محيي الدين أتامان
تعاون بين تركيا وقطر
تركيا بقوتها العسكرية الهائلة، ونمو اقتصادها المزدهر، وقطر بما تملكه من مواردها من الغاز الطبيعي، إضافة إلى مهاراتها الدبلوماسية الناجعة، تعدان من القوى الناشئة في الشرق الأوسط، اللتان تعملان بحيوية على إيجاد حلول للنزاع القائم في المنطقة، واللتان تدعمان تحولا تدريجيا فيها.
وقد اتخذ كلا البلدين مواقف مماثلة تجاه الثورات العربية، وقام كلاهما بدعم الحركات الشعبية المناهضة للأنظمة التي تحكمها. كما دعما أيضا المعارضة السورية المناهضة للأسد، أملا في تحرير سوريا من هذا النظام. وتعد كل من تركيا وقطر، الدولتان الإقليميتان الوحيدتان اللتان قامتا بدعم حكومة مرسي وجماعة الإخوان المسلمين ضد الانقلاب العسكري، حيث كانوا يعارضون الجهود الدولية التي حاولت عزل قيادة كل من حماس والإخوان المسلمين. كما تعاونتا على الحد من التوسع الإيراني ومن مشاريعه التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
استفادت كل من تركيا وقطر من التعاون الوثيق الذي جمعهما خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، وتم تطوير العلاقة الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات. وفي كثير من الأحيان، تعتبر الزيارات رفيعة المستوى من مؤشرات هذه العلاقة الوطيدة التي تجمعهما. ومثل الاتفاق العسكري الذي تم توقيعه العام الماضي، على أمل إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر، ذروة التعاون الثنائي. بهذا الاتفاق؛ بدأت كل من تركيا وقطر بتحسين وضعهما الأمني والعسكري وعلاقتهما الاقتصادية والاجتماعية، ما سيسهل مستقبلا انضمام تركيا للسوق الدولية السلاح، كما سيضمن هذا الاتفاق التنوع في نظام الأسلحة القطري.
فرص متاحة لتعزيز التعاون بين تركيا وقطر
تعتمد قطر وتركيا على بعضهما البعض من أجل تحقيق الاستقرار في سياساتهما الداخلية من خلال تهدئة الأوضاع بالمنطقة، فالحروب الأهلية في سوريا والعراق واليمن، والسياسة الخارجية التي تقوم على التدخل والتوسع التي تعتمدها إيران، وظهور تنظيم الدولة، الذي يمثل تهديدا لجميع دول المنطقة، كل هذه العوامل دفعت تركيا وقطر للتعاون على المدى القصير. فطبيعة الأوضاع في المنطقة، ساهمت في خلق فرص جديدة للشراكة بينهما، إذ تحتاج تركيا من أجل تحقيق أهدافها الإقليمية، إلى تطوير علاقاتها مع قطر التي تشهد استقرارا سياسيا واقتصاديا مقارنة بالأوضاع المضطربة التي تعيشها المنطقة، والتي تتمتع بكم هائل من الموارد الطاقية. أما بالنسبة لقطر، فتركيا هي أفضل شريك سياسي واقتصادي في المنطقة، وهي القوة الإقليمية الوحيدة التي تستطيع أن تحد من التوغل الإيراني في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإن اقتصاد تركيا يقوم باستقطاب العديد من المستثمرين القطريين، الذين يحتاجون إلى تنويع أسواقهم الاستثمارية.
هناك العديد من المجالات التي تستطيع من خلالها كل من تركيا وقطر تحسين علاقتهما الثنائية. أولا، بإمكانهما اتخاذ مبادرات مشتركة في جهود الوساطة الإقليمية، وكذلك تبني نفس المواقف عند اعتلاء المنابر الإقليمية والدولية. ثانيا، لديهما الفرصة في تحسين التعاون في قطاع الطاقة، خاصة بعد التوتر الأخير بين تركيا وروسيا، إذ قد يتم بعث مشروع خط أنابيب الغاز المقترح منذ سنة 2009، والذي من شأنه أن يعزز تجارة الطاقة وأن يدعم الثقة المتبادلة بين الدولتين. ثالثا، القواسم الاجتماعية والثقافية المشتركة بين تركيا وقطر، من شأنها هي الأخرى أن تجعل شراكتهما في العديد من المجالات مثل السياحة والتعليم مثمرة وناجعة.
التحديات التي تواجه كلا من تركيا وقطر
على الرغم من أن تركيا وقطر هما البلدان الوحيدان اللذان لم يتأثرا كسائر الدول بالثورات العربية، إلا أنهما ليستا في مأمن من الآثار التي ستنجر عن النظام الإقليمي الجديد. ويشكل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلدان المجاورة تحديا كبيرا لاستقرار تركيا. وقطر هي الأخرى محاطة بالعديد من التهديدات الأمنية الخارجية والداخلية، وعلى الرغم من وجود العديد من القواسم المشتركة بين البلدين، فإنه يظل هناك العديد من التحديات التي ستواجهها العلاقات التركية القطرية.
أولا، لدى كلا البلدين علاقات مختلفة، وفي بعض الأحيان، متعارضة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى. على سبيل المثال، قطر هي عضو في كل من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية. في حين أن تركيا هي عضو في العديد من المنظمات الغربية. ثانيا، باعتبار أن قطر هي دولة خليجية صغيرة، فإنها ستتأثر حتما بالمملكة العربية السعودية التي تعد أكبر قوة في الخليج، بعد إيران، حيث وتطمح هذه الأخيرة للهيمنة الإقليمية في الجانب العربي من الخليج. ثالثا، على الرغم من تكامل هياكلهما الاقتصادية، فإن كلاهما، يشهدان من جهة ضعفا من حيث حجم المردود التجاري، ومن جهة أخرى انخفاضا كبيرا في الأسهم، وبالتالي هما بحاجة إلى تحسين علاقتهما الاقتصادية في المستقبل القريب.