تنزيل الـ PDF

ما بعد دورتين انتخابيتين إسرائيليتين: حكومة ائتلاف أم انتخابات ثالثة في الأفق؟ 

هذه الدراسة مترجمة من اللغة الانجليزية عن منتدى الشرق.

الخلاصة: في 17 سبتمبر، توجَّه الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع مرةً أخرى بعد فشل محادثات الائتلاف في أعقاب انتخابات 9 أبريل. وعلى الرغم من حدوث العديد من التغييرات في الدعم الشعبي لبعض الأحزاب السياسية، فإن نتائج الانتخابات الثانية لم تخلص بأي تغيير جذريٍّ عمَّا حدث في الانتخابات الأولى. ففي خضمِّ عملية محاكمة بنيامين نتنياهو، أصبحت مساحة المناورة للسياسيين الإسرائيليين ضيقةً. وإذا لم تستخدم الجهات الفاعلة السياسية هذا المسارَ الضيق للخروج من الجمود السياسي، فمن المحتمل جدًّا إجراء انتخاباتٍ ثالثة بدون نتنياهو.

مقدمة 

لأول مرة في تاريخ إسرائيل، اضطرت البلد إلى إجراء دورة انتخابية ثانية بعد الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية عقب انتخابات شهر أبريل. تعتبر كلٌّ من هاتين الدورتين الانتخابيتين والفترة الانتقالية بين الاثنتين مهمَّةً في تشكيل مستقبل التقارب العربي الإسرائيلي، وكذلك في تطبيق “صفقة القرن”، التي أثارت ردود فعلٍ غامضة من الأحزاب السياسية في إسرائيل باستثناء انتقاداتٍ من الشخصيات السياسية اليمينية المتطرفة[1].

ومع ذلك، وكما أظهرت أجواء ما بعد الانتخابات، فلا يوجد حتى الآن أيُّ تفسير للقضايا المطروحة أو أيُّ تفسيراتٍ متوقَّعة في المستقبل القريب. إن نتائج انتخابات 17 سبتمبر هي النتائج نفسها للانتخابات السابقة في شهر أبريل، وعلى الرغم من أن حكومة ائتلافية بين الحزبين الكبيرين تبدو كأنها الخيار الأكثر احتمالًا، فإن إمكانية إجراء انتخاباتٍ ثالثة لا تزال مطروحةً. سوف تناقش هذه الورقة نتائج الانتخابات الثانية في شهر سبتمبر، والتي أظهرت أربع حقائق مهمَّة في السياسة الإسرائيلية، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية.

أولًا: إن حزب الليكود اليميني الذي كان يهيمن على المجال السياسي الإسرائيلي منذ ما يقرب من عَقْدٍ من الزمان تحت قيادة بنيامين نتنياهو، يقف عند مفترق طرق. ثانيًا: على الرغم من أن الحزب قد زاد من أصواته في فترة الحكومة المؤقتة، فإن الهيكل متعدِّد الأوجه لحزب كاشول لافان (الأزرق والأبيض) وعدم وجود شركاء فعَّالين من الأحزاب اليسارية المعتدلة لتشكيل حكومة ائتلاف يضع مستقبل الحزب موضعَ تساؤل. ثالثًا: بعد التأثير التدريجي لليمين الديني، يبدو أن الأصوات العلمانية متَّحدة وتزيد من تكتُّلها على نحوٍ متزايدٍ تحت قيادة أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا. رابعًا: يمكن أن تظلَّ المشاركة المتزايدة للمواطنين العرب في إسرائيل في النظام السياسي بمثابة مبادرة غير مطلوبة.

نتائج انتخابات سبتمبر وسيناريوهات التحالف

فيما يتعلَّق بالتغيير الذي حدث منذ الانتخابات الأولى في شهر أبريل، هناك عدَّة نقاط تجدر الإشارة إليها. أولًا: التغيير الأكبر هو أن حزب الليكود قد خسر ما يكفي من الأصوات لينتهي به المطاف في المرتبة الثانية. وعلى الرغم من اندماج الحزب مع حزب كولانو التابع لموشيه كاهلون بـ 4 مقاعد في انتخابات أبريل، فقد انخفض عدد الأصوات والمقاعد التي حصل عليها بشكلٍ كبير. ثانيًا: على الرغم من أن الحزب قد خسر مقعدين في الكنيست في فترة الحكومة المؤقتة، فإن حزب “الأزرق والأبيض” زاد من شعبيته بزيادة 25 ألف صوت وتصدَّر قمَّة التنافس. ثالثًا: قام حزب إسرائيل بيتنا الذي لعب موقعًا رئيسًا في جهود تشكيل الائتلاف بـ 5 مقاعد في الانتخابات السابقة هذا العام، بتحسين موقفه وأصبح أكثر أهميةً في تشكيل التطورات المقبلة في السياسة الإسرائيلية. رابعًا: أصبحت الأحزاب العربية التي دخلت الانتخابات السابقة كفصيلين منفصلين أكثر فاعليةً عن طريق الدخول في الانتخابات الأخيرة بقائمة موحدة هذه المرة، مما زاد من مقاعدها بشكلٍ فعَّال. أخيرًا: يبدو أن استراتيجية توحيد الأحزاب اليمينية المتطرفة في عهد حزب يمينا، بقيادة عيليت شاكيد، قد أثمرت على ما يبدو، مما أدى إلى زيادة مقعدين لها. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية نفسها التي استخدمها الحزب اليساري مع رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، لم تكن لها النتيجة نفسها.

نتائج الدورتين الانتخابيتين الإسرائيليتين في عام 2019

انتخابات 17 سبتمبر

اسم القائمة عدد الأصوات الصحيحة ٪ من إجمالي الأصوات عدد المقاعد
أزرق وأبيض 1,151,214 25.95 33
الليكود 1.113.617 25.10 32
القائمة المشتركة 470.211 10.60 13
شاس 330.199 7.44 9
إسرائيل بيتنا 310.154 6.99 8
يهدوت هتوراة 268.775 6.06 7
يمينا 260.655 5.87 7
قائمة جيشر-حزب العمل 212.782 4.80 6
الاتحاد الديمقراطي 192.495 4.34 5

انتخابات 9 أبريل

اسم القائمة عدد الأصوات الصحيحة ٪ من إجمالي الأصوات عدد المقاعد
الليكود 1.140.370 26.46 35
أزرق وأبيض 1.125.881 26.13 35
شاس 258.275 5.99 8
يهدوت هتوراة 249.049 5.78 8
الجبهة-الحركة العربية 193.442 4.49 6
حزب العمال الإسرائيلي 190.870 4.43 6
إسرائيل بيتنا 173.004 4.01 5
اليمين المتحد 159.468 3.70 5
ميريتز 156.473 3.63 4
كولونا 152.756 3.54 4
البلد-القائمة العربية 143.666 3.33 4

المصدر: الموقع الرسمي للكنيست (البرلمان الإسرائيلي).

بعد إعلان النتائج الرسمية، كُلِّف نتنياهو من قِبل الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين بتشكيل حكومة ائتلافية، حيث رُشِّح كرئيس للوزراء من قِبل عددٍ من البرلمانيين أكثر من حزب “الأزرق والأبيض” المنتصر. ومع ذلك، مع إعادة نتنياهو تكليفه إلى ريفلين في 21 أكتوبر، يعتزم الرئيس الإسرائيلي تكليف غانتس بتشكيل حكومة ائتلافية. وإذا فشل أيضًا في هذه المحاولة، فستُجرى انتخابات ثالثة في حوالي شهر فبراير. يمكن سرد السيناريوهات المختلفة الممكنة للحكومة الائتلافية على النحو التالي:

حكومة وحدة بين الليكود والأزرق والأبيض

قد يبدو هذا الخيار على الأرجح هو الطريق للخروج من الجمود الانتخابي في البلاد. وعلى الرغم من فشل الحزبين في المفاوضات قبل أن يتمَّ تكليف نتنياهو من قِبل الرئيس بتشكيل الحكومة، فقد أفادت التقارير أن الرئيس ريفلين قد فضَّل أيضًا خيار “رئيسين للوزراء متزامنين”، اقترح فيه على الزعيمين حكومة وحدة يتمتَّع فيها “رئيس وزراء مؤقت” بجميع سلطات رئيس الوزراء في حال إذا اضطر رئيس الوزراء لأخذ إجازة. [2] وعلى الرغم من رفض غانتس هذا الاقتراح [3] وذلك لرفضه المشاركة في ائتلافٍ مع رئيس وزراء ملاحق قضائيًّا[4]، فقد أبدى استعداده للتفاوض بشرط أن يكون رئيس الوزراء وليس نائب رئيس الوزراء بينما يتمُّ تعليق نتنياهو من رئاسة الوزراء مع لائحة اتهام[5].

بالإضافة إلى ذلك، سيتعيَّن على غانتس مواجهة تحديين إذا وافق على تشكيل ائتلافٍ مع الليكود. أولًا: يعتمد حزب “الأزرق والأبيض” على ثلاثة أحزاب صغيرة يسارية مركزية (حزب هوسين ليسرائيل الذي يقوده غانتس، وحزب يش عتيد [هناك مستقبل] الذي يقوده يائيل لابيد، وحزب موشي يعلون لتيليم). فإذا وافق على أن يصبح رئيس وزراء إما أولًا أو ثانيًا في اتفاقية التناوب، فلا يوجد ضمان بعدم انهيار حزب “الأزرق والأبيض”. ثانيًا: حتى لو تمَّ تجاهل الخلافات لفترة وتمَّ تشكيل الائتلاف، فمن المتوقَّع أن يكون العمر الافتراضي لهذه الحكومة قصيرًا بسبب الخلافات الخطيرة حول الأجندة السياسية للبلد، خاصةً فيما يتعلَّق بالمسائل الأمنية. في الواقع، من المذهل أن ثلاثة من كبار القادة السابقين الذين خدموا في ظلِّ حكومة نتنياهو، قد اتحدوا تحت وحدة سياسية واحدة من أجل معارضة رئيسهم السابق.

يجلب هذا المأزق بديلًا آخر في خيار حكومة الوحدة. فقبل الانتخابات الثانية، قيل إن غانتس لن يعترض على تشكيل ائتلاف مع حزب الليكود بدون نتنياهو وإبرام اتفاق تناوب مع زعيم آخر في الليكود[6]. ولهذا السبب، قد يعتزم غانتس عزل نتنياهو من قيادة الليكود (إما عن طريق لائحة اتهام أو عن طريق انتخاب زعيمٍ جديدٍ داخل الحزب). في الواقع، فإن فشل نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية مرتين في السنة، قد زاد من تهديد منصبه القيادي داخل الحزب. ومع ذلك، لن يتمكَّن حزب الليكود بدون نتنياهو من الحفاظ على استقرار قوته الانتخابية، الأمر الذي سيعرض استقرار حكومة ائتلافية للخطر.

الحكومات المدعومة من ليبرمان

قد يُظن أن حزب إسرائيل بيتنا الذي يقوده ليبرمان هو الحزب الأكثر فائدةً في الوقت الحالي؛ لأنه يمكن أن يحافظ على امتياز منصب “صانع الملك” بعددٍ متزايدٍ من الأصوات في فترة الستة أشهر. في محادثات الائتلاف، لدى ليبرمان فرصة ليكون في ائتلاف يساريٍّ وسطيٍّ بقيادة حزب “الأزرق والأبيض” أو تحالف يميني بقيادة حزب الليكود بمقاعده الاستراتيجية الثمانية في الكنيست. إن أجندة الحزب المؤيدة للعلمانية التي ترافق خطابًا وطنيًّا تمكِّنه من أن يكون شريكًا محتملًا لكلا الجانبين. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه سينضمُّ إلى أيِّ جهودٍ لتشكيل الائتلاف؛ لأن ليبرمان لم يوصِ بعدُ بأيِّ مرشحٍ لمنصب رئيس الوزراء حتى الآن.

من أجل دمج حزب إسرائيل بيتنا في الائتلاف، هناك تحديان مترابطان يحتاجان إلى حلٍّ من قِبل الأحزاب التي تشكِّل الائتلاف. أولًا: يمكن لشعبية ليبرمان المتزايدة كصوتٍ للناخبين العلمانيين أن تظهر في المطالب السياسية المتزايدة له، بما في ذلك التناوب في منصب رئيس الوزراء[7]. وتقودنا هذه المطالب إلى التحدي الثاني، الذي كان في النهاية سببَ فشل نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلاف بعد الانتخابات السابقة في شهر أبريل. إذ يرفض ليبرمان الانضمام إلى تحالف مع الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة؛ وبدلًا من ذلك، لديه أجندة سياسية لتقويض هيمنة اليهود الأرثوذكس في الحياة اليومية والإعفاء من الخدمة العسكرية. أي إن تورط الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة في أي نوعٍ من الائتلاف من شأنه أن يجعلها تفقد دعم ليبرمان.

عندما يتعلَّق الأمر بالتحالف مع حزب “الأزرق والأبيض”، فإن هذا التحالف أقلُّ احتمالًا. فعلى الرغم من أن القيم العلمانية قد تكون مفيدةً في تشكيل ائتلافٍ بين كلا الجانبين، فضلًا عن العديد من الأحزاب اليسارية الأخرى، فلا تزال هناك حاجة إلى دعم القائمة المشتركة للوصول إلى 61 مقعدًا. ومع ذلك، صرح ليبرمان مقدمًا بأنه لن يجلس مع العرب في الائتلاف؛ لأن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة هم معارضون سياسيون بالنسبة إليه، لكن القائمة المشتركة هي بالتأكيد “عدو” له[8]. سيكون من غير المنطقي توقُّع دعم ليبرمان لمثل هذه المحاولة الائتلافية، على الرغم من أن القائمة المشتركة قد رشَّحت غانتس  لمنصب رئيس الوزراء دون أي طلبٍ للمشاركة في الائتلاف.

ما يريده ليبرمان واضح: حكومة وحدة بدعمٍ إضافيٍّ[9]. إذ إنه لا يريد تقييد رأس ماله السياسي من خلال الاعتماد ببساطة على حكومة يسارية أو يمينية، ويفضِّل خيارًا يمكنه من خلاله توسيع جمهوره وقاعدة الناخبين من خلال موقع رئيس في تشكيل حكومة الوحدة. لأنه حتى لو تمكَّن الحزبان من الوصول إلى الحدِّ الأدنى لعدد المقاعد مع ائتلافهما (65 مقعدًا)، فإن الاختلاف الطفيف في أربعة مقاعد يعرِّض مستقبل الائتلاف للخطر. وبالتالي، أخذ زمام المبادرة بشأن هذه المسألة من خلال اقتراح قبول عرض ريفلين على غانتس[10]. ومع ذلك، كما نوقش من قبل، فإن خيار حكومة الوحدة معه يعتمد في الغالب على الديناميات التي تتجاوز ليبرمان. والخلاصة، هذا الجمود السياسي يوصلنا إلى استنتاجٍ مفاده أن إمكانية مشاهدة انتخابات ثالثة في إسرائيل ليست بعيدة المنال.

الآفاق المستقبلية للأحزاب السياسية في إسرائيل

حزب الليكود

بصفته الخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة، ستكون المرحلة القادمة صعبةً بالنسبة إلى حزب الليكود، بغضِّ النظر عن النتيجة التي ستنجم عن عملية اتهام نتنياهو. فإلى جانب فقدان المقاعد، لم يعد الحزب أيضًا قادراً على الحفاظ على تركيبة التحالفات داخل هيكله الخاص، والتي تضمُّ شخصيات علمانية ودينية ووسطية ويمينية متطرفة في الوقت نفسه. وبعد هيمنتهم على المشهد السياسي الإسرائيلي خلال العقد الماضي، فمن المحتَّم أن يشهد الحزب بعض الانشقاقات في داخله. إن هذا الموقف مرتبطٌ بشكلٍ متوقعٍ مع نتنياهو نفسه. فإن وجوده تحت لائحة الاتهام بشأن عدَّة ادعاءاتٍ [11]، وتورط زوجته سارة وابنه يائير [21] في فضائح لتدخلهما في القضايا السياسية [31]، قد استنزف بالفعل صبر كلٍّ من الدوائر الحزبية والرأي العام.

علاوة على ذلك، فإن صورة “العلاقة المميزة” التي بناها نتنياهو بناءً على علاقته الوثيقة مع ترامب وبوتين في الوقت نفسه، قد شُوِّهت أيضًا بعد أن ظهر ترامب [41] لينأى بنفسه عن نتنياهو من خلال التأكيد على أن العلاقة الأمريكية “مع إسرائيل”. وفي غضون ذلك، جعله بوتين ينتظر ثلاث ساعاتٍ لحضور اجتماع في سوتشي[51]. وبالتالي، فقد بدأ الرأي العام بالفعل بالنظر إليه على أنه السبب الأكبر لإجراء انتخاباتٍ ثالثة محتملة في البلاد. فوفقًا لاستطلاعٍ للرأي أجرته القناة 12 [61]، قال 33٪ من الذين استُطلعت آراؤهم إن ذلك سيكون خطأ نتنياهو إذا ما اضطروا إلى المشاركة في الانتخابات مرةً أخرى، بينما يعتقد 52٪ (بما في ذلك 33٪ من ناخبي الليكود) أنه يجب عليه التنحي وأن يدع عضو ليكود آخر يشكِّل الحكومة المقبلة.

في الحقيقة، صرح الحزب مؤخرًا [71] أن نتنياهو يفكِّر في الدعوة إلى انتخاباتٍ مبكِّرة مبدئية لتبديد “وهم التمرُّد” داخل الليكود. جدعون سار، المنافس الرئيس لنتنياهو [81]، قال بسرعة إنه مستعدٌّ في منشور على تويتر[91]. ووفقًا لاستطلاعٍ للرأي شمله الخليفة المفضَّل في قيادة الليكود، يتقدَّم سار بنسبة 31٪ من الدعم بمرتبة أعلى من رئيس الكنيست يولي إدلشتاين (11٪)، ووزير خارجية إسرائيل كاتز (5٪)، ووزير الأمن العام جلعاد أردان (5٪)[20]. وتدلُّ هذه الحقائق على أن هيمنة حزب الليكود على وشك الانتهاء على المدى القصير بغضِّ النظر عن نتائج عملية محاكمة نتنياهو. ومن الممكن أن يؤدي فشله في تشكيل حكومة مرتين في السنة إلى تسريع التنافس داخل الحزب.

حزب “الأزرق والأبيض”

على الرغم من أن الحزب قد حقَّق إنجازاتٍ كبيرةً في مثل هذه الفترة القصيرة من الانتخابات، فإن حزب “الأزرق والأبيض” لا يزال يواجه العديد من التحديات التي قد تحدِّد مدى عُمر التحالف داخله. فعلى سبيل المثال، قد يخلق تعدُّد الشخصيات الرائدة مشاكلَ في المستقبل. من بينهم ثلاثة من كبار الجنرالات السابقين في الجيش الإسرائيلي (غانتس، وأشكنازي، ويعلون)، وقد تحدث احتكاكاتٌ في عملية صنع القرار. وعلاوة على ذلك، انضمَّ لبيد – بصفته شخصيةً إعلامية سابقة – إلى التحالف بشعبية متزايدة، وقد تؤدي مطالبه المتزايدة إلى مشاكل مع شخصياتٍ بارزة في حزب “الأزرق والأبيض”.

ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي مرتبطٌ فعليًّا بهوية الحزب. فحتى الآن، كان الجانب الأكثر تميزًا في حزب “الأزرق والأبيض” هو موقف “مناهض لنتنياهو”، وهو مدينٌ بالكثير من إنجازه الانتخابي على المدى القصير لهذا العامل. ومع ذلك، لا يزال الحزب يفتقر إلى جدول أعمالٍ واضحٍ فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية والأقليات في إسرائيل والشؤون الاقتصادية. وعلى الرغم من أنه أكَّد خطابيًّا على قضايا مثل التعاون العالمي في مجال الأمن، فإن قضايا مثل الاعتراف بالإسرائيليين العرب كمواطنين متساوين، ومطالبة اليهود المتدينين بالخدمة في الجيش في برنامجه الحزبي[12]، وأين يختلف الحزب عن حزب نتنياهو، لا يزال موقف الحزب منها غامضًا. وما لم يتم تشكيل حكومة وحدة، والتي ستكون كذلك مكلفةً للحزب، فإن مثل هذه المصطلحات الغامضة التي تشكِّل هوية الحزب قد تمنع ظهور الحزب في مستقبل سياسيٍّ دون نتنياهو.

حزب إسرائيل بيتنا

بوصفه أكبر فائز في الانتخابات الثانية، ستستند استراتيجية حزب إسرائيل بيتنا إلى تعزيز وجوده بين الناخبين العلمانيين في المجتمع الإسرائيلي[22]. إذ إن النقطة الأكثر بروزًا فيما يتعلَّق باستراتيجية حزب إسرائيل بيتنا هي أن الحزب تحوَّل تدريجيًّا من أن يصبح حزبًا “روسيًّا إسرائيليًّا” يتمتَّع بدعم الناخبين من المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى تبنِّي تمثيل الناخبين مع القيم العلمانية في جميع أقسام المجتمع الإسرائيلي. وفي الفترة المقبلة، يمكن أن يُتوقَّع من الحزب الحفاظ على هذه الاستراتيجية، مع الأخذ في الاعتبار التأثير المتزايد لليهود المتدينين في السياسة الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، ترتبط جهود ليبرمان لتوسيع نفوذه السياسي ارتباطًا وثيقًا بمستقبل الليكود ونتنياهو. وفي حالة طرد نتنياهو وانقسام الليكود في ظلِّ قيادة جديدة، فإن بعض الأعضاء العلمانيين والقوميين المتطرفين الذين لا يرضون بتأثير اليهود المتدينين في الحزب قد ينضمون إلى حزب ليبرمان على المدى المتوسط. ومع ذلك، فإن الانتخابات الثالثة المحتملة لن تقدِّم الزيادة نفسها في الأصوات كما في حالة انتخابات سبتمبر؛ لأنه لن يكون قادرًا على الوفاء بوعده بتشكيل حكومة وحدة.

القائمة المشتركة

أحد الفائزين في انتخابات سبتمبر كان القائمة المشتركة للأحزاب العربية الأربعة. فعندما دخلت أربعة أحزاب بشكلٍ منفصلٍ تحت مجموعتين في انتخابات أبريل، كان بإمكانها الحصول على 10 مقاعد. ومع ذلك، فإن الخطاب الصارم المعادي للعرب لنتنياهو في الانتخابات الثانية أظهر الحاجة إلى وحدة الأحزاب الأربعة، وعمل على زيادة إقبال المواطنين العرب في إسرائيل[32]. ومع ترشيحهم غانتس لتشكيل الحكومة التالية – تمامًا كما حصل إسحاق رابين على الموافقة نفسها قبل 25 عامًا – بدا أن المواطنين العرب في إسرائيل يفتحون حقبةً جديدةً في السياسة الإسرائيلية من خلال التحول إلى قوة سياسية نشطة بدلًا من ممارسة نفوذ محدود. ومع ذلك، بدا الأمر كما لو أن هذه الخطوة السياسية لم تواجه تداعيات كافية في السياسة الإسرائيلية، ناهيك عن ردَّة فعل حزب ليبرمان إسرائيل بيتنا عليها. وعلاوة على ذلك، ظهر احتكاك داخل القائمة المشتركة عندما رفض حزب البلد ترشيح غانتس. قد تؤدي هذه التطورات – في حالة الترشح للانتخابات الثالثة – إلى دخول الأحزاب العربية كقائمتين منفصلتين مثل انتخابات إبريل، وبالتالي من المحتمل أن تنخفض نسبة المشاركة في الناخبين العرب الإسرائيليين.

الخاتمة

بالنظر إلى هذه العوامل، يمكن القول إن حقبةً جديدةً في السياسة الإسرائيلية من المرجَّح أن تبدأ إما مع نتنياهو وإما من دونه، ومن المرجَّح أن تنتهي السنوات التي حكم فيها حزب الليكود كحزبٍ مهيمن. فقد أظهرت نتائج هذه الانتخابات أن الاستراتيجيات الانتخابية الناجحة القائمة على الاستفادة من ترسيم الانقسامات الاجتماعية قد ترتدُّ بالسلب على المدى الطويل. فابتداءً من انتخابات عام 2015، دافع الليكود بقيادة نتنياهو عن هذه الاستراتيجية من خلال استهداف العرب الإسرائيليين والاعتماد على الناخبين الصهيونيين المؤيدين لحركة المستوطنين. ومع ذلك، فقد أدت هذه الاستراتيجية إلى إنشاء حزبٍ مستنزف في الطيف الاجتماعي، وفشل في التعبير عن الناخبين في الوسط وكذلك العلمانيين.

إن هذه الفوضى في السياسة الإسرائيلية ستضع مستقبل الحل المثير للجدل المعروف بـ”صفقة القرن” موضعَ تساؤل. إذ إن التقارب العربي – الإسرائيلي يستند في الغالب على أساس تكتيكيٍّ وتخمينيٍّ بدلًا من أساس استراتيجيٍّ وسياسيٍّ. فهذه المشاريع هي – إلى حدٍّ كبير – مبادراتٌ قائمة على العلاقات الشخصية بين ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد. وطالما أن إسرائيل غير قادرة على المجيء بمَنْ يمثِّل مصالحها في المفاوضات حول حل القضية الفلسطينية، فإن مشاكل الفلسطينيين سوف تستمر في النمو والتغلغل بشكل أعمق.

المراجع


[1] “İZLE: Naftali Bennett Warns against ‘Deal of the Century’ – Israel Elections – Jerusalem Post,” Erişim Tarihi: 18 Ekim 2019, https://www.jpost.com/Israel-Elections/WATCH-Naftali-Bennett-warns-against-Deal-of-the-Century-601922.

[2] “Netanyahu Said to Have Agreed to Rivlin-Proposed Power Share Deal, Gantz Refused | The Times of Israel,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.timesofisrael.com/netanyahu-said-to-have-agreed-rivlins-proposed-power-share-deal-gantz-refused/.

[3] “Benny Gantz: Can’t Sit in Govt with PM under Indictment – Israel News – Jerusalem Post,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.jpost.com/Israel-News/Gantz-Cant-sit-in-govt-with-PM-under-indictment-600401.

[4] “Israel Election Results: Gantz Turns down President’s Co-Premiership Offer – Israel Election 2019 – Haaretz.Com,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.haaretz.com/israel-news/elections/.premium-israel-election-results-gantz-turns-down-president-s-co-premiership-offer-1.7909470.

[5] Lahav Harkov and Gil Hoffman, “Unity Government Breakthrough Possible with Gantz Eyeing Compromise – Israel Elections – Jerusalem Post,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.jpost.com//Israel-Elections/Unity-government-breakthrough-possible-with-Gantz-eyeing-compromise-604868.

[6] “Gantz to Accept Coalition with Likud, but without Netanyahu – Middle East Monitor,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.middleeastmonitor.com/20190910-gantz-to-accept-coalition-with-likud-but-without-netanyahu/.

[7] Eitan Orkibi, “Lieberman’s Goal: A Rotating Premiership – Www.Israelhayom.Com,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.israelhayom.com/opinions/liebermans-goal-a-rotating-premiership/.

[8] Jeremy Sharon, “Avigdor Liberman Not to Recommend Anyone for PM – Israel Elections – Jerusalem Post,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.jpost.com/Israel-Elections/Liberman-not-to-recommend-anyone-for-PM-602508.

[9] “Lieberman: For All I Care, Gantz and Netanyahu Can Flip a Coin – Www.Israelhayom.Com,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.israelhayom.com/2019/09/23/lieberman-for-all-i-care-gantz-and-netanyahu-can-flip-a-coin/.

[10] Jonathan Lis, “Lieberman’s Plan for Unity Government: Break Up Right-Wing Bloc, Hold Rotation Between Netanyahu and Gantz,” Haaretz, 10 Ekim 2019, https://www.haaretz.com/israel-news/elections/.premium-lieberman-s-plan-for-gov-t-break-up-right-wing-bloc-hold-gantz-netanyahu-rotation-1.7962778.

[11] “Netanyahu: What Are the Allegations?,” BBC News, 28 Şubat 2019, sec. Middle East, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-47409739.

[12] “Adelsons Told Police Sara Netanyahu Is ‘Crazy’ and ‘Decides Everything,’” Haaretz, 8 Eylül 2019, https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-adelsons-told-police-sara-netanyahu-is-crazy-and-decides-everything-1.7811312.

[13] i24NEWS, “I24NEWS – Netanyahu Distances Himself from Son’s Remarks over Assassinated Yitzhak Rabin,” i24NEWS, Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.i24news.tv/en/news/israel/politics/1567884654-netanyahu-distances-himself-from-son-s-remarks-over-assassinated-yitzhak-rabin.

[14] Sanjana Karanth, “Trump On Netanyahu Amid Tense Elections: ‘Our Relationship Is With Israel,’” HuffPost, 53:10 400AD, https://www.huffpost.com/entry/trump-netanyahu-israel-elections_n_5d828faae4b070d468c653cb.

[15] “Netanyahu to Putin: Spike in Iran’s Attempts to Harm Israel,” Haaretz, 12 Eylül 2019, https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-after-nearly-three-hour-delay-netanyahu-meets-putin-in-sochi-1.7837273.

[16] T. O. I. staff, “Poll: 52% Want Netanyahu to Stand down as Likud Leader to Enable Unity Coalition,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.timesofisrael.com/poll-shows-most-israelis-prefer-parties-to-compromise-rather-than-go-to-3rd-vote/.

[17] “Likud Says Netanyahu Considering Snap Leadership Primary,” Middle East Eye, Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, http://www.middleeasteye.net/news/likud-says-netanyahu-considering-snap-leadership-primary.

[18] “Israel’s Gideon Saar Challenges Lengthy Netanyahu Likud Rule,” Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://www.aljazeera.com/news/2019/10/israel-gideon-saar-challenges-lengthy-netanyahu-likud-rule-191008055708744.html.

[19] https://twitter.com/gidonsaar/status/1179707437735186433

[20] “סקר חדשות 13: מי לדעת הציבור צריך להיות ראשון ברוטציה?,” חדשות 13, Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://13news.co.il/item/news/politics/state-policy/reelection-2019/survey-government-888304/.

[21] “מצע כחול לבן,” כחול לבן, Erişim Tarihi: 17 Ekim 2019, https://kachollavan.org.il/platform/.

[22] Danny Zaken, “Liberman’s Secular Campaign Turns Him into Kingmaker,” Al-Monitor, 6 Ekim 2019, https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2019/10/israel-avigdor-liberman-yisrael-beiteinu-secular-unity.html.

[23] “Israel Election 2019: Israeli Arab Voter Turnout Up, Activists Say, Citing ‘Wild Intimidation’ Factor,” Haaretz, 17 Eylül 2019, https://www.haaretz.com/israel-news/elections/.premium-israel-election-2019-israeli-arab-turnout-up-activists-say-citing-intimidation-1.7856380.