وجدت كلٌ من روسيا وتركيا نفسيهما في قارب واحد، لذلك كان الفعل المنطقي الوحيد بالنسبة لهما هو نزع فتيل التوتر. هل تنوي روسيا وتركيا اصلاح العلاقات فيما بينهما وتجاوز الخلاف الذي نشب بعد حادث اسقاط الطائرة المُقاتلة الروسية SU-24؟

بالحكم على اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرج يوم 9 أغسطس / آب، فالجواب على ما يبدو سيكون “نعم”.

لقد رأينا بالفعل إيماءات تصالحية صغيرة تتراكم. تهنئة الرئيس التركي بالعيد الوطني الروسي يوم 12 يونيو / حزيران ثم تعبيره عن “تعازيه وتعاطفه” مع أسرة الطيار الذي قُتل في 27 يونيو / حزيران، والمكالمة الهاتفية لمتابعة المستجدات مع بوتين يوم 29 يونيو / حزيران، والأهم من ذلك كله، مكالمة بوتين للتعبير عن دعمه لأردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو / تموز.

ولأن أنقرة تلقي باللوم على رجل الدين الذي يعيش في منفاه الاختياري، فتح الله غولن، للقيام بمحاولة الاستيلاء على الدولة بالإضافة لإثارة الأزمة مع روسيا، فقد قامت وكبادرة حسن نية باعتقال الطيارين المشاركين في اسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/  تشرين الثاني 2015 من قبل السلطات التركية.

أخيراً وليس آخراً تم استئناف المحادثات بين نائب رئيس الوزراء محمد سيمسك وأركادي دفوركوفيتش بشأن مشروع خط أنابيب ستريم التركي في موسكو.

إعادة تقويم مستمرة

كانت أنقرة تُعيد ضبط بوصلة سياستها الخارجية حتى قبل محاولة انقلاب 15 يوليو / تمّوز. فقد أعقبت إعادة العلاقات مع إسرائيل مبادرات مبدئية مع مصر.

وعلاوة على ذلك، كانت هناك تكهنات بأن تركيا تسعى أيضاً للتواصل مع النظام السوري بدمشق.

قد يُحسّن إعراب كل من روسيا وإيران دعمهما لحكومة حزب العدالة والتنمية في أعقاب محاولة الانقلاب فرص مثل هذا التقارب الحذر لإعادة الحوار مع سوريا، ولكن لا ينبغي أن ننتظر عودة العلاقات كما كانت من قبل.

بالتأكيد روسيا لديها اعتباراتها الخاصة. روسيا لا تزال شريكاً اقتصادياً هاماً لتركيا. وقد تضررت السياحة والزراعة وقطاع البناء المزدهر في تركيا كثيراً بسبب العقوبات التي فرضتها موسكو رداً على إسقاط طائرتها.

في جميع الاحتمالات، كان مجتمع الأعمال التركي في روسيا هو الذي قاد المحادثات الخلفية لإصلاح العلاقات بين الحكومتين، وعمل على وضع صيغة لتطبيع الموقف دون إحراج أياً منهما.

على الرغم من أنه ربما قد فات الأوان لإنقاذ الموسم السياحي، إلا أن قرار روسيا برفع الحظر على الرحلات الجوية ومنظمي الرحلات السياحية أنقذ جزئياً المنتجعات الواقعة في المدن المطلة على سواحل بحر إيجة والبحر المتوسط.

سجل تاريخي

يبدو أن الخلاف الحالي مع الغرب يدفع تركيا للاقتراب أكثر من روسيا. فالأتراك يلومون الولايات المتحدة لعدم تعاونها مع السلطات التركية وتسليم غولن – العقل المدبر المزعوم لمحاولة الانقلاب.

يرى الكثيرون في تركيا الولايات المتحدة باعتبارها المتهم الرئيسي في الأحداث. كما يُندد غالبية الأتراك أيضاً بتردد الاتحاد الأوروبي في الوقوف إلى جانب أردوغان عندما واجه وضعاً مهدداً للحياة، وينتقد تركيز أوروبا الحصري على الحملة التي تلت ذلك، واستهدفت بوضوح “الدولة الموازية”.

روسيا بحاجة الى اتفاق بشأن فترة انتقالية سورية – عاجلاً وليس آجلاً – اذا ما أرادت تجنب إطالة تواجدها هناك. وجود تركيا في هذا أمر ضروري، وإن لم يكن كافياً وحده.

يُظهر السجل التاريخي ميل أنقرة تجاه موسكو عند توتر العلاقات مع الحلفاء الغربيين في أي وقت. حدث هذا بعد حرب 2003 في العراق، وبين عامي 1997 و1999 عندما رفض الاتحاد الأوروبي دعوة تركيا لمحادثات العضوية، وبعد غزو قبرص  عام 1974، وغيرها من الأحداث المشابهة.

قد يبدو أننا متجهون لمثل هذه اللحظة مرة أخرى، ولكن كما حدث في أي مرة مضت، فهناك قيد على هذا التوجه. تركيا لا تزال بحاجة إلى حماية حلف الناتو من تصاعد القوة الروسية قرب حدودها.

ومع ذلك، يبدو أن روسيا تستفيد من التقارب أيضاً. بمعنى، أن حادث أسقاط الطائرة كان لحظة ملائمة لبوتين، فقد اغتنم الفرصة ليشوه صورة القيادة التركية ويصورها على أنها “متواطئة مع الإرهابيين” وتطعن روسيا في ظهرها.

تغيير قواعد اللعبة في سوريا

التركيز على أردوغان صرف الانتباه عن جهود بوتين الجارية للتوصل الى اتفاق بشأن سوريا مع الولايات المتحدة وحلفائها. فلم يعد الرئيس الأميركي باراك أوباما الشخص الشرير الذي اعتادت أن تصوره وسائل الإعلام الموالية للكرملين في ذروة أزمة أوكرانيا عام 2014.

لكن روسيا دوماً ما كانت حذرة من سيناريو الانجرار إلى المستنقع السوري. فبعد أن أعلنت عن الانسحاب من سوريا في شهر مارس / آذار لا تزال قواتها الجوية تخوض حملة شرسة ضد المعارضة المسلحة في حلب.

كان إسقاط طائرة النقل العسكرية في الاول من أغسطس / آب أكبر خسارة لروسيا منذ بداية العمليات العسكرية.

حتى لو سقطت حلب، تحتاج روسيا الى اتفاق بشأن المرحلة الانتقالية في سوريا – عاجلاً وليس آجلاً – اذا ما أرادت تجنب إطالة المهمة. وجود تركيا في هذا أمر ضروري، وإن لم يكن كافياً.

التعاون ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) أيضاً على رأس جدول الأعمال، فعلى الرغم من جميع خلافاتهما تجد روسيا وتركيا نفسيهما في قارب واحد. وقد نُسب الهجوم بالقنبلة في شهر يونيو / حزيران على مطار أتاتورك في اسطنبول لمتطرفين من روسيا وغيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة.

الطبيعي أن تركيا سترغب في أن تُقلص روسيا أيضاً من دعمها للأكراد السوريين. لكنها في الواقع، تفتقر إلى النفوذ اللازم للتأثير على الكرملين.

ستجد روسيا وتركيا صعوبة في تحقيق تقدم على صعيد الطاقة أيضاً. هناك احتمال جيد أن واحداً من أربع خطوط ستريم التركية – سعة كل واحد 15.75 مليار متر مكعب – ستُبنى لتزويد السوق التركية.

ولكن قبل استكمال المحادثات، تحتاج شركة غازبروم التركية لتقديم خصومات جذابة. ستواصل أنقرة الدفع بالصفقة الصعبة، عالمة أنها تمتلك أغلب الأوراق الرابحة.

الفعل المنطقي الوحيد بالنسبة لهما هو نزع فتيل التوتر وإعادة العلاقات بين البلدين. لكننا سنعود حينها لتزاوج المصالح، وليس إلى علاقة حب تزدهر من جديد.