ملخص: أظهرت قضية خاشقجي أنَّ دور تركيا وقيادتها في الشرق الأوسط لا يمكن إسنادهما إلى قوى أخرى مثل المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني أنَّ كلًّا من الولايات المتحدة وتركيا يجب عليهما الاعتراف بالمخاوف الرئيسة لبعضهما البعض ومعالجتها. توجد بعض المشكلات الجوهرية في العلاقات التركية الأميركية المعاصرة، مثل النظرة إلى محاولة الانقلاب التركي التي وقعت في 15 من يوليو/تموز من عام 2016 ودور وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، تحتاج إلى الحل كي تقود تركيا والولايات المتحدة سياساتٍ طويلة المدى في الشرق الأوسط. يحتاج كلا البلدين العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) كذلك لإيجاد خارطة طريق للتعايش بصفتهما حليفين بالناتو في المنطقة، وبما يتضمَّن المناطق التي تمتدُّ إلى خارج نطاق أراضي الحلف. كان قتل خاشقجي اعتداءً على بلدٍ عضو بالناتو، وأدَّى الردُّ الهزيل من جانب الناتو إلى تسليط الضوء على كيف أنَّ الحلف اختار النأي بنفسه عن مخاوف تركيا الأمنية الإقليمية. يجب على الولايات المتحدة أن تساعد على اعتراف الناتو بمباعث القلق التركية والاستجابة لاحتياجاتها الأمنية.

مرَّت العلاقات التركية الأميركية بمِحَنٍ خطيرة، أجَّجتها محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز والحرب في سوريا. وسلَّط مقتل خاشقجي الضوءَ على الأسلوب المُفتقِر إلى البصيرة الذي تُدار به تلك العلاقات، وكيف وُضِع هذان البلدان، المحتاجان إلى بعضهما البعض، في موقفٍ محرج فيما بينهما. أظهرت هذه القضية أيضًا أنَّ استجابات الناتو في كثيرٍ من الأحيان لاحتياجات تركيا الأمنية تكون أقلَّ من مستوى الاحتياجات والتطلُّعات التركية، ويجب على الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الأكبر والمُحرِّك الرئيس للحلف، أن تعيد تقييم نظرتها للمشكلات الأمنية التركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

قبل مقتل خاشقجي، كانت المملكة العربية السعودية تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان تَبرُز باعتبارها واحدةً من الشركاء الأقرب إلى الولايات المتحدة والبيت الأبيض في المنطقة. وفي حين كانت هناك حملةٌ إعلامية وسياسية جدية لتقديم محمد بن سلمان باعتباره القائد الإصلاحي الجديد للمنطقة، كان يُحَطُّ من قدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتباره “سلطانًا” مثيرًا للمشكلات في المنطقة، على الرّغم من كونه زعيماً منتخباً(1). فكانت التغطية الإعلامية للرئيس أردوغان تستخدم كلمات مثل “السلطان” و”الديكتاتور” و”المثير للمشكلات”، بل وكانت حتى تُظهِره في رسوماتٍ كاريكاتورية كسلطانٍ تقليدي(2). من المهم أن نفهم كيف تكوَّنت التصدعات في العلاقات الثنائية في لحظاتٍ مثل هذه؛ لأنَّها محورية في إدراك النفسية السياسية في أنقرة، وكيف أصبحت تركيا مُتشكِّكةً في العلاقات التركية الأميركية وسياسات الولايات المتحدة ككلٍّ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.