في ظل التشابك الروسي التركي، وإصرار نظام الأسد على استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، فإن خيار هجوم الأسد وروسيا على إدلب لا يزال مطروحًا على الطاولة

مقدمة: لا يمكن فصل أحداث أوكرانيا عند التطرق للعلاقة الروسية التركية باعتبارها مسرحًا لعميات مضادة بين الطرفَيْن كما هو الحال في سوريا، ومع استمرار التصريحات الإعلامية لحكومة النظام وحلفائها عن ضرورة استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، فإن إدلب تبدو ساحة لاختبار العلاقة الروسية التركية، وكذلك لجدية النظام في استعادة كامل مناطق الجغرافيا السورية الخارجة عن سيطرته. يأتي طرح محافظة إدلب كساحة لهجوم محتمل في ظل استمرار الحشد الميداني والتعبئة والتدريب من قِبَل قوات النظام السوري وميليشياته بإشراف روسي حتى وإن كان محدودًا، هذا وتُعَدُّ إدلب بالنسبة إلى روسيا والنظام الخيارَ الأنسب لاختبار الجانب التركي ومحاولة الحصول على تنازلات منه، والحجَّة القائمة هي عدم نجاح تركيا في التزاماتها بتأمين الطريق الدولي M4 الواصل بين سراقب واللاذقية لتسيير دوريات مشتركة بين القوات التركية والروسية، إلى جانب وجود فصائل تصنِّفها روسيا والنظام منظماتٍ إرهابية.

إدلب الفرصة السانحة

خلال عام 2021، لم تتوقف التصريحات الإعلامية لحكومة الأسد وحلفائها الروس عن ضرورة إعادة جميع المناطق الخارجة عن سيطرتها إليها[1]. وفي سياق متزامن، لم تتوقف الأعمال العسكرية العدائية لقوات الأسد والروس على منطقة إدلب شمال غرب سوريا، سواء كانت عمليات عسكرية أو مناوشات على خطوط المواجهة.

يرى الأسد وحلفاؤه الروس أن إدلب هي الخيار الأنسب للقيام بهجوم سريع ومحدود الجغرافيا، وذلك بسبب الظرف الخاص لإدلب، حيث لا تزال روسيا والأسد يعدّان الفصائل الموجودة في منطقة إدلب فصائلَ إرهابية ولا يمكن القبول بانضوائها ضمن أي اتفاق مع الجانب التركي، كما أن الحكومة الروسية لا تزال تصرُّ على فشل الاتفاق المبرم بينها وبين الجانب التركي في تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي M4 الواصل بين سراقب واللاذقية، ما يشير إلى استمرار وجود نيَّة روسية بالسيطرة على هذا الطريق أو على أجزاء منه من خلال العمليات العسكرية.

كما شهدت فترات متقطعة من عام 2021 تطوراتٍ تقنية ولوجستية ذات أثر إيجابي على طريقة عمل قوات النظام، كان أهمها:

  • تشكيل معسكرات وتخريج عناصر جديدة منها بالتخصُّصات التالية (صاعقة – إنزال مروحي – التفاف بالآليات المدرعة – قتال الشوارع – القنص الليلي – القتال الليلي) في عدد من المعسكرات وصل عددها إلى ثمانية وأبرزها مدرسة المجنزرات.
  •  نشر عدد من الكاميرات الحرارية والليلية على محاور ريف إدلب الجنوبي والشرقي، ونشر عدد من معدّات سلاح الإشارة ومعدّات سلاح الدفاع الجوي.
  • لا يحتاج النظام إلى استجلاب أعداد كبيرة من المقاتلين وكميات كبيرة من السلاح لنلاحظ نيّته بشنِّ حملة عسكرية باتجاه المناطق المُحرَّرة؛ لأن الأعداد والعتاد الذي استخدمه في الحملة الأخيرة لا يزال موجودًا على جبهات القتال في شرق إدلب.

وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى هناك العديد من العقبات التقنية واللوجسيتة التي سوف يكون لها -حتمًا- أثرٌ واضحٌ في طريقة عمل قوات الأسد في حال البدء بعمل عسكري على مواقع المعارضة في إدلب، ولعل أهم تلك العقبات تكْمُن فيما يلي:

لا تتقن قوات الأسد القتال في الجبال، وبذلك يُستَبعد أن تكون مناطق عملياتها الرئيسة مناطق جبلية وعرة، وقد تكون المناطق الجبلية هي مناطق عمليات إشغال يتمُّ تطويرها إلى مناطق عمليات رئيسة في حال كانت الظروف التكتيكية تسير في صالح العدو بشكل كامل. كما تعتمد قوات الأسد بشكل واضح ومتكرِّر على تكتيكات محدَّدة في عملياتها، وهو الأمر الذي يسهل التعامل مع تلك التكتيكات والحدّ من فاعليتها.

وهذه التكتيكات هي:

  • دق الإسفين[2].
  • السير على المرتفعات الحاكمة[3].
  • الحصار بدل المواجهة[4].
  • السجادة النارية “القصف السجادي”[5].
  • الضغط بسلاح المدفعية والطيران على مراكز الإمداد والتمويل.
  • تفعيل السلاح الإعلامي المباشر وغير المباشر للتأثير في الحاضنة المدنية والعسكرية.
  • الاعتماد التام على سلاح الطيران في عمليات القصف والاستطلاع.
  • بيلتز كريغ[6].
  • التقدُّم من محاور غير متوقَّعة.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن قوات الأسد تخشى من محاذير في أثناء عملها، وأبرزها أنها تحتاج إلى إنهاء العملية العسكرية بأسرع وقت ممكن وبانتصار معزز متعدِّد الأبعاد (سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا واعلاميًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا). كما تخشى قوات الأسد من إطالة المعركة أو فتح قوات المعارضة لمحاور إشغال لا تتوقعها أو تغيُّر الظرف السياسي الدولي والإقليمي ما سيعيق تحرُّكها أكثر. ولذلك ستسير قوات الأسد وَفْقَ منهجية التقدُّم بالقدم (أي خطوة بخطوة دون فتح جبهات متعدِّدة ودون استعجال في السيطرة على منطقة قبل تأمين سابقتها).

لماذا مدينة أريحا وشرق إدلب هي منطقة الهجوم المحتملة؟

تُعَدُّ منطقة أريحا وشرق إدلب، التي تبدأ من قرية آفس الزهراء شمال سراقب إلى قرية كفرومة غرب معرة النعمان جنوبًا ومن سراقب شرقًا إلى مدينة أريحا غربًا بعرض 26 كليو مترًا وعمق 16 كيلو مترًا، وبجغرافيا سهلية بنسبة 40% وجبلية بنسبة 60%، تُعَدُّ هذه المنطقة منطقة العمليات الأمثل لقوات الأسد وروسيا لشنِّ هجوم على مناطق قوات المعارضة في إدلب؛ لِما تتميَّز به المنطقة من جغرافيا سهلية بنسبة عالية تساعد قوات الأسد على التقدُّم بأريحية، واحتواء المنطقة على مرتفع جبل الأربعين الحاكم لدائرة قطرها يصل إلى 25 – 30 كم تقريبًا، بالإضافة إلى تمركز قوات رأس الحربة في تشكيلات الأسد على هذه المحاور، وهي الفرقة 25.

سيناريو هجوم الأسد وروسيا على إدلب

سيناريو هجوم الأسد وروسيا المتوقَّع ومحاوره

الهدف العملياتي للهجوم المتوقع هو السيطرة على مدينة أريحا وقمة الأربعين المشرفة عليها. أما الأهداف التكتيكية المتوقعة للوصول إلى الهدف العلمياتي، فهي: قرية منطف وتلتها، وقرية دير سنبل وتلتها، وقرية فركيا وتلتها، وقرية بزابور وتلتها، ومدينة أريحا وقمة الأربعين المشرفة عليها، وجبل بربندور. وأما التكتيكات المتوقعة التي ستستعملها قوات الأسد في كل هدف تكتيكي مع التفريق بين العمل السهلي والعمل الجبلي وبين العمل النهاري والعمل الليلي، فهي التكتيكات التالية:

المنطقة التكتيكات المتوقع استعمالها خريطة المنطقة
الأولى دق إسفين بعد القصف السجادي المدفعي والصاروخي والقصف الجوي لخطوط الإمداد والمراكز الحيوية لقوات الثوار بالإضافة إلى الإنزال الجوي التكتيكي (يُقصد بالإنزال الجوي التكتيكي إنزال فصيلة أو مجموعة بواسطة المروحيات وبعمق لا يتجاوز 5 إلى 7 كم)، والهدف التكتيكي هو الوصول إلى قرية منطف وتلتها. سيناريو هجوم الأسد وقوات روسيا على إدلب
الثانية قصف سجادي مدفعي ومناوشة من المشاة لتثبيت قوة مدافعة لا بأس بها بالإضافة إلى قياس قوة وعمق الدفاع. لكن في حال تمَّ تطوير العمل والتقدُّم، فالهدف سيكون الوصول إلى قرية فركيا وتلتها. سيناريوهات هجوم الأسد وروسيا على إدلب
الثالثة استهداف مكثّف للإمداد والنقاط الحيوية، وتحييد مدفعية قوات المعارضة، وتوسيع الإسفين، وتثبيت قوات بهدفين هما: الإشغال وحماية الأجنحة، وإنزال عامودي تكتيكي، وتسلل ليلي، والهدف هو الوصول إلى قرية بزابور والمرتفع الواقع شمال غربها. خطة هجوم الأسد وروسيا على إدلب
الرابعة في حال تمَّ تطوير محور الإشغال المذكور في المرحلة الثانية سيتمُّ استخدام إنزال مروحي، والتفاف بالآليات الثقيلة، وتسلل ليلي، وإمساك نقاط حاكمة لصناعة قوس وزاوية نارية أوسع وحماية أفضل لما ذكر في النقطة ج، ثم الوصول إلى المرتفع شمال غرب بزابور. هجوم نظام الأسد وروسيا على إدلب
الخامسة

التطوير من المرحلة الرابعة والخامسة للوصول إلى مدينة أريحا وقمة جبل الأربعين ومنه إلى جبل برندور غرب أريحا بهدف تأمين أريحا المدينة ناريًّا.

لا يغفل ما تمَّ ذكره عن دور الطيران بنوعيه الاستطلاعي والقتالي في هذه المعركة بكل المراحل على الخط الأمامي والعمق في المحرر.

 

خطة هجوم النظام السوري وروسيا على إدلب

 

خاتمة

لا يزال ظاهرًا الاعتقاد الروسي بأن العامل الرئيس في فكِّ جمود الحالة السياسية السورية هو العمل العسكري المحدود بالزمان والمكان على مناطق المعارضة، كما أن نوعية تدريب الجنود وكذلك إمكانيات العتاد العسكري لقوات الأسد ومجموعات المرتزقة الروس تجعل خياراتها محددةً في العمل العسكري على مناطق محددة جغرافيًّا. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الموقف التركي في مناطق شمال حلب لا يجعل من السهل على قوات الأسد فتح أي عمل عسكري هناك؛ ولذلك -وبناءً على ما سبق- فإن منطقة شرق إدلب ومدينة أريحا تبقى الخيار الأمثل للقيام بهذه المهمَّة.

يسعى الأسد إلى جعل الحالة السياسية لقوات المعارضة وتركيا في وضع سيئ، وهو ما يزيد من قوته سياسيًّا في محافل التفاوض العربية والعالمية. إن العملية العسكرية المحدودة لقوات الأسد على شرق إدلب وأريحا -إن تمت- ستكون انعكاساتها على المعارضة وتركيا انعكاسات كبيرة.

أما أبرز ما قد تعانيه المعارضة فهو ضيق المساحة الجغرافية التي تملكها، وحالة نزوح كبيرة في الداخل، مما يزيد من الضغط على التجمعات السكنية وتجمعات النازحين على الحدود التركية، والسيطرة على قمة الأربعين تعني وقوع إدلب تحت المرمى الناري لقوات الأسد، وسقوط قسم من طريق M4، وعودة الأسد إلى الحديث عن دوره في محاربة الإرهاب.

وكذلك سيعاني الجانب التركي عددًا من المشاكل، أبرزها موجات النزوح التي ستضرب الأراضي التركية، وضعف ثقة السوريين في مناطق المعارضة بإمكانية حماية القوات التركية لهم من هجمات أخرى لقوات الأسد، وتحسُّن الموقف الروسي أمام الموقف التركي في باقي الملفات، كالملف الأوكراني والليبي والأذربيجاني، وزيادة الضغط الأوروبي على الحكومة التركية للتعامل مع ملف اللاجئين.


[1] خبير سوري لـ”سبوتنيك”: قرار تحرير إدلب اتخذ والمعركة القادمة على مراحل

[2] هو تكتيك يقصد إلى فتح ثغرة في جبهة القوة المدافعة، ثم توسيعها من خلال تثبيت قوة بشرية ونارية في الثغرة لمنع القوة المدافعة من إعادة إغلاق هذه الثغرة، ويُستخدم هذا التكتيك في المناطق السهلية بشكل رئيس.

[3] يُستعمل هذا التكتيك في المناطق الجبلية أو المختلطة (جبلية وسهلية)، ويقصد به تأمين حماية للقوات المتقدمة من خلال السيطرة على منطقة مرتفعة جغرافيًّا لصناعة زوايا نارية كبيرة تمنح القوة المهاجمة أريحيةً في التقدُّم دون القلق من تعرُّض الأجنحة لخطر القوة المدافعة.

[4] تكتيك الحصار بدل المواجهة يتمُّ اعتماده من القوى المهاجمة التي لا تستطيع الاستمرار أو ضمان التفوُّق في القتال الجبهي، أو القوى التي ترغب في توفير قدر كبير من طاقتها لمتابعة العمل بزخم مرتفع في باقي مسرح العمليات، أو القوى التي لا تتقن القتال الهجومي في المرتفعات فتعمد إلى الحصار لإخضاع المدافع لقوتها النارية.

[5] تكتيك روسي يستخدم سلاح المدفعية وراجمة الصواريخ بشكل رئيس، ويقصد به تركيز القوة النارية للأسلحة المذكورة على نقطة معيَّنة، ثم يتمُّ توسيع الأقواس النارية شيئًا فشيئًا إلى الأمام بحيث تقوم بتدمير كافة مصادر نيران القوة المدافعة.

[6] وهو تكتيك ألماني يقصد به تركيز القوة النارية والبشرية في نقطة ضعف محدَّدة في جبهة الخصم لفتح ثغرة لا يمكن للمدافع إغلاقها.