ملخص:

يعرض هذا البحث أن مصالح كلٍّ من إيران وتركيا في العراق معقدة، ومتعددة الجوانب، وطويلة المدى. يؤدي هذا إلى استنتاج أن كلتا الدولتين لن تتنازل عن مصالحهما في المستقبل القريب. لذا فإنه ينصح أن يؤخذ في الاعتبار أدوار كل منهما ودوافعها في أي تسوية سياسية مستقبلية في العراق.  

يصوّر احتمال حدوث تدخل عسكري تركي في العراق كيف ينتشر النزاع العرقي-الطائفي بسرعة غير مسبوقة في الشرق الأوسط. وفي هذه الأثناء، تقود قوى غير متجانسة مكوّنة من الجيش العراقي، ومقاتلي البشمركة الأكراد، وحرس نينوى السنّة، والتحالف الدولي، والحشد الشعبي المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل، عاصمة محافظة نينوى. وبينما أكدّت الحكومة العراقية أن الحشد الشعبي، والذي يتكوّن أساساً من ميليشيات شيعية، لن يشارك في معركة استرداد الموصل، تشير تقارير أن قوات الحشد الشعبي تلعب دوراً بالفعل في العمليات العسكرية قرب الموصل.

 تحمل كلّ من القوى المشاركة في معركة استرداد الموصل أجندة خاصة بها للحرب ضد داعش. ما تريده الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران يختلف بالطبع عن أهداف “حرس نينوى” السنة المدعومين من قبل تركيا أو قوات من البيشمركة الكردية. ومع أن الجيشين التركي والإيراني لا يتواجدان بشكل مباشر في العراق، إلا أن مستشارين عسكريين للدولتين موجودون على أرض المعركة لمساعدة الفصائل العراقية في حربها ضد “الإرهاب”. وترى كلا من تركيا وإيران مصالحاً سياسية واقتصادية في العراق. يفحص هذا المقال الدوافع الأساسية المحركة لكلّا من تركيا وإيران خلال منافستهما على امتلاك النفوذ في شمال العراق.

تلعفر

يتضح في حالة تلعفر، التي ما تزال تحت سيطرة داعش، سبب إصرار الحكومة التركية على بقاء قوتها العسكرية الصغيرة في قاعدة بعشيقة شمال العراق على الرغم من اعتراض الحكومة العراقية. يُحتَمل أن يشارك حزب العمال الكردستاني في الهجوم العسكري لاسترداد تلعفر، بتشجيع من قوات الحشد الشعبي العراقية والمدعومة من قبل إيران. وتقع مدينة تلعفر العراقية، التي كانت حامية عسكرية في عصر الدولة العثمانية، على بعد 60 كيلومتراً غرب الموصل ويسكنها حوالي 100 ألف شخص، أغلبهم من التركمان السنة.

وترى الميليشيات الشيعية في العراق في الرئيس التركي أردوغان حلقة في السلسلة السُنِّية في الشرق الأوسط. وبالنسبة لتلك الميليشيات، يُحقق طلب مساعدة حزب العمال الكردستاني في استرداد تلعفر هدفين: أولاً، تحدّي تصريحات أردوغان المنتقدة لمشاركة الحشد الشعبي في العمليات العسكرية لاسترداد الموصل. وثانياً، تحدّي سلطة رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني المتصاعدة في شمال العراق. وبالنسبة لحزب العمال الكردستاني، الذي تتكوّن غالبية مقاتليه من أكراد أتراك، فإن لعب دور أساسي في تحرير تلعفر، التي أصبحت معقلاً لداعش، سيعزز موقفهم بين الأكراد العراقيين، وكذلك سيثير حفيظة تركيا.

في ذات الوقت، تستعد ميليشيات الحشد الشعبي لاقتحام تلعفر ضمن حملة عسكرية كبرى لتحرير الموصل من سيطرة داعش. ويمر الطريق الرئيسي من الموصل إلى الرقة، وهما المدينتين الرئيسيتين في “خلافة” داعش، عبر مدينة تلعفر. لا يمثّل هذا الطريق لداعش خطاً حيوياً لإيصال الإمدادات فقط بل طريق هروب محتمل لمقاتلي داعش في حال الانسحاب. وبخلاف المحرّك الطائفي الواضح وراء ذلك، تخدم استعادة السيطرة على تلعفر مصالحاً مكتسبة للميليشيات الشيعية تحت مظلة الحشد الشعبي. ستؤدي السيطرة على تلعفر إلى إضعاف داعش في الرقة، وستدعم جهود آلاف المستشارين الإيرانيين وقوات الميليشيات المفوّضة من إيران في صف نظام الأسد لإبقائه في السلطة.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، وجه قائد إحدى الميليشيات المدعومة من قبل إيران والتي تكوّن الحشد الشعبي كلمة لمقاتليه: “نحن قادمون إلى تلعفر للأخذ بثأر الحسين”. ويمتد تاريخ دموي من العنف الطائفي بين الشيعة والتركمان السنّة في تلعفر. وتزعم تقارير أن قوة الحشد الشعبي الموكّلة باقتحام تلعفر يقودها مجنّدون من الأقلية الشيعية من تركمان تلعفر –مما أثار مخاوف بحدوث هجوم طائفي للثأر من التركمان السنّة في المدينة. وهدّدت الحكومة التركية الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) والحكومة العراقية أنها ستتخذ إجراءات في حال ارتكاب أعمال وحشية ضد التركمان السنّة في تلعفر أو العرب السنّة في الموصل. وردت الميليشيات الشيعية والحكومة العراقية للتحذير التركي بتهديد مقابل بشنّ هجوم عسكري على قاعدة بعشيقة العسكرية التركية إذا لم تنسحب القوات التركية. وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، عقد رئيس الوزراء العراقي حيدر عبادي مؤتمراً صحفياً ألقى فيه تلميحات عن منع الميليشيات الشيعية من المشاركة في العمليات العسكرية لاسترداد تلعفر، في محاولة واضحة لتهدئة الجانب التركي. ومع ذلك، حذّر عبادي في نفس المؤتمر الصحفي: “إذا تدخّلت تركيا عسكرياً في العراق، سيؤدي هذا إلى تفككها كدولة”، وهو تهديد غير مباشر باستخدام حزب العمال الكردستاني لزعزعة الاستقرار في تركيا.

يُتوقع أن تكون معركة استرداد تلعفر عصيبة. وتُرينا تلعفر مدى ترابط مشاكل الشرق الأوسط الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والعرقية-الطائفية. تحتاج داعش للدفاع عن تلعفر لضمان طريق هروب آمن إلى الرقة في حال خسارة الموصل. ومن ناحية أخرى، لا تسلط تلعفر الضوء على التبعات والدوافع وراء التواجد العسكري التركي في العراق فقط، لكنها تلقي ضوءً آخر على التنافس التركي-الإيراني على امتلاك النفوذ في شمال العراق.

المصالح الإيرانية في العراق

تعتبر الحكومة الإيرانية شمال العراق تحدياً في وجه حليفتها، الحكومة المركزية ببغداد، لأن لا الحكومة العراقية أو الإيرانية تملك نفوذاً كافية للتحكم في المنطقة. ومع أن إيران تتمتع بعلاقات طيبة مع الأحزاب الكردية الكبرى في العراق، لم تكن تلك العلاقات مباشرة دائماً. يريد أكراد الشرق الأوسط تحديد مصائرهم بأنفسهم، وتتشارك كلاً من إيران وتركيا مخاوفاً أن النجاح السياسي الكردي في العراق قد يلهم الأكراد للسعي تجاه الحكم الذاتي وفي النهاية الاستقلال. فضلاً عن ذلك، تشترك إيران بالفعل في عمليات عسكرية ضد جماعات كردية مسلحة متمردة مثل حزب الحياة الحرة الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. وكما يقيم حزب العمال الكردستاني معسكرات على الحدود التركية-العراقية، يملك كلاً من حزب الحياة الحرة الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني معسكرات على الحدود بين العراق وإيران. تخشى إيران أن يستخدم أعداؤها حزب الحياة الحرة لاستهداف المصالح الإيرانية داخل وخارج البلاد. وفي ذات الوقت، تتهم تركيا خصومها باستخدام حزب العمال الكردستاني كأداة للضغط على الحكومة التركية لقبول سياسات معينة. ويُقال إن قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني قد اجتمع بقائد حزب العمال الكردستاني جميل بايك في أكتوبر/تشرين الثاني عام 2016. وردت تقارير أن الجنرال سليماني عرض على حزب العمال فرصة المشاركة في معركة استرداد الموصل في مقابل الحصول على دعم إيراني. وبينما لا يمكن التأكد من صحة هذه التقارير، تبدو العداوة الإيرانية-التركية واضحة بشكل متزايد.

تعتبر الحكومة الإيرانية أي تواجد تركي عسكري في العراق بمثابة تهديد لمصالحها السياسية، والأمنية، والاقتصادية المكثفة في العراق. برغم ذلك لا يمنح التواجد العسكري التركي في العراق يداً عليا لتركيا في معركة النفوذ الدائرة. تستخدم إيران تواجد الميليشيات الشيعية بمهارة، ويعطيها هذا أفضلية على تدخل تركيا العسكري المباشر، والغير مرحّب به من قبل الحكومة العراقية في بغداد. وانتقد المسؤولون الحكوميون العراقيون التواجد العسكري التركي “الغير شرعي” في شمال العراق بشدة.

وفي السابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، قال المرجع الشيعي البارز آية الله إسحق الفياض: “يجب على الحكومة العراقية التصدّي لهؤلاء (تركيا) الذين يتعدّون على أرضها… والعين بالعين… على المعتدّين أن يُلقنوا درساً”. وردد كلاً من الميليشيات الشيعية وبيان الحكومة العراقية العدائي المضاد لتركيا رسالة مشابهة. في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني تركيا ضمنياً، قائلاً: “نعتبر هذا تدخّلاً شديد الخطورة من قبل دول أجنبية بدون تنسيق مع الدولة المضيفة، ونرى أن الحكومتين السورية والعراقية يجب عليهما طلب المساعدة وأن تتصدى دولة أخرى للإرهاب على أرض دولتهم…”. يجب هنا الإشارة للتواجد العسكري الإيراني البارز في العراق، وأنه تم بدعوة من الحكومة العراقية في بغداد ذات الأغلبية الشيعية. وبالنسبة لإيران، تحمل العراق أهمية استراتيجية أكبر من أية دولة عربية أخرى. تشارك إيران أكثر 1400 كيلومتر من حدودها مع العراق. ضِف على ذلك أن إيران قد لعبت دوراً مهماً في تشكيل النظام العراقي السياسي الجديد، إلى حد وصّف الحكومة العراقية الحالية مراراً بكونها دمية إيرانية.

عقب غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، استطاعت إيران أن تملك الحصة الأكبر من النفوذ في العراق. وكانت جمهورية إيران الإسلامية، والتي كانت عدواً تاريخياً للعراق، ملجأً لنصيب الأسد من الأحزاب الشيعية العراقية المنشقة والجماعات المسلحة التي فرت من العراق تحت حكم الرئيس الراحل صدام حسين، والذي تولي الحكم من عام 1979 إلى 2003. والآن تولت تلك الأحزاب ذاتها حكم العراق بعد أن أسقط الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نظام صدام. وتباعاً، وصل التأثير الإيراني في بغداد ومدن العراق الجنوبية حيث توجد أغلبية شيعية إلى مستويات مرتفعة. وعلى النقيض في الموصل، وهي ثاني أكبر مدينة عراقية وأكبر مدن الأغلبية السنيّة في العراق، التي لم تخضع أبداً لسيطرة الحكومة العراقية كليةً أو للنفوذ الإيراني. وبالتالي ترى إيران في عملية استرداد الموصل فرصة لمد تأثيرها إلى شمال العراق. سيساعد تحرير الموصل، إن تمَّ على يد القوات العراقية والحشد الشعبي بدعم من إيران، طهران في إقامة مُرتَكَزٍ لها في المدينة العراقية.

يشكل سعي الحكومة لفرض نفوذها في العراق جزءاً من الأيديولوجية التي بُنيت عليها الدولة الإيرانية عام 1979 على يد الرئيس الراحل آية الله الخميني. تسعى أيديولوجية الخميني لتصدير “الثورة الإسلامية” إلى العالم. وكانت العراق أول أهداف الثورة الإسلامية، وهي موطن أكثر أضرحة المسلمين الشيعة تقديساً في النجف وكربلاء. قُتل ملايين من العراقيين والإيرانيين في حرب مطوّلة ومكلّفة امتدت بين عامي 1980 و1988. واليوم، يمتد طموح الثورة الإيرانية لأبعد من حدود العراق. تلعب إيران الآن دوراً في نزاعات في سوريا، ولبنان، واليمن، وتستعمل الميليشيات المحلية مثل حزب الله في لبنان، وعصائب أهل الحق في العراق، والميليشيات العلوية في سوريا لوضع أساس لفرض نفوذها. وتُتهم إيران من قبل أعدائها بتوسعة نطاق تأثيرها في الشرق الأوسط بنية تصدير “الثورة الإسلامية” لتأسيس ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي” الذي يمتد عبر لبنان، سوريا، والعراق.

المصالح التركية في العراق

تحظى الحكومة التركية، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، بعلاقة خاصة مع القادة السياسيين، والقبليين، والدينيين لمحافظة نينوى. تقوم تلك العلاقة على تراث العصر العثماني، والارتباط العرقي مع السكان التركمان، وهويّة تركيا الإسلامية كدولة سنيّة بارزة في الشرق الأوسط. وبخلاف إيران، لم تبد تركيا الكثير من العدائية في فرض نفوذها بالعراق. سعت تركيا نحو مصالح اقتصادية واستراتيجية لتنشئ علاقات وثيقة مع الأكراد في العراق مع الإبقاء على علاقات دبلوماسية متوازنة مع الحكومة المركزية ببغداد. ولعب الحزبين الكرديين العراقيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، دور الوسيط في إبقاء أبواب الحوار مفتوحة بين الحكومة التركية والجماعات الكردية المنشقة. وساهم التعاون بين الحكومة التركية وحكومة إقليم كردستان في انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى جبال قنديل على الحدود العراقية.

اليوم، يمثّل حزب العمال الكردستاني تهديداً قومياً لأمن تركيا. ويهدف التواجد العسكري التركي في شمال العراق بالأساس لمنع حزب العمال الكردستاني من اتخاذ شمال العراق معقلاً له مما سيهدد أمن تركيا القومي وكذلك مصالحها الاقتصادية الإقليمية. ويحمل التواجد العسكري التركي في العراق هدفين أساسيين: أولاً، منع أية جماعة متمردة من داخل تركيا من إيجاد ملاذ آمن في شمال العراق، وثانياً، تحجيم انتقال عدوى طموح الاستقلال السياسي من أكراد العراق إلى أكراد تركيا. ويجب ذكر أن تاريخ عمليات الجيش التركي في العراق يرجع إلى ما قبل داعش. وعلى مدار الثلاثين عاماً الأخيرة، كان حزب العمال الكردستاني الخطر القومي الأول في نظر تركيا. وبحسب اتفاقيات عقدتها مع الحكومة العراقية أثناء حكم صدام، سُمح للقوات التركية بعبور الحدود إلى داخل العراق لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني خلال الثمانينات، التسعينات، وبداية الألفية الجديدة. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، استمرت التوغلات التركية عبر الحدود بالتنسيق مع الحكومة العراقية المركزية الجديدة في بغداد وحكومة إقليم كردستان.

سيكون أفضل لتركيا أن تشهد عودة الحكومة العراقية المركزية إلى السلطة واستعادتها السيطرة على كل مناطق العراق. كما كان في الماضي، تريد تركيا أن تتغلب الحكومة في بغداد على الانقسامات العرقية، والإقليمية، والطائفية التي عصفت بالبلاد على مدار تاريخها. وتريد أيضاً للعراق أن تصبح أمة مستقرة ومزدهرة بما يسمح باستئناف علاقاتها التجارية المربحة معها. يشمل ذلك تأمين خطوط الأنابيب التي تنقل النفط من الحقول في شمال العراق إلى المحطات التركية في مرفأ جيهان على ساحل البحر المتوسط. ضف على ذلك كون تركيا معبراً مباشراً بين العراق والأسواق الأوروبية، مع مرور الكثير من صادراتها المنقولة براً بمركز هابور-إبراهيم خليل الحدودي. لكن الحكومة المركزية في بغداد لم تستطع فرض سلطتها كلياً بعد عام 2003. ولم تستطع الحكومة العراقية تأمين حدود العراق من كل الجهات، من بينها الحدود مع تركيا. وبالتالي، ازدادت سلطة وحجم حزب العمال الكردستاني داخل العراق، ليس فقط في جبال قنديل، بل في مناطق أخرى في شمال العراق.

تتعدّى أهمية الموصل الاقتصادية والاستراتيجية دوائر النفوذ التركية-إيرانية. وبحسب ما قال هـ. أكين أونفير، فإن المسار الطبيعي الذي يربط حقول النفط والغاز العراقي يمر من خلال تركيا. وبالتالي، قد تثير قضية الموصل اهتمام روسيا، التي قد تدعم إنشاء خط أنابيب يمر بإيران وتطرح خياراً للتصدير من حقول الغاز الخاصة بحكومة إقليم كردستان. وفي المستقبل سيحدث صدام حتمي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا حول هذه المصادر.

وتمتد المخاوف التركية في العراق لأبعد من التهديدات الأمنية والمصالح الاقتصادية. لا يهدف التواجد التركي في شمال العراق فقط لمنع الجماعات المنشقة من تهديد أمن تركيا القومي لكن أيضاً ليوازِن في المقابل النفوذ الإيراني في العراق. تُثار مخاوف إقليمية أن إيران تستخدم الميليشيات العراقية الشيعية لفرض إعادة هيكلة ديموغرافية لبعض مناطق العراق. وأنّ مدناً مثل ديالى، وجرف الصخر، وسامراء، وكركوك، وأحياءً كبرى في بغداد شهدت تغيرات ديموغرافية بالغة خلال السنوات الأخيرة. وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، ستكشف مدينتي تلعفر والموصل مدى امتلاك إيران وتركيا لنفوذ فعليّ في شمال العراق ومدى استعداد كلاً منهما لحماية مصالحها في العراق.

خلاصة

يُظهر التواجد العسكري التركي في قاعدة بعشيقة العسكرية شمال شرق الموصل أن تركيا توقعت مسبقاً مسار الأحداث الحالية في العراق. وتقع الموصل حيث تصطدم المصالح التركية والإيرانية. بالنسبة لتركيا، يشكّل التواجد المتزايد لحزب العمال الكردستاني قرب الموصل تهديداً لأمن تركيا القومي. بالإضافة إلى ذلك، يمثّل احتمال وقوع نينوى وكركوك في أيدي الحشد الشعبي المدعوم من قبل إيران خطراً آخر يهدد مصالح تركيا الاقتصادية والجيوسياسية في العراق.

تربط تركيا بالعراق علاقات اقتصادية مربحة، وخاصة مع حكومة إقليم كردستان. يشمل هذا على سبيل المثال لا الحصر أنابيب النفط المرتبطة بتركيا، والصادرات التركية إلى العراق، والاستثمارات التركية في العراق. ولهذا، ستحاول تركيا حماية مصالحها في شمال العراق بالتأكّد أن حلفاءها في حكومة إقليم كردستان، والعرب السنّة في نينوى، والتركمان في تلعفر وكركوك لن يرهبهم تواجد العناصر المدعومة من قبل إيران. وقد تسعى الحكومة التركية لإرساء تواجد عسكري طويل المدى في شمال العراق لحماية مصالحها في البلاد.

وبالنسبة لإيران، يهدد التواجد العسكري التركي في شمال العراق الاحتكار الإيراني للنفوذ في البلاد، ويقف في طريق “الهلال الشيعي” الإيراني في المنطقة، والذي يمثله الجماعات الشيعية المسلحة الموالية لإيران والتي تحظى بنفوذ كبير في مناطق من العراق، وسوريا، ولبنان. المثير للسخرية أن إيران تتشارك مع تركيا في مخاوفها من الأهداف السياسية للأكراد في العراق. وتزداد سلطة الميليشيات الكردية الإيرانية مثل حزب الحياة الحرة الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني داخل منطقة كردستان العراق. تخشى إيران أن أعداءها قد يستخدمون هذه الميليشيات الكردية لزعزعة استقرار إيران. وبخلاف السعي التركي تجاه النفوذ، الذي تحرّكه مخاوف أمنية ومصالح اقتصادية، تنظر الحكومة الإيرانية لدورها في العراق من خلال أيديولوجية الدولة وتنصّب نفسها وصية على المسلمين الشيعة عبر العالم. بالنسبة لإيران، يُعَد العراق قصة نجاح فيما يتعلق بتصدير الثورة الإسلامية التي قادها مؤسس جمهورية إيران الإسلامية الراحل آية الله الخميني. وتستخدم إيران اللقب الذي أعطته لنفسها “راعية الشيعة عبر العالم” لمد نفوذها في الشرق الأوسط رأساً برأس مع السعودية وتركيا.