العنوان: المشروع الوطني الفلسطيني: تطوره ومأزقه ومصائره

اللغة: العربية

عرض: أ. عوني فارس/ باحث في القضية الفلسطينية

الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

سنة النشر: تشرين أول/ أكتوبر 2021

عدد الصفحات: 370

 مقدمة

صدر حديثاً كتاب المشروع الوطني الفلسطيني: تطوره ومأزقه ومصائره، لمؤلفه ماهر الشريف، عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. يتتبع الكتاب المراحل التاريخية التي مر بها المشروع الوطني منذ عشرينات القرن العشرين حتى الآن، ويوضح الدور الذي لعبه الفاعلون في الساحة الفلسطينية في بلورته وتطوره، ويحوي تفاصيل غنيَّة حول تحولاته، وما ارتبط بها من عوامل وأحداث، وقد أراد مؤلفه أن يكون شاملاً، وأن يُضاف إلى قائمة المصادر “النافعة” لطلبة المراحل الجامعية، ولكل المهتمين بمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية.

ماهية المشروع الوطني الفلسطيني

ارتبط تعريف المشروع الوطني الفلسطيني بالأهداف الاستراتيجية للحركة الوطنية، وبالوسائل الرئيسة التي استخدمتها لتحقيقها، وقد تمَّ التعبير عنه من خلال وثائق الحركة الوطنية وأجسامها التمثيلية، وعَبْر مسيرة طويلة للنضال الفلسطيني الميداني والسياسي ضد المشروع الصهيوني، وحسب الشريف، فقد كان المشروع جنينياً، ومعالمه غير واضحة في مرحلة الاحتلال البريطاني، وانتظر حتى أواخر خمسينات القرن العشرين ليتبلور بشكل كاملٍ، كما عبَّرت عنه وثائق وأدبيات حركة فتح في مرحلة التأسيس، ثمَّ حملته منظمة التحرير، ومرَّ برعايتها بعدة مراحل، فقد كان يعني في مرحلة إنشاء المنظمة وظهور فصائل المقاومة سعي الشعب الفلسطيني نحو تحقيق هدف التحرير والعودة، ثم انتقل بعد هزيمة حزيران عام 1967 وحرب عام 1973 إلى هدف الاستقلال في إطار دولة فلسطينية تقام على حدود الرابع من حزيران، ثم تحول بعد توقيع اتفاق أوسلو إلى هدف الانتقال من مرحلة الحكم الذاتي إلى تحقيق الدولة، لكنه دخل مأزقاً كبيراً حين عجز عن الوصول لهدفه، خصوصاً مع اختلال موازين القوى لصالح المشروع الصهيوني، والضعف الذي اعترى بنية الحركة الوطنية، وما اتبَّعته من استراتيجيات سياسية واختارته من وسائل كفاحية.  

محتوى الكتاب

حوى الكتاب مقدمة، وتسعة فصول، وخاتمة، وثبتٍ بالمصادر والمراجع، وفهرست أعلام، توزعت على 370 صفحة. كشفَ الفصل الأول عجز الحركة الوطنية عن بلورة مشروع وطني واضح المعالم في مرحلة الاحتلال البريطاني، خصوصاً وأن وعيها الكياني، وفق الشريف، كان “قاصراً ومتخبطاً إزاء فكرة استقلال فلسطين” (ص 6)، وبيِّن أنَّها تبنَّت هدف الاستقلال مع بُعد عروبيٍ واضح، ورفضت المشاريع البريطانية والدولية الخاصة بفلسطين، وكان من مطالبها تأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي، وعرضَ الفصل الثاني تحولات المشروع الوطني بعد النكبة، وشرح تصور الهيئة العربية العليا لمسألة بعث الكيانية الفلسطينية وإبراز الشخصية الفلسطينية، وأشار إلى موقفها الرافض لقرار التقسيم، ومطالباتها بخوض النضال، وتشكيل جيش فلسطيني من أجل استرجاع فلسطين، ورصدَ جوانب من جهودها في الميدان السياسي والعربي والدولي، في المقابل تناول صعود التيارات “فوق الوطنية” وعجزها عن بلورة مشروع وطني فلسطيني، بما فيها التيار القومي الذي تبنَّى شعار الوحدة طريق التحرير، والتيار الإسلامي الذي ركَّز على أن فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عنها، ودعا إلى الجهاد المقدس ضد المشروع الصهيوني، ورفض التسوية السلمية وسياسة الاحلاف، والتيار الشيوعي الذي دعا لتطبيق قرار التقسيم (181)، والتعاون مع “الطبقة” العاملة اليهودية في فلسطين، ورفضَ سياسة الأحلاف الغربية.

واهتم الفصل الثالث بدراسة التحول الذي جرى على المشروع الوطني بعد انطلاق حركة فتح، حيث مُنح بعداً وطنياً واضح المعالم، خصوصاً مع تبني الحركة لاستراتيجية التحرير والعودة، والالتزام بالكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين، ثمَّ اعتبار منظمة التحرير المؤسسة المعبرة عن المشروع الوطني، وتناول الفصل الرابع هيمنة فصائل المقاومة على منظمة التحرير، وتصاعد العمل المسلح، حيث أصبحت الدولة الفلسطينية الديمقراطية هي هدف المشروع الوطني، وناقش الفصل النظريات العسكرية التي ارتبطت بتحقيق هذا الهدف، والتي تبنتها المقاومة نهاية ستينات القرن العشرين وبداية سبعيناته مثل: “القاعدة الآمنة”، وعمان ” هانوي العرب”، ” العمليات الخارجية، وتتبع الفصل الخامس عملية انتقال المشروع الوطني من هدف التحرير إلى هدف الاستقلال في إطار دولة فلسطينية، وولوج منظمة التحرير لقطار التسوية السلمية، وذكرَ جملة العوامل التي أدت إلى حدوث هذا الانتقال، وتوقف الفصل السادس عند الرهان الخاسر لمنظمة التحرير على “اتفاق عمان”، حيث اعتقدت بأن توقيعه سيسهل فتح باب للحوار مع الإدارة الأمريكية، وعرَّج الفصل السابع على التحولات الكبرى في المشروع الوطني بما فيه تبني منظمة التحرير لحل الدولتين، وقدَّم تفصيلات حول التطورات التي شهدها النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين، بما فيها اندلاع الانتفاضة الأولى، ومبادرة السلام الفلسطينية، وصعود الإسلاميين، وقبول المنظمة للشروط الامريكية للمشاركة في مؤتمر مدريد، وتوقيعها على اتفاق أوسلو، واهتم الفصل الثامن بمسار التسوية السلمية وسقوط رهان الفلسطينيين على أوسلو، واندلاع الانتفاضة الثانية، والصعود الثاني للإسلاميين الفلسطينيين، وحدوث الانقسام الفلسطيني، وركَّز الفصل التاسع على مأزق المشروع الوطني المتمثل في عدم القدرة على تحقيق أهدافه، ووضَّح أسباب هذا المأزق، وعرض مجموعة من المقترحات لمواجهته.

القوى الفلسطينية والمشروع الوطني

تميَّز الكتاب بشرحه المفصل لمواقف مختلف التيارات الفلسطينية من المشروع الوطني ومعناه وتحولاته، ونورد هنا مثالين على طريقة الكاتب في تناول هذا الموضوع. 

  • الشيوعيون والمشروع الوطني

أولى الكاتب اهتماماً كبيراً بتبيان موقف الشيوعيين الفلسطينيين من المشروع الوطني منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين حتى الآن، وعرض تصوراتهم للمشروع ومرتكزاته والتي تضمنت الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة، ودمج اليهود في فلسطين بأي حل مستقبلي، والحوار مع القوى “التقدمية” داخل دولة الاحتلال، والتحفظ على مواقف النظام الرسمي العربي، ورفض الكفاح المسلح وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية، ويلاحَظ أن الكاتب منح الشيوعيين مساحة كبيرة في الكتاب، ويبدو أن ذلك عائد لخبرة المؤلف التنظيمية الطويلة في صفوف الحزب الشيوعي، وكون الحزب وتاريخه وفكره شكَّلا جزءاً أساسياً من اشتغاله الأكاديمي لعدة عقود، كما أنَّه أفرد مساحة للحديث عن مواقف ورؤى الشيوعيين داخل دولة الاحتلال للمشروع الوطني ومرتكزاته، انطلاقاً من إيمانه بأنَّهم جزءٌ من الحالة الكفاحية في فلسطين ضد المشروع الصهيوني، وهذا يخالف حقيقة واقعية أن الاجسام التمثيلية للشيوعيين داخل دولة الاحتلال وفي مقدمتها “راكاح” و”ماكي” كانت جزءاً من التفاعلات الثقافية والاجتماعية والسياسية داخل مجتمع الاحتلال. 

  • الإسلاميون والمشروع الوطني

شرح المؤلف رؤية التيار الإسلامي للمشروع الوطني، وأورد أهم مقولاته التأسيسية المتعلقة بفلسطين والصراع مع المشروع الصهيوني، وقد لاحظ خلال تتبعه لمسيرة هذا التيار، بأنَّه شهد تحولاً في استراتيجيته حين تبنت حركة حماس، كبرى الحركات المعبرة عنه، برنامجاً مرحلياً عام 1994، وطرحت عام 2003 أن الدولة الفلسطينية على أية جزء يتم تحريره تعتبر حقاً فلسطينياً، واعترفت بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للفلسطينيين، وارتضت الدخول في مؤسساتها وطالبت بإصلاحها.

وعرض المؤلف تفاصيل حول نشأة التيار الإسلامي، ومراحل تطوره، ومواقفه، وهي تفاصيل ضرورية لفهم علاقته بالمشروع الوطني،  لكنّ النص بدا مفتقراً  لنقاش معمق حول التيار والمراحل التاريخية التي مرَّ بها، تبين ذلك من خلال ترداد الكاتب لبعض المعلومات التي تحتاج للتدقيق، فعلى سبيل المثال ذكر أن تأسيس فرع جماعة الإخوان في القدس كان في أيار عام 1946، والصحيح أن هذا التاريخ مرتبط باتخاذ الجماعة قصر أحمد سعيد الحسيني في حي الشيخ جراح مقر لها، أما التأسيس فكان في تشرين أول عام 1945، واكتفى بذكر مشاركة الإخوان في حرب عام 1948 ضمن وحدات الجيش المصري، في حين أن متطوعين من جماعة الإخوان من أقطار عربية أخرى ومن فلسطين شاركوا في الحرب ضمن بعض التشكيلات العسكرية العربية والمحلية.

 كما انعكست أيضاً في محدودية المساحة المعطاة لدراسة هذا التيار داخل الكتاب، رغم تصاعد أهميته وتأثيره على المشروع الوطني، وفي إهمال الكاتب الإشارة لمواقفه خلال بعض المحطات المفصلية من تاريخ الحركة الوطنية، كما في موقفه من وجود المقاومة في الأردن. وقد نقل بعض الاستنتاجات المرتبطة بالمُناكفات بين التيارين الإسلامي والعلماني، مثل حديثه عن دور الاحتلال في تعزيز نفوذ مؤسسات الإسلاميين في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، وفرضيته بأن التيار الإسلامي افتعل المشاكل مع التيارات العلمانية في جامعة بيرزيت والجامعة الإسلامية، وبأن انخراطه في الانتفاضة الأولى كان هدفه الأساسي الحفاظ على نفوذه وتعزيزه.

المشروع الوطني ومسار التسوية السلمية

شكَّل مسار التسوية السلمية وما تمخض عنه من مشاريع وخطط جزءاً اساسياً من المشروع الوطني الذي تبنَّته منظمة التحرير، والذي انتقل من مرحلة رفض الحلول السلمية، إلى القبول بها، وقد تتبع الكاتب هذا التحول وتعبيراته السياسية والميدانية منذ مقترحات بورقيبة عام 1965، حتى أوسلو وما بعده، معتبراً أن حرب حزيران عام 1967 كانت العامل الرئيس في دفع الفصائل إلى التخلي عن فكرة تحقيق النموذج الجزائري في فلسطين، والتحول نحو تبني الدولة الفلسطينية الديمقراطية، في حين كانت حرب 1973 العامل الأساس في دفع منظمة التحرير إلى التخلي عن التحرير والقبول بفكرة التقسيم، وقد لعب هاجس تمثيل الفلسطينيين، وضغط النظام الرسمي العربي، دوراً في تغيير أدوات تحقيق المشروع الوطني، حيث أدخل الكفاح السياسي على تكتيكات العمل الوطني، وتراجع الإيمان بأولوية الكفاح المسلح.

وقد أبانت الوقائع التي استحضرها الكاتب حول التسوية السلمية وحضورها في المشروع الوطني، أنَّها كانت عنصر تفجير رئيس للإجماع الوطني، ونقطة خلاف مركزية داخل منظمة التحرير، وعززت حالة من الانقسام الأفقي والعمودي بين الفصائل وداخلها، وقد مثَّلت الجبهة الشعبية وحليفاتها عنوان الرفض لمسار التسوية السلمية، ثمَّ تزعمت حركة حماس تيار الرفض بعد أوسلو، في حين كانت فتح وحليفاتها خصوصا الجبهة الديمقراطية أهم متبنيها وعرابيها.

مقترحات حول سُبل مواجهة مأزق المشروع الوطني

عَرَضَ الكاتب مجموعة من المقترحات لتجاوز مأزق المشروع الوطني من إعداد ثلة من المتخصصين والكُتَّاب والمحللين، وقد تراوحت بين المناداة بحل الدولة الواحدة أو الدولتين، والتخلص من مشروع السلطة الفلسطينية أو إصلاحها، وإعادة بناء منظمة التحرير، وبين الدعوة إلى التركيز على البناء الوطني والهوية الوطنية، ووضع الإنسان الفلسطيني في المركز، والاعتماد على الهوية الوطنية، وقد بيَّن الكاتب أن المقاومة الشعبية السلمية هي الوسيلة الأنجع لتحقيق المشروع الوطني في هذه المرحلة التاريخية، ويُلاحظ في هذا السياق أنه لم يناقش خيار التحرير الشامل والكفاح المسلح كهدف لتجاوز مأزق المشروع الوطني، وربما يعود ذلك لموقفه السياسي الرافض لهذا الخيار، رغم نجاح فصائل المقاومة المسلحة في إعادة تعزيز حضورها في أوساط الفلسطينيين خصوصاً بعد حربي العصف المأكول عام 2014، وسيف القدس عام 2021.

الخاتمة

لا شك بأن موضوع المشروع الوطني الفلسطيني مهم وضروري وحيوي، وهو مرتبط عضوياً بالقضية الفلسطينية وبالحركة الوطنية وأهدافها، وقد أحسن المؤلف إذ طرحه في هذه اللحظة التاريخية الحساسة من حياة الفلسطينيين ونضالهم، وقد كان واضحاً قدرة المؤلف العالية على توصيف وتحليل بعض المراحل التاريخية التي مرَّ بها المشروع الوطني بشكل أفضل من مراحل أخرى، كما في كتابته الرصينة عن المشروع الوطني في مرحلة ما بعد النكبة، وربما كان الكتاب يحتاج لنقاش معمق في دراسة المشروع الوطني وتحولاته في مرحلة اتفاق أوسلو وما بعده، نظراً لأهميته وتداعياته على حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم. أيضا كان من المفضل أن يوسع الكاتب من دائرة البحث في أدبياته ووثائقه حول التيار الإسلامي، خصوصاً وأنَّ لهذا التيار دور محوري في القضية الفلسطينية، ولديه قدرة عالية على التأثير في مستقبلها.    

لقد امتلأ الكتاب بالإحالات المباشرة، وفي بعض المحطات اقتصر الكاتب في معالجة الموضوعات على التوصيف، وزَهَد في التحليل، وبعض العناوين الفرعية كانت بحاجة إلى مزيد عناية، ومع هذا يبقى الكتاب مرجعاً في موضوعه.