ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة:

هل حققت عملية حامي الأسوار أهدافها؟

تُعَدُّ هذه الحرب واحدةً من الحروب -إن لم تكن الوحيدة- التي حاربتها إسرائيل طوال تاريخها دون أن تحدِّد أهدافها من البداية، ويُجمع السياسيون الإسرائيليون -في معسكر التغيير على الأقل- والإعلاميون كذلك على أن نتنياهو قد استخدم الجيش والدولة لتحقيق أهدافه الخاصَّة المتمثلة في سعيه إلى إشعال حريقٍ يُفشل من خلاله جهود لبيد في تشكيل الحكومة؛ ولذلك فإن الأيام الأولى من الحرب شهدت مطالباتٍ بمعرفة أهدافها، وهو ما لم يحدث إلَّا متأخرًا، ربما لأن المقاومة هذه المرة هي التي أخذت زمام المبادرة، دفاعًا عن المسجد الأقصى، ورفضًا لإخلاء حي الشيخ جراح من سكَّانه الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن مبادرة المقاومة قد حقَّقت لنتنياهو هدفه المتمثِّل في إشعال الحريق، فإنه لم يتمكَّن من التحكُّم في إطفائه في الوقت الذي أراده. فالمقاومة بصمودها واستمرارها حتى اللحظة الأخيرة في إطلاق الصواريخ، وكسب تأييد الشارع الفلسطيني بكل فئاته، وكذلك الشارع العربي، فضلًا عن تأييدٍ دوليٍّ على المستوى الشعبي، وتحقيق اختراقٍ إعلاميٍّ دوليٍّ، نتيجةَ عدالة القضية بالنظر إلى أن إسرائيل هي التي أشعلت فتيلها، أضف إلى ذلك ما بدا واضحًا من أن نتنياهو اضطر إلى قبول وقف إطلاق النار أمام ضغط الولايات المتحدة التي أدركت أن تعاظم مكاسب المقاومة سوف يؤدي إلى ضعف السلطة الفلسطينية، وزيادة الضغوط الشعبية على الأنظمة العربية، وتهاوي القناعات بإمكانية الحل السلمي للقضية الفلسطينية في ظل ما أنجزته المقاومة، كل ذلك قد أضرَّ بالأهداف التي كان يريد نتنياهو تحقيقها، سواء أهدافه الخاصَّة، أو تلك العامَّة التي وُضِعت متأخرًا.

ولطالما كانت أهداف الحروب الإسرائيلية منذ حربها على الجنوب اللبناني عام 2006 مرتبطةً بتحقيق الردع أو استعادته، وهذا ما جاء واضحًا في تقرير لجنة فينوجراد التي كانت قد تشكَّلت للوقوف على أسباب الفشل السياسي والعسكري للحرب التي شنَّتها إسرائيل ضد حزب الله، حين كان إيهود أولمرت رئيسًا للحكومة. كان التقرير قد قُدِّم في يناير 2008 لإيهود أولمرت، الذي بقي في منصبه رغم الفشل الكبير للجيش الإسرائيلي في تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب. يقول التقرير في البند (37): “إن إسرائيل لن تستطيع الصمود في هذه المنطقة، ولن تستطيع العيش بسلام أو على الأقل في حالة عدم الحرب، إلَّا إذا اعتقد الشعب في إسرائيل نفسها وفي محيطها بأن لإسرائيل قيادة سياسية وعسكرية، وأنها تمتلك قدراتٍ عسكرية، ومجتمعها يتمتَّع بمتانة تُفسح لها المجال لردع أولئك الجيران الذين يسعون إلى المسِّ بها ولمنعهم من تحقيق هدفهم، وإن اقتضت الضرورة استخدام القوة العسكرية”[1].

ثلاثة عشر عامًا مرَّت منذ صدور هذا التقرير، ولم تحقِّق إسرائيل فيها الردع رغم دخولها في أربع حروبٍ ضد قطاع غزة المحاصر في الأعوام 2008 و2012 و2014، ثم في عام 2021، التي لم تجف دماء ضحاياها بعدُ. هذا العدد من الحروب مع استمرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وبكثافة حتى اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار في كل الحروب السابقة، إضافةً إلى تنامي قوة المقاومة وزيادة مدى صواريخها ليطال كلَّ مكان في فلسطين المحتلَّة، والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبَّدها الاقتصاد الإسرائيلي والتي قدَّرها جاد ليئور -المحرر الاقتصادي في صحيفة يديعوت أحرونوت- بما يزيد عن 11 مليار شيكل، أي أكثر من 3 مليارات دولار كحصيلة مبدئية (7 مليارات شيكل فاقد إنتاج، و3 مليارات ميزانية إضافية للجيش والشرطة، وربع مليار تعويضات عن الأضرار الناتجة من الصواريخ، ومئات الملايين وأكثر تعويضات للشركات المتضررة)[2]. كل ذلك يؤكِّد على عدم تحقيق إسرائيل لهذا الهدف في أيٍّ من تلك الحروب مع تآكل نظرية الردع التي أشار إليها ذلك التقرير القديم.

أضف إلى ما سبق أن الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب الأخيرة لم يُقدم حتى على التصريح بأنه سيقوم باجتياحٍ بريٍّ لقطاع غزة، واكتفى فقط بالقصف الجوي الذي وصف التقرير القديم الاكتفاءَ به لحسم الحروب بأنه نوعٌ من أنواع الوَهْم[3].

على المستوى الإعلامي، كان من الواضح هذه المرة أن إسرائيل قد خسرت هذه المعركة عالميًّا، وتكاد الصحافة الإسرائيلية أن تُجمع على هذه المسألة، حتى إن شمريت ميئير -الكاتبة في صحيفة يديعوت أحرونوت- قالت بأن إسرائيل قد خسرت المعركة الإعلامية بالضربة القاضية، مع دعوتها لضرورة طرد قطر من قطاع غزة[4]، في إشارة إلى التغطية التي قامت بها قناة الجزيرة.

تولَّى نتنياهو رئاسة الحكومة منذ عام 2009، أي إنه كان المُخوَّل بالأساس بتنفيذ توصيات التقرير المشار إليه الذي صدر قبل فترة محدودة من توليه رئاسة الحكومة، ويبدو أن نتنياهو لم ينفذ شيئًا مما تضمَّنه التقرير، خاصةً ما يتعلَّق بالقيام بإصلاحاتٍ عميقة ومنهجية تكون إسرائيل بمقتضاها أكثر استعدادًا وجاهزيةً في حال مواجهة تحدياتٍ مشابهة[5]. وإذا أُضيف إلى ذلك التوصيات السابقة المتعلِّقة بقوة الردع، والاكتفاء بالقصف الجوي، فإننا نصبح أمام فشلٍ أكبر من سابقه، وعدم تنفيذ التوصيات التي جاءت في التقرير.

لقد أدى فشل إسرائيل في تحقيق أيٍّ من أهدافها في هذه الحرب إلى مطالبة كثيرٍ من السياسيين والإعلاميين بتشكيل لجنة تحقيقٍ على غرار لجنة فينوجراد، مثلما فعل الصحفي عميت سيجال في مقاله في صحيفة يديعوت أحرونوت، حين أطلق على هذه العملية اسم محطمي الأسوار -وليس حماة الأسوار- كدليلٍ على تحطُّم قوة الردع الإسرائيلية، وعدم تحقيق هذه الحرب لأية أهداف، ما يستدعي إنشاء لجنة تحقيق، التي ستكشف غالبًا أن نتنياهو هو الوحيد الذي يتحمَّل مسؤولية هذا الفشل[6].

توقعات الوضع السياسي

قبل ثلاثة أسابيع، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت متنبئًا بما يلي: “يحتاج نتنياهو إلى موجة عنف تُفضي إلى خلق حالة من العنف تساعده في تشكيل حكومة يمين قوميَّة برئاسته هو، ويكون نفتالي بينيت جزءًا منها. إن نتنياهو لن يشعل النار بنفسه، بل سيكتفي بإعطاء المتشدِّدين عود الثقاب وهم سيقومون بذلك. إنه يريد أزمةً، والأفضل أن تكون في القدس؛ لأن هذا هو المكان الذي يمكن أن يحظى بتضامن مكونات معسكر اليمين. وقد ينضمُّ نفتالي بينيت لهذا المعسكر. أما نتنياهو، فإن لم يستطع إشعال النار في القدس، فسيشعلها على الحدود الشمالية أو في مواجهة مع حماس في الجنوب”[7]. ويبدو أن ما تنبَّأ به أولمرت قد تحقَّق بحذافيره، فاشتعلت الأحداث في القدس، واندلعت الحرب ضد المقاومة في غزة في الوقت نفسِه.

جدير بالذكر هنا ما جاء من قبل على لسان نتنياهو بعد إحدى جولات الانتخابات الأخيرة، عندما قال بلسانه: “كان لديَّ اقتراح بإحراق الشرق الأوسط بأكمله من أجل البقاء في السلطة، لكني رفضته”. لقد اتضح الآن أنه لم يرفض حرقَ المنطقة، بل قام بتأجيل المقترح فحسب[8].

في أثناء الحرب بدا أن نتنياهو قد نجح في إفشال جهود لبيد حينما أعلن نفتالي بينيت رئيس حزب يمينا استسلامه لنتنياهو وتراجعه عن دعم حكومة لبيد، وأنه لن يسعى إلى إسقاط نتنياهو الذي كان قد وعده -قبل انتقال التكليف إلى لبيد- بعددٍ من الوزارات، وأن يكون منصب رئيس الحكومة بالتناوب بينه وبين نتنياهو وتكون البداية لبينيت، إضافة إلى تمثيلٍ بنسبة 20٪ في مؤسسات الليكود.

بعد نهاية الحرب ومع تجدُّد الاتصال بين معسكر التغيير وبينيت، حاول المحللون السياسيون تفسير استسلام بينيت على أنه كان مناورةً لإعطاء نتنياهو إحساسًا بأنه قد أفشل فعليًّا جهود معسكر التغيير، وبذلك ينهي نتنياهو الحرب ويرفع الضغوط عن جهود تشكيل الحكومة. وفقًا لهذه النظرية، فإن بينيت سيستأنف النضال من أجل حكومة تغيير بمجرَّد أن تهدأ النيران. وإذا كان جميع القادة السياسيين في معسكر التغيير يدركون أن نتنياهو على استعدادٍ أن يوافق على رئاسة حكومة بالتناوب، كما أنه مستعدٌّ كذلك لأن يتخلَّى عن المناوبة الأولى كتكتيكٍ يضرب به معسكر التغيير، فإنهم سيقطعون عليه الطريق في أن يفعل ذلك مع بينيت[9].

يُذكَر هنا أن الأيام الأخيرة قد شهدت انتعاشًا في معسكر التغيير، حيث بدأ مئات من النشطاء اليمينيين يفهمون خطورة ما يقوم به نتنياهو، ووجَّه كثيرٌ من النشطاء مطالبتهم لبينيت بأن يكون جزءًا من حكومة التغيير، مع اقتراب منصور عباس (القائمة العربية) من الموافقة على تمريرها في الكنيست، خاصةً وقد أصبحت احتمالية الذهاب إلى انتخابات خامسة أمرًا مخيفًا للجميع وتهديدًا لمستقبل البلاد. وهذا يعني أن نتنياهو ربما يكون قد كسب بعض الوقت، لكن وضعه ما زال سيئًا[10].

وعلى الرغم مما أعلنه لبيد نفسه بأن توقعات نجاحه في تشكيل الحكومة ليست كبيرةً[11]، فإن المؤشرات المتتالية تشير إلى أن معسكر التغيير بات أقرب من أيِّ وقتٍ مضى للوصول إلى تشكيل حكومة وحدة، حتى من غير بينيت، إن تمكَّنوا من ضمِّ كافة القوى المعارضة لنتنياهو، بما في ذلك القائمتان العربيتان. وطبقًا لحساب قناة كان الإخبارية، فإن ثمة أخبارًا بأن لجنتَيْن من حزبي يوجد مستقبل برئاسة لبيد، وأزرق أبيض برئاسة جانتس، اجتمعتا يوم الاثنين 24 مايو، توصلتا إلى اتفاقٍ مهمٍّ حول تشكيل الحكومة[12]، وأعقب ذلك مباشرةً توصُّل حزبي يوجد مستقبل وإسرائيل بيتنا برئاسة أفيجادور ليبرمان إلى اتفاقٍ مماثل[13].

وطبقًا لتسريباتٍ نشرها ميخائيل شيميش -المحرر السياسي في قناة كان الإسرائيلية- ظُهر الثلاثاء 25 مايو، فإن الحكومة المتوقَّعة -إن نجح لبيد في تشكيلها- قد تتضمَّن 28 وزارةً، خلافًا لما كان لبيد قد وعد به سابقًا من تشكيل حكومة من 18 وزيرًا فقط، ومن الواضح أن لبيد في مباحثاته مع الأحزاب قد يوزع الحقائب الوزارية على النحو التالي: 3 لحزب العمل، و3 لميرتس، و3 لإسرائيل بيتنا، و4 لأزرق أبيض، و7 لحزبه يوجد مستقبل، و8 لحزبي أمل جديد ويمينا، إن وافق بينيت على الانضمام للحكومة بالفعل[14]. إن هذه التسريبات -إن صحَّت- لن تعني نهاية عصر نتنياهو فقط، بل أيضًا عدم تمثيل الأحزاب الدينية والحريدية في الحكومة لأول مرة منذ أَمَد بعيد.

إن صحَّة هذه التسريبات تظلُّ مرهونةً بالطبع بموقف بينيت، الذي أصبح مدركًا -في ظل ما سبق، وكذلك ما يتسرب عن ترجيح انضمام الكتلتَيْن العربيتَيْن إلى حكومة الوحدة مع لبيد- بأن الضغوط تتزايد عليه، وأنه قد يفقد ما عُرِضَ عليه من لبيد بالتناوب على رئاسة الحكومة إن ظلَّ رافضًا التعاون معه.

هذا يعني أن معسكر التغيير في محاولته لإنجاز هذه المهمَّة مع نهاية الأسبوع الحالي، وقبل نهاية مدَّة التكليف منتصف الأسبوع القادم، يمارس ضغوطًا متزايدةً على بينيت من أجل ضمِّه للحكومة المرتقبة، على أن يتناوب على رئاستها مع يائير لبيد كما كان متفقًا عليه من قبل[15]، وإلَّا فإنه قد يخرج خالي الوفاض تمامًا في حال الذهاب إلى انتخابات جديدة سيكون هو أحد الخاسرين الكبار فيها وفقًا لآخر الاستطلاعات[16].

ما سبق يوضِّح أن النار التي أشعلها نتنياهو من أجل مصلحته الخاصَّة قد امتدَّ حريقها إليه، فخرج منها بخسارة كبيرة؛ فلا هو حافظ على صلابة معسكره في ظلِّ ما صرَّح به شموئيل سموطريتش -رئيس الصهيونية الدينية- بأن “على نتنياهو أن ينسى مسألة تشكيل الحكومة طالما خضع لحماس في موضوع المسجد الأقصى”[17]، ولا هو أفشل جهود لبيد في تشكيل حكومة بعدما أُجبر على وقف العملية العسكرية من الإدارة الأمريكية قبل الوقت الذي كان يخطِّط له، كما لم يعزِّز شعبيته طبقًا لآخر الاستطلاعات. ويبقى أمل نتنياهو مقصورًا فقط على الذهاب إلى انتخابات جديدة لا يعلم كيف تكون نتيجتها.

بالطبع، تظلُّ هناك كتلة شعبية صلبة تدعم نتنياهو. ففي مقابل الخطاب الناقد لأدائه في وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن قِبَل النخبة السياسية، هناك خطاب شعبويٌّ قويٌّ يدعمه، ويجعل مسألة إزاحته أمرًا محلَّ شكٍّ في حال لم ينجح معسكر التغيير في تشكيل الحكومة، خاصةً إذا علمنا أن أكثر البلدات التي عادةً ما تصوِّت لصالح نتنياهو أو داعميه من الأحزاب الدينية في الانتخابات هي أكثر البلدات التي تتعرَّض لصواريخ المقاومة؛ كعسقلان، وأسدود، ونتيفوت، وبئر سبع، وجفعات زئيف، ومستوطنات غلاف غزة[18].

يُشار كذلك إلى أن استطلاعات الرأي التي أجرتها القناتان 12 و13 الإسرائيليتان، ونُشرت الأحد 23 مايو، لمعرفة توجُّهات الناخبين في حال الذهاب إلى انتخابات جديدة في ظل نتائج الحرب الأخيرة، أظهرت بقاء نتنياهو عند حاجز 29 أو 30 مقعدًا، مع تعزُّز مكاسب الصهيونية الدينية، رغم أنها كانت سبب اندلاع الأحداث، لكن الخطورة الحقيقية على نتنياهو ظهرت في تعزُّز فرص لبيد ليصل إلى 21 أو 22 مقعدًا، وتعزُّز مكانة جانتس ليصل إلى 10 مقاعد[19]. إن هذه الاستطلاعات تمثِّل مصدرَ خطرٍ كبيرٍ على نتنياهو؛ لأنها قد تعني استحالة تشكيله للحكومة -إن صحَّ توقُّع هذه الاستطلاعات- ونهاية مستقبله السياسي، هذا بالطبع غير ما ينتظره في قضايا الفساد المتَّهم فيها.

 هل تأثَّر المجتمع الإسرائيلي بالمعركة؟

هناك ظاهرة ربما لم يُشر إليها أحدٌ من قبل مطلقًا، لكنها أصبحت واضحةً للعيان، فحالة الجمود السياسي التي أصابت الاحتلال منذ عامَيْن، واستئثار نتنياهو بالسلطة منذ عام 2009 وما يُنسب له من قضايا فساد، وسيطرة اليمين على الحكم كل هذه الفترة، قد خلقت حالةً من التشفي في المجتمع هناك، وهو ما خلق شعورًا بأن أغلب معارضي نتنياهو في فرحتهم بفشله في هذه الحرب لم ينتبهوا إلى أنهم بدوا وكأنهم يفرحون بهزيمة إسرائيل نفسها. وفي المقابل، فإن اليمين وأنصار نتنياهو لم يكن لديهم ما يمكن أن يُقنع مؤيديهم وبقيَّة الإسرائيليين أن ثمة أيَّ إنجاز تحقَّق. إن هذه المشاعر السلبية لم يستطع حتى أغلب الصحفيين إخفاءها، وكانت أكثر ظهورًا في تعليقات عامَّة الناس على تغريدات الإعلاميين الإسرائيليين والمراسلين العسكريين، التي ظهرت فيها نبرة السخرية واضحة.

فحينما أعلن الجيش عن قصف طائراته أكثر من 100 كم من الأنفاق في غزة، علَّق أحدهم: “يبدو أن الدولة تلعب ألعابًا إلكترونية”[20]. وعقب إعلان وقف إطلاق النار، علَّق جاكي هوجي -محرر الشؤون الإسرائيلية في ميدل إيست إديتور- في كوميديا ساخرة غير مسبوقة بقوله: “الآن من الممكن أن نكشف عن التالي: الرئيس الإسرائيلي يدرس تكليف محمَّد الضيف بمهمَّة تشكيل الحكومة”[21]، وهي إشارة إلى فشل النخبة السياسية كلها.

في هذا السياق، حاول بعض السياسيين التمييزَ بين نتنياهو والدولة ومؤسساتها. فصرَّح جدعون ساعر -رئيس حزب أمل جديد- قائلًا: “مع أفضل سلاحَي مخابرات وطيران في العالم، نجح نتنياهو أن يفلت من حماس باتفاق وقف إطلاق نار غير مشروط، يا للعار”[22]. وكذلك فعل لبيد حين غرَّد بقوله: “لقد نجح الجيش في المهمَّة الموكلة إليه، ولكن فشلت الحكومة”[23].

ثمة أمر آخر يُظهر مدى تضرُّر المجتمع الإسرائيلي بالمعركة الأخيرة؛ إذ ظهر واضحًا حالة الانقسام بين المتدينين والعلمانيين، وبين سكَّان المناطق الأكثر تعرضًا لصواريخ المقاومة والأقل تعرضًا لها، وقسمت الانتماءات الأيديولوجية المجتمعَ حتى في تقييم نتيجة الحرب: انتصار أو هزيمة[24].

لقد كشفت الحرب الأخيرة عن حالة تصدُّع كبيرة وضعف يعيشهما المجتمع الإسرائيلي، كما كشفت عن أن ما بناه جيل التأسيس -الذي انتهى بموت أريئيل شارون- يتلاشى مع هذا الجيل الحالي من السياسيين الذين تُحرِّكهم مصالحهم الخاصَّة أو قدراتهم الضعيفة، وهو ما ستظهر آثاره السلبيَّة في الشهور والسنوات القادمة.


المراجع

[1]  لجنة فينوجراد تقدِّم تقريرها النهائي حول تقصِّي حقائق الحرب اللبنانية الثانية (موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية 30 يناير 2008)

https://mfa.gov.il/MFAAR/TheGovernment/AnnouncementsAndStatements/2008/Pages/vinograd%20report%20final%2030012008.aspx

[2]  https://twitter.com/GadLior16/status/1395749194531495937

[3]  لجنة فينوجراد تقدِّم تقريرها النهائي حول تقصِّي حقائق الحرب اللبنانية الثانية (موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية 30 يناير 2008)

https://mfa.gov.il/MFAAR/TheGovernment/AnnouncementsAndStatements/2008/Pages/vinograd%20report%20final%2030012008.aspx

[4]  שמרית מאיר: סיכום ביניים (يديعوت أحرونوت 20 مايو 2021)

https://www.yediot.co.il/articles/0,7340,L-5935249,00.html

[5]  لجنة فينوجراد تقدِّم تقريرها النهائي حول تقصِّي حقائق الحرب اللبنانية الثانية (موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية 30 يناير 2008)

https://mfa.gov.il/MFAAR/TheGovernment/AnnouncementsAndStatements/2008/Pages/vinograd%20report%20final%2030012008.aspx

[6]  https://twitter.com/amit_segal/status/1395621458848649223

[7]  בן כספית: נתניהו כייס את בנט כפי שכויסו כל קודמיו וכפי שיכוסו הבאים. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-842166?utm_source=whatsapp

[8]  בן כספית: נתניהו כייס את בנט כפי שכויסו כל קודמיו וכפי שיכוסו הבאים. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-842166?utm_source=whatsapp

[9]  בן כספית: נתניהו כייס את בנט כפי שכויסו כל קודמיו וכפי שיכוסו הבאים. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-842166?utm_source=whatsapp

[10]  בן כספית: נתניהו כייס את בנט כפי שכויסו כל קודמיו וכפי שיכוסו הבאים. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-842166?utm_source=whatsapp

[11]  https://twitter.com/MaarivOnline/status/1396792417022582784

[12]  https://twitter.com/kann_news/status/1396764914702819329

[13]  https://twitter.com/kann_news/status/1396799924755386379

[14]  https://twitter.com/shemeshmicha/status/1397147446480969733

[15]  מיכאל האוזר טוב & נעה שפיגל: לפיד פועל להחתמת מפלגות גוש השינוי על הסכם קואליציוני כדי ללחוץ על בנט. (هآرتس 24 مايو 2021)

https://www.haaretz.co.il/news/politi/.premium-1.9836641

[16] – סקר מנדדטים ראשון אחרי המבצע בעזה: לפיד וגנץ מתחזקים וההשפעה הדרמטית על בנט. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-842411

[17]  סמוטריץ לנתניהו: “כניעה בהר הבית ותשכח מהקמת ממשלה”. (موقع القناة الإخبارية السابعة 21 مايو 2021)

https://www.inn.co.il/news/493189

[18]  يمكن مراجعة نتائج الانتخابات حسب المدن في الموقع الرسمي للجنة انتخابات الكنيست 24.

https://votes24.bechirot.gov.il/cityresults

[19]  סקר מנדדטים ראשון אחרי המבצע בעזה: לפיד וגנץ מתחזקים וההשפעה הדרמטית על בנט. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-842411

[20]  https://twitter.com/yoavzitun/status/1395587909252681731

[21]  https://twitter.com/JackyHugi/status/1395493564717715458

[22]  https://twitter.com/gidonsaar/status/1395465946848972800

[23]  https://twitter.com/yairlapid/status/1395305783630368770

[24]  סקר מנדדטים ראשון אחרי המבצע בעזה: לפיד וגנץ מתחזקים וההשפעה הדרמטית על בנט. (معاريف 23 مايو 2021)

https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-842411