كان من المتوقَّع أن يكون الموت المفاجئ للرئيس محمد مرسي – أول رئيس مدني منتخب في مصر بشكل ديمقراطي – محركًا كبيرًا للمِّ شمل المعارضة المنقسمة على نفسها؛ ولكن للأسف ازدادت الأمور سوءًا وتشتتًا، وقد تمكَّن النظام المصري من إجهاض أي جهدٍ للمعارضة سواء بالتهديد والتشويه، أو بالاعتقالات، أو بالقتل المباشر أو غير المباشر بالإهمال الطبي المتعمد للمعتقلين.

أزمة المعارضة المصرية

تشهد المعارضة المصرية في الخارج بكل أطيافها ضعفًا عامًّا أصاب مفاصلها وأعضاءها وشلَّ حركتها، ولم تعد قادرةً على أداء الدور المنوط بها، وتمثَّل ذلك في التالي:

أولًا: غياب الرؤية الجامعة التي يتوافق عليها الجميع، وكل من ينادي بإزاحة النظام الاستبدادي الذي جثم على صدر مصر، ويزداد مع الوقت كبرًا واستعلاءً، طالما أن الأمور تسير بالوتيرة نفسها.

ثانيًا: عدم الوعي بطبيعة التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، وفي القلب منها مصر؛ فنجد أن العديد من المعارضين منشغلٌ بقضايا فرعية، لا يمكن أن تفيد بشكلٍ من الأشكال في حلحلة نظامٍ مستبدٍّ؛ فلم يعد هناك من يُشخِّص الواقع، ولا من يستشرف المستقبل، بشكلٍ يتلاءم مع قدر وعِظم التحديات التي تواجه المنطقة.

ثالثًا: حالة التشهي إلى التفكُّك والانقسام؛ فقد بات ملحوظًا أنه حينما يتشكَّل تكتُّل أو مجموعة للتقارب فيما بينها، تجد من يخرج ليشتِّت الجهود ويصرف الأنظار إلى قضايا فرعية، وأمور هامشية، ناهيكم عن الاتهامات المتبادلة؛ فينقلب الأمر من السعي للتحرُّك نحو تجميع الجهود وتوحيدها إلى التخوين والاتهام بالعمالة.

أزمة قيادة أم أزمة رؤية؟

ذكر كلٌّ من Danny Cox, John Hoover في كتابهما (القيادة في الأزمات) (ص445-446) أهمَّ عشر صفاتٍ يجب أن تتوفَّر في القائد، وهي:

1- أن يكون منظمًا، ويعرف كيف يقوم بإيجاد أولوية ويعمل على تفعيلها.

2- عليه أن يُنشئ نمطًا من النمو لا يتوقَّف.

3- عليه أن يمتلك فهمًا جيدًا للأشخاص.

4 – أن يقوم بالترحيب بالأفكار، ووجهات النظر الجديدة.

5 – أن يكون لديه وعي قويٌّ بروح الفريق والجهد الجماعي المنظَّم.

6 – أن يكون منصفًا للآخرين، بالإضافة إلى احترامهم.

7- أن يمتلك ثقةً عاليةً بالنَّفْسِ وعطشًا للمعرفة بشكل فطريٍّ.

8- أن يكون ذا لياقةٍ جسدية وذهنية عالية.

9- أن يقدِّر التفكير الخلَّاق، ولا يخاف من الخوض في المجازفة.

10- أن يكون مستعدًّا للاعتراف بالخطأ، وأن يقوم بإحداث التغيير عند الحاجة.

من خلال النقاط العشر السابقة، نجد أن الأزمة الأساسية – في تقديري – تتمثَّل في نمط القيادة التي يجب أن يكون لها الدور الأكبر في المساهمة في حلِّ المشاكل، والاستفادة من الطاقات المتاحة، وتوظيفها بالشكل الأمثل. فإذا تواجدت القيادة التي تستطيع إدارة الأزمة، بشكلٍ صحيح، سيكون سهلًا عليها وضع الرؤية بالشكل الأفضل والأمثل، بما يتناغم مع طبيعة المرحلة، وحينما يرى الأتباع أو الأفراد أن تلك القيادة تبذل قصارى جهدها في حُسن توظيف كل الطاقات مع الرؤية الشاملة لمواجهة الأحداث، فأظن أن الأمور ستتغيَّر، وتتحوَّل المسألة من النقد الدائم للقيادة إلى دعمها والوقوف بجانبها.

نحو مشروع وطني للمعارضة المصرية في الخارج 

يبدو أن أزمة المعارضة المصرية أنها لا تعرف من أين تبدأ، أو ربما تعرف ولكنها لا تقدر على المواجهة الحقيقية، أو تتجاذبها الأيديولوجيات المختلفة، وأحيانًا الأهواء والمنافع الشخصية؛ ومن ثمَّ تكون النتيجة باهتةً، وغير مؤثرة. وعليه، أرى أن الواجبات التي تفرض نفسها في هذه المرحلة تتمثَّل في التالي:

أولًا: أولوية أن تتقارب الصفوف بشكل حقيقيٍّ؛ فمن الطبيعي أن تتواجد الاختلافات الفكرية الناتجة عن اختلاف الأيديولوجيات، ولكن عدم قدرة المعارضة المصرية على الاصطفاف برغم هذه الاختلافات، وعدم قدرتها على ترتيب الأوراق، والتركيز على الأهداف المشتركة – يعوقها عن التقدُّم.

ثانيًا: وضع رؤية شاملة لإنقاذ مصر، تتفق عليها كلُّ فصائل المعارضة المصرية في الداخل والخارج، بكل أشكالها، وعدم استثناء أحد؛ لأن غياب الرؤية المتكاملة التي تتعامل مع كل القضايا، وتكون مدروسةً بشكل جيد، سيؤدي إلى غياب القدرة على تغيير الواقع المحلي الداخلي، أو الواقع الإقليمي والدولي.

ثالثًا: الاستفادة الحقيقية من مراكز البحث المتخصِّصة في وضع تلك الرؤية؛ فللأسف معظم الكيانات والأفراد الذين يريدون إحداث التغيير يطرحون أفكارًا عامَّة، ويُعتمد فيها على ذوي الثقة بعيدًا عن عنصر الكفاءة المطلوبة، ومن ثمَّ وجب الاعتماد على المتخصِّصين في وضع الرؤية المناسبة.

رابعًا: الاستفادة الفاعلة من طاقات الشباب المُهدَرة، وحُسن توظيفها وتوجيهها؛ فالملاحظ أن قيادات المعارضة في الخارج لا تُحسن الاستفادة من أفكار الشباب وطاقاتهم بالشكل الأمثل، ومن ثمَّ نجد هذا البَوْنَ الشاسع في طريقة التفكير بين القيادة والشباب.

خامسًا: حُسن التعامل مع ملف المعتقلين على المستوى الإنساني والحقوقي والسياسي، لإيجاد سبيل لخروجهم، فإن الجهد المبذول من المعارضة في هذا الملف – على أهميته – دون المستوى، وأحيانًا تتعارض الجهود وتتقاطع، نتيجة للاختلافات البينية بين الكيانات، وعدم الاستعانة بالمختصين في هذا الشأن.

سادسًا: الاستفادة بالشكل الكافي من البرلمانيين الذين كانوا في برلمان 2012، والوزراء السابقين في حكومة الدكتور هشام قنديل في أثناء حكم الدكتور مرسي؛ وذلك عن طريق الارتقاء بهم من جانب، والاستفادة بحيثيتهم من جانبٍ آخر.

سابعًا: دراسة واقع الشعب المصري ووضع الحلول التي تجعله يتفاعل مع تلك المعارضة، فالمعارضة المصرية – في غالب الأحيان – تتحدَّث مع نفسها وأعضائها، ولا تهتمُّ بالقضايا التي تتلامس مع المواطن المصري، وخصوصًا القضايا الاقتصادية.

ثامنًا: التواصل مع المنظمات الدولية وممثلي الشعوب الأخرى بلغتها لا بلغتنا، واستنادًا إلى المصالح المشتركة؛ وهذه أزمة حقيقية، تحتاج إلى الاستعانة بذوي الاختصاص في التعامل مع المنظمات والهيئات والسياسيين في الغرب.

تاسعًا: التركيز الدائم على المشتركات وروح ثورة يناير، ونبذ كل الخلافات المُصطنعة؛ إذ إن من أسباب نجاح ثورة يناير أنها شملت الجميع دون استثناء، ولم تظهر خلالها الخلافات الشخصية أو الأيديولوجية.

عاشرًا: وضع رؤية إعلامية مشتركة بين القنوات ووسائل التواصل التي تمثِّل الثورة، تتناسب مع طبيعة المرحلة، مع الاستخدام الأمثل للإمكانيات المادية المتاحة، وترشيدها بما يصبُّ في المصلحة العامَّة، وذلك من خلال التنسيق المستمر والواعي لأهمية الإعلام المقاوم.