المقدمة:

سقط أخيرًا نظام الاستبداد الذي استمر 61 عامًا في سوريا. على اثره، تحاول المعارضة السورية تمهيد الطريق لعملية انتقال سياسي سلس. كما أن الدول الإقليمية لن تقف مكتوفة الأيدي في المرحلة الجديدة. فقد بدأت بعض الدول الإقليمية بالفعل في الانخراط في محادثات سياسية مع هيئة تحرير الشام وحلفائها من خلال دائرة الشؤون السياسية للحكومة الجديدة في البلاد. وحتى الآن، عُقدت اجتماعات مع سفراء العراق والبحرين وعمان ومصر والإمارات والأردن والسعودية وإيطاليا. كما تم الإعلان عن قرب افتتاح السفارة القطرية في دمشق.

يمكن القول بثقة إن إيران (ووكلاءها) كانت أكبر الخاسرين إلى جانب نظام الأسد المخلوع بعد الهجوم الكاسح الذي قادته هيئة تحرير الشام والمعارضة السورية المدعومة من تركيا، والذي بدأ في 27 نوفمبر وانتهى في 8 ديسمبر. إلى جانب تقلص نفوذ روسيا في البلاد، إلا أنها لا تزال في وضع أفضل مقارنة بإيران.

في ظل بيئة تتسارع فيها التطورات، من الضروري استعراض وفهم مواقف اللاعبين المحليين (السوريين) والإقليميين والدوليين لمحاولة التنبؤ بما قد يحدث مستقبلا.

المستوى المحلي:

بعد الثورة، انقسمت سوريا فعليًا بين محورين رئيسيين: قوى المعارضة (الإدارة الجديدة في دمشق) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). تُسيطر الحكومة المؤقتة الجديدة على حوالي 70% من البلاد، بينما تُسيطر قسد على حوالي 30%، في حين تم طرد قسد من مناطق غرب الفرات (تل رفعت ومنبج) من خلال “عملية فجر الحرية” التي قادها الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. بالإضافة إلى ذلك، انسحبت قسد من الضفة الغربية لدير الزور بعد أن انتفض السكان المحليون العرب ضدها. من المرجح أن تشهد مناطق شرق سوريا ذات الغالبية العربية انتفاضات جديدة مستقبلا، مما قد يؤدي إلى تقلص مناطق سيطرة قسد. علاوة على ذلك يبدو أن اشتباكات جديدة بين قوات الجيش الوطني السوري وقسد باتت وشيكة. حيث انشق جناح من “مجلس دير الزور العسكري” التابع لقسد وانضم إلى التحالف الداعم لهيئة تحرير الشام. مع ذلك، تسعى قسد للتواصل مع دمشق من أجل التوصل إلى اتفاق مع هيئة تحرير الشام. ومن خلال قرارها رفع راية الثورة، تحاول قسد تحقيق مصالحة مع الهيئة في عهد ما بعد نظام الأسد.

من جهة أخرى، تم تعيين محمد بشير، رئيس وزراء حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، كرئيس وزراء لفترة انتقالية في البلاد، تنتهي ولايته في 1 مارس 2025. وقد عقد رئيس الوزراء الانتقالي بالفعل اجتماعات مع وزراء حكومة الإنقاذ المدعومة من الهيئة ووزراء النظام المخلوع.

على الرغم من أن الوضع على الأرض يبدو مستقرًا بين الحكام الجدد لسوريا، إلا أنه من المؤكد أنهم سيتنافسون على السلطة في الفترة المقبلة. وبالتالي، فإن مرحلة القادمة ستكون مليئة بالتحديات التي تنتظر البلاد، ولا خيار أمام الحكومة الجديدة سوى تقاسم السلطة بين مختلف اللاعبين.

المستوى الإقليمي:

تركيا:

برزت تركيا باعتبارها الرابح الرئيسي من التطورات الأخيرة. عموما، من المتوقع أن يُشجع انتصار الحكام الجدد في سوريا عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين في تركيا على العودة إلى وطنهم. علاوة على ذلك، استغلت تركيا الفرصة لتطهير مناطق غرب الفرات من قوات سوريا الديمقراطية، وهي الآن تضاعف جهودها للقيام بالمثل في شرق الفرات لضمان أمن حدودها الجنوبية نتيجة التهديدات التي تشعر بها من قوات “قسد”. كما يُتوقع أن تزيد تركيا أنشطتها التجارية مع سوريا مع استقرار الأوضاع تدريجيًا في الفترة القادمة.

دبلوماسيًا، كانت تركيا أول دولة تُرسل مسؤولين إلى دمشق، حيث زار رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين دمشق وعقد اجتماعات مع الوجوه الجديدة للحكومة في دمشق. بالإضافة إلى ذلك، عيّنت تركيا بُرهان كور أوغلو قائمًا للأعمال في دمشق وأعادت فتح سفارتها بعد 12 عامًا من الانقطاع.

إيران:

تُعد إيران الخاسر الأكبر بلا منازع في الأحداث الأخيرة. فقد تبخر نفوذها واستثماراتها التي ضخّتها عبر الميليشيات الطائفية والمليارات التي أنفقتها لدعم الأسد خلال الهجوم الخاطف. ونتيجة لذلك، تخلت طهران عن بشار الأسد وتركته لمصيره بعد الضربات التي تلقتها في أعقاب تداعيات السابع من أكتوبر. يستمر المسؤولون الإيرانيون في تصوير الثورة السورية على أنها مؤامرة أمريكية-إسرائيلية، كما أنهم يوجهون أصابع الاتهامات بشكل متبادل إلى النظام السوري وتركيا وروسيا.

رغم أن إيران خففت من حدة خطابها تجاه الحكام الجدد في سوريا، إلا أنه من غير المحتمل أن تكون هناك علاقة إيجابية بين الحكومة الجديدة في سوريا وإيران بسبب سجل طهران في تدمير سوريا عبر دعم الأسد من خلال الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية من دول عدة، بما في ذلك أفغانستان وباكستان. ومع ذلك، يزعم المسؤولون الإيرانيون أنهم حصلوا على ضمانات من الإدارة الجديدة في دمشق بشأن أمن سفارتهم، مما يدفعهم للاستعداد لإعادة فتحها قريبًا.

العراق

في السنوات الأخيرة، وفي خضم سلسلة من التحولات السياسية والإقليمية، اعتمدت العراق نهجًا أكثر انعزالا، مع الميل نحو الابتعاد عن الصراعات الخارجية.

ويركز المسؤولون العراقيون بشكل متزايد على منع آثار الصراع السوري من الانتقال إلى أراضيهم. وفي إطار هذه الاستراتيجية، أغلقت العراق حدودها مع سوريا لتقليل التهديدات الأمنية المحتملة، لاسيما بعد وصول حوالي 4,000 جندي سوري فرّوا من خدمتهم العسكرية إلى أراضيها. ولا تزال العديد من الفصائل العراقية في حالة ترقب بينما ينتظرون القيادة السياسية الجديدة في سوريا، مع الحفاظ على موقف حذر من خلال تجنب الانخراط المباشر في الصراعات الإقليمية.
يعكس هذا النهج الحذر الإرهاق الاجتماعي والاقتصادي الداخلي والاتجاهات الإقليمية الأوسع، مثل التحديات التي واجهت إيران وأثرت على وكلائها في المنطقة، سواء في أدوارهم الإقليمية أو سلطتهم الداخلية.

لبنان

على الصعيد الرسمي، دعا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى إبعاد لبنان عن الصراع السوري والعمل على تأمين حدوده في وقت لم يتعافَ البلد من حربه مع إسرائيل، ولا يزال اتفاق وقف إطلاق النار هشًا. بعد ضمان الاستقرار في جنوب لبنان، يأمل اللبنانيون أن تُمهد الانتخابات الرئاسية المقبلة، المزمع عقدها في 9 يناير، الطريق نحو التعافي واستعادة النظام المؤسسي، بدءًا من انتخاب رئيس جديد.
ومع ذلك، من المتوقع أن يُعزز سقوط النظام السوري موقف قوى المعارضة اللبنانية ضد حزب الله وحلفائه، مما يعكس تراجعًا إقليميًا للحزب. وفي رد فعل محتمل، من المرجح أن يزداد تمسك حزب الله بدوره الاجتماعي والسياسي داخل لبنان، باعتباره الحصن الأخير.
تشير هذه الديناميكيات إلى أن لبنان مُقبل على فترة من التوتر وصراعات القوى السياسية قبل أن يصل إلى الاستقرار، مع إعادة تشكيل المشهد السياسي ليعكس التوازن الإقليمي المتغير. من ناحية أخرى، من المتوقع أن يزداد التركيز على عودة اللاجئين السوريين، الذين يتجاوز عددهم مليوني لاجئ، مع تراجع أسباب نزوحهم.

الأردن:

في البداية، دعمت الأردن نظام الأسد أثناء هجوم المعارضة السورية، لكنها غيّرت موقفها لاحقًا ورحبت بالتغيير في البلاد. كما التقى السفير الأردني في دمشق مع الحكام الجدد في سوريا.

تخشى العديد من الدول العربية عودة شبح الانتفاضات أو صعود الإسلاميين من جديد، وهو ما قد يُهدد حكمهم، مثلما حدث خلال الموجة الأولى بعد ثورات الربيع العربي. بالنسبة للأردن، وبالإضافة إلى هذه المخاوف، فقد تركز اهتمامها الأساسي بشأن سوريا خلال السنوات الماضية على ضبط الحدود ووقف عمليات التهريب. وقد سعت لتحقيق هذا الهدف عبر التواصل مع نظام الأسد، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة.

بعد سقوط نظام الأسد، أعربت الأردن، عبر مسؤوليها، عن استعدادها “لتقديم أي مساعدة يحتاجها الشعب السوري الشقيق”. ومع ذلك، تخشى الأردن من انزلاق سوريا إلى الفوضى، وهو سيناريو يثير قلقًا كبيرًا للحفاظ على الأمن والاستقرار داخل الأردن نفسها. كما لم تُخفِ الأردن قلقها، الذي عبّر عنه مسؤولوها، بشأن التقدم الإسرائيلي في سوريا، حيث يُمثل ذلك بطبيعة الحال تهديدًا لأمنها. وبالتالي، يُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة مشاركة أردنية أكثر نشاطًا مع الحكام الجدد في سوريا، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحدود.

مصر:

كانت تفاعل مصر مع سقوط النظام السوري حذر ومتأخر. فبعد الانتظار، وصف وزير الخارجية المصري الوضع المستجد بأنه “تغيير” وأكد استعداد مصر للمساعدة في تخفيف معاناة الشعب السوري، ودعم عودة اللاجئين بأمان، والمشاركة في جهود إعادة الإعمار.

كمُعارضة رئيسية للإسلام السياسي، تظل مصر قلقة بشدة من التحولات في سوريا، خوفًا من موجة ثانية من الربيع العربي، لا سيما مع وجود هيئة تحرير الشام، وهي مجموعة إسلامية، في مقدمة التغيير في سوريا. كما يخشى القادة المصريون من انتشار الحركات الجهادية المحتملة، التي قد تُهدد نظام حكمهم أو تُعرض أمنها القومي للخطر.

رغم التحديات الاقتصادية، واجهت مصر مشكلات أقل نسبيًا مع اللاجئين السوريين مقارنة بدول أخرى. لكنها قد ترى في التغيير فرصة لدعم اقتصادها واستعادة بعض النفوذ الإقليمي الذي فقدته في السنوات الأخيرة، من خلال دعم عودة اللاجئين والمشاركة في جهود إعادة الإعمار. وسط هذه المخاوف، التقى السفير المصري مع مسؤولي الإدارة الجديدة في سوريا.

إسرائيل:

تبنّت إسرائيل نهجًا عسكريًا مركزيًا في تعاملها مع المنطقة. فقد صب سقوط نظام الأسد في صالحها من خلال قطع طريق الإمداد بين إيران وحزب الله وتقليص النفوذ الإيراني على حدودها، لكنها متوجسة من تداعيات السيطرة الإسلامية على سوريا وهو ما دفعها إلى تبنّي استراتيجية عسكرية استباقية.

قصفت إسرائيل مئات الأهداف العسكرية في أنحاء سوريا بهدف ردع التهديدات المحتملة. كما وسّعت نطاق عملياتها في جنوب سوريا، لتقترب إلى مسافة 25 كيلومترًا فقط من دمشق، وهو تطور كبير لم يُشهد منذ عقود. يُعبر هذا عن هدف إسرائيل الاستراتيجي المتمثل في تحييد المخاطر الناجمة عن بقايا ترسانة الأسد، التي قد تستفيد منها أي حكومة تقود البلاد فيما بعد.

يبقى الهدف الأساسي لإسرائيل منع ظهور دولة قوية وموحدة على حدودها، بغض النظر عن القيادة، فتسعى لتحقيق ذلك عبر إضعاف أي حكومة سورية مستقبلية باستخدام أدوات متنوعة، بما في ذلك العمليات العسكرية والوسائل غير المباشرة.

دول الخليج العربي:

كانت مواقف دول الخليج العربي تجاه نظام بشار الأسد متباينة على مر السنين، خاصة خلال أيامه الأخيرة في السلطة. الإمارات العربية المتحدة كانت من أكثر المؤيدين لعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وتبعتها السعودية والبحرين في مسار مشابه، بينما أبدت عُمان والكويت حماسة أقل. أما قطر، فقد بقيت معارضة بحزم لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

تلقى بشار الأسد اتصالات تضامن من الإمارات والسعودية والبحرين وعُمان في أيامه الأخيرة، لكن بعد سقوط نظامه، سعت هذه الدول إلى إعادة ترتيب أوراقها وفتح صفحة جديدة. التقى سفراء البحرين وعُمان والإمارات والسعودية مع القيادة السياسية الجديدة في دمشق، ووُصف الاجتماعي الإيجابي.

اعتبرت السعودية سقوط الأسد خطوة “إيجابية”. لكنها، وعلى غرار جيرانها الخليجيين ومعظم الأنظمة العربية الأخرى، تشعر بالقلق من احتمال حدوث موجة جديدة من انتفاضات الربيع العربي تُهدد حكمها. كما ترى في سقوط النظام فرصة لتوسيع نفوذ تركيا الجيوسياسي في المنطقة، وهو ما يشكل تحديًا لها. بالإضافة إلى ذلك، تخشى السعودية الفوضى والتقسيم في سوريا وهو ما يفتح الباب أمام استمرار عمليات التهريب والتحديات الأمنية على حدود سوريا الجنوبية، حيث أصبحت سوريا منتجًا رئيسيًا للكبتاجون، وكان سوق الخليج هو الوجهة الأبرز لهذا المنتج.

كان انفتاح دول الخليج على نظام الأسد في الأساس مدفوعًا بمحاولة فصله  عن إيران، خصمهم الإقليمي. لكن ورغم تحسّن العلاقات بين إيران ودول الخليج مؤخرًا، إلا أن سقوط الأسد الذي أضعف نفوذ إيران،يطمئن  دول الخليج. علاوة على ذلك، قد تلعب دول الخليج دورًا رئيسيًا في إعادة إعمار سوريا، مما يُعزّز نفوذها الإقليمي.

على النقيض من نظرائها في الخليج، برزت قطر كفائز واضح من خلال حفاظها على موقفها المعارض لتطبيع العلاقات مع الأسد. كما أن التغيير في النظام السوري، الذي قادته قوى إسلامية، يعزز مكانة قطر كبوابة التواصل مع الحركات الإسلامية وحليف وثيق لتركيا، التي كانت المستفيد الرئيسي من التطورات السورية. يعزز هذا النفوذ والأهمية القطرية في مشهد التحولات الجيوسياسية الكبيرة وذلك قبيل تولي دونالد ترامب منصبه في رئاسة الولايات المتحدة.

المستوى الدولي:

الولايات المتحدة الأمريكية:

وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن سقوط نظام الأسد بأنه “لحظة تاريخية.” من منظور استراتيجي، يستمر عمل الولايات المتحدة لتحقيق هدفها المتمثل في تقليص تدخلها المباشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع حماية مصالحها. في السنوات الأخيرة، ركزت الجهود الأمريكية على ضمان أمن إسرائيل من خلال مواجهة محور المقاومة بقيادة إيران. لذا، يُعتبر سقوط الأسد تعطيلًا كبيرًا للممر البري الذي يربط إيران بحزب الله في لبنان، وهو تطور يتماشى مع الأهداف الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك وفي الأعوام الماضية، أعطت الولايات المتحدة الأولوية لمكافحة تنظيم داعش في سوريا، وهي مهمة أُنجزت إلى حد كبير. بعد سقوط الأسد، زار الجنرال كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. وقد عبّرت هذه الزيارة عن التزام الولايات المتحدة بدعم قوات “قسد”، حتى مع احتمالية تحجيم نفوذها في سوريا مستقبلاً بعد تحقيق الأهداف الرئيسية.

ستراقب الولايات المتحدة عن كثب تصرفات وتوجهات الحكومة الجديدة في سوريا لتقييم العلاقات المحتملة. فهيئة تحرير الشام وقائدها أبو محمد الجولاني لا يزالان مدرجين على قائمة الإرهاب، ورغم إرسال الهيئة إشارات إيجابية، فمن المحتمل أن تنتظر واشنطن نتائج ملموسة قبل تعديل موقفها من تصنيف المجموعة.

روسيا:

على الرغم من أن روسيا تُعد واحدة من الخاسرين نتيجة سقوط نظام الأسد، إلا أن الوجود الروسي في سوريا من غير المرجح أن يتلاشى بشكل كامل. على الصعيد المقابل يُشكل هذا الوضع تباينًا واضحًا مع التواجد الإيراني وميليشياتها المتحالفة، والتي برزت كأكبر الخاسرين بعد الأحداث التي وقعت في 27 نوفمبر.

تسعى موسكو للتصالح مع الحكام الجدد في سوريا لحماية وجودها في شرق البحر الأبيض المتوسط. في الواقع، أظهرت القيادة الجديدة في سوريا استعدادها للعمل مع موسكو. وخلال “عملية ردع العدوان”، أصدرت قوات المعارضة السورية بيانًا دعت فيه موسكو إلى التخلي عن نظام الأسد وإقامة علاقات مع المعارضة السورية على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة. وفقًا للتقارير، فإن روسيا قريبة من التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الجديدة في سوريا بشأن البقاء في البلاد عبر قواعدها في طرطوس واللاذقية.

بالإضافة إلى ذلك، تدعو موسكو إلى تحقيق الاستقرار في سوريا خلال الفترة القادمة، مما يُشير إلى استعدادها للعمل مع الإدارة الجديدة في دمشق. حيث رُفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة السورية في موسكو، وهو ما يمكن قراءته كإشارة حسن نية من موسكو تجاه الإدارة السورية الجديدة.

الصين:

يعكس موقف الصين من سقوط نظام الأسد نهجًا حذرًا وبراغماتيًا. حافظت الصين على علاقات قوية مع المخلوع بشار الأسد من خلال الدعم الدبلوماسي، والاستثمارات الاقتصادية، ودمج سوريا في مبادرة “الحزام والطريق”. إلا أن الإطاحة بالنظام على يد قوى المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام خلق حالة من عدم اليقين لبكين.

ردًا على ذلك، شددت الصين على أهمية الحل السياسي وتجنبت الانحياز العلني لأي طرف، مما يعكس تفضيلها لسياسة عدم التدخل. وقد تتبنى الصين استراتيجية مرنة لتأسيس علاقات مع القيادة الجديدة في سوريا إذا كانت تتماشى مع مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم الاضطراب في خططها، يظل التركيز الصيني في الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط واستغلال الفرص لتعزيز نفوذها في المنطقة.

الاتحاد الأوروبي:

توالت التصريحات الأوروبية المرحبة بعد سقوط الأسد من دول الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، وصفت الممثلة العليا للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كايا كالاس، الحدث بأنه “تطور إيجابي”. ورغم مخاوف أوروبا من هيئة تحرير الشام، المصنفة كـ”منظمة إرهابية” من قبل الاتحاد الأوروبي، ومن الفوضى وعدم الاستقرار، فإن التغيير في سوريا يفتح آفاقًا مهمة لأوروبا.

يوفر الوضع الجديد فرصًا للمشاركة في جهود إعادة الإعمار ومعالجة قضية اللاجئين، التي لا تزال مركزية في الخطاب السياسي الأوروبي، علما بأن عددا من الدول الأوروبية قد اتخذت  بالفعل خطوات لتجميد طلبات اللجوء للسوريين بعد سقوط النظام.

الخاتمة:

يمثل سقوط نظام الأسد حدثًا بارزًا في تاريخ المنطقة، حيث يُعد هزيمة لحلفائه، روسيا وإيران، وربما إشارة إلى نهاية مشروع إيران التوسعي في المنطقة على الأقل في المستقبل القريب. ومع ذلك، لا يعني هذا بالضرورة انتصارًا كاملاً للغرب، حيث يُخشى من ظهور حكم سني قوي قد يشكل تهديدًا لإسرائيل على المدى الطويل، كما أنه قد يؤثر على مصالح الغرب ويقوض سياسات حماية الأقليات التي يعتمدها. وبالمثل، قد يؤدي ذلك إلى موجة انتعاش للإسلاميين تُربك الأنظمة العربية وكذلك المصالح الغربية. وبالتالي، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عمل مكثفا للتأثير على توجه سوريا وحكمها المستقبلي.