العقل السياسي لحركة النهضة وإدارة التحالفات خلال عقد الثورة

لا شكَّ أن التاريخ سيسجل في صفحاته سنة 2011 باعتبارها المحطة التي انطلق منها زمن جديد في المنطقة، كما سيسجل سنة 2013 باعتبارها منعرج الانتكاسة الأخطر في هذا الزمن. ولكنه سيسجل أيضًا في هذه الصفحات صيف 2021 الذي شهد تعثُّر ما تبقى من علامات النجاح النسبي والحركتَيْن اللتين أسهمتا في قيادتها .

ففي تونس اتخذ الرئيس قيس سعيد إجراءاتٍ استثنائية يوم 25 يوليو/ تموز، اتضح بالتراكم أنها تندرج ضمن مخطط متكامل للانقلاب على مجمل المسار السياسي والمؤسسي، يستولي فيه على كل مقاليد السلطة، ويرتدُّ على كل مكاسب السنوات العشر، ويزيح حركة النهضة -وهي أهم فاعل سياسي في السنوات العشر- من صدارة المشهد. وفي المغرب مُني حزب العدالة والتنمية في انتخابات 8 سبتمبر/ أيلول بهزيمة لم يتوقعها أحدٌ؛ إذ تدحرج من المرتبة الأولى بحصيلة 125 نائبًا من أصل 395 نائبًا في الانتخابات السابقة إلى المرتبة الثامنة بحصيلة لا تتجاوز 13 مقعدًا دون الحد الأدنى الذي يسمح بتشكيل كتلة برلمانية.

ولا شكَّ أن المقارنة بين تجربتي حركة النهضة وحزب العدالة والتنمية مقارنة مُغرية، وكذلك المقارنة بين مساري البلدين في السنوات العشر الأخيرة، وهي قد تكون موضوع دراسة لاحقة. أما هذا المقال فسيقتصر على استقراء تجربة حركة النهضة، وتفكيك ما يبدو أنه مفارقة.

فلقد حرصت حركة النهضة منذ إعلانها عن نفسها حزبًا سياسيًّا على بناء تحالفاتٍ مع القوى الليبرالية والعلمانية وتنويعها، واجتهدت بعد الثورة في بناء التوافقات، وانتهاج الحكم التشاركي، ورفعت شعار خدمة الناخبين، غير أنها تبدو بعد الانقلاب دون حلفاء سياسيين أقوياء، والأدهى من ذلك أن شرائح واسعة من الرأي العام تحملها مسؤولية الحصيلة المخيبة للآمال، وكأن الانقلاب إنما حصل ضدها هي فقط.

 ستعتمد هذه الورقة منهجًا تأريخيًّا استقرائيًّا، وستركِّز على مرحلة ما بعد الثورة، ولكننا سنمهد لذلك بفقرات حول حالة العلاقات السياسية وموقع حركة النهضة فيها، بما يساعد على فهم المسار اللاحق. إنها قراءة في طريقة اشتغال العقل السياسي وتعاطيه مع المعضلات المعتادة في إدارة الحكم، ومع معضلة أكثر تعقيدًا أيضًا، وهي معضلة المقبولية عند دوائر النفوذ التي تواجه حركات الإسلام السياسي خاصَّة. وسنحاول رصد خارطة العلاقات السياسية وتغيُّرها حسب المراحل، واستكشاف استراتيجية العقل السياسي في بناء التحالفات، والمقارنة بين السياسات المعلنة وحقيقة الممارسة، وتفسير الفجوات بين “حركة الأدبيات” و”حركة الواقع”، والجمع بين الديناميكيات الخاصة بالحركة، والعوامل المتعلقة بالسياق الذي تتحرك ضمنه .

يناير-أكتوبر 2011: معركة التموقع

 لقد فتحت الثورة الباب أمام التغيير ومصالحة الدولة مع مجتمعها وإدماج مواطنيها وتحقيق تطلعاتهم في الحرية والكرامة، ووفرت الفرصة لبناء فضاء سياسي تكون حركة النهضة من أكبر المستفيدين فيه؛ إذ يمكنها من التفاعل المباشر مع جمهورها دون حاجة إلى تسوية مع السلطة أو وساطة تقوم بها بعض مكونات المعارضة.

لقد أصبحت نظريًّا مكونًا “عاديًّا”، تنخرط في المخاض الذي حصل على امتداد الأشهر التي تلت هروب الطاغية بين ثلاث كتل :

  • كتلة “الحد من الخسائر”: وهي كتلة المصالح التي حصلت الثورة ضدها، فهي إن فقدت الرأس والغطاء السياسي إلا أن المراقب ينتبه لوجود خيط ناظم و”عقل” ما يخطِّط أفعالها وردود أفعالها، وهو منبث في شتَّى مواقع التأثير الإداري، والمالي، والإعلامي، والأكاديمي، والرياضي، ومرتبط بشبكة مصالح خارجية.
  • كتلة “الغضب الاجتماعي/ السياسي”: وهي نوع من الضمير المعبر عن المطالب العميقة للشعب وللثورة، تلامس التنظيم أحيانًا فتضغط على “العقل الحسابي”، وتتحلل أحيانًا فيخلو المجال للكتل المنظَّمة. وكان لها دور محدَّد حتى فك اعتصام القصبة.
  • كتلة “استثمار الفرصة”: وتتمثَّل في القوى السياسية والمدنية التي قاومت الاستبداد وتضررت منه وضحَّت من أجل الديمقراطية، ولكنها اختلفت في تقدير الموقف قبيل وبعد فرار بن علي، وارتبكت في تحديد الأولويات، فعادت الاصطفافات الأيديولوجية، وضاعت البوصلة .

الاختلاف في تقدير الموقف: لقد حصل خلاف في تفسير ما حصل بين أطروحتَيْن: ترى الأولى أن ما حصل هو انتفاضة واسعة تتيح القيام بإصلاحات مهمَّة بالتشارك بين القوى الجديدة من جهة، والتكنوقراط والشخصيات التي لم تحتل مواقع رئيسة في الواجهة السياسية للمنظومة السابقة، كما عبر عن ذلك نجيب الشابي/ الحزب الجمهوري[1]، وحركة التجديد[2].

وقد كان الأستاذ الشابي الأكثر وضوحًا في تبنِّي هذه الأطروحة؛ إذ اقترح إجراء تعديلاتٍ على دستور يونيو/ حزيران 1959 ، وإبرام صفقة بين “القوى التي لم تعُد تقبل بالوضع القائم، والقوى التي لم تعُد تستطيع المحافظة على الوضع القائم”، والمضي إلى تنظيم انتخابات رئاسية في ظرف ستة أشهر .في حين تعتبر الأطروحة الثانية أن ما حصل هو منطلق لمسارٍ ثوريٍّ متراكمٍ يبني جمهوريته الجديدة بدستورها ومؤسساتها ويقطع مع الماضي خيارات وشخوصًا وهيئات. ومن أبرز من دعا إلى هذا الخيار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحركة النهضة[3]، وحزب العمال الشيوعي التونسي[4]، والتكتل من أجل العمل والحريات[5].

الاختلاف في ترتيب الأولويات: عادت الصراعات الأيديولوجية إلى الواجهة، ولم يكن الأمر مستغربًا من التيارات الاستئصالية، وخاصةً التيار الوطني الديمقراطي واليسار الفرنكوفوني ونواته الأساسية حركة التجديد (الحزب الشيوعي)، ولا حتى مستغربًا من حزب العمال الشيوعي التونسي الذي كان يعاني تجاذباتٍ داخلية حادة بين الاعتبارات السياسية والاعتبارات الأيديولوجية، لكن الموقف الأكثر إثارةً للاستغراب هو موقف نجيب الشابي/ الحزب الجمهوري الذي عاد للحظة ما قبل 18 أكتوبر/ تشرين الأول. وقد يُفسر هذا الموقف باختياره تموقعًا انتخابيًّا في مواجهة حركة النهضة يراهن فيه على الشرائح التي كان يمثلها التجمع الدستوري الديمقراطي .وقد كان لحركة النهضة نصيبها في تغذية هذا المناخ المتوجس، بسبب عدم الحسم مع المضمون الديني المتشدِّد الذي يبثه عدد من الدعاة المشارقة، وتضارب خطابات قادتها الذي يلقي ظلالًا من الشك حول جدية المراجعات التي حصلت، بالإضافة إلى الاستقواء بالعدد واعتماد خطاب انتصاري .

هذا الارتباك في ترتيب محاور الفرز بين (القديم/ الجديد) و(السياسي-الاجتماعي/ الثقافي-الأيديولوجي)، واستمرار الثقافة السياسية القديمة وطريقة الأداء التقليدية، قد أضعف احتمال بناء “كتلة ثورية” تمثِّل القوى المناضلة والشباب المنتفض. لقد حرصت كل القوى السياسية على استثمار الفرصة، لتحسين تموقعها، وتوسيع قاعدة استقطابها، استعدادًا للاستحقاقات القادمة.

ولذلك كان المزاج مزاجَ صراع وتنافس، وليس مزاج بناء تحالفات .وبقدر ما وجدت حركة النهضة من ترحيبٍ شعبيٍّ بقدر ما اصطدمت بمزاجٍ نخبويٍّ حريصٍ على محاصرتها وتحجيم تأثيرها (تركيبة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، القانون الانتخابي، التردُّد في تحديد موعد الانتخابات).

تحالفات المرحلة التأسيسية

نقلت انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول البلادَ من شرعية توافقية هشَّة نجحت -رغم ذلك، بفضل العقلانية التونسية- في تجاوز المطبات وتجاوز الفوضى، إلى شرعية الإرادة الشعبية الحرة التي أسهمت في توضيح المشهد الحزبي الجديد وتثبيت الأوزان .لقد عبَّرت الانتخابات عن مزاج اللحظة الثورية، فكافأت الجديد وراهنت عليه، وراهنت داخل هذا الجديد على التيار الأقل تصادميةً في القضايا المجتمعية .

 

نتائج الانتخابات التشريعية 2011[6]  
اسم الحزب عدد الأصوات نسبة الأصوات عدد المقاعد
حركة النهضة 1,498,905 36,97 89
المؤتمر من أجل الجمهورية 352,825 8,7 29
العريضة الشعبية 280,382 6,92 26
التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات 285,53 7,04 20
الحزب الديمقراطي التقدمي 160,692 3,96 16
حزب المبادرة 129,215 3,19 5
القطب الديمقراطي الحداثي 113,094 2,79 5
آفاق تونس 76,643 1,89 4
حزب العمال الشيوعي 60,62 1,5 3

(اخترنا في الجدول الاقتصار على إدراج الأحزاب والكتل التي حصلت على ثلاثة مقاعد فما أكثر)

أعطت هذه الانتخابات أسبقيةً واضحةً لحركة النهضة دون أن تعطيها أغلبيةً مطلقةً، ولكنها أسفرت عن مفاجأتَيْن: أولاهما النتائج الضعيفة التي حصل عليها الحزب الديمقراطي التقدمي الذي كانت ترشحه التوقعات لمنافسة حركة النهضة، والثانية حصول العريضة الشعبية[7] -وهي تجمُّع لقائمات ليس لديها ماضٍ نضالي أو خبرة سياسية- على المرتبة الثالثة بما طرح العديد من التساؤلات حول طريقة اشتغالها .

لم تنتظر حركة النهضة تنظيم الانتخابات للتفكير في إدارة المرحلة وترتيب العلاقات السياسية؛ إذ عقدت الهيئة التأسيسية للحركة -وهي سلطتها التشريعية- دورة خصَّصتها للموضوع خلال شهر يوليو/ تموز 2011 قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، استعرضت فيها وضعها الداخلي، وقدرت فيها أنها لم تكن جاهزةً للحكم لا هي ولا أي من مكونات الطيف المقاوم، ومع ذلك قررت التصدي لأمانة الحكم من أجل قطع الطريق أمام عودة المنظومة القديمة المتربصة، وقررت أن يكون الحكم ائتلافيًّا بالتشارك مع القوى الجديدة؛ نظرًا لدقَّة المرحلة، وكثرة التحديات، وارتفاع حجم التطلعات. ولذلك سارعت إلى الاتصال بمختلف مكونات الساحة المناضلة ضد الاستبداد، وخاصةً شركاء مسار 18 أكتوبر للحقوق والحريات (التكتل والمؤتمر وحزب العمال والحزب الديمقراطي التقدمي)، وكذلك القطب الديمقراطي الحداثي، وقد ساعد الدكتور مصطفى بن جعفر في هذه الاتصالات، لكنها قوبلت بالرفض القاطع؛ إذ اختارت هذه الأطراف المعارضة منذ الإعلان عن النتائج[8]. ولذلك اقتصر التحالف على الثلاثي: حركة النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل من أجل العمل والحريات، وقد توفر هذا التحالف على أغلبية عددية مهمة داخل المجلس الوطني التأسيسي (138 مقعدًا) مع وجود نواب مستقلين يمكن أن تتجاوز بهم الأغلبية الثلثين (145).

 لقد كان أمام حركة النهضة خيار آخر في التحالف بتشريك العريضة الشعبية التي كانت أقرب من حيث التموقع الثقافي الواسع، ولكن لم يتم التوجُّه لهذا الخيار؛ نظرًا لأطروحاتها الشعبوية، ولتقلب مواقف باعثها، وللغموض المحيط بطريقة صعودها، وشبهة ارتباطها بدوائر من المنظومة القديمة. أما السبب الرئيس للعزوف عن هذا الخيار، فهو بسبب غلقه الباب أمام إمكانية التحالف مع التكتل (المعطى الثقافي)، وأمام إمكانية التحالف مع حزب المؤتمر (شبهة العلاقة بالمنظومة القديمة)، بما يحشر حركة النهضة في تحالفٍ ثنائيٍّ غير مستقر ومحاصر من الجميع .ورغم صعوبات إدارة الترويكا بسبب غموض برنامج الحكم، وضبابية المنهج بين الإصلاحية والثورية، وتعارض تموقع التكتل في المجلس وفي الحكومة، والمزاج الخصوصي لرئيس الجمهورية، ورغم اتهام شريكي الحكم حركة النهضة بالتغوُّل وعدم مراعاة أوضاعهما مع ناخبيهما ومع قواعدهما الحزبية، ورغم حدَّة الصراع الأيديولوجي في البلاد وحجم الاحتقان الاجتماعي العفوي والموظَّف، ورغم الاغتيالات السياسية واستتباعاتها، فقد نجح التحالف في إنهاء العهدة، وكانت حصيلتها مقبولةً في العموم؛ إذ أفضت إلى صياغة دستور توافقي، ونجحت في تركيز هيئة انتخابات، وقادت البلاد إلى انتخابات نزيهة وشفافة، وجنَّبت البلاد ويلات حرب أهلية في صيف 2013.

صيف 2013 وعودة الكوابيس

لقد أحدثت انتخابات 2011 زلزالًا في التيار الحداثي بمكوناته الليبرالية والاشتراكية والماركسية، فسعت جميعها إلى إطلاق مبادراتٍ للتموقع في الساحة، وتدارك الهزيمة السابقة، وإحداث توازن مع حركة النهضة، فتوسع الحزب الديمقراطي التقدمي ليصبح الحزب الجمهوري بعد وحدته مع حزب آفاق تونس[9] والحزب الجمهوري وعدد من الشخصيات المستقلة، مع رغبة واضحة في الانحياز نحو الوسط الواسع بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2012، فتوحد أقصى اليسار الماركسي والعروبي تحت لافتة الجبهة الشعبية[10]، 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، ولكن المستجد الأهم هو تأسيس نداء تونس[11] في توليفة ضمَّت إطارات من التجمع الدستوري الديمقراطي، ومن البورقيبيين، ومن النقابيين، ومن اليساريين، ومن المستقلين. وكان الباجي قايد السبسي هو الإسمنت السحري لهذه التوليفة بدهائه واستناده إلى شخصية بورقيبة، وبتمثُّله المزاج التونسي.

لقد عادت المنظومة المكلومة من بعيد، وكان لديها ما يكفي من الذكاء حتى تتجنَّب مصادمة القوى الجديدة التي تحتاج إليها والمزاج الديمقراطي. وحصل تنافس على الوسط العريض ووراثة القاعدة الانتخابية والأرصدة في صفوف الإدارة وعالم التكنوقراط بين الباجي والشابي، وأراد الباجي تأجيل الصدام، فجمع بعد مؤتمر الحزب الجمهوري عددًا من الشخصيات الليبرالية والتقدمية، ونبَّههم أنه سيبني حزبًا جديدًا، إن لم يستطيعوا توحيد الصفوف لإحداث التوازن مع حركة النهضة[12]. ولم يكن هذا الاجتماع غير مجرَّد غطاء على مشروع الحزب الذي سيعلن عنه يوم 16 يونيو/ حزيران 2012، وإثر ذلك استثمر الباجي طيلة سنة كاملة استهداف حركة النهضة وتوغل الحزب الجمهوري والجبهة الشعبية في مجابهة النهضة والترويكا ليلتحق بالمعارضة ثم يتصدرها؛ ولذلك وجد نفسه في موقع قيادة المعارضة حين حصل الانقلاب في مصر (3 يوليو/ تموز 2013) ثم اغتيال الشهيد محمد البراهمي (25 يوليو/ تموز)، وقد عُوض غياب تمثيله في المجلس التأسيسي بشبكة الفروع في كل الجهات، وبشعبية كبيرة في الشارع، وتأثير واسع في مراكز النفوذ المالي والإداري والإعلامي .ولذلك لمَّا وصلت البلاد إلى حالة من الانسداد في أغسطس/ آب، حصل لقاء باريس بين راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي، وكانت تلك إشارة إلى حصول نوعٍ من توازن القوى بين الجديد الحاكم والقديم العائد.

 لقد استخلص العقل السياسي لحركة النهضة حينها مجموعة دروس من تجربته في الحكم، من أهمها أن صناديق الاقتراع في الأوضاع الانتقالية تعطي تفويضًا شعبيًّا، ولكنها لا تسلم معها مفاتيح الحكم التي تظل بيد دوائر النفوذ القديمة، تقايض بها حماية مصالحها وتشريكها في الحكم ولو من وراء حجاب. لقد مثَّلت تلك المحطة بداية الانعطاف من التعويل على الشعب والقوى الجديدة إلى إدخال ممثلي القوى القديمة في المعادلة، بل ربما المراهنة عليهم في المقام الأول .

ولئن نفى الباجي قايد السبسي حصول صفقة في لقاء نزل البريستول[13]، مؤكدًا أن ما حصل هو مجرَّد نزع لألغام الأزمة وتدشين مسار سياسي تشاركي، فإنه من الثابت أنه قد عُرضت على الهيئات القيادية في حركة النهضة في أغسطس/ آب 2013 مجموعة سيناريوهات للتعامل مع المستجدات، من ضمنها مشهد يدعو إلى تجاوز منظومة الترويكا والدخول في صفقة حكم ثنائية مع نداء تونس، وقد تمَّ الترويج أن الوصفة تلقى تشجيعًا من عدد من شركاء تونس في الجوار وفي العالم، قبل أن يتمَّ تكذيب تلك المزاعم. لا شكَّ أن تقديرًا معينًا للمصالح كان وراء هذا الخيار، ولكن الانقلاب الذي حصل في مصر أحيا المخاوف من الحلول الأمنية، فعادت الكوابيس وتضخَّمت معها خلفية البحث عن التأمين الحزبي.

نتائج الانتخابات التشريعية 2014[14]

  اسم الحزب عدد الأصوات نسبة الأصوات عدد المقاعد
1 نداء تونس 1,279,941 37,56 86
2 حركة النهضة 947,014 27,29 69
3 الاتحاد الوطني الحر 137,11 4,02 16
4 الجبهة الشعبية 124,654 3,66 15
5 آفاق تونس 102,916 3,02 8
6 المؤتمر من أجل الجمهورية 72,942 2,14 4
7 حزب التيار الديمقراطي[15] 65,762 1,93 3
8 حركة الشعب[16] 45,799 1,34 3
9 المبادرة 45,086 1,32 3

 

عهدة 2014-2019: الجزرة والعصا

تبيَّن منذ صيف 2013 أن المزاج الشعبي قد تغيَّر، وأن الزخم الثوري بلغ ذروته ليفتح الطريق أمام مرحلة تعايش بين الجديد والقديم المعدل، وجاءت نتائج انتخابات 2014 لتؤكِّد هذه الحقيقة مع تسجيل تفوُّق سياسي معنوي للقديم الذي تفاعل مع المستجدات وقبِل ببعض مقتضياتها، فكسب رئاسة الجمهورية والأغلبية في البرلمان.

(اخترنا في الجدول الاقتصار على إدراج الأحزاب والكتل التي حصلت على ثلاثة مقاعد فما أكثر)

لقد شهدت الانتخابات استقطابًا حادًّا، ولعب نداء تونس على ورقة التخويف من حركة النهضة والدعوة إلى التصويت الناجع، فدفع ناخب الوسط إلى الاصطفاف خلفه، فغاب حزبا التكتل والجمهوري من الخارطة؛ إذ شفط النداء كل قاعدتهما الانتخابية، ولعل المكون المؤدلج فيها قد اتجه صوب الجبهة الشعبية التي استفادت هي أيضًا من مناخ الاستقطاب الحاد، وكرر الحزب الوطني الحر[17] مفاجأة قائمات العريضة الشعبية في انتخابات 2011.

إن فوز نداء تونس لم يطلق يده ليتصرف كما يشاء؛ إذ إن الناخب في الأوضاع الديمقراطية لا يعطي صكًّا على بياض لأحد؛ ولذلك منح نداء تونس المرتبة الأولى (86 نائبًا من أصل 217 نائبًا)، ولكنه لم يمكنه من الأغلبية التي تسمح له بالحكم المنفرد، ولم يمنح بقية أطراف الطيف الحداثي الثقلَ الذي يسمح لها ببناء تحالف مستقر، بل أعطى حركة النهضة الثقلَ الذي يسمح لها بالقيام بدور تعديلي فاعل (69 نائبًا)، وقد أدرك الباجي هذه الرسالة، خاصةً أن الأغلبية التي فاز بها في الانتخابات الرئاسية هي أغلبية نسبية 55.68% .

لقد دفع المزاج الانتخابي الخطَّيْن المتوازيَيْن إلى الالتقاء وتجنُّب المواجهة، وهو ما فهمه السبسي عندما انتبه إلى أن وجود حركة النهضة في المعارضة سيكون مضرًّا للاستقرار وغير مساعدٍ على التصدي بنجاعة للتشدُّد الديني والإرهاب[18]. ومن جهتها أدركت حركة النهضة أن وجودها في المعارضة غير مفيدٍ في ظل حكومة ستكون هشَّة في كل الحالات. ولذلك فإن الالتقاء كان الخيار الأنسب التي دفعت إليه السياقات بقطع النظر عن إرادة الفاعلين وعن تصريحاتهم وعن رغباتهم؛ إذ ما فتئ السبسي يذكر أن ما يجمعه بالنهضة هو مجرَّد تعايشcohabitation  وليس تحالفًا alliance[19] .

لقد كان بإمكان الائتلاف الحاكم، الذي حصل على أغلبية مريحة جدًّا في مجلس النواب بعد أن توسع لحزبي “الوطني الحر” و”آفاق تونس” (179)، أن يتقدَّم بالبلاد في طريق استكمال المسار السياسي بمراجعة القوانين واستكمال بناء الهيئات، وأن يدفعها في مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تأخرت كثيرًا. غير أن ذلك التوافق قد حقَّق قدرًا من الاستقرار، وحمى الدولة من التفكُّك، ولكنه لم يقدر على التحوُّل إلى منصة لتحريك العمل وخلق الثروة وإعادة توزيعها…

 لماذا لم تحقِّق هذه العهدة المطلوب منها؟

وكيف اشتغل هذا الالتقاء في الواقع؟

وكيف أدار العقل السياسي للباجي وللنهضة هذه الفرصة؟

أ- استراتيجية السبسي

لقد كان السبسي شخصية شديدة الذكاء، ولم تغيّر الثورة كثيرًا من زاوية رؤيته للأشياء. فقد كان ليبيراليًّا في الحدود التي تسمح بها أرستقراطيته من فتح مساحات أمام «الأفاكين» وسكان “الدواخل”. وكان ديمقراطيًّا دون أن يغادر القاعدة الأساسية لمقاربة بورقيبة وبن علي، فهو يرفض في الجوهر “الإسلام السياسي”، ولا يقبل التعامل معه إلا بغاية ترويضه وتقليم أظافره، فهذا “الإسلام السياسي المروّض” هو شرٌّ لا بدَّ منه للمحافظة على جزء من المجتمع داخل الحظيرة الوطنية في انتظار “تمدينه”. أما المقاربة الأمنية، فهي تخدم -في تقدير الباجي- هذه الظاهرة “الشاذة”. ولذلك نقل عنه الشيخ فريد الباجي أنه طمأنه وأعلمه أن غاية إدماج حركة النهضة في السلطة هو “إخراجها من الحكم كما يُنزع الخاتم من الإصبع”.

 وكان الباجي ديمقراطيًّا في الحدود التي لا تمنعه من تحويل مشروع حزبٍ كبيرٍ إلى لعبة عائلية، وفي الحدود التي لا تمنعه من التلاعب بالدستور لتحويله باتجاه نظام رئاسي، وكانت الرئاسة منصَّة لإدارة لعبة السلطة اللذيذة ولتصفية حسابات تاريخية داخل الأرستقراطية التقليدية. وخلال ذلك تفنَّن الباجي في استعمال آلية التقريب والإبعاد مع زعامات الأحزاب التي كان يسخر منها؛ لأنه استبلهها حتى اعتلى العرش، ومع قيادات حزبه في لعبة التفكيك وإعادة التركيب، ومع شريكه الذي كان يستمتع بابتزازه.

لقد قرأ الباجي جيدًا خارطة النهضة، وخبر سيكولوجيا المتنفذين فيها، فلعب على وتر التخويف من “الملفات”، وهذه هي الفزاعة اليومية لأحزاب المعارضة، وأوحى بإمكانية استنساخ السيناريو المصري في تونس، فحاصر العقل السياسي النهضوي، ورهن شريكه في مربع الاتباع. وكانت إقالة الحبيب الصيد هي الخطيئة الكبرى في هذه العهدة؛ لأنها حصلت بغاية تقوية موقع رئاسة الجمهورية على حساب موقع رئاسة الحكومة، وحصلت بغاية تعزيز تموقع عائلة الباجي ومقرّبيه في الدولة، دون اعتبار الكفاءة والبرامج والإنجاز .منذ تلك المحطة أصبح التموقع هدف السياسة الأعلى. أما توليفة توافق “الشيخَيْن”، فقد أضرت بالبلاد؛ لأنها حصرت التوافق في إدارة تكتيكية بين شخصيتَيْن تتقاسمان الثقافة نفسها، فحرمته من العمق والمأسسة والبرنامج، وقدَّمت صورةً عن السياسة بأنها حرب تموقعات. كما أضرت بالحياة الحزبية؛ لأنها أبرزتها في صورة التقاء هدفه التأمين المتبادل.

لقد نجح السبسي في استراتيجيته؛ لأنه مرَّ بمدرسة بورقيبة، ولأنه خبر السلطة وقدرتها على الغواية، كما أحسن التموقع بسرعة في قلب المشهد السياسي، وعرف قابلية غالب زعماء مقاومة الاستبداد للدخول في مقايضات مثلما فعلوا مع “محمد الغنوشي” في يناير وفبراير 2011، فوسع الهوة وغذى التنافسية بينهم، وكانت الحسابات الضيقة وقصر النظر حاجزًا منعهم من التفكير في إعادة بناء الجسور وبناء التوافقات على أساس نضالي. فنجح إلى حينٍ في فرض موقعٍ دونيٍّ على كل ما يشاركه.

ب- الحزب الذي يخشى المعارضة

لقد كان من شأن تلويح حركة النهضة بالخروج إلى المعارضة في صيف 2016 إجبار السبسي على التخلي عن فكرة تغيير حكومة الحبيب الصيد أو تحرير الحركة من حكم تتحمَّل مسؤوليته دون أن تمتلك أدواته، فتعيد الاعتبار للمعارضة كمكون أساسي في منظومة الحكم، وقد تكون أكثر إفادةً للبلد من حكم فاشل ويتغاضى عن الفساد.

كما كان من شأن تغيير منهجية العمل مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لمَّا انحازت إليه في معركته مع الباجي، أن تتدارك الانحرافات الخطيرة التي حصلت في الشراكة الأولى، وأن تعطي مضمونًا للحكم وتحقِّق بعض النتائج. لكن ذلك لم يحصل، وتواصل منهج التكتيك وغض الطرف عن أساليب رئيس الحكومة، نتيجةَ ارتهان العقل السياسي المهيمن للتموقع في الحكومة.

 لقد انطلق مشروع حركة النهضة من مقولة مركزية، هي “التغيير”، وصنف محركاته إلى خمس دوائر: تنظيمية، وشعبية، ونخبوية، ومؤسسية مرتبطة بالتموقع في الدولة، وخارجية إقليمية ودولية. وقد راهن المشروع تاريخيًّا على كل ما هو تنظيمي وشعبي. ولمَّا فتحت الثورة الباب أمام إمكانية التغيير عبر الدولة، لم يكن ذلك محلَّ جدل، ولا ضرورة بذل جهود تجاه النخبة وتجاه دوائر التأثير الخارجية، وإنما حصل الجدل حول ترتيب هذه المحركات، وقد تبلور خط الفرز الأساسي في صيف 2013 بين خطَّيْن :

خط الوفاء للعامل الشعبي والقاعدة الانتخابية، وضرورة الاهتمام بالأداة التنظيمية وسيلةً للتعبئة والاستقطاب والتأثير، مع بذل الجهد مع الدوائر الأخرى والتعامل معها بقدرٍ من المقاومة التي تساعد على التغيير.

وخط التعويل على مواقع التأثير الإدارية والمالية ومراكز التأثير الخارجية، واستعمال الثقل الانتخابي والاقتدار التنظيمي أدواتٍ لتحقيق اختراق في التموقع ضمن هذه الخارطة.

إن الحرص على المشاركة في كل الحكومات، بقطع النظر عن التعهدات ودون تقييم النتائج، ورهنها لشريك الحكم، وتقليص دائرة علاقاتها السياسية، وتجاهل شركاء مرحلة التأسيس- يرسم صورةً لحركة متلهفة على الحكم دون أصدقاء، ويصبح التكتيك عندها عنوان هوية وليس وسيلة عمل، والمفارقة أن هذه الممارسة تناقض نصوص اللوائح التي أقرتها المؤتمرات، فقد نصَّت اللائحة السياسية للمؤتمر العاشر[20]: “أما من حيث الحجم، فإن تصورنا للشراكة في الحكم يقوم على معادلة دقيقة ومتوازنة، طرفها الأول أن تكون شراكة وازنة وفاعلة وقاصدة فلا نهمش، وطرفها الثاني ألَّا تؤدي إلى الهيمنة أو التفرد فتستهدف”، أما بالنسبة إلى التحالفات، فقد حدَّدت اللائحة وجهتها: “أن التوافقات لئن كانت مطلوبة على أوسع نطاق بين مختلف العائلات الفكرية والسياسية والاجتماعية، فإنها لا تكون ذات مصداقية إلا إذا جمعت على أرضية برنامج وطني إصلاحي مشترك:

  • العائلة الإسلامية الديمقراطية، وعلى رأسها النهضة .
  • أصحاب التوجهات الوسطية المعتدلة في العائلة الدستورية .
  • العائلة النقابية، وخاصةً الأطراف الوطنية غير الأيديولوجية .
  • المنظمات الوطنية الممثلة لرجال الأعمال والفلاحين وبقية فئات المجتمع وشرائحه .
  • القوى السياسية والأحزاب والشخصيات من العائلات الديمقراطية والقومية واليسارية المعتدلة .
  • جمعيات المجتمع المدني وقادة الرأي في المجتمع من مفكرين ومربين وعلماء دين وفنانين وإعلاميين ورياضيين”[21].

كما أن هذه الممارسة تبدو منفصلةً عن خيارات وسياسات وأولويات اللائحة الاقتصادية الاجتماعية، وخاصةً “خيار اقتصاد السوق الاجتماعي التضامني”، وأدوار “الدولة” و”القطاع الخاص” و”القطاع الاجتماعي التضامني”[22].

ما بعد انتخابات 2019: البوصلة المرتبكة

 

نتائج الانتخابات التشريعية 2019[23]

  اسم الحزب عدد الأصوات نسبة الأصوات عدد المقاعد
1 حركة النهضة 561,132 19,55 52
2 حزب قلب تونس 416,004 14,49 38
3 الحزب الدستوري الحر 189,356 6,6 17
4 حزب التيار الديمقراطي 183,476 6,39 22
5 ائتلاف الكرامة[24] 169,651 5,91 21
6 حركة الشعب 129,604 4,52 15
7 تحيا تونس 116,582 4,06 14
8 مشروع تونس 40,869 1,42 4
9 حزب الرحمة 40,071 1,4 4
10 الاتحاد الشعبي الجمهوري 59,924 2,09 3
11 حزب البديل التونسي 46,046 1,6 3
12 نداء تونس 43,213 1,51 3

 

(اخترنا في الجدول الاقتصار على إدراج الأحزاب والكتل التي حصلت على ثلاثة مقاعد فما أكثر)

لئن جسدت محطة 2014  تغييرًا جوهريًّا في المزاج الناخب، إلا أنه كان تغيير خيارات ولم يكن تغيير ثقافة؛ إذ كان انتقالًا من الزخم الثوري إلى معادلة توازن بين التغيير والاستقرار، ولكنه وفَّر للفاعلين إمكانية بناء مشهد مؤسسي مستقر وقادر على الإنجاز، فقد توفر البرلمان على عمود فقري من حزبَيْن كبيرَيْن بمقدورها هيكلة أشغاله، وكان الرئيس الفائز شخصية سياسية ذات خبرة.

أما انتخابات سنة 2019، فكانت محطة حيرة وعقاب مع رغبة جامحة في التغيير دون رؤية، فأفرزت رئيسًا من خارج النسق السياسي برمته ثقافة وتنظيمًا ومضمونًا، وأفرزت برلمانًا دون عمود فقري، كان الحزب الفائز فيه هو الأقل خسارة، وغاب نداء تونس ومشتقاته، واضمحلت الجبهة الشعبية، وتصاعد الخطاب الشعبوي، وعاد خطاب التصنيف بين الثورة وضدها بعد أن تمَّ تجاوزه موضوعيًّا باتجاه مضمون ديمقراطي إصلاحي اجتماعي منذ صيف 2013. لكل ذلك، كان الأمر يتطلب هندسة خاصة لضمان استقرار البرلمان، وتحييد الأصوات الفاشية، وتهدئة المنزع الشعبوي فيه، وتشكيل حكومة مستقرة، والتعامل مع الرئيس غير النمطي وتثبيته في مربعه الذي يضبطه الدستور.

 كان يفترض أن يبادر رئيس الجمهورية في مثل هذه الشؤون، غير أن قيس سعيد لم يكن هو الشخص المناسب؛ لنقص خبرته، ولعجزه عن الاستعانة بدائرة استشارة كفؤة ومتنوعة، ولرفضه التعامل مع المنظومة الحزبية والسياسية بكل مكوناتها، ولذلك كان المطلوب أن تتضامن الطبقة السياسية المستهدفة برمتها من طرف الناخبين، ومن طرف رئيس الجمهورية، ومن طرف الحزب الشعبوي الفاشي (الدستوري الحر)[25] ، وتجري كل التسويات المطلوبة بينها لإنقاذ نفسها، ولإنقاذ السياسة، ولتشكيل مشهد مستقر. ولم تكن من وصفة ممكنة لتحقيق ذلك إلَّا تنازل الجميع للجميع، والاشتغال بمنهج الحزمة، وترتيب أوضاع البرلمان رئاسة ولجانًا، وترتيب تشكيل الحكومة في السلة نفسِها، ومسؤولية ذلك تقع أولًا على الحزب الأول، ثم على بقية الأحزاب التي تقف على أرضية الديمقراطية والدستور.

لقد ارتبك العقل السياسي لحركة النهضة قبيل الانتخابات عند مناقشة مبدأ الترشح لرئاسة الجمهورية، وعند إدارة حملة المرشح. ولكنه ارتبك أكثر عندما فشل في المرور بمرشحه إلى الدور الثاني، وانتبه لما قد يكون لذلك من آثار سلبية على نتائج الانتخابات التشريعية، فسقط في فخ المزايدة الشعبوية، وشارك في مهرجان تعميم الوصم بالفساد مما عسر عليه الاختيارات لاحقًا. أما بعد الإعلان عن النتائج، فإنه لم يحسن دلالتها وخارطتها ليجد نفسه محاصرًا بين كتلة أوغل في شيطنتها ولم يمتلك الشجاعة على التوضيح أو الاعتذار، ولديها استعداد للتعاطي معه، وبين كتلة تنتسب إلى الثورة وإلى الديمقراطية ولكنها ترفضه وتعلي السقف لإدانته وابتزازه. كل هذا مع رئيس غامض لا أحد يتوقَّع ردود أفعاله. وفاقم من صعوبة الوضع أن هذا العقل السياسي لم يحسن ضبط سياسات التموقع في مؤسسات الحكم بناءً على هذه الخارطة المعقَّدة، فانزلق في ترتيبات متناقضة رسَّخت الصورة الموروثة عن العهدة السابقة بأنها حركة تكتيكات جزئية غير حريصة على بناء الثقة مع شركائها. وقد يكون الخطأ الأكبر هو عدم الانتباه إلى معطى مزاج قيس سعيد في المعادلة، فدخلت معه في معركة ليّ ذراع بالمراهنة على حكومة لا تستحق ذلك، بما أنها لا تمتلك أدنى مقومات النجاح، فعمَّقت الأزمة مع سعيد ومع جزء من الأحزاب السياسية ومع الرأي العام، وكانت منصَّة رئاسة البرلمان هي الهدف الذي تُفرغ فيه كل شحنات العدوانية مباشرة على شاشة التلفاز وأمام الرأي العام .

لقد فوت هذا العقل السياسي الفرصةَ في تهدئة الاحتقان باستقالة رئيس البرلمان من موقعه إثر فشل المعارضة في سحب الثقة منه في جلسة 30 يوليو/ تموز 2020، كما فوت فرصة التخلُّص من حكومة منجزها الوحيد توتير العلاقة مع رئيس طَبْعه التوتُّر، فرسخ صورة الحركة المتلهفة على المواقع، وغير المبدئية في علاقاتها، والمستهينة بتعهداتها مع الناخبين.  ولم تفوت بقية مكونات المشهد الفرصة لابتزاز حركة النهضة ولو كان المقابل السقوط في فخ الحزب الدستوري الحر والالتقاء معه في مخطط ترذيل البرلمان، كما أنها خدمت خطة قيس سعيد في الإشهاد على عدم أخلاقية الأحزاب، وفشل الحكومة، وعبث البرلمان، وتناقضات الدستور.

إن حسن قراءة المشهد هو الشرط الضروري لاتخاذ الموقف السليم في السياسة، غير أن مجمل المشهد لم يفهم أن نتائج انتخابات 2019 كانت إنذارًا أخيرًا، وأن استمرار حرب التموقعات أفرغ الانتقال الديمقراطي من قدرته على التعبئة، ولم يحسن قراءة شخصية قيس سعيد في معادلة السلطة، فوفَّر له الشروط الضرورية للقيام بانقلابه يوم 25 يوليو/ تموز .

بعد الانقلاب :مواصلة منهج الإنكار

ما فتئ الرأي العام يوجِّه الرسائل للطبقة السياسية منذ عام 2016 على الأقل، وذلك عبر الشارع وعبر مقاطعة الانتخابات وعبر الاختيارات الانتخابية، ولكنها لم تلتقط الإشارات، ولم تستخلص الدروس، ولم تجر المراجعات، ولم تعدّل السياسات. لقد كان الانقلاب إعلان نهاية مقولة “الانتقال الديمقراطي” كما فُهمت، وكان إعلان نهاية روافعها السياسية والمدنية، وكان سعيد كشافًا لهذه الحقيقة التي تأكَّدت من خلال توصيفها لما حدث وطريقة تعاطيها معه.

لقد وصف الحزام السياسي لحكومة المشيشي الأمر منذ البداية باعتباره انقلابًا، وكان ذلك منتظرًا؛ لأنه أزاح الحكومة والبرلمان، أي مواطن نفوذهم، غير أن قلَّة من الديمقراطيين في الأحزاب ومن الشخصيات الوطنية اتخذت الموقف نفسه وجهرت بمناهضة الانقلاب. أما بقية المشهد السياسي والمدني، فقد انقسم بين مرحّب بالإجراءات، ومترقّب لما قد يحصل، وغرق كثيرون في تحليل مضمون الإجراءات وكأنه نصٌّ مجرَّد ومستقل عن السياق وعن شخصية سعيد، بما يكشف ضعف الالتزام الديمقراطي وضعف القدرة على القراءة والتوقع، وهي الخلال التي وفرت للانقلاب ما يحتاج إليه من سند ومن وقت، فتحوَّل بالتدريج من انقلابٍ على الدستور إلى مخططٍ للاستيلاء على كل السلطة وتفكيك الدولة وتدمير كل منجزات السابقين، وخاصةً منجزات السنوات العشر الماضية.

 لم يسبق للعقل السياسي النهضوي مواجهة مثل هذا التحدي في تاريخه؛ إذ اعتاد أن تكون الحاضنة الشعبية في صفِّه ولو بالتعاطف الصامت عند إدارة الصراع مع أجهزة الدولة ومع شرائح مؤثرة من نخب البلاد. أما هذه المرة، فإن المزاج الغالب في غير صف حركة النهضة، ويحملها مسؤولية ما يعتبره فشلًا، ويتهمها بالتواطؤ مع الفساد، وهو انطباع ترسخ عميقًا، فكان صبر الناس على الانقلاب بسبب نفورهم من احتمال عودة الأوضاع السابقة. فكيف تعامل العقل السياسي مع هذا الوضع المستجد، مكوناته رئيس يستهدف الحركة في وجودها إن وجد لذلك سبيلًا، ومشهد حزبي ومدني معاد أو متحفظ، ومزاج شعبي متوجس؟

لقد نجح في ربط العلاقة مع شخصيات ديمقراطية، وفي تنبيه شركاء تونس إلى مخاطر تفكيك الدولة على الاستقرار، وأسهم في الحد من اندفاعات المنقلب، ولكنه لم ينجح في فك العزلة عن الحركة. فلئن كان الموقف السياسي المعبر عنه سليمًا، ولئن كانت الحلول صعبةً لتعقُّد الأوضاع الناتجة على سنوات من السياسة المخاتلة، إلا أن السلوك السياسي لم يوفر الحد الأدنى من الإجراءات الشجاعة التي تستثمر في المستقبل، من مثل النقد الذاتي، والاستبعاد السلس لبعض رموز سياسات المرحلة السابقة من الواجهة، والتخلي عن الخطاب التبريري، إن حصول الانطباع أن المعركة هي ثنائية بين سعيد وحركة النهضة لا يمكن أن يخدم في هذه المرحلة إلا الانقلاب، ويمكِّن له، ويطبع وضعه في حياة التونسيين .

استخلاصات ومحاولة للفهم

لقد أدت حركة النهضة -بالمعنى التاريخي- أدوارًا مهمَّة طيلة الخمسين سنة الماضية؛ إذ أعادت إلى ساحة التداول دور الدين في الحياة العامَّة، وأسهمت -باعتبارها من مكونات تيار الهوية العربية الإسلامية الواسع- في إحداث التوازن الثقافي في البلاد، كما أسهمت -من خلال نضالاتها والأثمان التي دفعتها- في كسب المعركة ضد الاستبداد.

أما بعد الثورة، فقد كان لها أدوار أساسية وخاصة عن طريق تعبئتها التنظيمية في إنجاح المرحلة الانتقالية الأولى، وكان لها دور مهم في إنجاح المرحلة التأسيسية .ولكن أداء الحكومات التي شاركت فيها حركة النهضة أو دعمتها كان متواضعًا، ولم يحس المواطنون أن أوضاعهم تتحسَّن، ولا أن طريقة الحكم تعتمد قواعد الحوكمة الرشيدة، وخلال ذلك كانت حركة النهضة في الواجهة تزكي الحكومات وتبرِّر الأداء أو لا تنقده. ولذلك لم يكن مفاجئًا أن يحملها الرأي العام المسؤولية الأولى بعد الانقلاب .فكيف نفهم تعثُّر الأداء وتهرئة الصورة رغم أن الحركة قد نوَّعت علاقاتها السياسية، وتفاعلت مع كل أنواع الطيف السياسي؟

لمحاولة فهم طريقة اشتغال العقل السياسي، سنجد أنفسنا أمام عوامل متعلِّقة بالحركة ذاتها، وأخرى تتجاوزها وتتعلَّق بالسياق، وسنتوقف عندها بالتحليل المفصل.

١- الاختلالات الذاتية

وسنكتفي بالإشارة إلى عناوينها؛ لأننا تعرضنا لها في متن النص:

  • سوء تقدير الموقف بما ينجرّ عنه من أخطاء في التموقع والسياسات .
  • الارتهان للتموقع في الحكم بقطع النظر عن الأداء وطريقة الأداء ونوعية التحالفات .
  • المبالغة في اعتماد منهج التكتيك ضيق الأفق في الممارسة السياسية .
  • تناسي التعاقدات الانتخابية .
  • المبالغة في التبرير والعجز عن النقد الذاتي أو التفصي من العمل بنتائجه .
  • سوء إدارة التنوع وضعف الاستفادة من خزان الموارد والأفكار.

 وهذه كلها إخلالات معتادة في العمل السياسي تؤثر في الحزب وتعوضه بغيره دون تأثير كبير في المسار الوطني .

٢- العوائق المرتبطة بالسياق

وهذه عوائق من طبيعة ثانية؛ إذ تتجاوز مسؤوليتها وتأثيرها حركة النهضة، رغم أنها لا تعفيها منها، وهي تتعلَّق بالموقع الخصوصي لحركة النهضة في المشهد التونسي. إذ تواجه الأحزاب السياسية عادةً تحدي إدارة الحكم بتقديم أفضل البرامج وأكثر المسؤولين كفاءةً من أجل تحقيق أفضل الإنجازات بأحسن الطرق.

أما حركة النهضة، فقد واجهت طيلة مسيرتها ثلاثة أصناف من التحديات :

  • تحدي المحافظة على الوجود .
  • تحدي إثبات المقبولية .
  • تحدي إدارة الحكم.

لقد تعرضت حركة النهضة طيلة ثلاثة عقود إلى مخططات استهداف غليظ من طرف السلطة هدَّدتها في وجودها، كما تعرضت أيضًا إلى الاستهداف الناعم من طرف جزء من النخبة التي تعاملت بمنطقٍ دينيٍّ مع قيم الحداثة والتقدُّم، فمارست الاحتكار والتكفير المدني، ومارست الاستعلاء الثقافي على تيارات الهوية متأثرةً في ذلك بالغلو الفرنسي. ولقد كان الأمل معقودًا على تغيير الأوضاع بعد الثورة، فتتحسَّن المناخات، وتتوسَّع رقعة التعايش. ولكن المزاج النخبوي لم يتغيَّر كثيرًا، وتعامل باستعلاء و”حقرة” مع التعبيرة السياسية الأهم للقاعدة الانتخابية المحافظة، و”الحقرة” هنا مركَّبة، فهي ثقافية واجتماعية وجغرافية؛ إذ إن القاعدة الانتخابية هي من الفئات الوسطى فما أقل اجتماعيًّا، وهي جنوبية في الأغلب. ومن المفارقات أن تكون هذه خلفية نخب ترفع شعار الانحياز للفئات الشعبية، وتعيش وتتصرف بعقلية الأرستقراطية وسلوكها.

ربما أحسَّ الجسم النهضوي بقدرٍ من الأمان في السنتَيْن الأُوليين للثورة، ولكن مع صيف 2013 عادت الكوابيس، وبعد التوافق مع نداء تونس تمَّ المزج بين الجزرة والعصا أو بين التخويف والاعتراف لتحقيق مزيد من الاحتواء. بالطبع، إن اللوم الأساسي يقع على من يقبل شروط اللعبة ويمضي في هذه الطريق، ولكن النتيجة الموضوعية للخضوع للخوف هي انتهاج التكتيك لتحقيق الأمان في محيط خصم، والنتيجة الموضوعية للخضوع لجاذبية الإغراء هي تقديم المزيد من التنازلات لقوى النفوذ للحصول على الاعتراف، والمبالغة في التكتيك كما المبالغة في الترضية يضربان الثقة ويشكِّكان في المصداقية .

ولا يمكننا أن نخرج من هذه الحلقة المفرغة، وإنجاح الانتقال الديمقراطي إلَّا بإدماج الجميع على قدم المساواة، والتعامل مع القاعدة المحافظة وممثليها السياسيين على أساس تعاقد المواطنة وذلك بـ:

أ- إشاعة خلق التواضع وروح التعايش وثقافة التنسيب، فالديمقراطية هي في العمق اعتراف بالتنوع، واحتفاء به، وحسن إدارة له، وهي تواضع وتنسيب، وهي احترام للآخر وقبول به، وهي رفض للتنميط ولمنطق التعالي. فلا أحد يحقُّ له تنصيب نفسه حكمًا على أفكار الناس وقناعاتهم وسلوكهم ما ظل منضبطًا بالدستور.

ب- تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، فنجاح المسارات الانتقالية مشروطٌ بتجاوز جراحات الماضي وتصدعات التاريخ. ولئن كان الإنصاف يقتضي عدم غمط مكاسب دولة الاستقلال في الإدارة والتعليم والصحة والبنية الأساسية، فإنه يقتضي كذلك كشف الصفحات الأقل نقاوةً في تاريخها، التي تشمل علاقة السلطة بمعارضيها وبالمجتمع، والمظاهر الصارخة للحيف بين الجهات والفئات، وكذلك علاقة التنظيمات ببعضها وبالدولة وبالمجتمع.

لقد كان مأمولًا من مسار العدالة الانتقالية تصفية تركة هذه المظالم والانحرافات، وكان مطلوبًا تجاوز الحروب الأيديولوجية بإجراء مراجعاتٍ شجاعة من الجميع. غير أن مسار العدالة الانتقالية قد تعثَّر بسبب طريقة إدارة هيئة الحقيقة والكرامة، وعرقلة كبار مسؤولي الدولة بعد انتخابات 2014، ومعارضة غالب النخبة الحقوقية، وتراخي قيادة حركة النهضة .ولم يُنجز شيء يستحقُّ الذكر في باب المراجعات والنقد الذاتي. وتمَّ تسليط الضغط على حركة النهضة وحدها في نوعٍ من المحاكمة الغيابية في الساحة العامة، بما أشاع لدى جماهيرها الإحساس بالاستهداف، ودفع بعض قادتها إلى المبالغة في الترضية. وكل ذلك مُضِرٌّ بالوحدة الوطنية .

ج- التمييز بين مستويات التعامل مع الدين في الفضاء العام

وهذه إحدى القضايا الأساسية التي يرتبط بها مستقبل بلادنا (ومنطقتنا)، وهي في قلب الاصطفافات والحروب الداخلية والصراع بين النُّخب وبينها وبين الأنظمة على امتداد المائة سنة الماضية. وطالما لم نمتلك التواضع والجرأة والتسامح لطرح هذه الموضوعات، فسنظل على هامش قطار الحضارة .

وقد يتطلَّب الأمر بحث خمسة مستويات :الدين في المجال الشخصي بين العقائدي والثقافي، الدين في الفضاء السياسي ، الدين في الفضاء المجتمعي ،الدين في فضاء الدولة (المرجعية والتربية والثقافة والتشريعات)، الدين في الفضاء البحثي والأكاديمي.

وطالما لم تتحقَّق قيمة التسامح التي تحقِّق الأمان السياسي، وطالما لم تتحقَّق قيمة العدالة التي تحقِّق الأمان الاجتماعي، وبهما يتحقَّق الإدماج الوطني، فسنظل محاصرين بين الخوف والغضب والمخاتلة، يُخيَّل إلينا أن هذه القضايا تشغل كل منطقتنا وتتجاوز الساحة التونسية .


[1] نجيب الشابي، المسيرة والمسار ما جرى وما أرى كلمات عابرة للنشر، 2022، ص151 وما بعدها.

[2] عزمي بشارة، الثورة التونسية المجيدة: بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الثانية، 2013، ص440.

[3] المرجع السابق، ص445، 448.

[4] انظر بيانات الأحزاب الثلاثة في: المرجع السابق، ص445، 448، 433.

[5] مصطفى بن جعفر، مسيرة طويلة نحو الديمقراطية، حوار بالفرنسية مع فرانسوا جيسار، نيرفانا للنشر، 2014.

[6] الموقع الإلكتروني للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

 [7] تيار أسسه السياسي محمد الهاشمي الحامدي في مارس/ آذار 2011، وحقَّق مفاجأة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وتحوَّل لاحقًا إلى حزب سياسي تحت مسمَّى تيار المحبة، وقد غاب عن المشهد في الانتخابات اللاحقة .

[8]  مصطفى بن جعفر، مسيرة طويلة في سبيل الديمقراطية، مرجع سابق.

[9] تأسَّس الحزب بعد الثورة في مارس/ آذار 2011 على يد مجموعة من الإطارات، لم يمارس أغلبها السياسة سابقًا، وهو وسطي ليبيرالي. شارك في أبريل/ نيسان 2012 في تأسيس الحزب الجمهوري قبل أن ينفصل عنه. كما شارك في حكومة الحبيب الصيد. وبعد فشله في انتخابات 2019، غيَّر قيادته .

[10] جبهة ضمت 11 حزبًا يساريًّا وقوميًّا وعددًا من الشخصيات المستقلة، أُعلن عن تأسيسها في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، ارتقت بتمثيلية اليسار الراديكالي في مجلس النواب سنة 2014 لما أحرزت 15 مقعدًا. ولكن أنهكتها الصراعات الداخلية وغياب البرنامج، فانتهت كتنظيم قبل انتخابات 2019.

[11] حزب سياسي ليبرالي وسطي، أسسه الباجي قايد السبسي في يونيو/ حزيران 2012 من توليفة ضمَّت بورقيبيين وتجمعيين ويساريين ونقابيين ومستقلين بخلفية أحداث توازن مع حركة النهضة. فاز في عام 2014 في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولكنه تعرض لأزمات داخلية كثيرة أدت إلى ضعف تأثيره في انتخابات 2019.

[12] انظر: الشابي، مرجع سابق، ص67-68.

[13] الباجي قايد السبسي: تونس: الديمقراطية في بلاد إسلامية، حوار بالفرنسية مع الصحفية ارلات شابو، منشورات بلون، 2016، ص43-44.

[14] الموقع الإلكتروني للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

[15] تأسَّس في مايو/ أيار 2013 إثر انشقاق قياداته من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، يتموقع في الوسط الديمقراطي الاجتماعي، ويرفع مقاومة الفساد قضية مركزية له. وقد مثَّل أملًا للساحة الديمقراطية الاجتماعية، ولكنه يعاني صعوبات داخلية بسبب عدم انسجام زعاماته.

[16] حزب سياسي ذو ميول ناصرية، تحصل على تأشيرة العمل القانوني في مارس/ آذار 2012، وذو توجهات اجتماعية وحدوية. له تأثير في الاتحاد العام التونسي للشغل، وخاصةً في قطاع التعليم .

[17] حزب ليبيرالي أسَّسه رجل الأعمال سليم الرياحي، مثَّل مفاجأة في انتخابات 2014 بحصوله على 16 مقعدًا، وشارك في حكومة الحبيب الصيد مع نداء تونس وحركة النهضة وآفاق تونس. تابعت رئيسه العديد من الشبهات والقضاء. وفي مايو/ أيار 2018، اندمج الحزب في نداء تونس.

[18] الباجي قايد السبسي، كتاب تونس: الديمقراطية في بلاد الإسلام، حوار مع ارلات شابو (بالفرنسية)، منشورات بلون، 2016، ص47 وما بعدها.

[19] المرجع السابق.

[20] حركة النهضة، لوائح المؤتمر العاشر لحركة النهضة، منشورات حركة النهضة، 2017، ص155.

[21] المرجع السابق، ص156.

[22] المرجع نفسه، ص180.

[23] الموقع الإلكتروني للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

[24] تحالف سياسي وانتخابي تأسَّس في فبراير/ شباط 2019، مثَّل إحدى مفاجآت انتخابات أكتوبر 2019. استقطب القاعدة الانتخابية الغاضبة من حركة النهضة، بسبب ما تعتبره تخليها عن المرجعية الدينية، وتردُّدها في مقاومة الفساد وفي التصدي لقوى الثورة المضادة .

[25] أسَّسه حامد القروي رئيس الحكومة في عهد بن علي في سبتمبر/ أيلول 2013، وشهد الحزب حركيَّة لافتة بعد أن تولت رئاسته عبير موسي. اتجه الحزب إلى تبني خطاب مناهض للثورة ومدافع عن نظام بن علي، وراهن على الفئات المحبطة من أداء حكومة يوسف الشاهد، وغازل مشاعر الحنين للعهد السابق. وقد تبنَّى الحزب خطابًا راديكاليًّا في مواجهة حركة النهضة، وحصل على 16 مقعدًا في انتخابات 2019، واختار تعطيل أعمال البرلمان. يوصف بالشعبوية والفاشية، وهو من الأحزاب القليلة التي تُمارس العمل السياسي الميداني .