دشن الاحتلال الإسرائيلي محوراً رابعاً في قطاع غزة هو محور “ماجين عوز” أو ما يعرف “بالشجاعة” وهو محور يفصل شرق مدينة خان يونس عن غربها بعد ثلاثة محاور دشنها على مدار فترة حرب الإبادة  بعد 7 أكتوبر 2023.

ويترافق الإعلان الإسرائيلي الرسمي لجيش الاحتلال عن هذا المحور مع استمرار مساعي الوسطاء الوصول إلى صفقة تبادل جديدة توقف الحرب على غزة، وتدشن لمرحلة جديدة في الشريط الساحلي قطاع غزة.

وتشكل المحاور الموجودة سابقاً بالأساس حجر عثرة في تقدم هذه المفاوضات والمساعي الرامية لإنهاء الحرب في ظل التمسك الإسرائيلي بهذه المحاور وعدم الانسحاب منها لفرض السيطرة الأمنية على القطاع مستقبلاً.

وبحسب الجيش الإسرائيلي فإنه يسيطر حالياً على ما نسبته ٧٥٪ من مساحة قطاع غزة سواء بالسيطرة النارية والعمليات الجوية والتثبيت الناري أو عبر التوغل البري وإقامة مناطق عازلة يحظر على الفلسطينيين الوصول لها.

وبالتزامن مع المحور الجديد فإن هناك ثلاثة محاور تقضم مساحات واسعة من غزة هي محور نتساريم وسط القطاع ومحور فيلادلفيا على الحدود مع مصر ومحور موراغ الذي يبتلع مدينة رفح جنوبي القطاع.

ما هو محور “الشجاعة” أو “ماجين عوز” وماذا يختلف عن غيره؟

من خلال عمليات الجيش الإسرائيلي فإن العمل على تدشين هذا المحور بدأ مطلع يونيو/حزيران الماضي، ويقضم هذا المحور المستحدث كل من بلدات عبسان الكبيرة، عبسان الصغيرة، بني سهيلا، خزاعة، الزنّة، الفخاري، معن، القرارة، السطر الشرقي، السطر الغربي، حي النصر، حي المنارة، جورت اللوت ومناطق أخرى واقعة شرق مدينة خان يونس

تبلغ مساحة المحور 66 إلى 68 كم² تقريبًا، ويشكّّل ما نسبته حوالي 18% من إجمالي مساحة قطاع غزة (365 كم² تقريبًا)، وهي نسبة مرتفعة للغاية تعادل مساحة مدينة رفح التي يسيطر الاحتلال الإسرائيلي كلياً عليها.

ويبدو السلوك الإسرائيلي في تدشين هذا المحور مرتبط بما يعرف بالمدينة الإنسانية في رفح  أو مدينة الخيام إذ يسعى من خلالها لتوسيع الرقعة الجغرافية بما يمكنه من نقل أكبر عدد ممكن من السكان.

ومشروع مدينة الخيام هي خطة مثيرة للجدل أُطلق عليها اسم “المدينة الإنسانية”، لكنها توصف بأنها أقرب إلى “غيتو”، مما يعيد إلى الأذهان أسوأ فصول التاريخ خلال الحرب العالمية الثانية، وهو تصور طرحه وزير الحرب يسرائيل كاتس ويحظى بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تعتزم إسرائيل إقامة معسكر خيام ضخم على أنقاض مدينة رفح المدمرة بالكامل في جنوب القطاع.

ويهدف هذا المعسكر إلى تجميع مئات الآلاف من النازحين واللاجئين الفلسطينيين الذين شُرّدوا جراء القصف، بحيث يحصلوا داخله على الغذاء وربما الدواء، وهما سلعتان نادرتان في غزة، لكن لن يُسمح لهم بمغادرته أو العودة إلى مناطقهم الأصلية في القطاع.

أما المحاور التي دشنها الاحتلال الإسرائيلي طوال فترة حرب الإبادة فهي موزعة كالتالي:
– محور نتساريم: وهو أول المحاور التي دشنها الجيش الإسرائيلي وهو بالأساس الطريق 749 هو حاجز سابق أنشأه سلاح المهندسين التابع للجيش الإسرائيلي لتسهيل وصوله إلى أهدافه العسكرية ويقسم قطاع غزة إلى قسمين شمالي وجنوبي. سمي بنتساريم نسبة إلى المستوطنة الإسرائيلية التي كانت في هذا الموقع قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.

انسحب جزء من القوات الإسرائيلية من الحاجز في 27 يناير ثم سحبت كل القوات في 9 فبراير بموجب هدنة 2025 ومن وقتها يعبره العديد من أهل غزة للعودة إلى منازلهم في الشمال، لكن جيش الإحتلال عاد ليحتل المحور في 19 مارس.

يمتد حاجز نتساريم من الحدود الإسرائيلية مع غزة إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قطاع غزة ويقسم أراضي القطاع إذ يفصل 14 كيلومترا من مدينة غزة الواقعة شمال القطاع عن 27 كيلومترا من الأراضي الواقعة وسط وجنوب القطاع. يبلغ طول الحاجز قرابة 6.5 كيلومترًا، أي ما يعادل نحو 4 أميال.

  • محور فلادليفيا: هو محور يربط قطاع غزة بمصر ويطلق عليه فلسطينياً اسم “صلاح الدين” وهو شريط حدودي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، يمتد بطول 14.5 كيلومتر من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم على الأراضي الفلسطينية بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، إذ يعدّ المحور منطقة عازلة بموجب اتفاقية كامب ديفيد الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.

وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 2005 تم توقيع اتفاق فيلادلفيا بين إسرائيل ومصر الذي تعدّه إسرائيل ملحقاً أمنياً لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها، عندما سحبت إسرائيل قواتها في إطار خطة فك الارتباط مع قطاع غزة. 

ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدر تلك القوات بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، ومهمتهم تتمحور في مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.

في شهر مايو 2024 سيطر الاحتلال الإسرائيلي على هذا المحور ورفض الانسحاب منه خلال صفقة يناير 2025، وأصر على البقاء فيه ليبقى القطاع معزولاً عن العالم الخارجي خصوصاً مع تواجد الاحتلال في المحور الذي يتواجد فيه معبر رفح.

  • محور موراغ: يقع ممر “موراغ” على أراضي جنوب قطاع غزة بين مدينتي رفح وخان يونس، ويمتد من البحر الأبيض المتوسط غربا حتى الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948 شرقا، ويبلغ طول المحور 12 كيلومترا.

شكّل محور “موراغ” -الذي يعرف فلسطينيا باسم “ممر صوفا”- منطقة إستراتيجية مهمة للاحتلال الإسرائيلي، مكّنته من التحكم بمدينتي خان يونس ورفح، ومراقبة تحركات سكانهما، واستخدامه نقطة انطلاق للتوغلات العسكرية في بلدات جنوب القطاع قبل انسحابه عام 2005.

تمكنت قوات الاحتلال من السيطرة على المحور بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدء عملية واسعة في مدينة رفح جنوب القطاع، وذلك بعد استئناف العدوان على غزة في 18 مارس/آذار 2025.

الأهداف العملياتية والأمنية:

تسعى إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية الراهنة إلى تقسيم مدينة خانيونس إلى شطرين عبر إنشاء محور عسكري يمتد عرضياً داخل المدينة، ويهدف هذا المحور إلى تحقيق فصل ميداني واضح بين جزئي المدينة، على النحو التالي:

أصبح شبه خالٍ من السكان بفعل عمليات التهجير القسري، ويخضع لسيطرة إسرائيلية شبه كاملة. وتصفه المصادر الإسرائيلية بأنه منطقة مطهّرة من حماس، في وضع مشابه لما فُرض على مدينة رفح جنوباً، والجزء الغربي من خانيونس الذي لا يزال يشهد اشتباكات مسلحة ووجوداً فاعلاً لفصائل المقاومة الفلسطينية. 

ويسعى الاحتلال عملياتياً إلى إنشاء “جيوب أمنية” خالية من المقاومة إذ يعتبر تدشين هكذا محور محاولة لفرض واقع ميداني جديد عبر عزل المساحات التي تنشط فيها المقاومة، وتحويل أجزاء واسعة من الأراضي إلى أحزمة آمنة خاضعة لسيطرة مباشرة، وتتيح هذه الجيوب لإسرائيل إمكانية استخدامها لاحقاً كقواعد تمركز عسكرية أو كمناطق عازلة تقلص قدرة المقاومة على المناورة والاختفاء وسط الكتلة السكانية.

وتسهم مثل هذه المحاور في تقطيع أوصال المناطق وبالتالي تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي لعمليات نسف وتدمير تطال كامل البنية التحتية بما يشمل البنية التحتية العسكرية من خلال الوصول لبعض الأنفاق التابعة للمقاومة الفلسطينية.

وبالنظرة العسكرية والأمنية لا يشكل هذا المحور خطة عسكرية أو تكتيكية فقط بل يندرج في سياق إعادة هندسة الجغرافيا والديموغرافية السكانية لأهالي غزة عبر السعي لإعادة تشكيل الخارطة الميدانية وإضعاف المقاومة وتحييد الكتلة السكانية ونقلها إلى مناطق بعيدة عن السيطرة العملياتية للجيش وتوسيع نطاق السيطرة الميدانية دون الاضطرار إلى السيطرة الكاملة على القطاع بأسره.

الأبعاد السياسية: لا يمكن فصل تدشين المحاور الداخلية عن الخطط الإسرائيلية سواء مشروع مدينة الخيام في رفح ونقل 600 ألف نسمة أو حتى العودة للحرب فيما لو تم الوصول إلى أي اتفاق مرحلي لوقف إطلاق النار.

علاوة على ذلك فإن هناك مقاربة إسرائيلية أوسع لإدارة الصراع عبر أدوات عسكرية وجغرافية وسياسية، تتيح لها الاحتفاظ بأوراق قوة استراتيجية في أي تسوية مستقبلية مع حركة فصائل المقاومة.

ومن شأن مثل هذه المحاور أن يتيح للاحتلال الإسرائيلي طرح الانسحابات في إطار مقايضات متعلقة بالسلاح وبشكل اليوم التالي للحرب في غزة وطبيعة إدارة غزة مستقبلاً في ظل المطالب الإسرائيلية بعدم حكم حركة حماس لغزة ومغادرة قادتها السياسيين والعسكريين.

علاوة على ذلك فإن هذه المحاور بالطريقة الحالية من شأنها أن تشجع الاحتلال الاستمرار في التلويح بورقة التهجير التي يسعى الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو لتنفيذه بالرغم من عدم وجود استعداد دولي لاستقبال الفلسطينيين.

غير أن أحد السيناريوهات الواردة أن المساعي التي يريد الاحتلال الاحتفاظ بها هي سهولة ومرونة العمل في المستقبل داخل القطاع من خلال طرق ومحاور سريعة العمل تمكنه من التعامل مع أي حدث في ظل الدمار الواسع الذي يلحق بهذه المناطق.

لكن خلاصة الأمر تبدو أن هذه المحاور تنحصر ما بين مشهدين الأول مشهد احتلال القطاع بالكامل فيما لو أقدم الاحتلال على هذه الخطوة وهي لا تلقى استحسان المستوى العسكري والمستوى الآخر هي محاور مؤقتة للعمل العسكري إلى حين انتهاء الحرب الحالية أو والوصول إلى اتفاق.