لقد انضمت السعودية ومصر وأغلب دول الخليج إلى هجومٍ دبلوماسي اقتصادي غير مسبوق على قطر – قاطعةً الإبهام الذي يبرز من أرض الخليج – متهمة قطر بتمويل الإرهاب. لكن في مركز هذه القضية المقلقة تقبع شبكة الجزيرة التلفزيونية العربية.

نحاور وضاح خنفر، مديرها العام السابق، بخصوص ما يحدث حقاً، ولماذا تقع محطة تلفزيونية في مركز أزمة تدفع بدول الخليج وإيران إلى منطقة خطيرة.

شنَّت مجموعة من الحكام الدكتاتوريين والملوك هجوماً على مصدر المعلومات المستقلة الوحيد المملوك للعرب، بتشجيعٍ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عالمين أن القليل سيحتجون – وواشنطن ليست منهم بالتأكيد. علاقة الولايات المتحدة بقطر مُبهَمة مع المحطة التلفزيونية المُموَّلة من قطر، حتى في عهد الإدارات المعتدلة، إذ بدأت بتوجيه المديح ثمَّ شن الهجوم على صحافتها وتأثيرها.

رأس خنفر الجزيرة وكان مديرها التحريري الموجِّه، صانعاً جهة بثّ ناجحة ونافذة في منطقة تعتبر النفاق ونظريات المؤامرة أخباراً.

سألنا خنفر، عضو شبكة المحررين العالمية، مجموعة من الأسئلة، بتركيزٍ على عنصر الجزيرة في الضغط الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري على قطر.

بيتر بيل: في اعتقادك ما حجم أثر عامل الغضب على الجزيرة كجزءٍ من التحرُّك ضد قطر بقيادة السعودية؟

وضاح خنفر: من الواضح أن الأزمة الحالية نشأت كامتداد للخوف المستمر من الجزيرة، بسبب الصحافة المستقلة الموضوعية التي تمارسها في العالم العربي. غيَّرت الجزيرة وجه الإعلام العربي، من امتدادٍ طبيعي للأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى قطاعات مستقلة تتبنى قيم الشفافية، والمساءلة والديمقراطية. وهذا بالضبط ما تخشاه كثيرٌ من الأنظمة العربية.

لطالما كانت الجزيرة العربية منتجاً مختلفاً بنبرة مختلفة عن الجزيرة الإنجليزية. هل يمكن القول بأنَّها قد نقلت أخبار دول الخليج والسعودية ومصر بنزاهة على مدار السنوات الماضية أم أنَّ هناك أوجهاً للندم بخصوص توازن التغطية ونزاهتها؟

السياسة التحريرية لقناة الجزيرة العربية تجاه السعودية وباقي دول الخليج سياسة موضوعية لكنها ليست عدوانية على مدار الأعوام القليلة الماضية. المُشكلة الكبرى لحكومات منطقة الخليج هي تغطية الجزيرة لمصر وليبيا والقوى الموالية للربيع العربي. أرى النزاع الحالي استمراراً لتداعيات تغطية الجزيرة للربيع العربي وتوابعه. لم تشارك الحكومة القطرية في سياسات باقي دول الخليج الداعمة لقوى الثورة المضادة ولم تؤيِّدها، وهو ما أغضب هذه الدول كثيراً، وإدارة ترامب بدورها وفَّرت الفرصة لدول الخليج لتصفقة حساباتها مع الدوحة والجزيرة تباعاً.

في اعتقادك ما مدى أهمية نفوذ دونالد ترامب أو الإذن الممنوح منه لهذا النوع من التحرك، وكيف يتوافق هذا مع نهجه تجاه قضايا حقوق الإنسان وحرية الصحافة خارج الولايات المتحدة؟

كرَّمت الرياض ترامب، واستقبلته استقبالاً حافلاً وقدمت إليه حزمة استمارات مالية سخية بلغت 480 مليار دولار أميركي. كانت هذه حزمة إنقاذٍ جاءت في الوقت المناسب لرئيس يواجه مشكلات في وطنه. منح ترامب مباركته للسعوديين والإماراتيين، ملبياً رغباتهما في صياغة نظامٍ جديد في المنطقة وفق رؤيتهما. ومن الجلي أن هذا تأييد شخصي من ترامب للعواهل وليس نتيجة إجماع داخل العاصمة واشنطن. ويتضح أيضاً من بداية الحملة، بسبب الرسائل العديدة المتناقضة من أقسام مختلفة داخل الإدارة الأميركية، أنَّها ليس جزءً من سياسة أميركية متماسكة تجاه المنطقة. تُدير الإدارة الحالية سياستها الخارجية على أساس صفقاتٍ تهمِّش القيم العُليا بل والمصلحة الأميركية على المدى الطويل. وهذا نهجٌ سطحي قصير النظر، ولا يحقق الاستقرار في شرقٍ أوسط مضطرب من الأساس، ولا يوفر الأمن الذي تسعى إليه الولايات المتحدة.

لماذا الآن ولماذا قطر؟ بالنظر إلى تاريخ الدعم الوهابي للتفسيرات المتطرفة للإسلام، والصلات السعودية منذ أمدٍ طويل مع تنظيم القاعدة، يبدو إتهام قطر بدعم الإرهاب انحرافاً عن المنطق على أقل تقدير.

اتهام قطر بدعم الإرهاب هو ذريعة هذه الحملة. محاربة الإرهاب أداة شائعة في المنطقة، يستخدمونها لمعاقبة من يختلفون معه. تعلم الأنظمة في المنطقة أن النهج الغربي تجاه العالم العربي والإسلامي يتحور حول محاربة الإرهاب؛ ومن ثمَّ فمحاربة الإرهاب ذريعة سهلة تبرِّر أفعالها. الجانب المُحزن من النهج الغربي هو أنَّه أزال كلمة الديمقراطية من قاموسه فيما يتعلَّق بالشرق الأوسط، بينما يأمل في تحقيق الاستقرار والأمن في الوقت نفسه.

وتشعر الأنظمة السلطوية بالارتياح في ظل النهج الأميركي الحالي، ونحن الآن عُدنا رسمياً إلى عصر ما قبل الربيع العربي. إن هذا استكمالٌ لصراعٍ قديم، يستهدف تجفيف كل منابع الوعي المستقل استعداداً لإعادة تنصيب النظام القديم في الشرق الأوسط. إلا أن النظام القديم هذه المرة مسلحٌ بسلطات أمنية جديدة شرسة، صنعتها الحرب على الإرهاب وغذَّاها دعم رئيسٍ أميركي تخلَّص من كل القيم الأميركية.

تحدَّثت عن هذا الإخماد النهائي لمشاعر الربيع العربي. هل ترى صلة مباشرة بين تدمير الإسلام السياسي متمثِّلاً في جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبين صعود الإرهاب والدعم العالمي لتنظيم داعش؟

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين مثالية كحركة، كانت سياساتها غير ناضجة وربما ارتكبت بعض الأخطاء الكبرى، لكن الصورة الكبرى هنا هي كالآتي:

كان التحول السلمي إلى الديمقراطية هو حلم الشباب العربي، وقدَّم الربيع العربي لهم فرصة نادرة لتحقيق هذا، لكن إجراءات الثورة المضادة اغتالت هذا الأمل. الطريق إلى الإصلاح السلمي مغلق الآن، والشباب غاضب ويائس، والربيع العربي استولى عليه الجنرالات المدعومين من دول الخليج الثرية. لذا نتجه الآن نحو واقعٍ أكثر تطرفاً وراديكالية بكثير.

والحقيقة هي أن الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة كانت هي حاضنات الإرهاب في المنطقة. ووفرت عقود من قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان متنفساً للجماعات الجهادية. وفي حين استهزأت هذه الأنظمة بحكم القانون، فإنها ما زالت تتمتع بالدعم الأميركي. ونتيجةً لذلك، يبقى الشرق الأوسط غارقاً في النزاعات وغياب الاستقرار.

في اعتقادك ما نتيجة هذا بالنسبة للجزيرة؟ ومتى؟

أي تسمية للأزمة الحالية ربما تتطلب عدة مفاوضات يمكن أن تستمر بضعة أشهر أو أكثر. إلا أن نتيجة هذه المفاوضات أياً تكن فهي لن تؤثر على السياسات التحريرية للجزيرة. هذه مجرد محاولة أخرى لتقويض مصداقية الجزيرة ولكنها لن تنجح. تقدِّر دولة قطر المكانة الإقليمية والعالمية للجزيرة، ولا أتوقع من قطر الإذعان لهذه الضغوط.