ملخص :عند تقييم التطورات السياسية التي تلت انقلاب الثالث من تموز/ يوليو في مصر، يجب الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الجديدة للانقلابات في فترة ما بعد الحرب الباردة، هذه الانقلابات الجماعية التي تنفذها شبكة كاملة، ويشارك فيها عدد من المدنيين من عدة قطاعات مختلفة. ولكن هذا الانقلاب الأخير  قضى على كل احتمالات التزام الجيش بالانسحاب من الحياة السياسية في مصر.

وبدون انسحاب هذه الشبكة التي نفذت هذا الانقلاب، وهو ما يشكل مهمة صعبة جدا، فإن النظام المصري سيتحول إلى نسخة طبق الأصل من نظام عانت منه تركيا في الماضي، لأنه سيؤسس نظام “ديمقراطية الوصاية على الشعب”. أما بالنسبة للوقت الراهن فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيكون مطالبا بالسير بكل حذر فوق حبل رقيق من الحسابات المعقدة، للاستجابة لانتظارات ثلاثة أطراف: وهي القوى الخارجية التي تضغط لفرض الانفتاح الاقتصادي والليبرالية، ومؤسسة الجيش المصري، والمواطنون المصريون.

ولكن المشكل هو أن المنطق الذي يحرك الانقلابات دائما هو تسييس كل شيء، وعدم السماح بتحقق الاستقرار، والإصابة بجنون الارتياب وانعدام الثقة، وهو ما يعني الفشل في الاستجابة لكل هذه الانتظارات.

مقدمة:

 في الحقيقة لم يبقى الكثير لنقوله حول الجيش المصري وتورطه في السياسة، ولكن رغم ذلك يمكن أن نحاول النظر في بعض إمكانات حصول قطيعة مع الممارسات القديمة، وبالتالي النظر إلى المستقبل. يجب أولا أن نقول أنه منذ تموز/ يوليو 2013، تم وضع مخطط دقيق ومعقد لإنعاش الدولة المصرية، وبالتالي المساعدة على تقوية النظام الجديد الذي تم تركيزه بعد الانقلاب، فالولايات المتحدة، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، استعملت نفس ترسانة المساعدات التقليدية لإنعاش النظام العسكري الذي يحكم مصر منذ  انقلاب الثالث من تموز/يوليو. هذه الترسانة التي صممت لمساعدة الأنظمة الدكتاتورية، والتي تمثل موروثا تقليديا منذ الحرب الباردة، تتضمن تسمية هذا الحدث الدموي “استعادة للديمقراطية” عوض تسميته بالانقلاب، واستئناف المساعدات الاقتصادية والعسكرية، مع تقديم الدعم الديبلوماسي من خلال تبادل الزيارات الرسمية، والسماح لمنفذي الانقلاب الدموي بالظهور والتحدث في المحافل الدولية، على غرار اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبالتوازي مع ذلك يتم تقديم الدعم الإعلامي عبر نشر المغالطات والترويج لفكرة وجود “انقلابات جيدة وأخرى سيئة”، وهو ما يذكر بدور الجيوش في الشرق الأوسط وكيف تم السعي لإضفاء الشرعية على تدخل الجيش في السلطة خلال سنوات الخمسينات والستينات، من خلال نشر ادعاءات بأن العسكر بتدخلهم في الحياة السياسية يقومون بتطوير بلدانهم.

ولكن في نفس الوقت لم يكن هذا الدعم الخارجي لمصر دون ثمن، فقد تم قطع الكثير من الدعم عن المواد والسلع الأساسية، والزيادة في الضرائب، وفي المقابل تم توسيع قناة السويس، ووضع مخططات لإسكان الفقراء، ووضع برامج لافتتاح مصانع جديدة، وتوفير خدمة الانترنت في قطارات الأنفاق في مصر. كما تم تمرير بعض القوانين التي تهدف إلى تحديد دور القطاع العام، وتحقيق الانفتاح الاقتصادي وخلق مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية، في بلد الثمانين مليون ساكن. والمفاجئ هنا هو أن هذه الأشياء التي لم يكن من الممكن تحقيقها في عهد مبارك وزمرته، فجأة بدأ العمل عليها شيئا فشيئا مع هذا النظام الجديد، الذي يعتمد كليا على الدعم الخارجي.

هذا النظام العسكري يسعى جاهدا لتحقيق الانتظارات الدولية والإقليمية المرجوة في المجال الاقتصادي، لأن هذا هو المقابل الذي يجب أن يدفعه في مقابل الدعم الحيوي والمصيري الذي يتلقاه من قبل هذه الجهات، وهو يسعى في نفس الوقت لتحقيق الحد الأدنى من مطالب المواطن المصري، لكي ينجح في تعزيز حكمه السلطوي على الصعيد الداخلي.

هنالك نقطة محورية وذات أهمية كبرى ستطرح على المدى المتوسط، تتمثل في كيفية تطور العلاقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والجيش، فالرؤساء المصريون، رغم أنهم خرجوا كلهم من أروقة الجيش، كانوا دائما حذرين من تدخل مؤسسة الجيش في مؤسسات الدولة، وذلك منذ ثورة الضباط الأحرار في سنة 1952. ورغم أن هؤلاء الرؤساء ساندوا وشجعوا الجيش على الانخراط في النسيج الاقتصادي وفي دواليب الدولة لضمان دعمه في المقابل، فإن دور هذه المؤسسة لم يكن ثابتا، حيث تقلص وتمدد بين فترة وأخرى حسب الظروف.

ولكن الجيش بقي دائما قوة سياسية يحسب لها حساب رغم كل شيء. منذ عبد الحكيم عامر خلال فترة حكم عبد الناصر، والجنرال محمد فوزي خلال حكم أنور السادات، ثم عبد الحليم أبو غزالة خلال حكم مبارك، لم يواجه الرؤساء المصريون خصوما ينازعونهم على سلطتهم إلا من داخل ثكنات الجيش.

وفي هذا الصراع بين الرؤساء والجنرالات، انتهى الأمر بالجنرال عامر إلى الانتحار. وعندما قام السادات بإبعاد الجنرال أحمد بدوي، وهو واحد من الوزراء السبعة الذين تقلدوا حقيبة الدفاع خلال سنوات حكمه، لم يكن هنالك تفسير آخر لهذا القرار سوى خوف السادات من نفوذ وسطوة هذا الرجل الذي كان يتمتع بجاذبية كبيرة. وبعد إبعاد غزالة، الذي كان بصدد كسب شعبية متزايدة في صفوف الجيش والمجتمع، شعر مبارك بأنه وصل إلى بر الأمان مع المشير طنطاوي. ولكن على حال تبدو العلاقة بين الجنرال السيسي ومؤسسة الجيش (ومؤسسة الشرطة أيضا) سلسة إلى حد الآن. فالجيش منخرط بشكل كبير في الوقت الحالي في جهود إنجاح حكومة السيسي، ولكن سنرى في المستقبل ما إذا كانت العلاقة بين الطرفين ستشهد انقسامات، وما إذا كان الرئيس السيسي سينسج على منوال الرؤساء السابقين ويعتبر أن التهديد الوحيد لسلطته يأتي من الجيش، وبالتالي سيتوجب عليه البقاء يقظا حياله.

الجيش ممثل ذكي:

الضباط يحسنون القيام بالحسابات، ويتميزون بقدر كبير من الانفتاح، والمرونة في التعامل مع الظروف المستجدة، والقدرة على نسج تحالفات جديدة، والاعتماد على أساليب ملتوية لتحقيق أهدافهم. وهذا أمر لا بد منه بالنسبة للجيوش التي تتدخل في السياسة، لأن تنفيذ الانقلابات العسكرية هو عمل خطير قد يؤدي إلى الموت في حال الفشل، ولهذا فإن الجيوش أصبحت ذكية بما يكفي، لتعرف أن ذلك الأسلوب الكلاسيكي الذي كان معتمدا خلال الحرب الباردة، أصبح شيئا من الماضي. إذ لم يعد من الممكن إرسال ضابط واحد إلى مقر التلفزيون الحكومي أو الراديو، لقراءة خطاب باسم الجيش، وهذا بالضبط ما قاله المشير غزالة، عندما كثر الحديث عن “فرصته للانقضاض على السلطة في عهد مبارك خلال أحداث الأمن المركزي في 1986”.

هنالك الآن طريقة مختلفة وأكثر فاعلية، تتمثل في استعمال غطاء مدني، لتنفيذ انقلاب عسكري في القرن 21. إذ لم يعد كافيا أن يتحرك الجيش بمبادرة فردية منه ثم يتوقع الحصول على الدعم من المتفرجين المدنيين، فهؤلاء الفاعلون المدنيون وجب استعمالهم لإضفاء مسحة ديمقراطية أو واجهة جميلة لتزيين كل ردهات عملية الانقلاب، وهو ما أشار إليه أحد المعلقين بالقول: “هذا الانقلاب الذي حصل في مصر في الثالث من تموز/ يوليو، لم يكن انقلابا كلاسيكيا كما حصل في سنة 1952، لأنه لم يتم تنفيذه في كنف السرية، والجيش لم يكن لوحده من قرر القيام بهذا الانقلاب، كما أن العسكر لم يحتلوا السلطة مباشرة بعد انقلابهم على تيار الإخوان المسلمين. يمكن اعتبار أن سياسات الإخوان المسلمين ساعدت الجيش على تنفيذ انقلابه، بما أن القوى المدنية والدينية كانت منجذبة أكثر نحو الجيش”.

وكما يعلم الجميع، فإن الجيش المصري تصرف في لحظة تنفيذ الانقلاب بنفس الأسلوب التقليدي القديم، حيث قام بتسيير الدبابات في الشوارع، وتم سفك الكثير من الدماء ومحاصرة المباني الحكومية، ثم ظهر زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي على التلفاز لإعلان انقلابه، وهذه تمثل جميع أركان الانقلابات التقليدية.

ولكن هذه التمثيلية خرجت عن المألوف هذه المرة، بما أن السيسي عوض مرسي وتيار الإخوان المسلمين بحكومة انتقالية، وحرص على تلقي الإطراء من قبل شيخ الأزهر، المؤسسة التي تتمتع بوزن هام في العالم الإسلامي السني، وبابا الأقباط، ومحمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام وقائد التيار الليبرالي في مصر، وبعض النشطاء الشباب الذين ساهموا في إسقاط دكتاتورية حسني مبارك التي كان يدعمها الجيش في سنة 2011.

يعني هذا أنه من الضروري جدا أن نقوم بمتابعة الشبكة الداعمة للانقلاب، المتكونة مراكز الدراسات والمنظمات غير الحكومية والصحفيين، الذي يتلقون الأموال من الجيش، والتساؤل عن اللقاءات الشخصية التي دارت بين الجنرالات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والقادة الدينيين.

الارتباط الأمريكي الثابت:

 من المستبعد أن يحدث انقلاب، بما في ذلك الانقلابات التي قام بها ضباط صغار على غرار ما حصل في تركيا في 1960 واليونان 1967، دون علم مسبق من الولايات المتحدة، نظرا لوجود علاقات فردية بين الجيش الأمريكي وجيوش هذه الدول، وهي علاقات يتم تأسيسها بشكل مخطط له خلال برامج التدريب المشترك، على غرار برنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي “أيمات” (IMET).

إن برامج التدريب والتعليم العسكري الأمريكية تم تصميمها خصيصا لكي تسمح بربط علاقات مع جيوش الدول الأخرى، وبين موظفي البنتاغون ونظرائهم، وهو ما قال عنه السفير الأمريكي في مصر (1983 – 1986) “نك فيليوتس” :”إن الجنود الشبان الذين يأتون إلى هنا (إلى الولايات المتحدة) من دول أخرى للتدريب يحبون هذا الأمر، وعناصر جيشنا يبذلون كل جهدهم للتودد إليهم بطريقة لا يقدر عليها الموظفون الحكوميون، من خلال إظهار الاحترام وربط علاقات صداقة، والترحيب بهؤلاء الضباط الأجانب وإدماجهم. وحتى عندما يسافر الضباط الأمريكيون إلى ما وراء البحار، فإنهم يتصرفون بطريقة جيدة، ويظهرون احتراما كبيرا وانتباها لنظرائهم من الدول الأخرى، وهذا لا ينتج عنه بشكل مباشرة تبعية للولايات المتحدة واستعداد لخدمتها، ولكنه على الأقل يمكن من ربط علاقات صداقة وتعاون. وهو ما يمكن الأمريكيين من الحصول على المعلومات والتنبؤ بوجود مؤامرات انقلابية، ما يعني هذه البرامج تلغي أي إمكانية لنجاح ضابط غير معروف في تنفيذ انقلاب”.

هذه العلاقات بين الجيشين، التي تواصل العمل عليها منذ معاهدة كامب ديفيد، تتصف بالصلابة والاستمرارية. وبينما يسمح التدريب بربط علاقات اجتماعية بين ضباط الجيش وضباط آخرين من الدول الصديقة للغرب، وتبني القيم والمبادئ الغربية على المستوى الفردي، فإن هذه العلاقات يمكن رؤيتها بشكل أوضح على المستوى الإقليمي والدولي، إذ أن الدعم العسكري المتواصل والسخي، يخلق حالة تبعية للهبات والمساعدات العسكرية الأمريكية، وهو بالتالي يجعل فك الارتباط بين الطرفين مؤلما ومكلفا بالنسبة للدولة التابعة، وهو ما عبر عنه السفير الأمريكي السابق في مصر “فرانك ويسنر” (1986 – 1991) بقوله: “إذا كنت تريد إنهاء الاعتماد المصري على المعدات العسكرية السوفيتية، فعليك ربط الجيش وجعله شريكا استراتيجيا”. وقد جاء انقلاب الثالث من تموز/ يوليو؛ ليؤشر على مزيد تعميق علاقة التبعية بين الولايات المتحدة ومصر، ويظهر أيضا كإحدى مظاهر هذه التبعية.

فك الارتباط مستبعد:

إن تاريخ الجيش والسياسة في مصر يكذب نظرية فك الارتباط أو الانسحاب من الحياة السياسية، الذي نجده في بعض أدبيات الدول الأخرى. إن حقيقة قيام الجيوش المسيسة بتكوين شبكات دعم استراتيجي في صفوف المدنيين، من أجل تنفيذ انقلابات عسكرية، يعني أن فك الارتباط لن يحصل إلا إذا قامت هذه الشبكة برمّتها بالانسحاب، وهو أمر مستبعد جدا. والفضائح الداخلية المدوية، على غرار فضائح الفساد، لا تعطي الفرصة لدفع الجيش للتراجع في مصر، فهذه الجيوش المسيسة لا تخجل من نفسها إلا عندما تخسر حربا. والناس لم يتعودوا على مساءلة الجيش إلا عند تلقي هزائم عسكرية. وقد حصل ذلك بعد النكسات التي سببتها أخطاء الجيش على غرار هزيمة 67 ضد إسرائيل، عندما شاهد الناس البسطاء فجأة أن هذه الجندي المصري لا يمتلك حتى الزي العسكري والقدرة القتالية،.

وخلاصة هذه المعاينات واضحة، وهي:

أ- نظرا لأن المنطقة لا يمكنها أن تقدم الكثير من الإلهام والأمل بالتغيير، أو المساعدة على بناء قدرات محلية لإرساء ديمقراطية حقيقة، ونظرا لأن الولايات المتحدة وأوروبا سيواصلان الشعور بالصراع الدائر بين العلمانية والديمقراطية، فإن الرغبة والمطالبة بالتغيير ستأتي مرة أخرى من الداخل.

ب – الضغط للمطالبة بالتعددية السياسية لن يأتي إلا عندما تفهم الولايات المتحدة وأوروبا أن إضعاف النفوذ السياسي للمؤسسات العسكرية في مصر والجزائر وبقية الدول هو في مصلحتها، يجب عليها أن تفهم أن الانقلاب العسكري والإرهاب وعدم الاستقرار هي كلها أشياء مترابطة فيما بينها، داخل دائرة من الفعل ورد الفعل. وأن دعم الانقلاب العسكري وما نجم عنه من إرساء لحكم عسكري تحت ذريعة مواجهة تنظيم داعش الدموي، هو أمر متناقض. إذ أن الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري الذي تقدمه هذه القوى الخارجية لنظام استبدادي،  هو ما يزيد من تفاقم ظاهرة التشدد الديني، الذي يدعي هذا النظام الدكتاتوري والقوى الدولية محاربته.

بالنسبة للقوى الخارجية المؤثرة، بدء بالولايات المتحدة، ومن أجل اعتماد خطوات إصلاحية، يجب التوقف عن تقديم ذرائع قديمة وغير منطقية لتبرير الدعم الذي تقدمه لهذا النظام بعد الانقلاب. إذ أن الادعاء بأن الدعم الذي تلى الانقلاب العسكري سيمكن هذه القوى الخارجية من ممارسة ضغط سياسي إيجابي على الحكومة العسكرية لاستعادة الديمقراطية هو محض مغالطة، ويجب التخلي عن هذا الخطاب التضليلي لأنه أكل عليه الدهر وشرب ولم يعد مناسبا لهذا العصر. ذات مرة قال “روبرت كيلي”، وهو سفير أمريكي سابق في اليونان: “إن الدعم الذي نقدمه للعسكر بعد الانقلاب سينظر إليه على أنه سكوت على انقضاضهم على السلطة، إن ما نعتقد نحن أنه ممارسة ضغوط إيجابية على هذه الحكومة سيظهر بالنسبة لليونانيين على أنه تواطئ معها”.

وعندما تمت إثارة مسألة استئناف تقديم الدعم لجنرالات الجيش اليوناني على إثر انقلاب 1967، قال مستشار سياسي في السفارة الأمريكية في ذلك الوقت :”لا تفعلوا هذا وأنتم تتوهمون بأنكم من خلال هذا القرار ستشجعون الديمقراطية، إن هذا ببساطة اعتقاد خاطئ”.

إن تجربة سنوات من الدعم العسكري للانقلابات، تخبرنا بأن مساعدة الحكومات العسكرية سيجعل الأجهزة الأمنية تتورط أكثر فأكثر في الحياة السياسية، واليوم لا يوجد أي مبرر يسمح لنا بالافتراض بأن القوى الدولية غير واعية بهذا الأمر.

وتحت تأثير نفس الظروف القاسية التي تلت انقضاض الجنرال أيوب خان على السلطة في باكستان قبل 60 سنة، كتب المستشار في السفارة الأمريكية في الهند، فريديريك بارلت، الذي أصبح لاحقا مدير مكتب شؤون جنوب آسيا التابع لوزارة الخارجية، رسالة للسفارة الأمريكية في الهند، قال فيها :”لقد بدا لي من خلال هذا الانقلاب أن هنالك دولة أخرى، وهي دولة لطالما كانت صديقا جيدا للولايات المتحدة، تم فيها إخماد أنوار القيم الديمقراطية. لقد تم التنازل عن إيماننا بالديمقراطية كأسلوب حياة للبشرية، من أجل الاستجابة لمقتضيات الواقع والمحافظة على مصالحنا المتعلقة بالأمن القومي. ولكن رغم ذلك فقد أقنعت نفسي بأنه على المدى الطويل، ستكون معركتنا من أجل كسب عقول الناس خاسرة، إذا لم نقدم لهم ما يقنعهم بشكل صريح بالقيم التي انبنت عليها وثيقة إعلان الاستقلال والدستور الأمريكي. إن الإيمان بأهمية الاستقرار ليس دعوة لأخذ أرواح الناس، أو إلزامهم بالتضحية بأنفسهم إذا لزم الأمر”.

سيكون من المؤسف أن نعثر بعد ثلاثين سنة من الوقت الحالي في أرشيف الولايات المتحدة على مراسلات مماثلة لهذه، مؤرخة بتاريخ 2013، تتمحور حول الانقلاب العسكري في مصر، تم تبادلها بين دبلوماسيين أمريكيين. ولكن بلا شك مع حلول ذلك الوقت، ستكون القيم الأمريكية قد فقدت بريقها بالنسبة لشعوب هذه المنطقة.

انتهى