مقدمة

على مدار عقود طويلة، وبالتحديد منذ استقلال الجزائر في عام 1962، استخدمت فرنسا كل الوسائل الممكنة: الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، العلنية والسرية، الشرعية والمحرمة، لدمج حوالي 14 دولة إفريقية في إمبراطوريتها النيوكولونيالية التي أسمتها “إفريقيا الفرنسية” “Françafrique” ، والتي شملت منطقة شاسعة تغطي ربع مساحة إفريقيا وتمتد لحوالي 3000 ميل: من السنغال على ساحل المحيط الأطلسي إلى التشاد في وسط القارة[i].

وكان يحلو للفرنسيين التأكيد دائمًا على أن إفريقيا الفرنسية تمتعت لفترة طويلة بسلام نسبي في حين أن باقي دول القارة عانت وتعاني في كثير من الأحيان من الحروب والانقلابات وعدم الاستقرار المزمن. لكن الحقيقة أن هذا الاستقرار المزعوم لم يكن من غير ثمن. فقد كانت فرنسا تُرسل قواتها لقمع أي تحرك شعبي واغتيال المعارضين؛ وكانت تحمي الفساد المستشري، والحكم الاستبدادي الراسخ، والاستغلال الاقتصادي العميق. وهذا الواقع هو الذي فتح الباب أمام تصاعد الغضب الشعبي والتمرد العسكري في هذه البلدان ضد الوجود الفرنسي. ونحن نشهد اليوم كيف أنه في أقل من عامين، تحوّل الانسحاب المفاجئ للقوات الفرنسية من بعض الدول الإفريقية إلى ما يشبه الانسحاب الكامل من معظم أنحاء القارة.  فقد تخلت فرنسا عن قواعدها في مالي (أغسطس 2022) تاركة للروس عبء مواجهة الجهاديين[ii]، وذلك في أعقاب الإعلان عن نهاية عملية “برخان”[iii] . وحوَّلت فرنسا مركز عملياتها في منطقة الساحل[iv] إلى النيجر. وأبقت باريس على حوالى ثلاثة آلاف جندي في منطقة الساحل ، حسبما أعلنت رئاسة الأركان الفرنسية، موضحة أن هؤلاء “سيؤدون مهامهم من قواعد موجودة في النيجر وتشاد”، فيما أكد المتحدث باسم رئاسة الأركان أن انسحاب “العسكريين الفرنسيين ضمن عملية برخان في مالي لا يمثل نهاية” هذه المهمة العسكرية[v]. وفي ديسمبر 2022  غادرت القوات الفرنسية جمهورية إفريقيا الوسطى (بعد 62 عامًا من وجودها هناك) بعد أن قررت باريس أن الحكومة المحلية هناك “متواطئة في حملة مناهضة لفرنسا يُزعم أنها تقودها روسيا”[vi]. وفي 19  فبراير 2023، قامت الحكومة العسكرية الجديدة في بوركينا فاسو بطرد القوات الفرنسية وأشادت “بشراكتها الاستراتيجية” الجديدة مع روسيا[vii]. وفي 24 سبتمبر 2023 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سحب سفيره في نيامي وإنهاء مهمة القوات العسكرية الفرنسية في النيجر، مكرسًا بذلك القطيعة الكاملة بين النيجر وفرنسا. وأعلن المجلس العسكري الحاكم أن “القوى الإمبريالية والاستعمارية الجديدة لم تعد موضع ترحيب على أراضينا الوطنية”[viii].  وفي 28 يناير، 2024م، أعلنت كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، مبررة الانسحاب بالعقوبات “غير الإنسانية” التي فرضتها مجموعة إيكواس عليها نتيجة الانقلابات التي حدثت في بلدانهم. وشددت المجالس العسكرية المعنية، في بيان مشترك، على قرارها السيادي بالخروج الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لأنها “ابتعدت عن المثل التأسيسية للمنظمة والوحدة الإفريقية بعد ما يقرب من 50 عامًا من التأسيس”.[ix]

وفي 28 نوفمبر 2024 قال الرئيس السنغالي الجديد باسيرو ديو ماي فاي إن بلادة عازمة على إغلاق كل القواعد العسكرية للجيش الفرنسي في السنغال، لأن وجود قوات فرنسية في البلاد يتعارض مع مبدأ «السيادة الكاملة» للدولة. وفي ذات اليوم أعلن وزير الخارجية التشادي عبد الله كلام، أن بلاده أنهت «كافة اتفاقيات الأمن والدفاع» مع فرنسا[x]. وفي 20 ديسمبر 2024 طالبت السلطات التشادية الحكومة الفرنسية بسحب جميع قواتها الموجودة على أراضيها بحلول 31 يناير/ كانون الثاني 2025.[xi]

وهكذا فإن الأراضي الممتدة من حدود السودان الغربية إلى المحيط الأطلسي أصبحت خالية من أي قواعد عسكرية فرنسية بعد تواجد استمر منذ العام 1659.

1- هل حقًا ولّى زمن إفريقيا الفرنسية؟

هذا على الأقل ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون في الغابون في 2 مارس 2023: “لقد ولى زمن إفريقيا الفرنسية وأصبحت فرنسا اليوم محاورًا حياديًا في القارة”.[xii]  ولم تكن هذه المرة الأولى التي يصرح فيها ماكرون بهذا الموقف. ففي خطابه في بوركينا فاسو في 28 نوفمبر 2017 بعد ستة أشهر على انتخابه رئيسًا أعلن ماكرون أنه “ينتمي إلى جيل لم يعرف إفريقيا كقارة مستعمرة…ولا يريد هذا الجيل أن يفرض على إفريقيا ما يراه مناسبًا لها… نعم لم يعد ثمة سياسة إفريقية لفرنسا”[xiii].

وقبله كان الرئيس فرنسوا هولاند يعلن في 12 أكتوبر 2012 في السنغال، بعد خمسة أشهر على انتخابه: “أن زمن ما كان يسمى إفريقيا الفرنسية قد ولى…هناك فرنسا وهناك إفريقيا وهناك شراكة بينهما وعلاقات قائمة على الاحترام والشفافية والتضامن”[xiv].

وقبل ذلك أيضًا، كان الوزير الاشتراكي جان ماري بوكيل وزير الدولة لشؤون التعاون الفرنكفوني أيام الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي قال في حديث مع صحيفة لوموند إنه يريد “توقيع شهادة وفاة إفريقيا الفرنسية وكل متعلقاتها”. ولكن هذا التصريح كلفه إقالته من وزارته وتعيينه في حقيبة الدفاع والمحاربين القدامى في 18 مارس 2008. وقيل يومها إن الرئيس عمر بونغو طلب رأسه من الرئيس الفرنسي[xv].

كما أن الرئيس فرانسوا ميتران سبق له أن أعلن في 20 يونيو  1990، أمام 37 من رؤساء الدول والحكومات المجتمعين في القمة الإفريقية الفرنسية في مدينة لابول بفرنسا: “لا تعتزم فرنسا التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية الصديقة. لقد ولى هذا النوع الخفي من الاستعمار الذي تقوم فيه فرنسا بمحاولة تنظيم تغييرات سياسية داخلية بالتآمر وغيره”[xvi].

وكانت جريدة لوموند قد استعادت في عددها الصادر بتاريخ 13 فبراير 2007 الخطاب التاريخي لجاك شيراك أمام القمة الفرنسية الإفريقية في الكاميرون في 18 يناير 2001 حين قال: ” لقد استنزفنا إفريقيا ومصصنا دمها لمدة أربعة قرون ونصف القرن، ثم نهبنا موادها الأولية، وقلنا إن الأفارقة لا يحسنون شيئًا…وباسم الدين دمرنا ثقافاتهم… ونأتي اليوم بأناقة أكبر لكي نسرق أدمغتهم بواسطة المنح الدراسية… ثم نكتشف أن إفريقيا المسكينة هذه لست على ما يرام وأنها لا تنتج نخبًا صالحة… نعم بعد أن اثرينا على حسابها نأتي لنعطيها دروسًا”.[xvii]

وبما أننا نذكر ونتذكر الرئيس شيراك، يجدر بنا العودة إلى خطابه أمام القمة الإفريقية الفرنسية في مدينة كان الفرنسية في فبراير 2007 حيث قال أمام رؤساء وقادة 48 دولة إفريقية: “أنا أحب إفريقيا، أحب أراضيها وشعوبها وثقافاتها…لا يجوز للمجتمع الدولي أن يغمض عيونه عن أزمات إفريقيا وجراحاتها وهي تتعرض من جديد للنهب والتهميش والإفقار والعزلة”[xviii]…  وفي مقابلة له مع الصحافة بعد تركه الحكم قال جاك شيراك:  “لا تنسوا شيئًا واحدًا، وهو أن قسمًا كبيرًا من الأموال التي لدينا تأتي، على وجه التحديد، من استغلال إفريقيا على مر القرون، لذلك نحن بحاجة إلى قدر قليل من الحس السليم، لا أقول الكرم، وإنما الحس السليم والعدالة كي نعيد إلى الأفارقة ما أخذناه منهم، وهذا ضروري إذا أردنا تجنب الاضطرابات والصعوبات الشديدة، مع كل العواقب السياسية التي سيجلبها ذلك في المستقبل القريب”[xix]

أخيرًا، هذا القيل والقال حول الوجود الفرنسي في إفريقيا تسبب بشيء من التصعيد اليساري. ففي مقال صدر في جريدة ليبراسيون يوم 28 فبراير 2024 بعنوان “حان الوقت لرحيل الجيش الفرنسي من إفريقيا”[xx] دعت مجموعة من المنظمات والشخصيات الفرنسية إلى وضع “أجندة انسحاب عسكري كامل”. وأضاف موقعو المقال/البيان: “نقول للجيش الفرنسي في إفريقيا إن الوقت قد حان للمغادرة، وحان الوقت لتفكيك القواعد العسكرية الفرنسية بكل بساطة، وإنهاء العمليات الخارجية، ووقف التعاون العسكري مع الأنظمة الاستبدادية”. ومن بين الموقعين تبرز أسماء بوريس بلازي المسؤول عن القضايا الدولية في المكتب الفدرالي للاتحاد العام للشغل، وجيروم بونار السكرتير الوطني لنقابة “متحدون”، وبينوا تيست الأمين العام للاتحاد الفدرالي الاشتراكي، وسيلفي كولاس السكرتير الوطني لاتحاد الفلاحين، وأريان أنيموياني Ariane Anemoyannis المتحدثة باسم “القبضة المرفوعة”، وعدد آخر من الشخصيات.

فهل فعلًا بدأ سقوط إفريقيا الفرنسية وأذن زمنها بالانتهاء؟ وما هي الآثار المتوقعة على المستوى الجيوسياسي، والاقتصادي والاجتماعي الثقافي، الفرنسي والإفريقي كما العالمي؟ ولكن قبل هذا كله لنتذكر أنه كان هناك في زمن مضى إمبراطورية استعمارية فرنسية مترامية الأطراف… فما هي قصتها؟

2- الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في إفريقيا

الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية هي جميع المستعمرات والمحميات والأقاليم التي خضعت للاستعمار المباشر أو الانتداب أو الحماية أو الوصاية، تحت سلطة فرنسا وإدارتها[xxi].  ومن القرن السادس عشر إلى القرن السابع عشر، كانت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية الأولى تعتبر ثاني أكبر إمبراطورية في العالم في ذلك الوقت بعد الإمبراطورية الإسبانية. ثم، وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حلت الإمبراطورية البريطانية محل الإسبانية، وظلت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية ثاني أكبر إمبراطورية استعمارية في العالم بعد بريطانيا. وكانت فرنسا قد أنشأت مستعمرات لها في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي والهند، بعد النجاحات الإسبانية والبرتغالية خلال عصر الاكتشافات، ودائمًا في تنافس مع بريطانيا. لكن سلسلة من الحروب الفرنسية مع بريطانيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، خسرتها فرنسا في آخر المطاف، كادت أن تنهي طموحاتها الاستعمارية ، وتُعلن نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية.  وحين خسرت فرنسا مستعمراتها ونفوذها في الأمريكتين والهند، كان التفكير بإعادة بناء إمبراطورية استعمارية جديدة في إفريقيا وجنوب شرق آسيا لتعويض ما خسرته.

ثمة فترتين رئيسيتين في عمر الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية ، الفاصل بينها هو حرب السنوات السبع 1756- 1773[xxii]، ثم الثورة الفرنسية الكبرى 1789 والعهد النابليوني (1799-1815). في هذه الأحداث خسرت فرنسا عمليًا كامل مشروعها الاستعماري الأول.

* الإمبراطورية الاستعمارية الأولى، تشكلت في القرن السادس عشر، وشملت أراضي أمريكا الشمالية وبعض الجزر في الأنتيل والماسكارين Mascareignes وفي الهند وإفريقيا. أسفرت حرب السنوات السبع عن خسارة جزء كبير من الأراضي الاستعمارية الفرنسية لصالح بريطانيا العظمى. لكن الإمبراطورية الاستعمارية نجت واستمرت على الرغم من ذلك لا بل وشهدت بعض الازدهار بفضل صادرات جزر الأنتيل – الهند الغربية (سان دومينغو، المارتينيك، الغوادلوب) من القهوة والسكر بين عام 1763 ونهاية ثمانينيات القرن الثامن عشر، لكنها انهارت فجأة إلى حد الانقراض بعد العصر النابليوني (بيع لويزيانا).

* الإمبراطورية الاستعمارية الثانية، تأسست منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وتشكلت بشكل أساسي من البلاد الإفريقية التي احتلتها فرنسا انطلاقًا من مراكزها التجارية القديمة في القارة السوداء، وشملت أيضًا الهند الصينية والمشرق وأوقيانوسيا (بولينيزيا الفرنسية وكاليدونيا الجديدة وهبريدس الجديدة). كانت هذه الإمبراطورية الاستعمارية الثانية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ثاني أكبر إمبراطورية في العالم، بعد الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية من حيث المساحة؛ وكانت ذروتها في أعوام 1919 – 1939. وكانت هذه الإمبراطورية ، وبالأخص في ظل النظام الجمهوري، تقوم على فكرة المهمة الحضارية لفرنسا في العالم (تمدين العالم البربري). أما في ظل النظام القديم، فكان التحويل إلى الكاثوليكية مبرر الاستعمار.

* اليوم، ما بقي من هذه الإمبراطورية الاستعمارية الشاسعة يسمى “فرنسا ما وراء البحار[xxiii]: دزينة من أراضي الجزر في المحيط الأطلسي، وجزر الأنتيل، والمحيط الهندي، وجنوب المحيط الهادئ، وقبالة سواحل القارة القطبية الجنوبية، وكذلك غويانا على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، بمساحة إجمالية قدرها 119.394 كيلومتر مربع، أو بالكاد 1% من مساحة الإمبراطورية الاستعمارية في ذروتها بين الحربين العالميتين.  لكن هذه الأراضي الخارجية تسمح لفرنسا أن يكون لديها ثاني أكبر منطقة اقتصادية خالصة (EEZ) في العالم، حيث تغطي 10,186,526 كيلومتر مربع من المحيطات، بعد الولايات المتحدة.

التراث اللغوي والثقافي للإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية هو الفرانكوفونية السائدة في المستعمرات الفرنسية السابقة، حيث لا تزال أربعة عشر منها تستخدم الفرنسية كلغة رسمية أو رسمية مشتركة، وسبعة عشر منها (إضافة إلى المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا) تستخدم التهجئة الفرنسية لأسمائها الجغرافية.

وأخيرًا، فإن الإرث الاقتصادي والنقدي والدبلوماسي والعسكري للعلاقات الاستعمارية السابقة هو العلاقة الخاصة وغير المتكافئة مع فرنسا حتى لو لم يكن هذا النوع من العلاقات خاصًا بالإمبراطورية الفرنسية السابقة ولكنه هنا حمل تسمية محددة هي إفريقيا الفرنسية.

3- إفريقيا الفرنسية

ومصطلح إفريقيا الفرنسية “Françafrique”، يُشير إلى تلك العلاقة الاستعمارية الجديدة (نيوكولونيالية)، بين فرنسا والمستعمرات السابقة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على المستويات الاقتصادية والنقدية والدبلوماسية والعسكرية. استُخدم هذا المصطلح في البداية من قبل المثقفين الفرنسيين للدفاع عن فكرة أن القوة الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية يجب أن تعتمد على شكل متجدد من إمبراطوريتها الاستعمارية في إفريقيا[xxiv]، ثم أصبح هذا المصطلح فيما بعد مفهومًا يُستخدم في التحليل النقدي للسياسة الفرنسية في القارة[xxv].

وعلى العكس من العديد من الروايات التي تنسب التأليف إلى عبارة “فرنسا-إفريقيا” التي استخدمها الرئيس الإيفواري فيليكس هوفويت بوانيي[xxvi]، فقد استخدم المصطلح في الواقع لأول مرة الصحفي الفرنسي جان بيوت Jean Piot في صحيفة L’Aurore في 6 يونيو 1945 ، حيث قدم فكرة “تماسك الكتلة الفرنسية الإفريقية” باعتباره أمرًا أساسيًا للقوة الفرنسية. ثم  اقترح في 15 أغسطس 1945 إنشاء نظام مماثل لكومنولث المملكة المتحدة مع مستعمراتها السابقة، واقترح تسميته بـ “Françafrique”. ويشير الصحفي توماس ديلتومب، الذي كشف هذه المسألة في كتابه “الإمبراطورية التي لا تريد أن تموت” [xxvii] ، إلى أبوة مشتركة للمصطلح بين جان بيوت والنائب الفرنسي جاك باردو الذي دافع لأول مرة في صحيفة l’Événement   20 نوفمبر 1954، ثم في مناسبات أخرى عن “فرنسا-إفريقيا” باعتبارها جزءًا مهمًا من القوة الفرنسية.  وحين قامت مجموعة النفط الفرنسية Elf Aquitaine بتوسيع نفوذها إلى جزء كبير من إفريقيا السوداء، استعيد هذا المصطلح واستخدم بمعنى ازدرائي[xxviii]. أصبحت فرنسا إفريقيا بعد ذلك مرادفًا للفضائح المالية، مع عمر بونغو، في دولة الغابون النفطية الصغيرة، ثم بعد ذلك في بلدان أخرى[xxix].

واستُخدم هذا المصطلح بشكل خاص في مجلة Billets d’Afrique et d’ailleurs الصادرة عن جمعية Survie منذ عام 1994، وخصوصًا في كتاب صدر في العام 1998 لفرانسوا كزافييه فيرشاف  François-Xavier Verschave، الذي أدار الجمعية من عام 1995 إلى عام 2005، عنوانه: “إفريقيا الفرنسية أطول فضيحة  للجمهورية”[xxx]، وذلك كمفهوم للتحليل النقدي للنظام الذي وضعته الدولة الفرنسية للحفاظ على سيطرتها على مستعمراتها السابقة. في هذا الكتاب، يصف فيرشاف نظامًا يدعم الديكتاتوريات والانقلابات والاغتيالات السياسية ولكن أيضًا الاختلاس والتمويل غير القانوني للأحزاب السياسية. وتعني فرنسا-إفريقيا وفقًا له “فرنسا مقابل المال”، و”نظامًا سياسيًا ماليًا غامضًا ومربحًا”[xxxi]، و”دبلوماسية ظل بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية السابقة” “نشأت بشكل غير رسمي في أعقاب عمليات إنهاء الاستعمار”[xxxii].

 

لقراءة كامل الورقة البحثية يرجى تنزيل ملف الـ PDF