الملخص:
من الممكن أن يؤدي انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية إلى تغيرٍ كبير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. بينما في حالة حدوث الاحتمال الأكبر، وهو فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات، فإن السياسة الخارجية الأميركية ستسير على نفس النهج تقريباً. ولكن قدرتها على السعي في مبادراتها تجاه الشرق الأوسط ستكون محدودة بسبب الواقع الإقليمي الحالي بالمنطقة وأيضاً بسبب القيود الاقتصادية والسياسية، المحلية منها والدولية. بالإضافة إلى ذلك، حتى وإن قرر الرئيس القادم لأميركا أن يركز على منطقة الشرق الأوسط بشكل أقل من سابقيه، فإن المنطقة لديها طريقتها في شغل حيزٍ ما من اهتمام الرؤساء الأميركيين على اختلاف توجهاتهم.
تختلف دائماً الطريقة التي يدير بها مرشحو الرئاسة الديمقراطيون والجمهوريون السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا العام يبدو هذا الاختلاف أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى. فهوية الفائز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، سواءً كانت مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، أو مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، سيكون لها تداعياتها على الطريقة التي ستُدار بها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، ومن ضمنها سياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط. حالياً، تبدو هيلاري أقرب للفوز بانتخابات الرئاسة، وبالتالي سيتم التركيز هنا بشكلٍ أكبر على الشكل المحتمل لسياستها الخارجية تجاه المنطقة. أيضاً سيتم التعرض للطريقة التي من المتوقع أن يتعامل بها ترامب مع المنطقة، فحتى وإن كان فوزه بالانتخابات أمراً مستبعداً، إلا أن بعض أفكاره قد لاقت رواجاً لدى العديد من المواطنين الأميركيين، وبالتالي من الممكن أن يكون لها تأثير مستمر في المستقبل.
من المهم في البداية أن نحدد ماهية القضايا والمخاوف السائدة لدى الكونغرس والإعلام والشعب الأمريكي بخصوص الشرق الأوسط، والتي سيضطر الرئيس الأميركي القادم أياً كانت هويته إلى التعامل معها. من هذه القضايا الرغبة الأميركية في تجنب التدخل في شؤون المنطقة بنفس حجم التدخل الذي قام به بوش في العراق وأفغانستان، وهي رغبة ممزوجة بالخوف من نتائج رفض أوباما للتدخل في سوريا، والتي كان منها السماح لقوى أخرى – خصوصاً روسيا – بزيادة نفوذها في المنطقة على حساب النفوذ الأميركي. تتضمن هذه القضايا أيضاً القلق من فشل الاتفاق النووي الإيراني في إرغام إيران على الاعتدال في سياساتها الإقليمية، وكذلك الخوف من انتهاج السعودية لسياسات معاكسة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وخصوصاً في اليمن. تأتي أيضاً ضمن هذه القضايا القلق من أن يؤدي عناد حكومة نتنياهو لعرقلة أي تقدم ملموس في التسويات السلمية بين فلسطين وإسرائيل، وأثر ذلك على المصالح الأميركية بالمنطقة. تتضمن هذه القضايا أيضاً القلق الأميركي بخصوص تأثير السياسات العنيفة لحكومة السيسي على الوضع بمصر، وأن أية جهود أميركية لتعديل مسار حكومة السيسي لن تؤدي سوى لتدهور العلاقات الأميركية المصرية بشكلٍ أكبر. كذلك يوجد شعور عام لدى أميركا أن النمو المتزايد في إنتاج النفط الصخري قد يعني تناقص اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على نفط الشرق الأوسط. وبالتأكيد من ضمن هذه المخاوف القلق بخصوص العلاقات التركية الأميركية والعلاقات التركية الغربية وإمكانية عودتها إلى طبيعتها بعد الأزمات الأخيرة التي مرت بها. مع وضع هذه القضايا في الاعتبار، يمكننا الآن أن نتناول الكيفية التي من الممكن أن يتعامل بها كلا المرشحان مع السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
هيلاري كلينتون: استمرار السياسة الخارجية الأميركية على النهج نفسه
تمتلك هيلاري، على عكس معظم الرؤساء الأميركيين السابقين في بداية فتراتهم الرئاسية، معرفة شديدة بقضايا السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وذلك بسبب خبرتها التي اكتسبتها من عملها وزيرةً للخارجية خلال الفترة الأولى لرئاسة أوباما (2009 – 2013). تفيد التقارير بأنها كانت تميل إلى تدخل أميركا بشكل أكبر في سوريا بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد عام 2011، وهو الأمر الذي رفضه أوباما. وتُظْهِر حملتها الانتخابية الحالية رغبتها في فعل شيء ما بخصوص سوريا، ولكنها مع ذلك تعترف بأن التدخل الروسي الكبير الحالي في سوريا ربما يعني أن الفرصة لم تعد متاحة أمام أميركا للتدخل بشكل مؤثر في الوضع. وبالتالي من الممكن ألا تختلف سياستها تجاه الوضع في سوريا كثيراً عن السياسة الحالية لأوباما.
ستهتم هيلاري كلينتون على الأرجح بشكل كبير بمسألة إعادة بناء العلاقات المتوترة مع حلفاء أميركا بالشرق الأوسط، وستعتمد في ذلك على خبرتها الواسعة مع العديد من القادة بالمنطقة. وبالتالي فمن المرجح بشدة أن تحاول هيلاري التواصل مع بعض قادة المنطقة كالرئيس التركي أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وجميع رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي. من المحتمل أيضاً أن تواصل هيلاري جهود الرئيس الأميركي الحالي أوباما في هزيمة داعش بالعراق، وذلك من خلال دعم الحكومة العراقية، وكذلك دعم حكومة كردستان العراق. ومع أنها في الغالب لن تستطيع تحسين العلاقات الأميركية الإيرانية بشكلٍ كبير، إلا أنها ستسعى إلى الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، والذي بذل أوباما جهداً هائلاً للتوصل إليه. الغاية من وراء الحفاظ على هذا الاتفاق واضحة: فرغم الرفض الشديد لأميركا وبعض حلفاءها الإقليميين لما تقوم به إيران في سوريا وغيرها من دول المنطقة، إلا أنه من الأفضل للجميع بكل تأكيد وجود بعض القيود على قدرة إيران على امتلاك الأسلحة النووية. وبينما تشارك هيلاري السعودية قلقها بشأن الحوثيين باليمن، إلا أنها في الغالب ستتخذ نفس موقف أوباما والذى يرى أن التدخل السعودي العنيف في اليمن ستكون له نتائج عكسية. بالإضافة إلى ذلك، ومع أنه من الممكن بالفعل للنفط الصخري الأميركي أن يجعل الولايات المتحدة الأميركية أقل اعتماداً على نفط الشرق الأوسط، إلا أن كلينتون غالباً ستستمر في السعى إلى الحفاظ على اتفاقيات تصدير البترول مع دول المنطقة واستمرار التعاون الوثيق مع الدول العربية المصدرة للبترول، وذلك لاعتقادها بأهمية هذا الأمر بالنسبة لحلفاء أميركا، وللوضع الاقتصادي العالمي.
من المحتمل أن تنجح كلينتون في التعامل مع قادة الشرق الأوسط بشكل أكبر من أوباما. ولكن علاقاتها الودية بنظرائها في المنطقة لن تكون كافية وحدها للتغلب على الخلافات بين هؤلاء القادة وبين الولايات المتحدة الأميركية بشأن بعض القضايا، وخاصةً القضايا التي تتأثر بالرأي العام والكونغرس والقانون الأميركي. فمثلاً من غير المرجح أن يختلف موقف هيلاري كلينتون عن أوباما بخصوص رغبتها أو قدرتها على تسليم فتح الله غولن لتركيا (في الواقع، حتى إن كانت هيلاري راغبةً في تسليم فتح الله غولن، فمن غير المرجح بشدة أن يسمح القانون الأميركي بذلك لفترةٍ طويلة، إن سمح بذلك على الإطلاق).
بالإضافة إلى ذلك، غالباً ستفشل هيلاري – كأوباما وسابقيه من الرؤساء الأميركيين – في التوصل إلى اتفاق سلام بين فلسطين وإسرائيل. ولعلمها بصعوبة الأمر، فهي على الأرجح لن تحاول أن تسعى في تحقيقه بشكلٍ جديّ.
ولن تستطيع كذلك علاقاتها الودية بقادة المنطقة مساعدتها في تعديل سياسات قادة المنطقة التي ترى واشنطن أن لها نتائج عكسية (كالتدخل السعودي في اليمن، وتعامل السيسي مع المعارضة في مصر). وفي الغالب ستفشل هيلاري كأوباما في إقناع حلفاء أميركا في إسرائيل والخليج العربي بجدوى الاتفاق النووي الإيراني وفائدته بالنسبة لهم، وأن الدعم الأميركي لهذا الاتفاق لا يعني بأي شكل تراجع أميركا عن التزامها بالدفاع عنهم.
الأمر الذي سوف تراه هيلاري بالتأكيد غير مجدٍ هو أية محاولة جديدة للتعاون مع روسيا لحل أزمة الصراع في سوريا، أو للتعاون معها حتى في أي قضية أخرى. فبينما لم يتوقف أوباما أبداً عن المحاولة في هذا الأمر، إلا أن هيلاري في الغالب ستنظر لروسيا كعدو وليس كشريك في الشرق الأوسط وغيره من المناطق من بداية فترتها الرئاسية، وذلك بسبب العداء الشخصي للرئيس الروسي بوتين تجاه هيلاري نتيجة اعتقاده أنها حاولت تحريك ثورة ضده في الفترة من 2011 إلى 2012، وكذلك بسبب الجهود الروسية الأخيرة للتأثير على حملتها الانتخابية من خلال نشر معلومات ضارة بحملتها تم الحصول عليها من خلال القرصنة الإلكترونية. من ناحيةٍ أخرى، هيلاري لن ترى أن مواجهة أميركا للتدخل الروسي في سوريا تستحق المخاطرة بصراع أوسع مع روسيا نفسها، ولكنها في الوقت نفسه ستسعى لاستغلال خيبة أمل السياسات الروسية بشأن الأزمة السورية في كل من الشرق الأوسط وأوروبا.
دونالد ترامب: تغير كبير في نهج السياسة الخارجية الأميركية
على عكس هيلاري، لا يتمتع ترامب بأية خبرة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويجهل الكثير من الأمور عن الشرق الأوسط. أبدى ترامب في بدايات عملية اختيار الحزب الجمهوري لمرشحه الرئاسي رفضه الشديد للتدخل الذي قام به بوش في العراق. ومن ناحيةٍ أخرى، وعد بتدمير داعش، ولكنه لم يوضح كيف سيقوم بذلك. أبدى ترامب أيضاً معارضته للاتفاق النووي مع إيران، ورغبته في تعديله أو حتى إلغائه كليةً، ولكنه لم يوضح كذلك كيف سيمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية بدون وجود هذه الاتفاقية.
من المرجح أيضاً أن يسعى ترامب إلى التعاون مع بوتين بشأن سوريا وغيرها من القضايا، وذلك على عكس موقف هيلاري من ذات الأمر. ولا يتضح بعد ما سيتمكن ترامب من تحقيقه من خلال هذا التعاون. ومع أن ترامب قد تحدث عن بوتين بشكل إيجابي طوال حملته الانتخابية، إلا أنه لن يكون الأمر مفاجئاً إن تغير موقف ترامب من بوتين فجأة إلى العداوة في حال عجزهما عن التعاون.
وربما يعتقد ترامب أن قدرته المزعومة على التفاوض يمكنها مساعدته في الحصول على ما يريد من قادة الشرق الأوسط. ولكنه في الغالب سيصاب بخيبة أمل كبيرة حين يفشل في ذلك، وهو ما يُرَجح حدوثه بالفعل. ففي الواقع، بدلاً من أن تساعده شخصيته على الاتفاق مع قادة الشرق الأوسط، في الغالب ستصطدم شخصيته العدائية مع قادة الشرق الأوسط المشابهين له، وستؤدي إلى تنفير الأكثر هدوءً منهم. وبالتالي فإن ترامب ربما يتسبب في تدهور علاقات أميركا مع حلفائها التقليديين، في الشرق الأوسط وخارجه.
ولكن أياً كان سبب فشل ترامب في تحقيق مساعيه بالشرق الأوسط، فإنه على الأغلب سيتصرف كما لو كان قد قرر فجأةً أن المنطقة لم تعد تستحق الاهتمام. وربما يرى ترامب انخفاض اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط كسببٍ إضافيّ للانسحاب من المنطقة، أو حتى تجاهلها. وحينها سيقوم بدعوة حلفاء أميركا الذين يعتمدون على استيراد البترول من الشرق الأوسط لشراء احتياجاتهم من مصادر أخرى (كأميركا وروسيا مثلاً)، أو التعامل مع الشرق الأوسط بأنفسهم إن كان لابد من ذلك بالنسبة لهم.
ولا داعي لذكر أن مقاربة كتلك لن تدعم نفوذ أميركا بالشرق الأوسط، ولن تؤدي إلى زيادة استقرار المنطقة. ولكن ترامب لن يعبأ بهذا إن قرر أن الشرق الأوسط ليس مهماً بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية كما اعتقد سابقوه من الرؤساء. بالفعل ربما يرى ترامب حينها – والعديد من مناصريه – أن الشرق الأوسط يتجه إلى الفوضى على أية حال، وبالتالي من الأفضل لأميركا عدم التدخل في أمراض الشرق الأوسط المزمنة والانشغال بها.
أولويات السياسة الأميركية والواقع الإقليمي بالشرق الأوسط
يبدو أن سياسة ترامب الخارجية تجاه الشرق الأوسط (والعالم) سوف تكون أكثر غرابة وميلودرامية من سياسة هيلاري كلينتون. ولكن لأن كلينتون لديها فرصة أكبر في الفوز بالانتخابات، فعلى الأرجح ستكون سياسة أميركا الخارجية تجاه الشرق الأوسط هي السياسة التي تود هيلاري انتهاجها، والتي لا تختلف كثيراً عن السياسة الأميركية الحالية. ومع ذلك، فأمور كرفض الرأي العام الأميركي للتدخل في سوريا، وانخفاض اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط، والقلق الأميركي المتزايد تجاه روسيا والصين وأوروبا، والشعور العام بعجز أميركا عن تحقيق أي شيء فيما يتعلق بالشرق الأوسط، كلها عوامل ستحد بشكلٍ كبير من قدرة هيلاري كلينتون على انتهاج أي سياسة فاعلة في المنطقة.
وكما حدث مع رؤساء أميركيين سابقين، على الأرجح سينتهي الأمر بإدارة كلينتون إلى اتباع سياسة تقوم على رد الفعل تجاه أحداث الشرق الأوسط، بدلاً من سياسة تسعى إلى تحقيق رؤية أميركا الخاصة بالمنطقة. بالفعل، ربما تستغني هيلاري عن سياستها الخارجية تجاه المنطقة وتركز على التفاعل مع الأحداث، وعلى محاولة احتواء الوضع بالمنطقة بدلاً من حل مشاكلها، وخاصةً بسبب ما شاهدته من تداعي الرؤى الكبرى لأوباما وبوش بخصوص الشرق الأوسط بسبب تطورات الوضع الإقليمي بالمنطقة. ربما تكون خبرتها التي اكتسبتها أثناء العمل كوزيرة للخارجية قد أقنعتها أن هذه هي الاستراتيجية الأفضل، وأن هذا أقصى ما يمكن لأميركا تحقيقه بالمنطقة.
ولكن، سواءً كان الرؤساء الأميركيون مهتمين بالشرق الأوسط أم لا، فإن منطقة الشرق الأوسط دائماً ما كانت لديها طريقتها لشغل بال الرؤساء الأميركيين السابقين. ولهذا فإنه من المرجح بشدة أن يحدث نفس الأمر مع الرئيس الأميركي القادم كذلك.