نُظِّمت ورشة عمل تحضيرية لمجموعة العمل “تحوُّل حركات الإسلام السياسي منذ الثورات العربية” في إسطنبول يوم 6 مايو/أيار 2018. وقد هدفت إلى إيجاد أرضية مشتركة حول بعض التحديات الفكرية والمفاهيمية للدراسات القادمة. حضر ورشة العمل العديدُ من الخبراء في حركات الإسلام السياسي مع مناقشة دراسات حالة من منظوراتٍ مختلفة.

انطوى الغرض من ورشة العمل على شقَّيْن: الأول هو الوصول إلى تعريف متَّفق عليه لمفهوم “الإسلام السياسي” لاستخدامه في تعريف المنظمات المشمولة في مشروع البحث، والثاني بحث المناهج المناسبة لمناقشة التحوُّل في طبيعة حركات الإسلام السياسي منذ الثورات العربية.

بالنسبة إلى الشقِّ الأول، ناقش الخبراء كيفية تصنيف المنظمات كجزء من ظاهرة الإسلام السياسي. واستلزم ذلك تحديد خصائص حركات الإسلام السياسي، ومن ثمَّ تحديد المنظمات التي تتناسب مع تصنيف الإسلام السياسي في كلِّ دراسة حالة.

في البداية، أثيرت مسألة الحركات والأحزاب الإسلامية التي لا تستخدم مفهوم “الإسلام السياسي”. وقيل إنَّ هذه “التسمية” مفهوم غربي، وإنَّ الحركات الإسلامية شعرت أنَّ المصطلح يشير إلى توجُّه علماني.

كان أول معيار تعريفي مقترح لحركات الإسلام السياسي متعلِّقًا بهدفها. بعبارةٍ أخرى، إن حركات الإسلام السياسي هي تلك التي تسعى إلى إقامة حكومة إسلامية. ومع ذلك، للتمييز بين الإسلاميين السياسيين والجهاديين السلفيين، تم التأكيد على أنَّ هدف حركات الإسلام السياسي هو أسلمة النظام السياسي، في حين أنَّ هدف الحركات السلفية المتطرفة هو تغيير نظام الدولة نفسه وحتى النظام الدولي.

أدَّت هذه المناقشة إلى سؤال آخر: ما هي الأدوات التي تستخدمها حركات الإسلام السياسي لتغيير النظام؟ كانت الفكرة وراء هذا السؤال هي تحديد ما إذا كان استخدام العنف يمكن أن يكون فارقًا آخر بين الإسلاميين السياسيين والجهاديين السلفيين. بشكل عام، كان هناك إجماعٌ على أنَّ الإسلاميين السياسيين يقبلون أن يكونوا جزءًا من الأنظمة القائمة، فهم يميلون إلى التغيير بالتدريج، وهم بشكل عام غير عنيفين. ومع ذلك، عارض البعضُ الحجَّة القائلة بأنَّ الامتناع عن العنف هو معيار مميِّز للإسلاميين السياسيين، وقالوا إنَّ هناك أوقاتًا تبنَّت فيها حركات الإسلام السياسي وسائلَ العنف. وعلى الرغم من ذلك، كان الإجماع العام هو أنَّ الإسلاميين السياسيين قد يستخدمون العنفَ من وقتٍ لآخر، لكن ليس كعنصر روتينيٍّ في نضالهم السياسي.

خلاصة القول: إنَّ الجماعات غير العنيفة فقط التي تقبل إطار الدولة الحديثة وترغب في أسلمة النظام أو إصلاحه يمكن تصنيفها على أنَّها حركات إسلام سياسي، بينما أولئك الذين يرفضون الدولة القومية والنظام الدولي والأنظمة الحالية في المنطقة ويرغبون في تغيير نظام الدولة نفسه عبر وسائل العنف فهم محسوبون على السلفية الجهادية. علاوةً على ذلك، أُشير إلى أنَّ حركات الإسلام السياسي تأسَّست كحركات اجتماعية، بينما بدأت الحركات السلفية الجهادية كميليشيات، وعضويتها مغلقة وانتقائية وليست مفتوحة أو علنية.

دحض بعض المناقشين هذه المعايير المحددة مستندين إلى أُسسٍ تاريخية. فقد أُشير إلى أنَّ جماعة الإخوان المسلمين، النموذج الكلاسيكي لحركات الإسلام السياسي، تأسَّست في الأصل ضد الدولة القومية، بهدف إعادة الخلافة وتغيير نظام الدولة في المنطقة. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ حركةً سلفية جهادية عنيفة تُدعى “الجماعة الإسلامية” في مصر، كانت نشطةً خلال فترة السبعينيات إلى التسعينيات، أرادت تغيير النظام وليس تغيير الدولة. ومع ذلك، اتُفق في نهاية المطاف على أنَّ المشروع البحثي يجب أن ينظر فقط إلى الأيديولوجيات والأجندات الحالية لهذه الحركات.

دار نقاشٌ آخر حول ما إذا كان ينبغي تصنيف الحركات السلفية كجزء من حركات الإسلام السياسي. ويمكن بوضوح اعتبار الأحزاب السلفية اللاعنيفة مثل حزب النور في مصر جزءًا من ظاهرة الإسلام السياسي. ومع ذلك، فقد أُشير إلى أنَّه ليست جميع الحركات السلفية تنشئ جناحًا أو حزبًا سياسيًّا، وما يزال العديد منها نشطًا كمنظمة دينية بشكلٍ حصري. لذلك، استُنتج بعد المناقشة أنَّ الجماعات السلفية التي تقبل النظام الحاكم وتعمل في إطاره وتُنشئ أو تتصرَّف كحزبٍ سياسي (وليس كمجموعة ضغط) يجب أن تُصنَّف كجزءٍ من حركة الإسلام السياسي. وهنا، استُخدمت جماعة الإخوان المسلمين كمثال. لم يكن لدى الإخوان المسلمين حزب سياسيٌّ في العديد من الدول قبل الثورات العربية، ولكنَّهم كانوا يمتلكون بدلًا من ذلك منصَّة تشبه الأحزاب، وكانوا يقدِّمون مرشحين للانتخابات البرلمانية والمحلية.

وفي الختام، عُرِّفَ الإسلاميون السياسيون بأنَّهم أولئك الذين على استعدادٍ للعمل في إطار النظام القائم بهدف أسلمة النظام أو إصلاحه، لكنَّهم لا يفضلون استخدام العنف حتى لو كان خيارًا محتملًا في بعض الأحيان. علاوةً على ذلك، فإنَّهم ينخرطون في السياسة بشكلٍ روتينيٍّ على نمط الأحزاب بدلًا من التصرُّف كمجموعة ضغطٍ أو تأثير.

استنادًا إلى مجموعة المعايير المذكورة أعلاه، حُدِّدت المنظمات التي سيشملها بحث مجموعة العمل. صُنِّفت جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور باعتبارهما الممثِّل الرئيس للإسلام السياسي في مصر. وفي الكويت، تضمُّ حركة الإسلام السياسي الحركةَ الدستورية الإسلامية، وهي الكتلة السياسية للإخوان المسلمين، والتحالفَ الإسلامي الوطني الشيعي، وجماعاتٍ أخرى مثل التجمع الإسلامي السلفي، وحزب الأمة، والحركة السلفية، وجمعية إحياء التراث الإسلامي. أما في سوريا، فسيشمل البحث جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي “حزب الوعد” وحركة نور الدين زنكي كمثال على الجماعات المسلَّحة المُنشأة حديثًا المشاركة في الأنشطة الاجتماعية. وبالنسبة إلى اليمن، اختِيرت ثلاثة أحزاب سلفية إلى جانب الإخوان المسلمين لمشروع البحث. ودار نقاش حول ما إذا كان ينبغي إدراج الحوثيين كحركة إسلام سياسي أم لا. ونظر إليها المشاركون على أنَّها ميليشيا مسلَّحة وليست حركة سياسية، رغم أنَّهم أشاروا إلى أنَّ الحركة الحوثية تمرُّ حاليًا بمرحلة انتقالية من ميليشيا إلى حزبٍ سياسي.

فيما يتعلَّق بالهدف الثاني، وهو كيفية فهم التحوُّل المستمر لحركات الإسلام السياسي، أُثيرت أسئلة كثيرة من قبيل: هل استخدام المقاربات التقليدية مثل التطرف مقابل الاعتدال، والانشقاقات مقابل الائتلافات، والقومية مقابل الوحدة الإسلامية – مفيد؟ هل يجب استخدام مقاربات جديدة؟ كيف يمكن التمييز بين التغيُّرات التكتيكية العابرة والتحوُّل الدائم في أيديولوجيات حركات الإسلام السياسي واستراتيجياتها؟ وبالتالي، ركَّزت المناقشات على تحديد معايير الاعتدال والتطرف، وكيفية التمييز بين التغيرات الدائمة والتكتيكية في خطاب حركات الإسلام السياسي وسلوكها، وكيفية إدراك التغييرات في طبيعة العلاقة بين حركات الإسلام السياسي الوطنية والعابرة للحدود.

تعريف الاعتدال والتطرف: بعد استكشاف أمثلة مختلفة للتحوُّل في حركات الإسلام السياسي في المنطقة، حُدِّدَت ثلاثة معايير رئيسة: هل يقبلون استخدام العنف أم لا، وهل يرغبون في التعاون مع مجموعات أيديولوجية أخرى أم لا، وما إذا كانوا يتبنون أجندةً إصلاحية أم يطالبون بتغييرٍ ضخم للنظام. بعبارة أخرى، إذا امتنعت حركات الإسلام السياسي في بلدٍ معيَّن عن استخدام وسائل العنف، أو إظهار نيَّة حقيقية للعمل مع مجموعات أيديولوجية أخرى، أو التخلِّي عن مطالبها بتغييراتٍ سياسية جذرية واسعة؛ فيجب أن يُنظر إليها كمؤشرات للاعتدال. على النقيض من ذلك، فإنَّ اللجوء إلى العنف، وعدم الانفتاح على الحوار مع التيارات الأيديولوجية، والتحلِّي بمثالية أكبر في المطالبة بتغييراتٍ سياسية جذرية؛ كلها مؤشرات للتطرف.

ومع ذلك، لوحظ أيضًا أنَّه من الممكن وجود مؤشرات على التطرف والاعتدال معًا، ويصعب أحيانًا تحديد أيٍّ منهما هو التوجُّه المهيمن داخل الحركة. بالإضافة إلى ذلك، اقتُرِحَ أنَّ دلالة المؤشرات قد تتغيَّر من بلدٍ إلى آخر. وهذا يعني أنَّه في تونس، على سبيل المثال، قد تكون مؤشرات الاعتدال مرتبطةً بتعاونٍ عبر الأيديولوجيات. بينما في حالة الكويت، ترتبط أكثر بالأجندة السياسية، سواءٌ كانت تتطلَّب إصلاحاتٍ محدودة أو تغييرًا جوهريًّا.

التحوُّل الدائم أو التكتيكي: جادل المشاركون بأنَّ التحول داخل حركات الإسلام السياسي يمكن أن يكون استجابةً مؤقتةً لتهديدٍ أو فرصة، أو تغييرًا مدروسًا جيدًا في أيديولوجيتها واستراتيجيتها. على سبيل المثال، في حالة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ذكروا أنَّ التطرف كان ردَّ فعلٍ فوريًا متوقعًا للانقلاب العسكري عندما استخدم بعضُ أعضاء الحركة وسائلَ عنيفةً. ومع ذلك، يبدو أنَّ هذا التطرف ليس تحولًا دائمًا في استراتيجيتها. وذُكر أنَّ أولئك الذين أصروا على اللجوء إلى العنف بشكلٍ دائم أصبحوا من السلفيين الجهاديين، على الرغم من أنَّ بعضهم ما زال يعتبر نفسه جزءًا من الجماعة.

التغيرات في الخطاب مقابل التغيرات في السلوك: كان هناك تحدٍّ آخر تناولته المناقشات يتعلَّق بكيفية التمييز بين التغيرات الحقيقية في سلوك حركات الإسلام السياسي والتغيرات في خطابها فقط. على سبيل المثال، عندما تعلن إحدى حركات الإسلام السياسي التخلِّي عن أجندة الوحدة الإسلامية، فإنَّ برنامجها لا يُعدَّل دائمًا بناءً على ذلك، كما كان الحال مع جماعة الإخوان المسلمين البحرينية. ورأى المشاركون أنَّ سياسة المملكة العربية السعودية العدائية ضد جماعة الإخوان المسلمين وإعلانها جماعةً إرهابيةً من قبل العديد من الدول، كان السبب الرئيس وراء إعلان جماعة الإخوان المسلمين البحرينية قطع علاقاتها مع كيان الإخوان المسلمين الدولي. ومع ذلك، لم ينعكس هذا النوع من الإعلان في جدول أعمالها وأيديولوجيتها. مثل هذا الإعلان أو إعادة التسمية لا يشير بالضرورة إلى تغييرٍ حقيقي. لذلك، يحتاج المرء إلى التركيز على التغيير الحقيقي في السلوك وجدول الأعمال بدلًا من التركيز على إعلانات الجماعات فقط.

العلاقة بين منظمة الإخوان المسلمين الدولية وشركائها المحليين: لكي نفهم ماذا يعني انفصال أيِّ منظمة وطنية للإخوان المسلمين عن كيانها الدولي، يجب على المرء أن يدرك أولًا طبيعة العلاقة بينهما قبل إعلان الانفصال، وكيف تغيرت هذه العلاقة بعد ذلك. أوضحت المناقشات أنَّه لا توجد علاقة هرمية بين منظمات الإخوان المسلمين في مختلف البلدان والكيان الدولي للإخوان المسلمين. فالعلاقة أقربُ إلى العلاقة الشبكية؛ إذ كان نمط التواصل بين الكيانات تقريريًّا ومعلوماتيًّا أكثر من كونه حصولًا على إذن أو إعطاء أوامر. إلا أنَّ نمط الاتصال يُحدَّد على أساس طبيعة القضية. فبالنسبة إلى القضايا الداخلية، يمكن القول إنَّ نمط التواصل معلوماتيٌّ فقط. لكن فيما يتعلَّق بالشؤون الإقليمية التي تتطلَّب موقفًا مشتركًا، يصبح قرار المنظمة الدولية أكثر إلزامًا للفروع المحلية.

الإسلاميون في السلطة: اقترح المشاركون إضافةَ بُعْدٍ مهم لأجندة البحث، وهو كيف أثرت تجربة حركات الإسلام السياسي في السلطة على أيديولوجيتها وسلوكها. بمعنى آخر، ما الذي تغيَّر عندما واجهت حركات الإسلام السياسي قضايا سياسية حقيقية؟ هل حافظت على موقفها الأيديولوجي الأصلي، أم أنَّها تصرفت وفقًا لضرورات السياسة؟

المشاركون:

عبدالرحمن الحاج، أكاديمي في الدراسات الإسلامية في جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية

كورتني فرير، مسؤولة الأبحاث في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية

غالب دالاي، مدير الأبحاث في منتدى الشرق

لوسيا أردوفيني، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراة في المعهد السويدي للشؤون الدولية

محمد عفان، مدير قسم التدريب والتنمية في منتدى الشرق

مصطفى كايماز، مساعد باحث في منتدى الشرق

نبيل البكيري، أكاديمي متخصص في الحركة الإسلامية اليمنية

أونر يجيت، مساعد باحث في منتدى الشرق

تامر بدوي، زميل باحث في منتدى الشرق