مقدمة
انخرط الشعب السوري منذ بداية العام 2011، في ثورة كانت تهدف لتغيير منظومة الحكم، إلى إنه واجه آلة القمع والقتل، التي دمرت مدناً عدة من سوريا، وهجرت ملاييناً، وأودت بحياة مئات من الألوف.
استمرت حالة الحرب في إرتفاع وهبوط خلال 13، وأدت في الأعوام ال4 الماضية لخسارة المعارضة السورية الكثير من سيطرتها الجغرافية، إلى جانب تراجع المجتمع الدولي عن الإهتمام بدعم سواء المعارضة المسلحة، او العملية السياسية في جنيف.
تغير هذا الانسداد في الملف السوري بتاريخ 27/11/2024، مع بدأ فصائل المعارضة السورية في إدلب بعملية ” ردع العدوان”، وسرعان ما حررت القوات المهاجمة محافظة حلب بالكامل، وتلاحقت أخبار التحرير ليتم إسقاط النظام السوري بشكلٍ كامل بتاريخ: 08/12/2024، بهروب بشار الأسد لموسكو.
دفع السقوط السريع ” نظام الأسد ” لخلط أوراق الفواعل المحليين، والإقليميين، حيث فتحت الباب أمام القوى المحلية لتوسع من مساحات سيطرتها، على مختلف الجبهات، ومن ضمنها الجبهة الشمالية والشمالية الشرقية، حيث تتواجد فصائل” الجيش الوطني”، و”قوات سوريا الديمقراطية” ويقسم مناطق سيطرتهم نهر الفرات شرقاً وغربا.
خلال 10 أيام من المعارك في الشمال، قامت قوات سوريا الديمقراطية بالتوسع في منطقة غرب حلب، بينما توسعت قوات الجيش الوطني ضمن غرفة ” فجر الحرية”، باتجاه الشرق وسيطرت على مدينة منبج بعد إنسحاب ” قسد ” منها، واستعصى على الطرفين التقدم أكثر ضد بعضهما البعض، بعد منبج، وتحولت لمعارك استنزاف مكلفة.
تقدم الورقة ضمن هذا الواقع سيناريوهات مستقبلية حول مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ظل التحولات الجذرية التي شهدتها سوريا، وتتناول الورقة تطورات المواجهات المسلحة بين قسد والجيش الوطني السوري، لا سيما في المناطق الجنوبية لمنبج وحول سد الفرات، بالإضافة إلى التوترات الناجمة عن احتمالية عملية عسكرية من تركيا على مدينة كوباني/عين العرب. وتسهم هذه التطورات في تحفيز الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي لاستكشاف حلول تحول دون اندلاع مواجهات أوسع، مع التركيز على الانتقال السياسي في سوريا.
تطرح الورقة ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل قسد: أولاً: الوصول لتفاهمات مشتركة مع دمشق، وإنهاء الملف فيما يتعلق بتركيا، تركيا. ثانيا: تصاعد المواجهة مع الجيش الوطني السوري مع تدخل تركيا، من محيط كوباني/عين العرب باتجاه الشرق والجنوب، وثالثاً: ويكون على المدى القصير بأن تبقى كحالة مشابهة لمرحلة ما قبل سقوط نظام الأسد، بدون اعتراف سياسي وعرضة للمواجهات العسكرية دوماً.
12 يوماً غيرت مجرى التاريخ
توقفت ساعة الزمن فيما يتعلق بالتغيير في سوريا منذ عام 2011، بشكلٍ كامل، وأدت 13 عاماً من حربٍ ضروس لهجرة ونزوح نصف الشعب السوري، فتصدّرت سوريا قائمة الدول المُصدِّرة للاجئين، إضافة لملايين من النازحين داخل حدودها، إذ أُجبر أكثر من (13) مليون سوري على ترك منازلهم هرباً من الموت، وتم توثيق مقتل أكثر من 500 ألف، بالإضافة 112 ألف مختفي قسري بعد إفراغ السجون. كما تواجه سوريا تحديات إنسانية خطيرة. وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، تحتل سوريا المرتبة السادسة عالميًا في انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني 13 مليون سوري من الأزمة. منهم 7.5 مليون طفل، لمساعدات إنسانية. وزاد من سوية الآلام بالنسبة للسوريين، أن عقارب القبول الدولي كانت خلال السنوات الماضية تعود للإشارة لصالح النظام السوري الساقط.
بدأت عملية ” ردع العدوان” بتاريخ 27/11، وخلال 12 يوماً فقط، نجحت العملية بإسقاط نظام البعث برئاسة ” بشار الأسد”. وفي اليوم الثالث من العملية مع تحرير فصائل ” ردع العدوان ” لمدينة حلب، تغيرت كافة الموازين في سوريا، فقبلها وبعدها لم يعد ذات الشيء، حتى لو لم يكن النظام ليسقط حينها.
أظهر تحرير حلب خلال 3 أيام مجموعة هائلة من التغيرات الإستراتيجية التي استمرت وتضخمت إلى ما بعد سقوط ” نظام الأسد ” بشكلٍ كامل، وظهرت بعض هذه التغيرات مع دخول ” ردع العدوان” للمدينة، حيث عادت القضية السورية لواجهة الأحداث العالمية، وبدأت النقاشات عن التحول المحتمل في سوريا، وانقسم المنخرطون في الشأن السوري دولاً، تنظيمات، وأفراد لثلاثة مسارات من العمل: الأول هم السوريون المعارضون وكان محور عملهم الوحيد هو مساندة العملية، وتحطيم معنويات نظام الأسد وحلفائه، والمسار الثاني: وهم محور أصدقاء النظام السوري، وغرق هؤلاء في بحر من الإتصالات والأسفار في محاولةٍ لإنقاذ الأسد في آخر لحظاته، أما الثالث: فتمثل بالدول الصديقة للشعب السوري، والتي أدارت عملية عدم الإنصات لحلفاء النظام.
تغييرات جوهرية على سلم الأولويات داخل سوريا
لم تقتصر جملة العناوين التي عادت للنقاش، حول ثنائية ” المعارضة – النظام”، بل عاد للواجهة مباشرة الحديث عن مواجهةٍ محتملة مع “وحدات حماية الشعب YPG/ أو قوات سوريا الديمقراطية SDF”، التي تتمركز في عدة أحياء داخل المدينة وبشكل رئيسي في ” حي الأشرفية، والشيخ مقصود”، ويتصفان بغالبية كردية.
تضاربت الاحتمالات حول سير العملية مع دخول قوات ” ردع العدوان ” لحلب، إذا ما كانت ستتوجه فقط للسيطرة الكاملة على مدينة حلب وبالتالي المواجهة مع ” قوات قسد ” المنتشرة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، أم ستتجه جنوب حلب حيث شهدت المدينة وريفها انهياراً لقوات النظام، وكان خيار غرفة عمليات ردع العدوان، أن قدمت ” مقترحاً لقسد بالانسحاب من الحيين، دون الحاجة لخوض قتال“، وهو ما أوقف حدوث مواجهاتٍ بين الطرفين، لكن لم يتم الانسحاب من طرف قسد حتى الآن، بل يبدو أن هناك محاولات للتفاهم على آلية معينة لإدارة هذين الحيين. ورغم حدوث هذا التفاهم الأولي بين الجانبين ( قسد وردع العدوان)، إلا إنه كانت هناك جبهة أخرى بدأت بالظهور بشكلٍ متسارع، فمع إنهيار النظام في حلب بشكلٍ كامل بتاريخ 29-11، وسيطرت ردع العدوان عليها، بدأت قوات سوريا الديمقراطية بالتقدم من مناطق سيطرتها في مدينة منبج، ومروراً بجنوب بلدة تادف باتجاه منطقة الشهباء أي بلدة ترفعت والمناطق المحيطة بها، ومن محافظة الرقة وبإمتداد الضفة الغربية لنهر الفرات باتجاه الغرب نحو مدينة حلب، وتم تداول صور وفيديوهات بتاريخ 30-11 تظهر تجول مقاتلين وقوات تابعة لـ ” قسد” في مطار حلب الدولي، وتقترب من “كويرس” العسكري والمدينة الصناعية وتمكنت من إيجاد ممر منطقة منبج الواقعة تحت سيطرتها بالأحياء الشرقية بشكل خاص منطقتي الأشرفية والشيخ مقصود.
دفع التقدم السريع لـ قسد في الريف الشرقي لحلب، بالإضافة إلى وجود تخطيط سابق من ” فصائل الجيش الوطني” المدعوم من تركيا في منطقة درع الفرات، بالتجهيز لعملية عسكرية من جانبهم تجاه مناطق سيطرة النظام جنوب مدينة الباب، وأطلقوا عملية ” فجر الحرية ” يوم السبت 30 تشرين الثاني، وسيطرت خلال ذات اليوم على بلدة تادف جنوب مدينة الباب، وبهذا الشكل قطعت إمكانية وصول قوات ” قسد ” لبلدة “تل رفعت”، وتوجهت معارك “فجر الحرية ” باتجاهين: نحو الغرب للسيطرة على مدينة ” تل رفعت”، ونحو الجنوب للسيطرة على ريف حلب الشرقي، وسيطر ” الجيش الوطني على تل رفعت” بتاريخ 02/12، وبذلك انتهى تواجد قوات سوريا الديمقراطية في شمال حلب، لتبدأ المعارك للسيطرة على مدينة ” منبج ” وهو الأمر الذي تحقق بتاريخ: 08/12. تحولت المعارك بين الطرفين بعد سيطرت ” الجيش الوطني على شمال حلب، لمحاولة من الأخير للمرور إلى شرق الفرات، وهو أمرٌ لم يتم حتى الآن رغم مرور 3 أسابيع من المعارك.
بروز ملف شمال شرق سوريا ضمن مواقف القوى المحلية والدولية
خسرت قوات سوريا الديمقراطية ما يقارب 5% من مناطق نفوذها أمام فصائل “فجر الحرية”، وبدأت تتشكل عدة خطوط عريضة، سواءً فيما يتعلق بالعملية السياسية المستقبلية، أو بالسيطرة العسكرية ومصير الحالة الفصائلية في عموم سوريا، ومن ضمنهم “قسد”، أما سياسياً فيمكن حصر نظرة ” حكومة تصريف الأعمال” بعدة بنود: أولاً عدم العودة للقرار الدولي 2254 (نص القرار على بدء محادثات السلام بسوريا في يناير/كانون الثاني 2016، وأكد أن الشعب السوري هو من يحدد مستقبل البلاد، ودعا إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالبا بوقف أي هجمات ضد المدنيين فورًا.)، نتيجة انهيار النظام، وبالتالي فقدان القرار الدولي لمحوره الرئيسي المتمثل بالإتفاق بين ” حكومة الأسد، والمعارضة السورية”، وبناءً عليها تقدم الحكومة الجديدة مقترح أن يشارك الجميع بصفاتهم الشخصية، مع عدم فتح المجال ( على الأقل في الفترة الإنتقالية) أمام المحاصصة، وفق الكيانات السياسية، كما إن السلطة الجديدة في دمشق تحاول قدر الإمكان تأخير المحاصصة بناءً على الإنتماء الإثني والديني، والمذهبي، وتطرح احتمالات عقد المؤتمر الوطني بناءً على معيار التمثيل العام لكل سوريا (وهي نقطة تشهد خلافاتٍ عامة حول آليات إجراءها حتى الآن).
أما عسكرياً فقد تشكلت ثلاث مناطق عسكرية رئيسية في سوريا بعد سقوط “نظام الأسد”، الأولى تتمثل بالمناطق التي سيطرت عليها ” غرفة عمليات ردع العدوان”، وتمتد بشكلٍ شبه كامل على محافظة حلب، وديرالزور، وبشكلٍ كامل على محافظات: إدلب، حماة، حمص، اللاذقية، طرطوس، ودمشق، وتدمر، والثانية وتتمثل بـ” الجيش الوطني” ويسيطر على الريف الشمالي لمحافظة حلب بشكلٍ كامل، وانتشارٍ ضمن قوات رد العدوان، والثالث: ويتمثل بـ” قوات سوريا الديمقراطية”، وتسيطر على محافظة الحسكة بشكل كامل، ومعظم محافظة الرقة، ونسبة من ديرالزور، وأجزاء من حلب. والخط العريض الذي طرحه ” أحمد الشرع” قائد المرحلة الجديدة، فيما يخص الحالة الفصائلية فإن على جميع الأطراف المسلحة، عليها أن تسلم سلاحها للدولة السورية الجديدة، وأن ينخرط عناصرها في الجيش السوري في حال رغبتهم في الاستمرار في القطاع العسكري.
يورد إسم ” قسد ” ضمن الأطراف التي ضمن حكومة دمشق بتسليم سلاحها، ( ورغم إن بقية الفصائل لم تقدم على ذات الخطوة حتى الآن)، إلا أن التركيز على “قسد” هو نتيجة عوامل عدة، منها اختيار “قسد” حالة من الانفصال عن ” معارضة نظام دمشق السابق عسكرياً على أقل تقدير”، بالإضافة لتواجد عناصر حزب العمال الكوردستاني، وهو أحد أهم العوامل أمام انخراط تركيا في ثلاثة عمليات عسكرية (درع الفرات: 2016، وغصن الزيتون: 2018، ونبع السلام: 2019). وهو أمرٌ أعاد مصير ” قسد ” ليتم نقاشه وفق عدة توازنات، منها داخل سوريا، ويرتبط بالسلطة الجديدة في دمشق، وكيفية مقاربتها للحالة الفصائلية في سوريا، بالإضافة للنظرة التي ستنطلق منها للتوافق مع الأطراف السياسية الكُردية، والآخر مرتبط بوجود رغبة صارمة لدى تركيا لإنهاء حالة عسكرية “كردية” وتضم عناصر من حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، وتقدم تركيا هذه المرة بديلاً عن القيام بعملية عسكرية على مناطق جديدة شرق الفرات، متمثلة بمغادرة عناصر حزب العمال الكوردستاني، وانضمام عناصر ” قسد ” للجيش السوري الجديد، كما دعا وزير الخارجية التركي في زيارته لدمشق حكومة تصريف الأعمال لضمان حقوق كافة المكونات السورية ومن ضمنهم الكرد، والأخير يرتبط بتموضع الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط والإستراتيجية الأمريكية التي ستقوم بها إدارة واشنطن الجديدة في شرق أوسط جديد، شهد سقوط ” نظام الأسد” وتراجع هائل للنفوذ الإيراني، إضافة إلى الإطار الذي ينظم التواجد الأمريكي في سوريا والمتمثل سابقا ب: محاربة تنظيم الدولة وعدم السماح بظهوره من جديد، وعدم السماح للنظام السوري بالاستفادة من موارد النفط، والأخير يتمثل بإعاقة مرور الفصائل العراقية والمتعددة الهويات المرتبطة بإيران، والتي كانت تنتشر في العديد من الجبهات والمدن السورية.
الخطوط العريضة أسست لسيناريوهات مستقبل قسد
يتسم المشهد السوري بوجود احتمالات كثيرة للتغير، بناءً على قِصر المدة التي مرت على سقوط ” نظام الأسد” وهي أنهت حتى الآن شهرها الأول، إلا أن مجريات الأحداث والتصريحات الصادرة سواءً من قبل الدول المتصدرة للمشهد السوري، أو بالنسبة لحكومة تصريف الأعمال، أبرزت الخطوط العريضة التي تم ذكرها خلال الورقة على المسارين السياسي والعسكري المتمثلة بوجود رغبة دولية لضبط الأمن في سوريا، إلى جانب وجود إعتراض تركي مبدأي على بقاء قوات سوريا الديمقراطية بهيكليتها ونفوذها الحالي، مع وجود رغبة لدى الحكومة الجديدة في دمشق بعدم العودة للقرار 2254 فيما يتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقالي وفق الصيغة التي وضعت مع وجود “نظام الأسد”، وهذه الخطوط تؤسس لمجموعة من السيناريوهات المستقبلية فيما يتعلق بـ “قسد” وهي قابلة للتغير بناء على عوامل هامة عدة، أهمها مدى نجاح الحكومة السورية بخلق توازن حقيقي يتوافق مع المخاوف الدولية من سيطرة أطرافٍ ” متطرفة على الحكم، أو حدوث إنهيارٍ أمني كامل يؤدي لعودة ظهور تنظيم الدولة، أو يدفع باتجاه حدوث حربٍ أهلية تضعف الأمن الإقليمي”، وهي التي كانت سابقا تعرقل الوصول لحل في سوريا ” لا يكون فيه الأسد جزءاً منه.” أما فيما يتعلق بـ ” قوات سوريا الديمقراطية” فهناك ثلاث سيناريوهات متوقعة، ستحاول الورقة معالجتها وهي:
أولاً: الوصول لتفاهمات مشتركة مع دمشق
يتم تداول إحتمالية التوافق على دمج لقوات “قسد” ضمن الجيش السوري، من قبل عدة أطراف، وهو أمرٌ قد أعلنت قيادة قسد استعدادها لتنفيذه والقيام به ضمن خارطة طريقٍ واضحة، كما أعلنت حكومة دمشق تقبلها للأمر بعد مغادرة العناصر الأجنبية ضمن “قسد”، وتعتمد على العديد من العوامل السياسية، الميدانية، والإقليمية، منها مصير الهوية والتشكيل العسكري لقسد، وللجيش السوري الجديد، بناءً على تباين الأيديولوجيات والأهداف السياسية. فقوات سوريا الديمقراطية تمثل تحالفاً متعدد الأعراق يعتمد تصوراً “أقرب للعلمانية” كعقيدة عسكرية، وتسعى لتحقيق “إدارة ذاتية ديمقراطية في شمال وشرق سوريا”، إلى جانب تشربها بمفاهيم تستمد منبعها من ” مقاربات عبدالله أوجلان”، زعيم ” حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا”، وهي مفاهيم وهوية وحتى أهداف تختلف جذرياً عن أهداف حكومة دمشق التي تسعى إلى استعادة السيطرة المركزية (وفق تبيان أحمد الشرع) على كافة الأراضي السورية، أما هيئة تحرير الشام بعناصرها، فلها توجه أيديولوجي إسلامي، وفي حين تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم “لقوات قسد”، تحاول هيئة تحرير الشام أن تظهر بصورة ” قوة مستقلة”، رغم بدأ ظهور محاولات غير مباشرة من تركيا بمواءمة الهيئة لقرارها العسكري وفقاً للتفاهمات مع تركيا، خاصة أن الهيئة تعاني من مأزق تصنيفها على ” لوائح الإرهاب”.
يحتاج هذا السيناريو لحدوث توافق يتم بناؤه اعتماداً على تفاهماتٍ دقيقة، وثقة قوية بين الطرفين، في ظل اختلاف الجهات الداعمة، وعلى ضرورة مراعاة وجود أطراف محلية أخرى ( الجيش الوطني السوري، والمجلس الوطني الكُردي مع قوات بيشمركة روج )، والأهداف المتعلقة بالتصور حول صيغة حكم سوريا (حكم ذاتي، إدارة محلية موسعة)، وما تفرزه من اختلاف في وجهات النظر فيما يخص الموارد والثروات الطبيعية من نفطٍ وغاز، ومحصول القمح بشكلٍ رئيسي وتقع معظمها تحت سيطرة ” قسد ” حالياً. يرتبط هذا السيناريو بشكلٍ كبير بالحدث الأهم والذي بدأ منذ 22/10/2024، والمتمثل بدعوة رئيس الحركة القومية ” دولت بهجلي” لرئيس حزب العمال الكُردستاني، عبدالله أوجلان، لإمكانية القدوم للبرلمان التركي، وإعلان حله لحزب العمال الكُردستاني، وخلال الشهرين الماضيين تطورت الخطوات إتجاه عقد عملية سلامٍ جديدة، بين الدولة، وزعيم حزب العمال، ولهذه العملية إرتباط وثيق ” بمصير شمال سوريا”، وهو أمرٌ ستترشح تبعاته خلال الأيام القليلة التي نمر بها الآن.
سيكون لهذا السيناريو في حال تحققه فرص كبيرة للطرفين، كونه سيجنب المنطقة من احتمالات حدوث عمليات عسكرية كبيرة، إلى جانب الإسراع في بناء الجيش السوري الجديد، والاستفادة من طبيعة قوات ” قسد” لإحداث توازن في هوية الجيش السوري، الديمغرافية والأيديولوجية، مع احتمالية تسريع التعافي في المجتمع والاقتصاد السوري نتيجة تحسين إدارة الثروات، إلى جانب إمكانية استخدام عناصر ” قسد” المنضمين للجيش الجديد في مناطق تشهد بعض التجاوزات، والتقليل من مخاوف عودة ظهور “تنظيم الدولة” والاستفادة من العلاقات التي يتمتع بها الطرفان لتقوية صلات دمشق الدولية كعاصمة متمتعة بتوافق سوري جمعي. كما سيخفف أي نجاحٍ حاصل بين القوى السورية المختلفة أية تخوفاتٍ لدى الدول العربية، من طبيعة القوات المسيطرة على دمشق، فيما يتعلق بملفاتٍ تتمثل باحتمالات استفادة تنظيمات متطرفة من أية خلافاتٍ كبيرة، إلى جانب عدم تحول دمشق لمنصة للمعارضات العربية.
ثانيا: تأخر الوصول لتوافق واستمرار الإشتباكات مع الجيش الوطني وتوسعها
تجنبت ” غرفة ردع العدوان، وإدارة العمليات العسكرية، ولاحقاً الحكومة التي تشكلت في دمشق”، إحداث أية مواجهات مع قوات سوريا الديمقراطية، بل يظهر العكس حتى الآن، وقد ظهر عبر عدة تطورات، منها تقدم “قسد” اتجاه مطار حلب الدولي، لاحقاً انسحابها لصالح ” ردع العدوان”، وكذلك حدث الأمر في مدينة ديرالزور، حيث سيطرت ” قسد ” على المدينة بعد انسحاب قوات النظام منها، وقامت بتسليم المدينة لغرفة ” ردع العدوان” بعد وصول قواتها إبان سقوط النظام، وكذلك حالة التفاهم غير معلنة في حيي ” الشيخ مقصود والأشرفية” في مدينة حلب، بالإضافة إلى عدة تصريحات يمكن اعتبارها إيجابية سواءً من جهة أحمد الشرع، ” قائد الإدارة السورية الجديدة، ومظلوم عبدي ” قائد قوات سوريا الديمقراطية”، وتوجت هذه التصريحات الإيجابية بلقاءٍ حدث بين الجانبين، بتاريخ 31/01/2025، في دمشق وتم وصفها وفق “مصادر لها إطلاع على مجرياته بالإيجابية“.
تتوقف احتمالات عدم المواجهة بين الطرفين، و الوصول لتفاهمات واتفاقات، تؤدي لخارطة طريق بينهم لكيفية دمج القوات العسكرية، وكيفية إدارة الثروات الباطنية التي تقع ضمن مناطق ” سيطرة قسد “، على عدة عوامل محلية وإقليمية، وفيما يتعلق بالمحلية فتتمثل بشكل رئيسي حول مدى تفهم الجانبين للاختلافات الايديولوجية، وطبيعة البنية العسكرية، ومدى تمثيل ” قسد” للمكونات الإثنية المنتشرة في مناطقها ( عرب، كورد، مسيحيين ) مع كيفية حل الخلافات البينية بين هذه المكونات نفسها فيما يتعلق بالتمثيل في دمشق، الأمر الآخر يتعلق بالخطوات التي تقترحها دمشق في ذات العناوين السابقة، لكن هذه المرة بالتوافق مع ” الجيش الوطني السوري”، المدعوم تركياً، والذي كان رأس الحرب في 3 عمليات عسكرية نفذتها تركيا في شمال سوريا ( درع الفرات 2016، ضد داعش، و2018، غصن الزيتون على عفرين، و2019، نبع السلام وتم تنفيذها في شرق الفرات على المنطقة الواصلة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض وبعمق 30 كم).
تحتاج “الإدارة السورية الجديدة”، لعقد توافقات ثلاثية داخلية بينها، وقسد، والجيش الوطني السوري، بما يقلل من المخاوف التركية من طبيعة ” قوات قسد”، وفي حال فشل التوجه نحو عقد هذه التوافقات، فمن المحتمل أن تقوم تركيا والجيش الوطني السوري، برفع مستوى المواجهة، لدرجة تصل إلى تدخل عسكري أوسع في مناطق سيطرة قوات ” قسد “، شرق الفرات، وتحاول تركيا السيطرة على مدينة كوباني/ عين العرب، بحيث تحقق تواصل جغرافي في مناطق سيطرة الجيش الوطني المتحالف معها، بالإضافة إلى إضعاف ” قسد” وحصرها في محافظة الحسكة وما يتبقى من دير الزور.
ثالثاً: استمرار حالة اللاتوافق دون مواجهات شاملة
يتمثل السيناريو الثالث، والأقل حظوظاً في التحقق، نظراً للضرورات التي يفرضها سقوط النظام، بإمكانية بقاء الحال لفترة قادمة على ما هو عليه؛ أي إستمرار غياب الاعتراف السياسي، مع استمرار “قسد” في العمل ككيان سياسي وعسكري مستقل، ولكن بدون اعتراف رسمي من الحكومة الجديدة أو المجتمع الدولي، وهذا الوضع سيجعلها عرضة للتهميش السياسي والدبلوماسي ويضعف قدرتها على التفاوض أو تأمين دعم دولي مستدام، فيما عدا عم التحالف الدولي الذي تحصل عليه الآن من الولايات المتحدة الأمريكية ضمن هدف محاربة ” تنظيم الدولة”، ويفرض هذا السيناريو في حال تحققه لاستمرار حالة المواجهة العسكرية في الشمال السوري، بين ” قسد والجيش الوطني”، وسيؤدي غياب التنسيق إلى أزمات اقتصادية وإنسانية وأمنية سواءً في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، مثل نقص الموارد والخدمات الأساسية، أو في مناطق سيطرة ” الحكومة السورية الجديدة”، نظراً لحاجتها للوصول للسدود، والقمح، والنفط والغاز بشكلٍ أكبر.
الخلاصة
بقي ملف ” قوات سوريا الديمقراطية ” التي تشكل وحدات حماية الشعب عمادها، كأحد الملفات الشائكة خلال سنوات الثورة في سوريا، بشكلٍ رئيسي نتيجة عاملين: الأول يتعلق بالخلافات المحلية بين قوى المعارضة السورية بشكلٍ عام، والقوى في شمال سوريا بشكلٍ خاص، نتيجة اختيار ” حزب الإتحاد الديمقراطي PYD”، المؤسس للإدارة الذاتية، ما يسمى بالخط الثالث للمعارضة، ومهادنته عسكرياً للنظام السوري السابق، والثاني يتمثل برؤية تركيا لأي تنظيم له إرتباط بحزب العمال الكُردستاني كتهديد للأمن القومي التركي.
هذه الخلافات أدت لحدوث قطيعة بين قوات قسد ومظلتها السياسية، وبين القوى المحلية المختلفة سواءً العربية، أو الكُردية المتمثلة بالمجلس الوطني الكُردي، كما أدت لتنفيذ تركيا ثلاثة عمليات عسكرية استهدفت الشمال السوري في مناطق تواجد ”قسد“.
جاءت عملية ردع العدوان التي نجحت في إسقاط النظام لتغير موازين القوى ليس فقط في سوريا، بل في المحيط الإقليمي، وانعكس هذا الأمر على قوات سوريا الديمقراطية، التي وجدت نفسها فجأة في موقف مواجهة مع ” الجيش الوطني السوري“ المدعوم من تركيا، ومن جهة أخرى في هدنة غير معلنة مع غرفة ” عملية ردع العدوان“.
عملت الولايات المتحدة على عدة مسارات في سبيل الوصول لتهدئة في شمال سوريا، مثل عقد هدنة بين ” الجيش الوطني، وقسد، وتركيا”، بالإضافة إلى قيام قواتها بدورياتٍ عدة في منطقة شرق الفرات، كما عادت لإنشاء نقطة عسكرية في مدينة كوباني/عين العرب، وسارت كافة هذه الخطوات ضمن دبلوماسية نشطة، في محاولة للوصول لتفاهمات تجنبها حربٍ واسعة، كما إن التصريحات الرسمية التي أطلقها وزير الخارجية التركي حاقان فيدان من دمشق إبان سقوط، النظام، وقائد المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، كلها تصب في إتجاه حلٍ سلمي، دون عملية عسكرية ضخمة.
وفرت هذه التصريحات والخطوات الإيجابية، فرصة للتوافق بين ” قوات سوريا الديمقراطية، وحكومة دمشق الجديدة“، وأعلنت أطراف مقربة من قسد بأنها كانت إيجابية، وإنطلاقاً من جملة الأحداث الحاصلة قدمت الورقة ثلاثة سيناريوهات بينما يعتبر الأكثر ترجحا وفق سير الأحداث هو نجاح السيناريو القاضي بتراجع احتمالات المواجهة، مقابل الاتفاق على كيفية دمج قوات ” قسد“ بالجيش الوطني، إلى جانب المشاركة في العملية السياسية الوطنية، وهي العملية التي ترتبط بشكل وثيق بمجريات الأحداث الخاصة بعملية السلام في تركيا.
المراجع:
١- المرصد: 528 ألف قتيل خلال سنوات النزاع في سوريا، الشرق الأوسط: 1/1/2015،
2- الشبكة السورية: عدد المعتقلين ولا يعرف مصيرهم يتجاوز 112 ألفا، شبكة الجزيرة، 28/12/2024،
3- حقائق بشأن اللاجئين والنازحين،25/07/2023، بنيان، https://bonyan.ngo/idps-and-refugees/difference-between-refugees-displaced/?lang=ar
4- أنكرت وجودها في تل رفعت.. “قسد” تنفي قبول الانسحاب من “الشيخ مقصود والأشرفية” بحلب، شبكة الشام، 1/12/2024، https://shaam.org/news/syria-news/%D8%A3%D9%86%D9%83%D8%B1%D8%AA-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%84-%D8%B1%D9%81%D8%B9%D8%AA-%D9%82%D8%B3%D8%AF-%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%A8%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D9%82%D8%B5%D9%88%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%AD%D9%84%D8%A8
5- قوات قسد الكردية تتجه إلى مطار حلب الدولي، 30تلفزيون الشرق للأخبار، /11/2024،
https://www.facebook.com/watch/?v=453057197825787
6- Suriye Milli Ordusu Barış Pınarı Harekatı’nda toplam 93 şehit verdi، وكالة الأناضول، 23/10/2019، https://www.aa.com.tr/tr/baris-pinari-harekati/suriye-milli-ordusu-baris-pinari-harekatinda-toplam-93-sehit-verdi/1623854
7- “فجر الحرية”.. انضمام العديد من القرى إلى مدينة تادف المحررة وغنائم وأسرى النظام تتزايد، شبكة الشام، 30/11/2024، https://shaam.org/news/syria-news/%D9%81%D8%AC%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%89-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%AF%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%BA%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%88%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%AA%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D8%AF?utm_campaign=nabdapp.com&utm_medium=referral&utm_source=nabdapp.com&ocid=Nabd_App&fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTAAAR1_3zFzZA1sDW0LMretwFZde6dvZm1BFasDRoeDnEexjVv5LBXIRHm_qxg_aem_AobuR5sthMdFNNLA9SnZBw
8- ” فجر الحرية وصل”.. قوات المعارضة السورية تسيطر على مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، الجزيرة مباشر، 08/12/2024، https://www.youtube.com/watch?v=7rrIPKtORnE
9- “قسد” تخسر 5% من مناطق نفوذها في سوريا أمام فصائل “فجر الحرية”، العربية، 24/12/2024. https://www.youtube.com/watch?v=sMhGHc_SYl4
10- Bahçeli’nin Öcalan çağrısına siyasetin tepkisi nasıl oldu? ، بي بي سي، 22/10/2024. https://www.bbc.com/turkce/articles/c2kdk9581z0o
11- محادثات “إيجابية” بين الشرع وقوات سوريا الديمقراطية، شفق نيوز، 31/12/2024، https://www.shafaq.com/ar/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9-%D9%88%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9