ملخص: تعمل روسيا على توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، بحثا عن تحقيق أهداف دبلوماسية وتجارية. كما تطمح إلى تنويع علاقاتها، لتتجاوز الشراكة التقليدية التي جمعتها مع إيران والنظام السوري. وبالتزامن مع زيادة حضورها العسكري في سوريا لإنقاذ نظام الأسد، سعت موسكو أيضا إلى فتح قنوات الاتصال مع دول الخليج. ويعتبر الشرق الأوسط مفتاحا أساسيا لإنجاح جهود روسيا، الرامية لاستعادة مكانتها كقوة عالمية في عالم متعدد الأقطاب، ولإحداث توازن في مواجهة الولايات المتحدة، وفرض هيبتها في المنطقة المحيطة بها.

ولكن بعض هذه الطموحات لا تزال بعيدة المنال، بينما تتصاعد في نفس الوقت مخاطر أخرى تأتيها من الشرق الأوسط، على غرار تفاقم ظاهرة الجهاد المسلح، وانهيار أسعار النفط، وهي كلها تبدو كتهديدات حقيقية.

تقديم

 أدت الخطوات الأخيرة التي اتخذتها موسكو، من إرسال قوات عسكرية إلى سوريا، وإنشاء قاعدة جوية قرب اللاذقية، والغارات الجوية التي شنتها ضد قوى المعارضة السورية وتنظيم ما يسمى “الدولة الإسلامية”، إلى إغراق موسكو أكثر فأكثر في الصراع السياسي في الشرق الأوسط.

ولا تعد موسكو حليفا رئيسيا لبشار الأسد في مجلس الأمن الدولي فقط، بل أنها أيضا تعد ضامنا لبقائه في السلطة إلى حد الآن. فرغم أن حوالي ثلاثة آلاف جندي وأكثر من 30 طائرة مقاتلة لا يمكنهم إحداث تغيير دراماتيكي في ميزان القوى في سوريا، فإنهم على الأقل بمقدورهم إيقاف تقدم المعارضة ومنع استيلائها على معاقل النظام.

وبعد رفض فلاديمير بوتين مقترحا بتشكيل قوة عالمية لمحاربة تنظيم الدولة تم تقديمه خلال اجتماع الأمم المتحدة، ها هو يحاول الآن تعزيز الحضور الروسي على الأرض، من أجل الضغط والتوصل إلى اتفاق مع بقية اللاعبين الأساسيين في هذا الملف، وخاصة الولايات المتحدة.

وقد سافر الأسد إلى موسكو في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في أول زيارة خارجية له منذ اندلاع الثورة في سنة 2011. كما أجرى بوتين محادثة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وملك الأردن عبد الله. كما ينتظر أن تنطلق جولة أخرى من المحادثات الثنائية لمناقشة الملف السوري ومختلف سيناريوهات انتقال السلطة.

يجب النظر إلى القرار الروسي بالتدخل في سوريا من زاوية أوسع، إذ أن موسكو عملت بشكل مستمر على زيادة حضورها في الشرق الأوسط، وتتمتع هذه الدولة، التي كانت سابقا من القوى العظمى، بعلاقات وطيدة مع بلدان لها دور محوري في المنطقة، على غرار إيران ومصر، كما أن لها علاقات تجارية مميزة مع تركيا، رغم أن هذين البلدين يدعمان طرفين مختلفين في الصراع السوري، كما تعمل الجمهورية الفدرالية الروسية الآن على مد يدها نحو الدول الخليجية، وهي كذلك تتمتع بعلاقات طيبة مع إسرائيل، التي يعيش فيها أكثر من 1,2 مليون مواطن يتكلمون الروسية، وينحدرون من دول الاتحاد السوفييتي سابقا. كما يشتري العراق الأسلحة الروسية، وتواصل شركة “غازبروم نيفت” الروسية التنقيب عن النفط في المناطق الكردية في الشمال، وأيضا في محافظة واسط الواقعة في الشرق. كما جاء الاتفاق الموقع في 14 تموز/ يوليو الماضي بين دول خمسة زائد واحد (الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) من جهة، وإيران من جهة أخرى، حول البرنامج النووي الإيراني، ليبين قدرة روسيا على لعب دور الوسيط الدبلوماسي في مثل هذه الملفات.

وقبل وقت ليس بالطويل، نشر طلال نظام الدين، وهو أكاديمي في الجامعة الأمريكية ببيروت، كتابا بعنوان “نظام بوتين الجديد في الشرق الأوسط”، ورغم أن هذا العنوان ينطوي على بعض المبالغة، فإن الرسالة كانت واضحة: “روسيا عادت بقوة إلى الشرق الأوسط، ونفوذها في تزايد مستمر”.

وتعتمد روسيا غالبا سياسات تتميز بالجرأة والعدائية، تكشف عن قدر كبير من البراغماتية في سياساتها، رغم أنها لطالما انتقدت القرارات أحادية الجانب التي تتخذها الولايات المتحدة، التي لها تاريخ طويل من العمليات التي أثارت الأحقاد بين الطرفين، على غرار الحرب في كوسوفو في سنة 1999، وغزو العراق في سنة 2003، والمخططات التي كانت تتبناها إدارة جورج بوش (والتي تخلت عليها لاحقا) لتوسيع حلف الناتو وضم دول مثل جورجيا وأوكرانيا، في منتصف سنوات الألفين. وخلال عودته إلى الكرملين في سنة 2012، كان فلاديمير بوتين متحفزا لشن حملة، بالأقوال والأفعال، ضد “الثورات الملونة”، من القاهرة إلى طرابلس وكييف، حيث وصف دائما رياح التغيير التي عصفت بالأنظمة الحاكمة بأنها أمر سلبي، وبأنها مخطط من الغرب لبسط نفوذه ونشر الفكر الراديكالي والفوضى في العالم.

وقد جاءت الحرب الأهلية الدموية في سوريا كمثال على تصميم موسكو على دعم أنظمة قديمة تعتبر من حلفائها التقليديين، في تحد واضح للدور الذي حاول الغرب لعبه في هذه الأزمة. ويدعي بوتين أن روسيا تعرضت للخداع في آذار/ مارس 2011، عندما مهد مجلس الأمن الدولي الطريق لتدخل دولي لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا. ولتجنب سيناريو مماثل في سوريا، قرر الكرملين الوقوف إلى جانب الأسد ودعمه بالأسلحة والمستشارين العسكريين، وتوفير غطاء دبلوماسي هام جدا له في الأمم المتحدة، كما ساعدت سياسة روسيا المتمثلة في نشر جنودها على الأرض في سوريا، في إنعاش نظام الأسد، رغم أن تأثير هذا الدعم لم ينعكس بشكل واضح على النتائج الميدانية.

روسيا الصديق اللدود (الصديق والعدو)

ما الذي يفسر النشاط المتزايد لروسيا في الشرق الأوسط؟

إحدى القراءات في هذا الشأن قد تفترض أن الهدف النهائي يتمثل في بناء تحالف معاد للولايات المتحدة، يتكون من سوريا (حليف تقليدي منذ أيام الحرب الباردة)، وإيران ومصر أيضا. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ أنه لا يمكن لأحد أن ينفي أن العلاقات بين موسكو والغرب وصلت لأسوء حالاتها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، كما أن روسيا واقعة تحت عقوبات أمريكية وأوروبية. وتتصرف موسكو في الشرق الأوسط كصديق وعدو في نفس الوقت، فهي ليست خصما بأتم معنى الكلمة كما كانت في سنوات الخمسينات والستينات، وهي تتعاون مع دول المنطقة في عدة ملفات، على غرار دورها في الملف النووي الإيراني، وفي التوصل لاتفاق مع الأسد حول التخلص من الأسلحة الكيماوية في أيلول/ سبتمبر 2013. ولكنها في المقابل تلعب دورا سلبيا ودورا معاكسا في ملفات أخرى، وهو ما أثبته تدخلها الأخير في سوريا، وهناك عاملان يفسران هذا التناقض والتغير في السياسة الروسية: أولا، على خلاف الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو، فإن قدرة روسيا على توسيع حضورها العسكري في المنطقة يبقى محدودا جدا، على الرغم من تزايد نشاطها في سوريا، وموسكو فرضت نفسها في المنطقة بشكل كبير بفضل إصرار الولايات المتحدة على تبني سياسة فك الارتباط وعدم التدخل كما في السابق في مشاكل المنطقة. ثانيا تتداخل مصالح روسيا جزئيا مع مصالح الدول الغربية، وخاصة عندما يتعلق الأمر باحتواء المجموعات الإسلامية المتشددة.

هذه الدوافع المختلطة تنبثق عنها سياسات معقدة ومتناقضة، فبينما تزيد روسيا من حضورها العسكري في سوريا، تقوم في نفس الوقت بإظهار بعض الانفتاح نحو الولايات المتحدة وحلفائها، وقد التقى وزير الخارجية سيرغي لافروف بنظيره الأمريكي جون كيري في قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، في الثالث من أغسطس/آب الماضي، والتقيا أيضا بعد ذلك بيومين في كوالالمبور. وقد كان هنالك موضوعان مهمان يتصدران أجندة المحادثات، هما مسودة قرار لمجلس الأمن الدولي، متعلق باستعمال الأسلحة الكيمياوية في سوريا، والمبادرة الأمريكية الرامية لإعادة إطلاق محادثات جنيف لحل الملف السوري.

ومع اللقاء المباشر الذي جمع بوتين وأوباما وجها لوجه في نيويورك، يبدو أن ذوبان الجليد بين الطرفين انطلق فعلا. وبعد أن انتقدت روسيا في البداية الضربات الجوية التي تستهدف تنظيم الدولة في سوريا، فضلت التخفيف من حدة لهجتها ودعت إلى إشراك الأسد في الحرب ضد الإرهاب، كما قررت فتح قنوات التواصل مع بعض فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من قبل الولايات المتحدة.

أما إدارة أوباما من جهتها فقد قامت بجهد إضافي “لتجنب الاشتباك”، والمقصود منه تجنب أي حادث عرضي بين طائرات روسيا والغرب التي تحلق جميعها في سماء سوريا، يؤدي إلى الدخول في مواجهة مباشرة.

نفس هذا التضارب بين الأقوال والأفعال يظهر جليا في علاقة روسيا مع دول الخليج، فقد اعتادت وسائل الإعلام التابعة للكرملين على الإساءة لهذه الدول، ووصفها بأنها تابعة للولايات المتحدة وبأنها داعمة لمنظمات إرهابية من بينها تنظيم الدولة. ويحرص المحللون السياسيون في هذه القنوات دائما على التذكير بقيام الولايات المتحدة والمملكة السعودية بدعم المجاهدين الأفغان، في حربهم ضد الاتحاد السوفييتي خلال سنوات الثمانينات. وبنفس المنطق تحاول هذه الوسائل الإعلامية تصوير العلاقات القوية التي تربط روسيا بديكتاتوريات المنطقة على غرار الأسد والسيسي بأنها تحالفات تهدف لمحاربة الإرهاب.

وفي نفس الوقت تحرص روسيا على تحسين علاقاتها مع الدول الخليجية، فقد زار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير موسكو، ورغم أن الزيارة لم تسفر عن أية اتفاقات حول المسائل المتعلقة بمصير بشار الأسد والحرب ضد تنظيم الدولة، فإنه كان واضحا أن هنالك تقاربا يتم العمل عليه بين الجانبين. وفي حزيران/ يونيو، أمضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، على اتفاق في مجال الطاقة النووية، تلته مذكرة تفاهم حول بيع الأسلحة.

كما توصل الصندوق السعودي للاستثمارات العامة والصندوق الروسي للاستثمار المباشر إلى اتفاق حول ضخ استثمارات مشتركة قيمتها 10 مليار دولار في الاقتصاد الروسي. وقد أبرزت زيارة وزير الخارجية عادل الجبير إلى موسكو، وأيضا حضور لافروف في آخر قمة لمجلس التعاون الخليجي، رغبة موسكو في تنويع علاقاتها وتجاوز علاقتها التقليدية مع طهران وبشار الأسد، ولكن التدخل الجاري حاليا في سوريا، يثير تساؤلات عديدة حول إمكانيات نجاح هذا التقارب الحذر، رغم أنه لا ينفي إمكانية حدوث هذا التقارب على المدى الطويل.

ولتحقيق ذلك، يجب على روسيا أن تكون مستعدة للتوصل لاتفاق سياسي، إلا إذا كانت تريد الغرق في صراع لا ينتهي ضد السعودية وحلفائها في سوريا، وهي حرب من المؤكد أن موسكو لا يمكنها الفوز بها. إن إتباع سياسة مسك العصا من المنتصف ليست شيئا جديدا على روسيا، فقد كانت دائما تسعى للتأكد من أن تقاربها مع طهران لا يسيء لعلاقتها مع إسرائيل، ولا يمكن أن ننسى أيضا أن العلاقات الروسية الإيرانية لم تكن دائما ودية، ولكنها كانت مبنية بالأساس على براغماتية ومصالح مشتركة يتم تحقيقها بدم بارد.

وبما أنها كانت دائما ضحية للأطماع التوسعية للاتحاد السوفييتي في الماضي، فإن إيران تشك في أن موسكو تستعملها كورقة مقايضة في صراعها مع الغرب. وبنفس الطريقة، من وجهة نظر سعودية، يمكن لروسيا أن تكون شريكا ثمينا، في وقت بدأ فيه الحليف الاستراتيجي، المتمثل في الولايات المتحدة، باتباع سياسة التقارب مع إيران وسياسة عدم التدخل في المنطقة.

وقد سعت الرياض، بلا جدوى، إلى عرض تشجيعات اقتصادية لإقناع موسكو بالنأي بنفسها على نظام الأسد. ولكن السعوديين يملكون أيضا العصا وليس فقط الجزرة، ويمكنهم الإبقاء على أسعار النفط العالمية في أدنى مستوياتها، وبذلك يتسببون في ضرر كبير للميزانية الروسية، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات المحروقات، وهو ما سيزيد من حد الأزمة الاقتصادية الروسية.

محددات السياسة الروسية

ماهي الدوافع والأهداف التي توجه تحركات روسيا؟

أولا، إن الأمر يتعلق بالمكانة، إذ أن الاعتراف بها كقوة عالمية لها دخل في كل المسائل التي لها بعد عالمي، كان دائما من أولى أولويات موسكو. بالإضافة إلى القدرة على فرض نفوذها في منطقة هامة مثل الشرق الأوسط، لطالما تمتع فيها الاتحاد السوفييتي بشبكة من العلاقات القائمة على المصالح. وتحقيق ذلك يعني أن روسيا قد عادت إلى قلب اللعبة الدولية، حتى وإن لم تكن قد بلغت نفس المكانة التي تحظى بها الولايات المتحدة.

ثانيا، وهذا هو الأهم، إن السياسة الخارجية القائمة على استعراض العضلات تحظى بشعبية كبيرة في الداخل الروسي، وقد ثبت ذلك من خلال الصعود الصاروخي الذي حققتها شعبية بوتين، مع عملية ضم شبه جزيرة القرم في آذار/ مارس 2014.

كما أن العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا بعد هذه الخطرة، وردا أيضا على دورها في الحرب الدائرة شرق أكرانيا، لم تؤثر كثيرا على الدعم الشعبي لبوتين. فتجييش المشاعر الوطنية، الذي تمارسه وسائل الإعلام التي يتحكم فيها الكرملين، أدى إلى صعود نسبة التأييد الشعبي للرئيس إلى مستويات قياسية بلغت 89 بالمائة. ورغم أن الشعب الروسي يبدو أقل اهتماما بما يدور في الشرق الأوسط، من اهتمامه بما يدور في أوكرانيا المجاورة، فإن سياسة بوتين في المنطقة أيضا تحظى ببعض التشجيع، إذ أن الكثير من المواطنين البسطاء في روسيا يعتبرون أن هذه السياسة الجديدة تعني نهاية سنوات طويلة مما يعتبرونه “سياسة الإهانة والتهميش التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ضد بلادهم”.

ولكن رغم العقوبات ولعبة لي الذراع في مواجهة حلف الناتو في منطقة البلطيق، فإن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يحتاج إلى روسيا لتحقيق أهدافه.

ثالثا، إن صانعي السياسة في روسيا يفضلون جر الولايات المتحدة نحو تركيز اهتمامها على التطورات في الشرق الأوسط، عوض أن تركز على الحرب في شرق أوكرانيا والمسائل الأمنية في أوروبا الشرقية، إذ توجد العديد من فرص التعاون في منطقة شرق الأوسط، التي قد تمكن موسكو من استعمال أوراقها للمقايضة مع الغرب فيها يخص سياساتها في منطقة دول الاتحاد السوفييتي سابقا.

كما أن أعضاء هامين في الاتحاد الأوروبي، على غرار ألمانيا وفرنسا، منشغلون كثيرا بمسألة العنف الجهادي، وهو ما سيمكن الكرملين من مقايضتهم بلعب دور في الحرب على الإرهاب في مقابل رفع جزئي أو كلي للعقوبات.

رابعا، تسعى موسكو وراء بعض الفوائد المادية المباشرة؛ إذ أن بداية الرفع الجزئي للعقوبات المسلطة على إيران قد يمنح موسكو فرصة المشاركة في تطوير المنشآت الغازية والنفطية الإيرانية المتهالكة. ولكن الشركات النفطية الروسية تمر بفترة عصيبة، بسبب العقوبات المسلطة عليها، وبسبب تخلفها التكنولوجي مقارنة بنظيراتها الغربية.

كما أن الانفتاح الإيراني يمثل خبرا سيئا بالنسبة لروسيا، لأنها تعاني من انخفاض أسعار النفط العالمية، وهو ما قد يفاقم من المشاكل الاقتصادية، بما أن النفط يمثل أهم موارد للميزانية الروسية، وقد انخفضت مداخيل النفط بحوالي 4,6 بالمائة خلال الربع الثاني من هذا العام، وهو أسوء انخفاض منذ سنة 2009.

ولكن هذا الركود في أسعار المحروقات قد يعني أيضا زيادة المرابيح في قطاعات أخرى، إذ تبقى روسيا واحدة من أهم دول العالم المصدرة للأسلحة التقليدية، فقد باعت أسلحة بقيمة 13,2 مليار دولار في سنة 2014، وبحسب مركز ستوكهولم لدراسات السلام، فإن 27 بالمائة من مبيعات الأسلحة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين سنتي 2008 و2012 جاءت من روسيا. أما إيران التي وقعت عقدا ضخما في سنة 2007 لشراء صواريخ أرض جو أس 300، (وهو عقد تم تجميده في سنة 2010)، تمثل هي أيضا فرصة جديدة لتسويق منتوجاتها، وقد عرضت موسكو الآن بيع منظومة صاروخية أخرى أكثر تطورا، وهي منظومة “أنتي 2500”. رغم أن تفاصيل الاتفاق النووي أخرت رفع حظر شراء الأسلحة عن إيران. وتشير مذكرة التفاهم التي وقعتها روسيا مع السعودية إلى إمكانية وجود فرص اقتصادية جديدة في الجهة الأخرى من الخليج، إذ أن روسيا حريصة أيضا على الفوز بتعاقدات مع الجيش المصري، للاستفادة من العلاقات المتوترة بين القاهرة وواشنطن، خاصة وأن الشراءات الجديدة التي ستقوم بها مصر ستكون ممولة من الدول الخليجية الراعية لنظام السيسي.

خامسا، سياسة روسيا تتفاعل مع المخاطر والتهديدات التي تظهر في الشرق الأوسط، فالحرب السورية وما تلاها من أحداث أبرزها صعود تنظيم الدولة، مثلت فرصة ذهبية لتسجيل نقاط على حساب الخصم الأمريكي، وعلى المدى القصير ساعدت أيضا موسكو على تخفيف الضغط المسلط عليها في شمال القوقاز، بعد أن غادر أكثر من ألفي مقاتل معاقلهم والتحقوا بجماعات مسلحة في سوريا ومناطق أخرى، بحسب الأجهزة الأمنية الروسية. ولكن على المدى الطويل، هنالك عدة أسباب تجعل روسيا تشعر بالخوف، تماما مثل دول أوروبا الغربية، من موجة عكسية تحمل معها التطرف إلى الداخل الروسي. وقد اعترف مسئولون روس رفيعي المستوى، من بينهم رئيس مجلس الأمن القومي نيكولاي باتروشاف، بأن تنظيم الدولة يشكل خطرا جديا. فالمسلحون الموجودون في المشرق يرتبطون بجماعات مثل “إمارة القوقاز”، التي انبثقت عن حركة الاستقلال الشيشانية، التي تعتبر المسئولة عن عدة هجمات مروعة، من بينهما هجمات موسكو. وبينما تضم الفدرالية الروسية 16 مليون مواطن يعتنقون الإسلام، أي ما يعادل 12 بالمائة من تعداد السكان (دون احتساب المهاجرين من دول الاتحاد السوفيتي سابقا وآسيا الوسطى)، فإن العام الماضي شهد ارتفاعا ملحوظا لظاهرة معادة الأجانب (زينوفوبيا)، وتفشي الخطاب المعادي للإسلام. إن تصاعد التوترات الداخلية والصراعات العنيفة يمثل تحديا كبيرا بالنسبة لزعيم مثل بوتين، يستمد جزء من شرعيته من نجاحه في الحد من العنف  الذي كان يأتي من الشيشان، وداغستان، وبقية أجزاء شمال القوقاز.

 لقد سجلت روسيا بعض النجاحات الدبلوماسية، بعد أن تمكنت من فرض نفسها كلاعب محوري في الشرق الأوسط، وجنت ثمار تحركاتها. فمشاكل المنطقة قد تكون فرصة للقيام بإصلاح جزئي للعلاقة مع الولايات المتحدة، في ظل تواصل التوتر حول مسألتي شرق أوكرانيا والعقوبات الغربية. وبالإضافة إلى ذلك فإن موسكو تتطلع إلى تحقيق الاستفادة من عملية إعادة خلط الأوراق السياسية، التي أعقبت الاتفاق الجماعي بشأن البرنامج النووي الإيراني. ولكن تحقيق انفراج حقيقي في العلاقات مع المملكة السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي؛ مشروط بتغيير روسيا لموقفها من بشار الأسد، وهو أمر لا يبدو واردا في الوقت الحاضر.

فروسيا مصرة على أن الأسد يجب أن يكون جزء من السلطة في حال التوصل لتسوية للملف السوري تضم مختلف الأطراف المعنية، وهي الآن تظهر للجميع أنها مستعدة للدفاع عن هذا النظام حتى لو تطلب ذلك نشر قواتها على الميدان.  وسيعمل صناع السياسة الروسية بجد لتعزيز مكاسبهم الآنية، ولكن تحقيق بقية الأهداف طويلة المدى سيكون أمرا أكثر صعوبة. وفي الوقت فإن المخاطر العديدة التي تحيط بها، مثل إمكانية فشل تدخلها في سوريا، وتسببه أيضا في موجات ارتدادية في شمال القوقاز، ستظل تؤثر على إستراتيجية موسكو.

 

الهوامش: 

[1]              Jonathan Marcus, Syria: What can Russia’s military do?,BBC, 7 October 2015.

[2]                      In 2012 Iraq and Russia signed a USD 4.3 bn deal for the purchase of attack helicopters and anti-aircraft systems. In 2014 Russia delivered 10 SU-25 ground attack jets used by Baghdad in the fight against IS.

[3]                      LUKoil, a large Russian oil company, has signed a contract with the government in Baghdad to build two pipelines in the south of the country.

[4]                      Kathrin Hillie, Russia sees big potential from Iran deal,Financial Times, July 21, 2015.

[5]                      London: Hurst, 2014.

[6]                      Nikolay Kozhanov, How Putin Turns Turmoil in the Middle East to His Advantage, Newsweek, 8 August 2015.

[7]              For the general context of Russian foreign policy, see Bobo Lo, Russia and the New World Disorder, Brookings Institution, 2015.

[8]              The decision to abstain on UN Security Council Resolution 1973 was later blamed on then President Medvedev and his policy of rapprochement with Obama’s US. Putin, as prime minister, criticized it. But questions remain as to whether this was a genuine rift or a coordinated, good cop-bad cop operation.

[9]                      In 2008-11 Russia sold Syria weapons worth USD 1.7 bn, with another USD 550m deal to upgrade the Damascus airforce in 2012. The two are currently currently negotiating  a new contract to the tune of USD 3.5 bn.

[10]                    See Dmitri Trenin, The Mythical Alliance: Russia’s Syria Policy, Carnegie Moscow Centre, Carnegie Endowment for International Peace, February 2013.

[11]             Lavrov met with Khaled Khoja of the Syrian National Coalition in August. He is contact with Salih Muslim, leader of the Kurdish Democratic Union (PYD), a frequent guest in Moscow See Muslim’s interview with Amberin Zaman for Al-Monitor, October 1, 2015.
http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2015/10/turkey-syria-russia-pyd-leader-muslim-moscow-prevent-ankara.html#

 

[12]             Moscow enjoys good relations with neutral countries like Oman which position themselves as intermediaries between the Gulf monarchies and Iran.

[13]        Andrew Critchlow, Russia bombing in Syria escalates oil price war with Saudi Arabia, Daily Telegraph, October 4, 2015.

http://www.telegraph.co.uk/finance/commodities/11911194/Russia-bombing-in-Syria-escalates-oil-price-war-with-Saudi.html

[14]                    Russian offers Iran latest anti-aircraft missiles: TASS,Reuters, 23 February 2015.

[15]                    In 2014, Egypt and Russia signed a USD 3.5 bn deal for the purchase of air defence systems, MiG-29 fighters, attack helicopters and even submarines.

[16]                    The Middle East has long historic connections with the Caucasus. There are ethnic diasporas  in the region going back to the migration waves from the Tsarist to the Ottoman Empire in the 19thcentury, notably the Circassians. Vitaly Naumkin, Russia’s Middle East Gamble, Al-Monitor, 9 July 2015.

[17]                   In June, IS declared the establishment of a “governorate” in North Caucasus.

[18]                    Despite the sanctions and the conflict in Ukraine, contacts between Russian and US anti-terrorist agencies and officials have been on the increase. See Simon Saradzhyan, Putin’s Change of Heart

[19]             For a discussion of the risks facing Russia in Syria see Vladimir Frolov, Putin Chooses Simple, Dangerous Plan in Syria,Moscow Times, September 27, 2015.