إدلب بين اتفاقيات الماضي واتفاق موسكو: مستقبل التصعيد والهدنة في إدلب

ملخص تنفيذي: تعرضت محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية المتصلة بمحافظة إدلب، أو ما بات يُسمَّى بمنطقة خفض التصعيد الرابعة، لخمس حملاتٍ بريَّة منذ اتفاق خفض التصعيد الذي توصلت إليه تركيا وروسيا وإيران ضمن الجولة الرابعة من مفاوضات أستانا. فقد شهدت المنطقة التي باتت معقل المعارضة السورية الأخير مع أواخر العام المنصرم، الحملة البريَّة الأعنف التي استطاعت من خلالها روسيا وميليشيات النظام وإيران تحقيق تقدُّم عسكريٍّ كبير سيطرت بموجبه على مناطق تتجاوز مساحتها ٢٢٠٠ كم، مما خلَّف موجات نزوح هي الأكبر؛ إذ قارب عدد النازحين فيها المليون نازح بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

 إلَّا أن المتغير الجديد في معادلة التصعيد العسكري في المنطقة كان دخول الجيش التركي الذي عزَّز قواته ووجوده في محافظة إدلب بشكلٍ ملحوظٍ على خطِّ المواجهة المباشرة مع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، إلى جانب الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، والتصعيد الدبلوماسي التركي، الذي ترافق مع سعيٍ حثيثٍ من أنقرة لدفع موسكو إلى عدم الوقوف إلى جانب النظام في تلك المواجهات، إلَّا أن تصميم روسيا على تغطية حملة النظام البريَّة ودعمها سياسيًّا وعسكريًّا من خلال الغطاء الجوي الفعَّال قد عزَّز مخاطر الانزلاق إلى حربٍ واسعةٍ تهدِّد السلم والأمن الدوليَّيْن.

إن وحشية الهجمات التي شنَّتها قوات التحالف الروسي، وأعداد النازحين الضخمة التي تزامنت مع ظروفٍ مناخية صعبة للغاية، وإعلان تركيا فتح حدودها أمام موجات اللاجئين باتجاه أوروبا، كل ذلك دقَّ ناقوس الخطر لدى الاتحاد الأوروبي، كما حفَّز اتساعُ الخلافِ التركيِّ الروسيِّ واشنطن على تكثيف تحركاتها.

شكَّل كلٌّ من صفقة الـ S400، والانزعاج الأمريكي داخل أروقة وزارة الدفاع الأمريكية بعد عملية نبع السلام، شكَّلَا عائقًا أمام موقفٍ حقيقيٍّ وفعَّال من قِبَل الناتو والإدارة الأمريكية في دعم أنقرة خلال عملياتها ضد النظام السوري، وفي الاستجابة للمطلب التركي بإرسال منظومات صواريخ باتريوت.

وكذلك أنتج كلٌّ من عجز فصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية عن وقف تقدُّم النظام بعد استنزافها وإنهاك قدراتها بفعل التدخل الروسي في عام ٢٠١٥ من جهة، والتباعد مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، أنتجا ضعفًا في الموقف التركي في مواجهة روسيا، وهو ما عزَّز عوامل تراجع أنقرة عن مطلبها في تراجع قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، وقبولها بتثبيت الأمر الواقع ضمن بروتوكول ملحق باتفاق سوتشي تمَّ التوصُّل إليه خلال قمَّة جمعت الرئيسَيْن التركي والروسي في موسكو في الخامس من مارس/آذار من العام الجاري.

تبدو التنظيمات الجهادية – وخصوصًا هيئة تحرير الشام، التي شكَّلت مبرِّر روسيا لاستمرار الهجمات على إدلب – غير راضيةٍ عن الاتفاق الأخير، إلَّا أن تركيا أظهرت عزمًا على إنجاح الاتفاق الأخير من خلال الحزم الذي أظهرته تجاه المعتصمين على الطريق الدولي M4 وفضِّها للاعتصام، كما أن استمرار إرسالها المزيد من التعزيزات العسكرية إلى إدلب يشير إلى استعداد تركيا للوقوف في وجه أي محاولةٍ لتخريب الاتفاق، سواء كانت من جهة النظام أو من جهة التنظيمات الجهادية.

ومع تعدُّد الاتفاقيات التي عُقدت لتحقيق وقفٍ لإطلاق النار في إدلب، ومع فشل كل تلك الاتفاقيات في تحقيقِ استقرارٍ حقيقيٍّ في المنطقة التي يعيش فيها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، يبرز السؤال عن مستقبل إدلب في ضوء مراكمة التفاهمات الروسية التركية دون الالتزام بها، ومتانة اتفاق موسكو وقابليته للاستمرار في ظل المشهد الدولي المعقَّد، ونقاط الضعف المشتركة بين كل اتفاقيات الهدنة السابقة والاتفاق الأخير.

تستعرض هذه الدراسة اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار حول محافظة إدلب، وأبرز محطاتها، وعوامل انهيارها وأسباب هذا الانهيار، وَفق تسلسل زمنيٍّ للاتفاقيات ومراحل التصعيد العسكري، كما تستعرض مواقف الفاعلين وأدوارهم في هذه الاتفاقيات، وتأثير تشابك المصالح وتقاطعها بينهم في تلك الاتفاقيات، والاحتمالات التي تنتظرها إدلب بعد اتفاق موسكو.