مجلس القيادة الرئاسي وخيارات الحرب والسلام في اليمن

ملخَّص: شهد اليمن في يوم السابع من أبريل/ نيسان الجاري تطورات سياسية مهمة غيَّرت من المشهد السياسي برُمَّته وحرَّكت العملية السياسية من خلال تعيين مجلس القيادة الرئاسي لإدارة شؤون اليمن خلال الفترة المقبلة. وفي هذا السياق تناقش هذه الورقة دلالات تشكيل هذا المجلس، الذي تسلَّم مقاليد الحكم في الجمهورية اليمنية بموجب الإعلان الرئاسي من قِبَل الرئيس هادي، وتبحث في دوافع التحالف العربي من القيام بهذه الخطوة المفاجئة، وتركيبة المجلس السياسية، وتتطرق لدور المجلس تجاه القضايا الرئيسة المهمَّة التي منها الحفاظ على وحدة البلاد، وإدارة الملفات العسكرية والإنسانية والسياسية، وعملية التفاوض المستقبلية مع جماعة الحوثي.

تمهيد

أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي فجر الخميس السابع من أبريل/ نيسان من الرياض وبطريقة مفاجئة تسليم مهامه الرئاسية لمجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي. ولم تكن هذه الخطوة متوقعةً بالنسبة إلى الداخل اليمني. ولم يصدر من الشارع اليمني أيُّ ردة فعل سلبية أو إيجابية تجاه هذه الخطوة، لكنه يترقَّب ما سيقوم به المجلس خلال الأيام القادمة، وما إذا كان سيقوم بالوفاء بالتزاماته تجاه مواطنيه، ويسعى إلى إنهاء الحرب بأي وسيلة، أم سيمارس مهامه من خارج الأراضي اليمنية كما فعل الرئيس عبد ربه وحكومته. وعلى المستوى السياسي، قد يبدو أن إعلان تشكيل المجلس مفاجئ، إلا أن المتابع للمشهد السياسي يدرك أن اليمن قد شهد مثل هذه المجالس في مراحل حرجة من تاريخ اليمن منذ تأسيس الجمهورية إثر ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 ضد نظام الإمامة. حيث تمَّ تشكيل أكثر من مجلس رئاسي ابتداءً من المجلس الرئاسي الأول بقيادة عبد الله السلال في سبتمبر/ أيلول 1962([i])، مرورًا بالمجلس الرئاسي الذي تشكَّل بعد تحقيق الوحدة 1990-1994، وصولًا إلى الوضع الحالي. والملاحظ في تشكيلة المجلس الحالي أنه لم يكن وفقًا لرغبة القوى السياسية واليمنية، كما يشير إلى ذلك ردود الفعل، ولا يوجد أيُّ نص قانوني في دستور الجمهورية يخوِّل الرئيس القيام بتشكيل مثل هذا المجلس. ويبدو جليًّا أن هذا التشكيل كان بناءً على رغبة السعودية والإمارات، وبدعم دولي واضح.

أهداف السعودية من تشكيل المجلس

بعد مرور ثماني سنوات من الحرب، رأت السعودية أن من مصلحتها استبدال قيادة الشرعية اليمنية بقيادة جديدة تتولَّى شؤون البلاد خلال المرحلة المقبلة. وتمَّ تشكيل المجلس الجديد المكوَّن من ثمانية أعضاء([ii]) خلال المشاورات اليمنية-اليمنية السريعة التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي نهاية مارس/ آذار الماضي، ولم تشارك جماعة الحوثي فيها([iii]). واللافت في الأمر أن إعلان المجلس تمَّ قبل اختتام المشاورات اليمنية-اليمنية في الرياض، وهذا يعني أن أغلب المتحاورين لم يكونوا على علمٍ بقرار التشكيل إلا من خلال وسائل الإعلام.

ومن خلال هذا التشكيل المفاجئ، بات جليًّا أن الاستراتيجية السعودية قائمة على “التحالفات التكتيكية القصيرة المدى”([iv]) تجاه اليمن. ودفعت السعودية بالرئيس هادي للتخلي عن مهامه الرئاسية، وضغطت على القوى اليمنية الموالية له بالقبول بهذا التشكيل. وقد أتى هذا ضمن استراتيجيتَيْن: الأولى أن السعودية تريد من هذا المجلس أن يتحاور مع جماعة الحوثي برعاية الأمم المتحدة خلال المرحلة المقبلة، وقد حثَّته على ذلك فور تشكيله مباشرة، وتعهدت بالتعاون مع الإمارات بتقديم 3 مليارات دولار كمساعدات([v])، لتسهيل مهام المجلس خلال الفترة القادمة. والاستراتيجية الثانية أن السعودية تسعى إلى الحصول على ضمانات أمنية وعسكرية بعدم استهداف أراضيها ومناطقها الحيوية من قِبَل الحوثيين. كما أن الدول الغربية تدرك أن جماعة الحوثي باستطاعتها استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومناطق مصادر الطاقة في الإمارات والسعودية، وقد فعلت الجماعة الحوثية ذلك خلال الفترات القليلة الماضية من خلال استهداف أماكن استراتيجية في الإمارات والسعودية. فعلى سبيل المثال، في 17 يناير/ كانون الثاني استهدف الحوثيون العاصمة الإماراتية أبوظبي بصواريخ بالستية وطائرات مُسيَّرة تسبَّبت في انفجار ثلاثة صهاريج لنقل المحروقات قرب شركة بترول أبوظبي الوطنية واندلاع حريق قرب مطار الإمارة، وتسبَّب في مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين([vi]). وفي 25 مارس/ آذار، شنَّ الحوثيون هجمات عسكرية على منشأة لتخزين النفط في جدة([vii]). ونظرًا لأهمية موقع اليمن الاستراتيجي وقدرة الجماعة الحوثية على استهداف المصالح الدولية، فإن القوى الغربية -وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- ينظرون لها كفاعل محلي مؤثر يستطيع تهديد مصالحهم خلال المرحلة المقبلة، ومن ثَمَّ لا بدَّ من استيعابه -ولو مرحليًّا- من أجل تأمين مصادر الطاقة، لتعويض نقص موارد الطاقة من روسيا نتيجةَ الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا ومقاطعة الغرب لروسيا. وتوحي تحركات المبعوث السويدي بيتر سيمنبي، والأمريكي تيموثي ليندركينغ، خلال المرحلة الماضية والراهنة، بأن المجتمع الدولي مرحِّب بهذا المجلس. وقد رحَّب وزير الخارجية الأمريكي([viii]) والاتحاد الأوروبي به كذلك. وتسعى القوى الدولية من خلال دعمها لهذا المجلس إلى تحريك المياه الراكدة والدفع بالمجلس للحوار مع جماعة الحوثي لتحقيق سلام ولو هشّ.