لقد وحد اغتيال سليماني الإيرانيين من مختلف الأطياف ضد الولايات المتحدة الأمريكية وأوقف المناقشات الداخلية حول كيفية التعامل مع إدارة ترامب، كما سارت الديناميات الداخلية لاحقاً بما يتعارض مع النتائج المرغوبة من قبل ترامب. فلقد كانت اللغة والحجج الشائعة المعارضة للولايات المتحدة نادرة في المجتمع الإيراني النابض بالحياة والنقاشات. وفي حين أن الحكومة الإيرانية كانت في السابق بحاجة إلى توضيح منطق موقفها الراسخ بعدم التفاوض مع ترامب للإيرانيين العاديين، فإنها لم تعد بحاجة إلى ذلك في الوقت الحالي. حيث إن تهميش دعاة التنازل الذين يروجون لتسوية تفاوضية مع واشنطن بالإضافة لاغتيال سليماني والغضب الشعبي الناجم عنه لا يؤديان إلا لتعزيز سياسة “المقاومة النشطة” التي تتبعها إيران في مواجهة سياسة “الضغط الأقصى” للولايات المتحدة.

بعد أن تعهدت إيران بالرد لم يبق لها أي خيار سوى التحرك للرد، لأن أي تقاعس سيؤدي لإضعاف قوة ردعها الإقليمية في مواجهة الولايات المتحدة والتقليل من شأن محور المقاومة، بالإضافة إلى مزيد من التصعيد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. فمن الممكن أن يتبع هجوم 8 يناير/كانون الثاني الصاروخي المزيد من الإجراءات نظراً لعدم تناسبه مع حجم ما فعلته الولايات المتحدة. فلقد ضرب اغتيال سليماني محور المقاومة بأكمله من الدول والحركات المتحالفة مع إيران، وبناءً على ذلك يجب توقع انتقام إقليمي كما ذكر مسؤولون سياسيون وعسكريون داخل المحور. وقد يختلف اتساع وعمق الانتقام لأسباب عديدة تشمل اتساع الرقعة الجغرافية للمواجهة الأمريكية الإيرانية، وقدراتهما العسكرية، والتحالفات التي يتمتع بها الطرفان في المنطقة، فالهدف الإيراني الرئيس في هذه المرحلة الجديدة هو استعادة قوة ردعها ومنع حدوث المزيد من التصعيد، وجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن خيارات إيران لا يمكنها سوى أن تتبع تقليدها المعهود بالقيام بإجراءات إقليمية تدريجية.

من الجلي أن سياسة إيران الإقليمية سوف تتأثر بالمسار الجديد للتصعيد الأمريكي الإيراني، كما أن اغتيال سليماني سيقلل من تقبل إيران للوجود الأمريكي في المنطقة. فمن المرجح أن تصر إيران على “مقاومتها النشطة” إقليمياً في مواجهة سياسة الضغط الأقصى من الولايات المتحدة. وذلك سيؤدي إلى تصعيد التوترات بين البلدين في الأشهر والسنوات القادمة، مما يؤثر بدوره على الدول الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وإلى جانب توطيد إيران لقوة ردعها ضد الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل مع دول أخرى –وهذا يشمل الشرق الأوسط- للالتفاف على العقوبات الأمريكية. وبخلاف هذا لا يوجد الكثير مما يمكن توقعه على المدى القصير.

لقد سلط الاغتيال ورد إيران في العراق الضوء مرة أخرى على التصدعات الإقليمية، إلا أن هذا ليس شيئاً جديداً وليس من المتوقع أن يؤثر على سلوك إيران الإقليمي.