/أيلول من عام 2015 لدعم نظام الأسد المتعثِّر العلاقاتِ الأمنية الروسية مع إيران، التي تُعَد غريمة السعودية في تنافسٍ يُخيِّم على الشرق الأوسط. وعند مواجهة أنصار الكرملين بالعواقب الإنسانية الخطرة الناجمة عن التدخل العسكري الروسي في سوريا، يُشيرون إلى موت المدنيين والدمار الناجمين عن أفعال التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن[2]. وهناك تكهُّناتٌ بوقوف مُخترقين روس وراء نشر الأخبار الكاذبة التي أثارت أزمةً بين المملكة العربية السعودية وقطر، مما أسفر عن حدوث انشقاقٍ داخل الكتلة السنيّة التي تعارض الأسد[3]. باختصار، هناك فيضٌ من القضايا الخلافية بين البلدين.

ولكن الآن، مع إجراء الملك سلمان بن عبد العزيز زيارةً غير مسبوقة لثلاثة أيام إلى موسكو، فيبدو أنَّنا وصلنا إلى نقطة تحوُّل. يُذكَر أنَّ الملك سلمان ذهب إلى روسيا من قبل، ولكن بصفته محافظ الرياض في عام 2006. وسافر بوتين كذلك إلى المملكة العربية السعودية في عام 2007. ولكن نظرًا إلى أنَّ الملك السعودي السابق عبد الله لم يرد هذه البادرة قطّ[4]، فإنَّ زيارة سلمان تعدّ هي الأولى من نوعها[5]. ومن أجل تمييز هذه المناسبة، استضافت موسكو أسبوعًا من الفعاليات الثقافية السعودية. وحظي سلمان بترحيبٍ من جانب بوتين، ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، وحتى الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الذي نصَّب نفسه زعيمًا لجميع المسلمين في الاتحاد الروسي[6]. وصاحبت الزيارة أخبارٌ عن صفقاتٍ كبرى: مثل مشروعٍ بقيمة 1.1 مليار دولار لشركة البتروكيماويات الروسية “سيبور” من أجل بناء مصنع بتروكيماويات في المملكة العربية السعودية، وصندوق استثمار تكنولوجي مشترك بقيمة مليار دولار، وتمويلات أخرى هادفة للربح بقيمة مليار دولار مخصصة لمشروعات الطاقة. وقد يتدفق استثمارٌ سعودي يصل إلى نحو 200 مليون دولار إلى الطرق الروسية ذات الرسوم، بما في ذلك طريقٌ جديد في موسكو. وهناك كذلك حديثٌ عن مشروعات بنكية إسلامية لخدمة العدد الكبير من السكان المسلمين في الاتحاد الروسي[7]. وأخيرًا وليس آخِرًا، أعلن متحدثٌ باسم الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني التوصُّلَ إلى اتفاقٍ بشأن بيع أنظمة صواريخ أرض-جو من طراز إس-400 للمملكة العربية السعودية.

كانت هذه الزيارة إلى موسكو متوقعةً. إذ كان مخططًا لها منذ أول مكالمةٍ هاتفية بين الملك سلمان وبوتين في شهر أبريل/نيسان من عام 2015. وتمت العديد من التحضيرات لهذه الزيارة بفضل ولي العهد محمد بن سلمان، الوسيط بين العائلة المالكة السعودية والكرملين[8]. ففي شهر سبتمبر/أيلول من عام 2016، وقبل أشهر من ترقية محمد بن سلمان إلى المنصب الأول في سُلَّم الخلافة، تفاوض مع بوتين بشأن انضمام روسيا إلى اتفاق منظمة الأوبك على خفض معدلات إنتاج النفط. وبالمثل، أُبرِمَت صفقةٌ أسلحة مبدئية بقيمة 3.5 مليارات دولار مع شركة روستك الروسية الصناعية الحكومية في شهر يوليو/تموز من عام 2017[9]. وإلى جانب ذلك، كان السعوديون والروس يُحرزون تقدمًا في القضية السورية. إذ أسفر أحد الاجتماعات بين روسيا وجماعات المعارضة السورية المدعومة من السعودية في العاصمة المصرية القاهرة عن التوصُّل إلى اتفاقاتٍ بشأن الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية والرستن[10]. وكما قال محمد بن سلمان – الذي يشغل منصب وزير الدفاع كذلك – منذ حين، فإنَّ “العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا تمر بواحدةٍ من أفضل لحظاتها على الإطلاق”[11]. ولا شك أنَّ وجود أبيه في الكرملين يُقدِّم أوضح دليلٍ على ذلك.

البُعد المتعلق بالطاقة

تقاربت مصالح روسيا والمملكة العربية السعودية جزئيًا. إذ تعاني كلتاهما من انخفاض أسعار النفط الخام، مما يُعرِّض أمنهما المالي للخطر. وهذا هو سبب استمرار الاتفاق الأصلي المُبرم بين بوتين والأمير محمد في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2016، الذي كان يهدف إلى إبقاء سعر البرميل فوق 50 دولارًا. وفي شهر مايو/أيار، مدَّد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ونظيره السعودي خالد الفالح الاتفاقَ لمدة تسعة أشهر أخرى في أثناء اجتماعٍ عُقِد في العاصمة الصينية بكين. وكشفت زيارة الملك سلمان عن إمكانية استمرار اتفاق “أوبك بلس” حتى نهاية عام 2018.

تشير المشروعات الاستثمارية التي أُعلِنَت في أثناء هذه الزيارات إلى أنَّ هذا التعاون مُوجّه نحو المدى الطويل؛ إذ إنَّ روسيا حريصةٌ على جذب استثماراتٍ من الخليج. ففي عام 2016، دفع الصندوق السيادي القطري 2.5 مليار يورو بالاشتراك مع شركة غلينكور السويسرية للموارد الطبيعية من أجل الحصول على حصةٍ بنسبة 19.5% في شركة روسنفت الروسية الحكومية العملاقة (وأشار بوتين آنذاك بسعادةٍ إلى ارتفاع قيمة أسهم روسنفت بنسبة 18% بفضل ذلك)[12]. وفي شهر سبتمبر/أيلول، باع القطريون وشركة غلينكور أسهمهما إلى تكتُّل صيني؛ ولذلك لم تعُد روسيا مُقيَّدةً بالخلاف السعودي القطري[13]. لكنَّ التمويل الجديد من جانب السعوديين سيُحتفى به بشدة؛ نظرًا للصعوبات التي تواجه شركات الطاقة الروسية الحكومية بسبب العقوبات الأوروبية والأميركية (التي عزَّزها الكونغرس الأميركي مؤخرًا)[14]. وأشار نوفاك إلى أنَّ شركة نوفاتك – الخاضعة لسيطرة صديق بوتين الشخصي غينادي تيمتشينكو (المُدرَج في القائمة السوداء للدول الغربية) – ستكون مستعدة لعقد شراكةٍ مع شركاتٍ سعودية في مشروعٍ للغاز الطبيعي المُسال في القطب الشمالي. وتفيد تقاريرُ بأنَّ شركتي أرامكو السعودية وغازبروم نفت الروسية الحكوميتين تُجريان محادثاتٍ لإنشاء مركزٍ مشترك للبحوث والتكنولوجيا[15].

الطبيعة الجيوسياسية المتغيرة

صحيحٌ أنَّ المال والنفط يساعدان على تهدئة العلاقات، ولكنَّ السبب الحقيقي في تقارب بوتين والملك سلمان هو السياسات المتقلبة في الشرق الأوسط. إذ شهدت المملكة العربية السعودية تزايد النفوذين العسكري والدبلوماسي لروسيا مع تدخُّل الأخيرة في سوريا وعلاقاتها الوثيقة مع قوتين إقليميتين أخريين: إيران وتركيا. وفي الوقت نفسه، أعطى الانسحاب النسبي للولايات المتحدة من المنطقة الرياضَ حوافزَ إضافيةً لتنويع العلاقات الأمنية بعيدًا عن علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي تُعَد حليفتها منذ أمدٍ بعيد. وتأثَّر التفكير الاستراتيجي السعودي كذلك بعدم رغبة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في التدخُّل في سوريا، والاتفاق النووي الأميركي مع إيران، والغموض المحيط بالسياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويمكن أن تكون روسيا – التي لا يخلو تحالفها الظاهري مع إيران من المشكلات – بمثابة ثقلٍ موازن لها في سوريا. وقال خبراء روس إنَّ الرياض قد تطلب الوساطة الروسية في اليمن[16]. وأخيرًا وليس آخِرًا، تُعَد روسيا والمملكة العربية السعودية حلفاء لنظام السيسي في مصر.

يعرف فلاديمير بوتين أنَّ الوقت قد حان لطي صفحة الحملة الروسية في سوريا[17]؛ نظرًا إلى أنَّها قد حققت المراد منها: تأمين بقاء الأسد في منصبه، واستعداد الولايات المتحدة للتعاون مع روسيا، وتحوُّل موسكو حاليًا إلى طرفٍ رئيس في الشرق الأوسط. بيد أنَّ تكاليف هذه الحملة تصير أوضح وأوضح كذلك. ففي شهر سبتمبر/أيلول – الذي كان الشهر الأكثر دموية منذ معركة حلب الشرقية في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2016 – تكبَّدت روسيا أكبر خسارة لها بمقتل الجنرال فاليري أسابوف الذي كان مُعارًا للفيلق الخامس التابع للجيش السوري، وذلك بقذائف هاون أطلقها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالقرب من مدينة دير الزور السورية. وجديرٌ بالذكر أنَّ قوات الأسد وروسيا تقتربان اقترابًا خطرًا من قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع أميركا، وتضم وحدات قوات خاصة ومدفعية مُدمجة تحت قيادة قوات مشاة البحرية الأميركية. ولا ينبغي التغاضي عن مخاطر التصعيد غير المرغوب فيه. إذ تعرَّضت قوات سوريا الديمقراطية لقصف القوات الجوية الروسية بالفعل[18]. وألقت وزارة الدفاع الروسية باللوم في مقتل أسابوف على “سياسة النفاق” الأميركية، مشيرةً إلى أنَّ الأميركيين يتشاركون المعلومات سرًا مع تنظيم داعش[19]. وزعمت كذلك أنَّ هناك منطقةً على الحدود الأردنية عند معبر التنف الحدودي صارت “ثقبًا أسود” يدخل منه الجهاديون إلى سوريا[20].

يُسلِّط الوضع المتقلب في سوريا الضوءَ على مزايا الدبلوماسية. إذ صارت “محادثات أستانة” – التي بدأتها روسيا وتركيا وإيران في أعقاب سقوط حلب الشرقية – تضم الآن ميليشياتٍ سلفية مدعومة من السعودية مثل حركتي أحرار الشام وجيش الإسلام. وجديرٌ بالذكر أنَّ وزارة الدفاع الروسية كانت تُدرج هاتين الجماعتين منذ وقتٍ قريب جنبًا إلى جنب مع تنظيم داعش وجبهة النصرة (المعروفة حاليًا باسم هيئة تحرير الشام). أما الآن، فصارتا ضمن المعارضة المعتدلة، وأصبحتا ممثَّلتين على طاولة المفاوضات. ويُصر بوتين على تطبيق خطة مناطق التهدئة التي وُضعِت في العاصمة الكازاخية أستانة. إذ قيل إنَّ عشاء العمل الذي عقده مؤخرًا مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان دار بالكامل حول مستقبل محافظة إدلب، على الرغم من عدم ظهور علامةٍ على اتفاق الآراء[21]. وكما أظهر اجتماع القاهرة، فإن المملكة العربية السعودية تستطيع الوفاء بوعودها.

تنظر روسيا إلى منطقة الخليج على أنَّها سوقٌ مربحة محتملة لتصدير الأسلحة. ومع مرور الوقت، قد يُقلِّل تحوُّل روسيا إلى المملكة العربية السعودية وجيرانها من الاعتماد الروسي على الهند والصين اللتين تستوردان 39% و11% على الترتيب من صادرات الأسلحة الروسية. إذ تحرص كلتا الدولتين على تطوير صناعاتها العسكرية، بينما تشعر روسيا بالقلق حيال استنساخ الصين لتقنياتها. وجديرٌ بالذكر أنَّ روسيا أحرزت تقدمًا محدودًا بالفعل في سوق الخليج، فعلى سبيل المثال: باعت للبحرين أنظمة مضادة للدبابات في عام 2014، بعد تسليمها بنادق من طراز AK-103 بثلاث سنوات[22].

يعود الحديث عن إبرام صفقة أسلحة روسية كبرى مع السعوديين إلى عام 2012 على الأقل. وفي عام 2015، في أثناء معرض ماكس الدولي للطيران بالقرب من موسكو، وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير صواريخ إسكندر بأنَّها منتجٌ مثير للاهتمام[23]. وشملت المنتجات الأخرى المُدرجة في القائمة صواريخ كروز (من النوع المستخدم في الحملة الروسية في سوريا)، وأنظمة للدفاع الجوي. وجديرٌ بالذكر أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة المتحالفة مع السعودية تُجري مفاوضاتٍ خاصة مع شركة روستك الروسية لشراء طائراتٍ مقاتلة من طراز سوخوى سو-35، بالإضافة إلى مشروعات تصنيع مشتركة محتملة. ومن مصلحة المملكة العربية السعودية أن تعتمد على روسيا بصفتها مُورِّدًا بديلًا للأسلحة في الوقت الذي يشهد خضوع شركات غربية لرقابة مُشدَّدة بسبب الحرب المثيرة للجدل في اليمن[24]. لا شك أنَّ بيع أنظمة الأسلحة ذات الجودة العالية والسعر المرتفع يحمل العديد من المزايا لصناعة الأسلحة الروسية التي تعاني العديد من المشكلات، ولا سيما تقلُّص الميزانية العسكرية للاتحاد. فعلى سبيل المثال، عادةً ما يرتبط بيع الطائرات المقاتلة بعقود مُربحة للصيانة والتصليح.

حدود التعاون

حتى إذ كانت روسيا والمملكة العربية السعودية لا تزالان في وضع التقارب، فهناك العديد من العقبات التي ستُعيق تطوير علاقتهما. ولعل أبرزها هي علاقة روسيا مع إيران؛ إذ يجب على موسكو اختيار إمَّا الوقوف في صف الأسد واستراتيجية العاصمة الإيرانية طهران لاستعادة سوريا كُلِّها، وإمَّا الالتزام بالبحث عن حلٍ سياسي عبر الدبلوماسية متعددة الأطراف. وليس هناك مجال للمساومة إلا في السيناريو الثاني، الذي سترضخ فيه المملكة العربية السعودية لبقاء الأسد في السلطة مقابل التزام روسيا بكبح جماح إيران.

وفي الوقت الراهن، تتأرجح روسيا بين الاستراتيجيتين. إذ تُجري محادثاتٍ عن التهدئة مع السعوديين والأتراك، بينما تُقدِّم دعمًا كاملًا لعدوان قوات النظام في محافظة دير الزور. ويبدو أنَّ زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو – أحد المُقرَّبين من بوتين والمُشرف على الملف السوري – إلى العاصمة السورية دمشق في منتصف سبتمبر/أيلول قد عزَّزت اتفاقًا بالتقدُّم جهة الشرق. وتعمل القوات الروسية لمصلحة إيران[25]؛ إذ يستولي وكلاء إيران على المناطق التي يتم تطهيرها من تنظيم داعش، مما يؤمِّن جسرًا بريًا بين العاصمة العراقية بغداد ودمشق. وتبيَّن كذلك أنَّ الجنرال أسابوف المقتول كان مُعارًا إلى الفيلق الخامس في الجيش العربي السوري المكوَّن من متطوعين والمُجهَّز والمُدرَّب على أيدي الروس. أي بعبارةٍ أخرى، فإن روسيا كانت هي القائد الفعلي لنخبة قوات الأسد الرئيسة. ولا تزال هناك تساؤلاتٌ عمَّا إذا كان ذلك سيعزز سطوتها على إيران ونظام الأسد، أم سيُسلِّم الإيرانيين دفَّة القيادة. ويبدو أنَّ القيادة الإسرائيلية هي الوحيدة التي تعتقد أنَّ الاحتمال الثاني هو الأرجح. وجديرٌ بالذكر أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذهب إلى مدينة سوتشي الروسية لرؤية بوتين كي يُعرب عن قلقه إزاء تزايد الدور الإيراني في سوريا[26].

إذا أرادت المملكة العربية السعودية وروسيا إحراز تقدُّم، فستكون أمام إيران العديد من الفرص لإفساد ذلك. إذ أثبتت طهران بالفعل قدرتها على تقويض مبادراتٍ روسية. وهذه هي وجهة النظر التي فسَّر بها بعض المحللين في موسكو صفقةً لتبادل السكان بين بلداتٍ مُحاصَرة خاضعة لسيطرة المعارضة والنظام بوساطةٍ من جانب إيران وقطر في شهر أبريل/نيسان. إذ جاء تبادل السكان بمثابة تذكرةٍ من طهران بهوية المُسيطر الفعلي على الأسد. فعلى الورق، تدعم إيران مناطق التهدئة التي حددتها روسيا، ولكن من الصعوبة رؤية مدى عُمق الالتزام الإيراني بفكرة مناطق التهدئة[27]. لكنَّ الإيرانيين كذلك في وضعٍ يُمكِّنهم من إحباط التقارب الروسي السعودي حتى قبل بدايته. فإذا اضطرت موسكو إلى الاختيار بين طهران والرياض، فإنها ستُفضِّل طهران. وكما أكَّد الخبيران الروسيان ليونيد إيسايف ونيكولاي كوزانوف فإنَّه: “بينما توجد العديد من القضايا الخلافية بين روسيا وإيران، توجد كذلك عدة مصالح مشتركة بينهما في سوريا والعراق وأفغانستان، تتمثل في طرق النقل البحري في منطقة أوراسيا، والوضع في منطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، وأسواق النفط والغاز كذلك”[28].

لكنَّ ذلك ليس سهلًا كذلك في ما يتعلق بمبيعات الأسلحة؛ لأنَّ السعودية لديها شروطها. إذ يُذكَر أنَّها في الماضي القريب رهنت شراء أسلحةٍ روسية بتراجع موسكو عن تسليم صواريخ أرض جو من طراز إس-300 لإيران (إذ تسلَّمت إيران أربع بطاريات صاروخية من طراز إس-300 بي إم يو 2 في المدة بين شهري أبريل/نيسان ويوليو/تموز عام 2016، مع أنَّها تعاقدت عليها في الأصل في عام 2007). والآن، ستطلب الرياض على الأرجح نقل التكنولوجيا أيضًا في إطار صفقةٍ محتملة للحصول على أنظمةٍ صاروخية من طراز إس-400[29]. وتشمل صفقة الأسلحة الحالية إنتاج بنادق هجومية من طراز ايه كيه-103 محليًا، ونظام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات من طراز كورنت-إي إم، وقاذفة الصواريخ المتعددة المتطورة من طراز توس-1 ايه، وقاذفات قنابل يدوية أوتوماتيكية من طراز ايه جي إس-30، بما في ذلك قنابلها اليدوية. بيد أنَّ صواريخ إس-400 عالية التقنية تُمثِّل مسألةً مختلفة كما نعرف من المفاوضات الجارية بين روسيا وتركيا[30]. وكما قال ماكسيم سوتشكوف المُحرِّر الروسي في موقع المونيتور الإخباري: “يُصر الطرف الروسي على ضرورة تقليل عنصر “الإنتاج المحلي”، وقصر إنتاج المكونات الرئيسة على شركة الأسلحة الحكومية الروسية ألماز أنتي. ومع ذلك، فمن المنتظر أن تُناقَش التفاصيل الأساسية لكل اتفاق في جلسةٍ ثنائية بين الحكومتين الروسية والسعودية حول التعاون العسكري التقني في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول”[31]. وقد يُشكِّل إبرام المملكة العربية السعودية صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار مع الولايات المتحدة – من بينها 44 منصة إطلاق تابعة لمنظومة ثاد، و360 صاروخًا، بالإضافة إلى محطات لمكافحة الحرائق، وأجهزة رادار (بقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار) – حجرَ عثرةٍ أخطر.

المشهد العام

تكمن قوة روسيا الأساسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عدم تقيُّدها بتحالفٍ دائم مع أيّ من القوى الإقليمية الكبرى، وعدم وجود التزام ضروري بالنسبة إليها تجاه المنطقة. وهذا يُمكِّنها من العمل بدرجةٍ من المرونة والتوازن بين الأقطاب المتنافسة، وهو ما أثبته التحوُّل في العلاقات الروسية مع تركيا في صيف عام 2016، والتحوُّل الحالي الملحوظ في العلاقات مع السعوديين. وتكمن المشكلة في أنَّ الأطراف المحلية المتورطة بعمق في الصراع الدائر بسوريا قد تكتشف قريبًا أنَّ روسيا لديها مشكلة في الوفاء بوعودها. فأهميتها المتزايدة في المنطقة لا تعني قدرتها على أن تكون حَكَمًا في سوريا، ناهيك عن المنطقة ككل. وبالرغم من كل التشابهات بين العصر الحالي وعصر الحرب الباردة، فلا يمكن لروسيا أن تحل محل الولايات المتحدة وتؤدي دور الحَكَم في الخلافات الإقليمية. ومن أجل تحقيق فوائد من الشراكة الجديدة بين موسكو والرياض، فحريٌّ بالسعوديين تعديل توقعاتهم والتركيز على ما يُمكن تحقيقه على المدى القصير، فروسيا لا تزال بحاجةٍ إلى إيران، ولن تُفسد علاقتها بها بالتحوُّل إلى الرياض. وكما قال دبلوماسي روسي متقاعد: “السعوديون لديهم المال الذي يحتاج إليه الروس. لكنَّ السعوديين يحتاجون إلى الروس لوقف ما يعتبرونه ازديادًا لقوة إيران، وببساطة لا يستطيع الروس تحقيق ذلك”[32].

بشكلٍ رمزي، تعني هذه المبادرات الكثير لروسيا والمملكة العربية السعودية، لكنَّ الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية قد تكون بعيدة المنال. ففي عام 2015، أطلق صندوق الاستثمار المباشر الروسي خطةً للاستثمار الهادف إلى الربح بقيمة 10 مليارات دولار مع السعوديين. لكنَّ هذه الخطة لم تتحقق، تمامًا كما حدث في المفاوضات بشأن صفقة أسلحة كبرى.


 

الهوامش

[1] At the same time, the Soviet Union was the first state to establish relations with the Saudis, opening an embassy in Jeddah as early as 1926.  That was long before the famous meeting between President Franklin Delano Roosevelt and King Abdulaziz Ibn Saud in February 1945 which laid the foundations of a the US-Saudi alliance.  In the 1920s and 1930s, Bolsheviks viewed the Saudi family as a anti-imperialist force opposed to the pro-British Hashemites.  Joseph Stalin closed the Soviet Embassy in Saudi Arabia in 1938.

[2] Russia abstained during the vote on the UN Security Council Resolution 2216 (14 April 2015), which gives legitimacy to the intervention in Yemen.

[3]  Russian hackers to blame for sparking Qatar crisis, FBI inquiry finds, The Guardian, 7 June 2017

 <https://www.theguardian.com/world/2017/jun/07/russian-hackers-qatar-crisis-fbi-inquiry-saudi-arabia-uae>

[4] Abdallah visited Moscow as a crown prince in 2003.

[5] The visit was originally planned to take place in July, after the G20 summit in Hamburg, but was  postponed as the king cancelled his trip to  Europe.

[6] His rivals for the title, the presidents of Tatarstan, Bashkortostan and Ingushetia, were present too, eager to bolster their contacts with the Saudis. Max Suchkov, Russians, Saudis look for Ways to Spruce up Relationship Al Monitor, 6 October 2017.   <http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/10/saudi-arabia-king-salman-russia-visit-putin.html>

[7] Maria Dubovikova, A turning point in Saudi-Russian relations, Arab News, 4 October 2017

< http://www.arabnews.com/node/1172311/saudi-arabia>

[8] Prince Mohammed first came to Russia in June 2015 to attend the St Petersburg Economic Forum. His contacts with Putin became regular thereafter.

[9] Russia and Saudi Arabia Agree $3.5 Bln Arms Deal, The Moscow Times, 11 July 2017. <https://themoscowtimes.com/news/saudi-arabia-russia-arms-deal-58360>

[10] Russia Says It Has Agreed Safe Zone Mechanism With Syrian Rebels, RFE/RL, 22 July 2017 <https://www.rferl.org/a/russia-syria-rebels-safe-zone-mechanisms-ghouta/28632161.html>

[11] Leonid Isaev and Nikolay Kozhanov, The Russian-Saudi rapprochement and Iran, Al Jazeera Opinion, 24 August 2017. <http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2017/08/russian-saudi-rapprochement-iran-170817154056810.html>

[12] Qatar sovereign wealth fund plans another $2bn Russian investment, Financial Times, 25 January 2017.

<https://www.ft.com/content/86c658e8-401d-3582-815e-3e7dc4861c0d>

[13] Dmitry Zhdannikov,  Glencore sale of Rosneft stake earns rivals’ respect, bankers’ relief, Reuters, 12 September 2017.  <https://www.reuters.com/article/us-glencore-rosneft/glencore-sale-of-rosneft-stake-earns-rivals-respect-bankers-relief-idUSKCN1BN0HM>

[14] Matt Flegenheimer and David E. Sanger, Congress Reaches Deal on Russia Sanctions, Setting Up Tough Choice for Trump, New York Times, 22 July 2017.

 <https://www.nytimes.com/2017/07/22/us/politics/congress-sanctions-russia.html>

[15] Saudi king’s visit expected to strengthen ties with Russia, Financial Times, 4 October 2017. https://www.ft.com/content/7ceea568-a8e0-11e7-ab55-27219df83c97?mhq5j=e5

[16] Kirill Semenov, Saudis could seek Russian bailout in Yemen, Al Monitor, 7 October 2017. http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/10/saudi-arabia-bail-out-yemen-conflict-mediation.html

[17] Pavel K. Baev, Russia Tries to Conclude Its Syrian Venture, Eurasia Monitor Vol. 14, No. 121, Jamestown Foundation, https://jamestown.org/program/russia-tries-to-conclude-its-syrian-venture/

[18] Erin Cunningham and David Filipov, U.S. allies accuse Russia of strikes in eastern Syria, Washington Post, 25 September 2017. <https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/us-allies-accuse-russia-of-strikes-in-eastern-syria/2017/09/25/6bcbbab0-a1ff-11e7-b573-8ec86cdfe1ed_story.html?utm_term=.17ece65612df>

[19] Moscow blames ‘two-faced U.S. policy’ for Russian general’s Syria death: RIA, Reuters, 25 September 2017. <https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-russia-casualtie/moscow-blames-two-faced-u-s-policy-for-russian-generals-syria-death-ria-idUSKCN1C01W6>

[20] ISIS carries out attacks from US-controlled ‘black-hole’ area near Al-Tanf base – Russian MoD, RT, 6 October 2017. <https://www.rt.com/news/405844-isis-attacks-syria-tanf/>

[21] The Russian airforce is continuing to strike the Idlib area, after its military police unit were attacked on 21 September.  What’s Behind al-Nusra Front Attack on Russian Military Police in Idlib, Sputnik, 21 September 2017. <https://sputniknews.com/analysis/201709211057593928-idlib-attack-syria-us-russia/>

[22] Nikolay Kozhanov,  Arms Exports Add to Russia’s Tools of Influence in Middle East, Chatham House, 20 July 2016.  <https://www.chathamhouse.org/expert/comment/arms-exports-add-russia-s-tools-influence-middle-east>

[23] Matthew Bodner,  Top Three Arms Deals Expected At Upcoming MAKS Air Show, Moscow Times, 19 August 2015 <https://themoscowtimes.com/articles/top-three-arms-deals-expected-at-upcoming-maks-air-show-49057>

[24] One should keep in mind the fact that Saudi subsidies are already paying for Russian arms, courtesy of the $3.5 bn deal struck by Egypt’s Abdel Fatah al-Sisi and Putin.

[25] Vladimir Frolov,  Two Years on, the Stakes of Russia’s War in Syria Are Piling (Op-ed), The Moscow Times, 29 September 2017.< https://themoscowtimes.com/articles/two-years-on-the-stakes-of-russias-war-in-syria-are-piling-59112>

[26] Marianna Belenkaya, Israel takes stock of Putin’s pull with Iran, Al Monitor, 28 August 2017.  <http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/08/israel-takes-stock-putin-russia-iran-balance-power-syria.html>

[27] Anton Mardasov,  Why was deal to evacuate Syrian towns brokered by Qatar and Iran?  Al Monitor, 7 April 2017. <http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/04/iran-russia-qatar-conflict-syria-deal-turkey.html>

[28]  Issaev and Kozhanov, op. cit.

[29] Marianna Belenkaya, Pervyi korol’: zachem saudovskii monarh vpervye priekhal v Moskvu? Carnegie Moscow, 5 October 2017 <http://carnegie.ru/commentary/73305>

[30] Turkey could look elsewhere if Russia won’t share missile technology: minister, Reuters, 9 October 2017. <http://www.reuters.com/article/us-turkey-defence/turkey-could-look-elsewhere-if-russia-wont-share-missile-technology-minister-idUSKBN1CE1MP?il=0>

[31] Suchkov, op. cit.  t

[32] Quoted by Suchkov.

– هذا الموضوع مترجم عن منتدى الشرق. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.