ترجمة عن النص الأصلي باللغة الإنكليزية

تعتبر أزمة غزة حدثًا عالميًا أكثر منه إقليميًا، حيث يُتوقع أن تؤثر على موازين القوى العالمية، ومن المرجح أن تؤدي هذه الأزمة إلى فقدان الغرب لتفوقه الجيوسياسي والأخلاقي المفترض، ليس فقط على المستوى الإقليمي ولكن على المستوى العالمي، بينما يُتوقع أن تستفيد روسيا والصين والدول النامية من الأزمة الحالية، على الطرف الآخر فإنه سوف يكون درس مؤلم للغرب.

يعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة نقطة تحول تاريخي مهمة إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا، ويتوقع أن يُسرع من عملية انتقال النظام الدولي من أحادي القطب بعد الحرب العالمية الثانية نحو التعددية القطبية. اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة تموضعها في الشرق الأوسط  وإعادة ترتيب أولوياتها وفقًا لذلك، حيث لا يمكنها في الوقت الحالي التركيز على أكبر تهديد لهيمنتها: الصين.

تلقت الولايات المتحدة ضربة كبيرة من خلال الغزو الروسي لأوكرانيا دفعها لتحول تركيزها نحو أوروبا، ثم جاء هجوم حماس في 7 أكتوبر ليشكل ذلك ضربة جديدة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

فبعد تولي دونالد ترامب  الرئاسة في الولايات المتحدة، تحولت أنظار واشنطن نحو المحيط الهادئ في محاولة منها لاحتواء الصين. إلا أن هجوم حماس حول أنظار النخبة الأمريكية نحو الشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

سعت روسيا والصين إلى تقويض النظام الدولي الذي تدعمه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، ويبدو أن روسيا المستفيد الأكبر من توسع نطاق الإضطرابات، في حين تركز واشنطن على الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال لها اليد العليا من الناحية العسكرية والاقتصادية في منافستها مع روسيا والصين، إلا أن بكين تقترب أكثر فأكثر من الولايات المتحدة يومًا بعد يوم، ويزداد تأثيرها من خلال الاستثمارات العملاقة، وتحديداً في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تزيد من قدراتها العسكرية، حيث تعمل الصين أيضًا على تضخيم نفوذها على الجبهة الدبلوماسية وقد كان ذلك جليًا في اتفاق الذي رعته بكين في أبريل 2023 بين المملكة العربية السعودية وإيران، متجاوزة الولايات المتحدة، فيما يبدو أنه محاولة من المملكة العربية السعودية للابتعاد عن الفلك الأمريكي.

في السادس من أكتوبر/تشرين الأول إسرائيل والمملكة العربية السعودية كانتا في طريقهما إلى تطبيع العلاقات بينهما، كجزء من استراتيجية أمريكية طموحة، وهي عملية كان من الممكن أن تؤدي إلى تشكيل تحالف عربي إسرائيلي مؤيد لأمريكا، شراكة تهدف إلى احتواء أو “ردع” إيران وشركائها الإقليميين، حزب الله اللبناني وإيران.

كان مثل هذا النصر الدبلوماسي الأميركي سيوجه ضربة قوية لمصالح طهران، خاصة وأن التقارب السعودي الإسرائيلي كان من المقرر أن يرافقه اتفاق أمني بين واشنطن والرياض، وعليه فقد حطمت حرب غزة الجهود الأمريكية للتوسط في اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

بشكل عام، وفي ظل الموقف الغربي الحالي بشأن غزة، من المرجح أن تقوم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتكثيف جهودها للابتعاد عن المدار الأمريكي وزيادة وكالتها الإقليمية من خلال أخذ الحيطة في صنع سياستها الخارجية، وبهذا، تحصل بكين وموسكو على موطئ قدم في المنطقة في وقت تخسر فيه الولايات المتحدة أرضها أمام منافسيها خلال فترة التنافس بين القوى العظمى، وبينما تزيد موسكو من نفوذها في المجالين الأمني والعسكري، تعقد بكين صفقات اقتصادية عملاقة مع دول المنطقة.

لقد أثبتت أزمة غزة أنها بمثابة نعمة لمنافسي واشنطن الجيوسياسيين الأساسيين، حيث تستغل الصين وروسيا الأزمة الحالية بشكل متزايد في تنافسهما مع الولايات المتحدة، في حين تلقي واشنطن دعمها دون قيد أو شرط لحليفتها إسرائيل.

يمكن اعتبار ردود الفعل الصينية والروسية على حرب غزة كانت انتهازية، وتسعى إلى الاستفادة من التحديات التي تواجهها أميركا، وهذا يتناقض تماماً مع الإيحاء بأن مصالحهم الاستراتيجية تتوافق تماماً مع المصالح الإيرانية أو أنهم يدعمون حماس. في الحقيقة فإن روسيا تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، موطن مئات الآلاف من المهاجرين الروس، وقد سمحت لإسرائيل باستهداف مواقع عسكرية في سوريا والتي تخضع سمائها عمليا تحت سيطرة القوات الروسية، وهذا بدوره يفسر جزئياً مقاومة إسرائيل للضغوط الأمريكية للانضمام إلى التحالف الموالي لأوكرانيا.

وبالمثل، تحافظ الصين على تعاون ديناميكي مع إسرائيل في المجالات التكنولوجية والعلمية، وكما هو الحال في روسيا، فإن الإسرائيليين لا يؤيدون الاستراتيجية الأمريكية ضد الصين، إلى جانب ذلك، لا تتقاسم الصين وروسيا بالضرورة نفس المصالح في الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى، أصبح تورط الصين في غرب آسيا، مدفوعاً في المقام الأول بالمصالح الاقتصادية، أكثر تعسفاً. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن كلا من الروس والصينيين قد استفادوا من المشاكل التي يواجهها الإسرائيليون والأميركيون على المدى القصير، وسوف يستمرون في القيام بذلك طالما استطاعوا ذلك.

باختصار، فإن النظام العالمي “القائم على القواعد” المدعومة من الولايات المتحدة آخذ في التلاشي، وإلى أن يتم وضع نظام جديد، سيشعر العالم بألم التحول إلى عالم متعدد الأقطاب.