رحلة البحث عن حكومة مستقرة: التحديات التي تواجه رئيس الوزراء العراقي القادم بعد اغتيال سليماني

الخلاصة: دخل العراق عام 2020 بحكومة تصريف أعمالٍ يترأسها رئيس الوزراء المستقيل بعد أسابيع من الاحتجاجات التي تركَّزت في المناطق الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية وفي العاصمة بغداد. إلَّا أن اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وأبي مهدي المهندس قائد كتائب حزب الله في مطار بغداد في ساعة مبكِّرة من اليوم الثالث من يناير/ كانون الثاني، يبعث على التساؤل حول ما هو قادم في العراق. فقد استغرق الوصول إلى توافقٍ حول تشكيل الحكومة بعد انتخابات مايو/أيار 2018 عدَّة أشهر، وكما كان مُتوقعًا لم يتمكَّن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من الاستمرار لأكثر من سنة، فقد اضطر للاستقالة في ديسمبر/ كانون الأول 2019 بعد الاحتجاجات المنادية بتوفير الخدمات الأساسية ووضع حدٍّ للفساد وسيطرة القوى الأجنبية على البلاد. ورغم الوضع المُعقَّد الذي يدخل به العراق عام 2020، فإن هناك بعض الآمال في إجراء إصلاحٍ شاملٍ للنظام السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء. لكن بعد ذلك جاءت الهجمات الأمريكية على مواقع كتائب حزب الله، والهجمات على سفارة الولايات المتحدة في المنطقة الخضراء من قِبل الميليشيات الشيعية، وأخيرًا اغتيال قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ارتفعت احتمالية بقاء العراق كساحة صراعٍ بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2020.

بدأت الاحتجاجات العراقية في نهاية سبتمبر/ أيلول عام 2019، وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وكانت حكومة عبد المهدي قد حصلت على الثقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، لكن تشكيل الحكومة قد تباطأ في البرلمان لمدة 8 أشهر بعد ذلك. إذ كان يُنظر إلى اختيار عبد المهدي على أنه تسوية بعد انتخابات مايو/أيار 2018 التي أثارت مناقشاتٍ مطوَّلةً بين الجماعات السياسية المختلفة. وفي ذلك الوقت، توقَّع العديد من المعلِّقين السياسيين ألَّا تطول فترة ولايته لأكثر من عام؛ لأنه ليس لديه كتلة سياسية خاصَّة به في البرلمان، وقد ثبت بعد ذلك صحَّة تلك التوقعات. وقد فسَّر الكثيرون نتائج انتخابات عام 2018 بأنها دليلٌ على اليأس الذي تشعر به شرائح واسعة من المجتمع العراقي نتيجة للسياسات الطائفية، فقد تشكَّلت البيئة السياسية في عراق ما بعد عام 2003 بناءً على حساباتٍ طائفية وصفقاتٍ سياسية بين مختلف الجماعات، مما أدى إلى تأخُّر الحلول التي هو في أمسِّ الحاجة إليها. فقد أدت الاختلافات في الآراء بين مختلف الجهات الفاعلة المؤثرة في البلاد إلى انعدام الثقة في مؤسسات الدولة، وهو ما مهَّد الطريق لظهور كلٍّ من الميليشيات المسلَّحة والجماعات الإرهابية.

تولَّى رئيس الوزراء عبد المهدي المنصبَ في وقتٍ كانت فيه البلاد مدمرةً بسبب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحملة مكافحته، كما كانت البنية التحتية للبلاد تتطلَّب استثماراتٍ هائلةً لتوفير الخدمات الأساسية للشعب العراقي. وخلال حملة مكافحة داعش، قصفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات الأمن العراقية العديدَ من المدن، كما قامت قوات الحشد الشعبي المدعومة من الدولة العراقية بتطبيق إجراءاتٍ صارمة وقاسية في تلك المناطق.

يرى الكثيرون أن النظام السياسي في مرحلة ما بعد صدام حسين والقائم على الانقسامات الطائفية لم يأتِ بالاستقرار المنشود، ولم يحقِّق التمثيل السياسي، أو يوفِّر الخدمات الأساسية وما إلى ذلك؛ بل أصبحت الانقسامات الطائفية والعرقية والفساد المستشري وسوء الخدمات العامة والبطالة سماتٍ أساسيةً للمناخ السياسي في العراق في السنوات الأخيرة. وبدلًا من أن يصبح العراق دولةً ديمقراطيةً فاعلةً، شهد العراقيون مواجهاتٍ مستمرةً بين عشرات الجماعات المسلَّحة بالإضافة إلى نهب ثروات البلاد.