الموقف المصري من الحرب على غزة

جاء الموقف المصري بشأن الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة([i]) التي اندلعت في 10 مايو/ أيار 2021 لافتًا ليس بمضمونه فحسب، ولكن بسياقاته واستجاباته أيضًا. وقد أثَّر الخطاب المصري والسياسات الداعمة له في العديد من الدوائر الدولية والإقليمية وكذلك المحلية في ظل اتصافه بسماتٍ مغايرةٍ([ii]) عن سلوكه تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص، منذ وصوله إلى السلطة عام 2014م، وخاصةً خلال الحرب الإسرائيلية على غزة  في عامه الأول، ناهيك عن المقارنة بما فعله النظام المصري إبَّان حكم الرئيس السابق محمد مرسي خلال عدوان 2012م. وقد كشف الخطاب السياسي المصري حول الحرب الأخيرة -الذي تصاعد تدريجيًّا بروافده الدبلوماسية والشعبية والإعلامية([iii]) والدينية([iv])- عن حالة نموذجية من التأثير في المستويين الدولي الإقليمي، وقدَّم دليلًا عمليًّا على كيف يمكن لمصر أن تكون فاعلةً في محيطها الإقليمي. وفي الوقت نفسِه، رصد العديد من المُحللين مناحي وجوانب للموقف المصري في استغلال القضية الفلسطينية لمعالجة ملفاتٍ بعينها في علاقاتها مع الأطراف الدولية، أو على المستوى الداخلي على اعتبار أن واحدًا من تفسيرات الموقف المصري أن هذا التحرك بهذه الكيفية كان يحول دون عودة السياسة للشارع المصري من جديد([v])، وامتدَّت مسطرة التفسيرات بما في ذلك بروز أصوات تحذّر حركة حماس من أن الموقف المصري قد يكون مخلبًا لتصفية سلاح المقاومة، ومن ثَمَّ نسعى لمحاولة الإجابة عن السؤال الرئيس حول الموقف المصري: هل تغيَّر؟ وكيف تمَّ التعاطي معه دوليًّا وإقليميًّا ومحليًّا؟

 تغيُّر موقف النظام المصري من الحرب على غزة

أثار الموقف المصري من الحرب على غزة 2021([vi]) اهتمامَ كثيرٍ من المراقبين والمحللين، خاصةً أنه منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013/2014 بلغ التعاون الأمني ​​بين القاهرة وإسرائيل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة في العديد من الملفات الأمنية والاقتصادية ([vii])، بالإضافة إلى أن مصر في خضمِّ أزمة تتمثَّل في عدم توقيع اتفاق مناسب مع أثيوبيا بشأن سد النهضة حتى الآن. كما يمكن القول إن مصر قد التقطت خيط التشجيع الأمريكي([viii]) للقيام بدور([ix])، وتعزيز ثقة الولايات المتحدة فيها باعتبارها لاعبًا إقليميًّا قويًّا في المستقبل([x])، بعد ما بدا من أن الإدارة الجديدة -ومنذ ما قبل الفوز في الانتخابات- تتبنَّى نهجًا جديدًا يختلف عمَّا كانت عليه العلاقات المصرية الأمريكية خلال رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب، وأنها تؤسس لقواعد جديدة بينهما، ولن تعطي مصر “شيكًا على بياض”([xi])، ناهيك عن ملف التطبيع وما يتردَّد عن محاولات الإمارات إزاحة مصر وخَلْق واقعٍ جديدٍ بوجود وكلاء عرب آخرين لدى إسرائيل، بعد أن كانت مصر هي الوسيط السياسي الوحيد في المنطقة بين تل أبيب وباقي الدول العربية التي لا تلتزم معها باتفاقيات سلام([xii])، ولكن مع نجاحها في رعاية اتفاق وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين أعادت مصر تأكيد نفسها بوصفها وسيطًا/ مفاوضًا لا غنى عنه في الشرق الأوسط([xiii]).

  وفي التأكيد على أن اختلاف الموقف المصري من الحرب على غزة بين عامي 2014 و2021، يمكن الإشارة إلى “مدَّة الحرب” و”عدد الضحايا” و”موقف حركة حماس من التدخل المصري” بوصفها مؤشراتٍ ذات دلالة. فقد استمرت الحرب الأخيرة 11 يومًا، في حين أن حرب 2014 قد استمرت 51 يومًا ([xiv])، وأدت إلى مقتل 2322 فلسطينيًّا، بينهم 578 طفلًا (1شهر-16 عامًا)، و489 امرأةً (20-40 عامًا)، و102 مُسِن (50-80 عامًا)، وفق إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية([xv])، في حين أن الحرب الأخيرة قد أسفرت عن 288 شهيدًا، بينهم 69 طفلًا و40 سيدة و17 مُسِنًّا. وقد نال الموقف المصري الرسمي من  الحرب على غزة عام 2014 الكثير من النقد، ويمكن القول إن صورة مصر ودورها قد اهتزت إقليميًّا ودوليًّا، كما وصل الأمر من الدوائر المؤيدة لحركة حماس إلى حد توجيه الاتهام للحكومة المصرية بالمشاركة في حصار القطاع، وفي لعب دور الوسيط، بغيةَ إضعاف وربما القضاء على حركة حماس إن أمكن، وذلك بوصفها جناحًا من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين([xvi]). وقد دعم ذلك الإعلام المصري الذي توافق خطابه مع الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، كما أن الخطاب الرسمي المصري قد اكتفى بانتقاد الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة، وكأن إسرائيل إذا ما استخدمت مستوًى أقلَّ من العنف فإنه قد يكون أمرًا مقبولًا من الجانب المصري، الأمر الذي دفع حركة حماس إلى رفض مبادرة مصر لوقف إطلاق النار آنذاك، وفوَّضت قطر وتركيا لتمثيلها في اجتماع عُقد بباريس بهدف التوصل لتهدئة، شاركت فيه الولايات المتحدة وعدَّة قوى غربية أخرى، وغابت عنه مصر وإسرائيل([xvii]). في حين أن موقف حركة حماس من التدخل المصري في الحرب الرابعة مختلف تمامًا، حيث تتابعت الوفود المخابراتية المصرية في أثناء الحرب، وتُوّجت جهودها بزيارة لافتة لرئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، كما أن التعاطي الإعلامي المصري قد اختلف، وصولًا إلى بثِّ الفضائية المصرية الرسمية برنامجها الصباحي الرئيس من غزة.