الخلاصة

على مدى العقد الأول من الألفية الجديدة، حافظت الدولة التركية والدولة الروسية على تطوير علاقتهما لتحقيق التقارب والارتباط الاقتصادي والسياسي بين البلدين. وحاول الطرفان الحفاظ على أواصر العلاقات بينهما حتى بعد الثورات العربية على الرغم من تنامي الاختلافات فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا. بيد أن ذلك صار مهمة مستحيلة بعد الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، عندما أسقطت القوات التركية طائرة سوخوي سو-24 روسية بالقرب من الحدود السورية التركية. ولم تتسبب تلك الحادثة في إحداث صدع في العلاقات الثنائية بين البلدين وحسب، بل إن الأمر تجاوز ذلك لينهي على نحو مفاجئ المحادثات الإقليمية بين الدولتين فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط.

وفي التاسع من أغسطس، تقابل الرئيسان أردوغان وبوتين في سانت بطرسبرغ للمرة الأولى منذ حادث إسقاط الطائرة، ليعلنا تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مرة أخرى بين روسيا وتركيا. كما أعلنت الدولتان قرارهما بتأسيس آلية سياسية عسكرية جديدة لتساعد في تجاوز اختلافاتها المتعلقة بالأزمة السورية.

إن كانت تركيا تسعى لتجاوز الاختلافات بينها وبين روسيا وإيران حول الأزمة السورية، فربما يمهد ذلك الطريق أمام انبثاق حالة توافق إقليمي بين البلدان الثلاثةفيما يتعلق بقضايا أخرى في الشرق الأوسط.

مقدمة

على الرغم من أن روسيا وتركيا لم تلعبا دوراً رائداً في الشرق الأوسط خلال تسعينات القرن الماضي بسبب المشكلات الداخلية السياسية والاقتصادية التي كانت تواجههما، إلا أنه وفي العقد التالي لتلك الفترة، اختلف دورهما تماماً. إذ قامت موسكو تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين بمراجعة موقف الحكومة الروسية السلبي السابق تجاه بلدان المنطقة، وحسّنت علاقاتها الاستراتيجية مع عدة دول فيها. وفي سياق مماثل، تعاملت الدولة التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية مع الشرق الأوسط باعتباره إحدى أولويات أجندة السياسة الخارجية، وطوّرت علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وثيقة مع بلدان المنطقة.

في العقد الأول من الألفية الجديدة، بدأت قضايا الشرق الأوسط في الهيمنة على أجندة العلاقات التركية الروسية، فضلاً عن العلاقات الثنائية للبلدين مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ففي عام 2003 على سبيل المثال، رفض البرلمان التركي التحرك من أجل السماح لمشاركة القوات التركية في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد العراق، مما تسبب في إحداث تطورٍ كبير دشّن بدوره حالة تقارب إستراتيجي بين تركيا وروسيا.

وخلال نفس الفترة، تقارب موقفا أنقرة وموسكو في القضايا الرئيسية الأخرى في الشرق الأوسط بصورة ملحوظة. فعلى سبيل المثال، اعتمد كل من الرئيس السوري بشار الأسد وحركة حماس في فلسطين، اللذين كانا معزولين تماماً عن الحكومات الأجنبية، على دعم الحكومتين الروسية والتركية على التوالي. وفي سياق متصل، تبنت أنقرة وموسكو حواراً بنّاءً مع طهران بخصوص برنامجها النووي في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة ومسؤولو الاتحاد الأوروبي يطالبون بتطبيق عقوبات قاسية ضد الحكومة الإيرانية. كما دعمت تركيا طلب روسيا بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي (التي تعرف حالياً باسم منظمة التعاون الإسلامي) باعتبارها دولة مراقبة، وذلك في عام 2005.

مثّلت الثورات العربية التي بدأت في 2010 أول تحدٍ حقيقي أمام تقارب المصالح الروسية التركية في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، عندما شاركت أنقرة حلفاءها في حلف الناتو خلال الحملة التي نفذها الحلف في ليبيا، رغم تحفظ تركيا في بداية الأمر، أدان بوتين التدخل الغربي في ليبيا بشدة، مشبهاً إياه بالحملات الصليبية في العصور الوسطى. كما سمحت تركيا باستضافة نظام رادار للإنذار المبكر مرتبط بالدفاعات الصاروخية لحلف الناتو على أراضيها في 2012، على الرغم من ردود الأفعال الروسية والإيرانية. ومع ذلك، كانت الحرب الأهلية في سوريا هي القضية الرئيسية التي وضعت حداً للحوار الروسي التركي حول مجريات الأحداث في الشرق الأوسط.

الأزمة في سوريا

في خريف 2011، غيرت تركيا مسار سياسياتها تجاه الحرب في سوريا على نحو ملحوظ. وبدلاً من محاولة إقناع الأسد بإجراء حزمة إصلاحات، بدأت الحكومة التركية في دعم مجموعات المعارضة بقوة على نفس نهج الحكومات الغربية. وتسبب الإحباط التركي من جراء صلافة نظام الأسد أمام أي دعوات للتغيير في سوريا، في أن تتحول أنقرة لأشد الخطباء المفوهين والحاملين على أعتاقهم انتقاد الحكومة السورية في دمشق خلال المحافل الدولية، إذ طالما أصرت أنقرة أن القضية السورية لن تصل إلى حل ما دام الأسد مستمراً في السلطة. وبدون شك، أحدثت تلك النظرة صدعاً في العلاقات بين موسكو وأنقرة، لاسيما بعد أن صارت موسكو وطهران الداعمين الرئيسيين لنظام الأسد خلال أحداث الحرب الأهلية في سوريا.

وبدأت القضية السورية في إحداث خلافات مباشرة بين تركيا وروسيا بعد أن بدأت موسكو في تنفيذ غاراتها الجوية داخل سوريا بدءاً من 30 سبتمبر/ أيلول 2015. فعلى سبيل المثال، انتقد الرئيس أردوغان بشدة الحملة الروسية وقال إنه لا يستطيع تفهم الأساس المنطقي لذلك التدخل، إذ أن روسيا لا تمتلك حدوداً مشتركة مع سوريا. وخلال أيام، تدهورت العلاقات التركية الروسية بسرعة من جراء تعزيز التواجد العسكري الروسي في المنطقة. وفي الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول حذرت أنقرة موسكو من أن طائرة روسية من طراز سوخوي سو- 30 اخترقت المجال الجوي التركي. وبعد يوم واحد من تلك الغارة، أعلنت القوات المسلحة التركية أن طائرة روسية الصنع من طراز ميغ-29 وضعت دورية تركية على رادارها لأربع دقائق ونصف استعداداً لقصف الدورية التي كانت تراقب الحدود.

وثمة عاملان كانا شديدي الأهمية فيما يتعلق بزيادة حدة النقد التركي الموجه للعمليات الروسية في سوريا. أولهما أن تركيا صارت شديدة القلق بشأن تزايد اعتداءات الطائرات الروسية على جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، أكثر من استهدافها لتنظيم الدولة الإسلامية. وثانيهما يكمن في تطور العلاقات الروسية مع أكراد سوريا- ولا سيما حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري المتمثل في وحدات حماية الشعب، اللذان تراهما أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا- وهو ما عقَّد علاقات تركيا مع موسكو.

على كل تلك الخلفيات، أسقطت القوات المسلحة التركية طائرة روسية الصنع من طراز سوخوي سو- 24 في الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني بعد ادعاءات تقول إنها خرقت المجال الجوي التركي. تزامناً مع ذلك الحادث، قُتل طيار روسي بعد أن أطلقت عليه إحدى جماعات المعارضة المسلحة الرصاص عندما كان يحاول الهبوط بمظلته على الأرض. وعلى الفور حملت تركيا القضية على أجندة الناتو ورفضت الاعتذار عن ذلك التصرف، وكان الرد الروسي في المقابل شديداً بعد أن أعلنت موسكو تطبيق عقوبات اقتصادية على تركيا واتهام الحكومة التركية بمساعدة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا.

وتسببت أزمة الطائرة المقاتلة الروسية في تحول الشرق الأوسط إلى مسرح جديد من المواجهات بين أنقرة وموسكو خلال الشهور السبعة التالية. نشرت موسكو منظومة الدفاع الجوي المتطورة إس-400 التي تمتلكها في قاعدة حميميم الجوية التي كانت قد استحوذت عليها مؤخراً، وبذلك أغلقت عملياً المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية. ونتيجة لذلك، كان على تركيا أن توقف الدعم الجوي الذي كانت توفره للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والذي تقوده الولايات المتحدة.

كما أظهرت روسيا دعماً قوياً لمزاعم الحكومة العراقية، والتي تقدمت رسمياً بطلب لتركيا من أجل سحب قواتها المسلحة من بعشيقة بالقرب من الموصل. وكانت هذه الخطوة لافتة للغاية، إذ أن الجيش التركي كان حاضراً في المشهد الإقليمي لما يقرب من عامين ونصف بالاتفاق مع التحالف الدولي الذي تقوده أميركا ومع الحكومة العراقية أيضاً لكي توفر تدريباً للقوات العراقية الكردية ضد تنظيم داعش.

وفضلاً عن ذلك، استمرت موسكو في تطوير علاقتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع حكومة السيسي في مصر، والتي كانت لديها مشاكل ممتدة مع تركيا. كما استمرت في تعزيز تواجدها العسكري بالمنطقة ودخلت في حوار جديد مع الولايات المتحدة بشأن عملية السلام في سوريا. لذا، وبحلول عام 2016، صار من الصعب على أنقرة أن تعلب دوراً فعالاً في القضية السورية دون أن تجد حلاً لمشاكلها مع موسكو.

قمة سانت بطرسبرغ

تجمدت العلاقات الإستراتيجية بين تركيا وروسيا تماماً حتى السابع والعشرين من شهر يونيو/ حزيران، عندما انتشرت أنباء تقول إن أردوغان كتب خطاباً لبوتين يعرب فيه عن أسفه ورغبته في بدء عملية تطبيع. وتقابل الزعيمان في النهاية بسانت بطرسبرغ في التاسع من أغسطس/ آب بعد أسبوعين تقريباً من محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا. وكان دعم بوتين الصريح للحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً ضد محاولة الانقلاب، محل تقدير شديد من جانب أنقرة، لا سيما حين كانت ردود الأفعال القادمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر تردداً وانتقاداً للحكومة التركية.

على الرغم من أجندة لقاء سانت بطرسبرغ تركزت على رغبة الحكومتين في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أن عودة العلاقات التركية الروسية كان لها أبعادٌ إقليمية قوية ينبغي أن يكون لها تأثير قوي على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط. كما أشير إلى ذلك الأمر من خلال القرار المشترك بإقامة لقاء آخر منفصل في سانت بطرسبرغ لمناقشة القضية السورية.

وعُقد لقاء آخر في روسيا في الحادي عشر من شهر أغسطس/ آب بين مسؤولين من وزارة الخارجية والمخابرات وضباط هيئة الأركان العامة. ويتوقع أن تعمل هذه الآلية الجديدة ثلاثية الأركان على رأب الصدع بين السياسات التركية والروسية بشأن سوريا. ولا سيما أن أحد الأهداف الرئيسية ارتكز حول منع ظهور أزمة أخرى بين القوات الجوية للبلدين على الحدود التركية السورية. كما ينبغي أن نشير إلى أن تركيا اتخذت قراراً في يونيو/ حزيران بتعديل قواعد الاشتباك التي تعتمدها كجزء من حلف الناتو، بحيث تكون أكثر مرونة لكي تتجنب أي مواجهة جديدة مع روسيا. ويعني ذلك أن الصراع المباشر بين أنقرة وموسكو في سوريا صار غير وارد.

ومع هذا، لا يزال لدى البلدين اختلافات كبيرة حول كثير من القضايا بما في ذلك الدور الذي سيلعبه الأسد في الحكومة السورية الانتقالية، فضلاً عن علاقات روسيا مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. فعلى سبيل المثال، فتح أكراد سوريا مكتباً في موسكو في فبراير/ شباط الماضي. بالإضافة إلى ذلك، ترغب موسكو أن تتحكم تركيا بنجاح في حدودها- بل وأن تغلقها- مع سوريا لكي تمنع تدفق السلاح والمسلحين. وتظهر نقطة خلاف أخرى بين البلدين تتعلق بأي الجماعات في سوريا ينبغي أن تصنف بأنها جماعات إرهابية. على سبيل المثال، تعتبر روسيا أن جيش الإسلام وأحرار الشام- وهي الجماعات التي تدعمها تركيا والسعودية وقطر- جماعات إرهابية، بينما تزعم تركيا أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب تربطهم علاقات رئيسية مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني على أراضيها.

إطار عمل إقليمي جديد؟

على الرغم من تلك الاختلافات، تبدو السلطات التركية متفائلة من إمكانية إنجاز قدر من التفاهم مع روسيا على المدى القصير. على سبيل المثال، أكد إبراهيم كالين، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، على وجود توافق بين أنقرة وموسكو فيما يتعلق بضرورة الفترة الانتقالية في سوريا، فضلاً عن وقف الأعمال العدائية وحماية سلامة الأراضي السورية. ومن ناحية أخرى، أشار تشاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، إلى أن القتال ضد تنظيم داعش يمكن أن يشكل أرضية مشتركة لجلب جميع أطراف الصراع في سوريا للعمل معاً. وكان للقرار التركي بمواصلة العمليات الجوية ضد تنظيم داعش، في أعقاب حالة التقارب الجديدة مع روسيا، آثار كبيرة في هذا الاتجاه.

ويمكن ملاحظة التلميحات التركية المتعلقة بالنظرة الجديدة تجاه علاقتها مع روسيا من خلال مقابلة الرئيس أردوغان مع إحدى وكالات الأنباء الروسية. إذ أظهرت تصريحاته تحولاً شديداً عن موقفه السابق تجاه دور روسيا في سوريا، والتي أشار فيها إلى أن روسيا تعد “اللاعب الرئيسي والأهم لتأسيس السلام في سوريا”. كما عبر عن رغبة تركيا في تقديم إطار عمل إقليمي من أجل عملية السلام. وفي هذا المنحى، يعتقد الرئيس التركي أن الممثلين الإقليميين، بما فيهم تركيا وإيران والسعودية وقطر، ينبغي عليهم أن يلعبوا دوراً رائداً في حل الأزمة السورية. كما يمكن أن تساعد مثل تلك المنصة في تخفيف حدة المواجهات بين طهران والرياض حول قضايا الشرق الأوسط.

وأيضاً شاركت تركيا في عملية الحوار السياسي الجديدة مع طهران خلال العام الماضي. وبعيداً عن تطورات الأوضاع الاقتصادية بين البلدين، اتخذت طهران موقفاً صارماً ضد محاولة الانقلاب في تركيا. والأهم من ذلك، الزيارة الرسمية لجواد ظريف، وزير الشؤون الخارجية الإيراني إلى أنقرة بعد أيام قليلة من قمة سانت بطرسبرغ، والتي تشير إلى دور إيران باعتبارها ممثلاً رئيسياً في الحوار الإقليمي المنبثق بين تركيا وروسيا.

كما يمكن أن يشار إلى ذلك من خلال ما حدث الأسبوع الماضي، عندما استخدمت الطائرات الروسية قاعدة حمدان الجوية الإيرانية لأول مرة لتنفيذ عدد من الغارات الجوية على أهداف في سوريا. وينبغي وضع كل تلك التطورات معاً في عين الاعتبار مع التصريحات الأخيرة لصناع القرار السياسي الروسي عن احتمال عقد اتفاق مماثل مع تركيا لاستخدام قواعدها الجوية في إنجرليك، والتي يستخدمها في الوقت الحالي أيضاً التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. وفي ذات الوقت، رغم أنه من المبكر الحديث عن مثل هذا الاحتمال، فربما تستغل موسكو النقاش المتعلق باستخدام قاعدة إنجرليك لبدء حملة دعائية قد تتسبب في إحداث أزمة بين تركيا والغرب.

كما أنه من المهم ملاحظة أنه حتى إسرائيل قد تلعب دوراً فيما يتعلق بإطار العمل الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط. وكما تسبب خطاب أردوغان الهام في إحداث انفراجة بالعلاقات الروسية التركية في أواخر يونيو/ حزيران، وقّعت تركيا على اتفاقية جديدة مع إسرائيل لكي تستعيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد ستة أعوام من الصدع. ومع الأخذ في الاعتبار تطور العلاقات الروسية مع إسرائيل على نحو كبير خلال الأعوام القليلة الماضية، فمن المرجح أن تدعم تل أبيب استمرار الحوار الإقليمي بين أنقرة وموسكو حول قضايا الشرق الأوسط.

خاتمة

على الرغم من أن لقاء سانت بطرسبرغ بين بوتين وأردوغان بدا كما لو أنه حقق مبتغاه في إحياء الحوار الإقليمي بين تركيا وروسيا، فمن المبكر جداً أن نتوقع ما إذا كانت هذه العملية الجديدة سوف تتمكن من حل كل أوجه الاختلاف بين البلدين، ولا سيما المتعلقة بسوريا. ويبدو أن أنقرة وموسكو ستكونان في حاجة أولاً للوصول إلى صيغة تفاهم حول القضايا الشائكة، بما في ذلك مستقبل الأسد وعلاقة موسكو مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية، وذلك قبل أن يتقدما نحو إطار عمل جديد لحل الأزمة السورية. ومن المتوقع أن يحمل اللقاء القادم بين إردوغان وبوتين، والذي يتوقع أن يكون في الصين خلال قمة مجموعة العشرين في شهر سبتمبر/ أيلول، قدراً كبيراً من الأهمية في هذا المنحى.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن عملية التقارب الروسي التركي لا تزال تشكل تطوراً شديد الأهمية بالنسبة للشرق الأوسط، إذ إنها قد تسهم في انبثاق حالة توافق إقليمية ضرورية لإيجاد حل للقضية السورية. وبالفعل تعمل روسيا، التي تعد بالفعل لاعباً رئيسياً في سوريا منذ العام الماضي، على تطوير علاقات إستراتيجية مع إيران ومصر وإسرائيل، كما تبقي على قدر ملحوظ من الحوار السياسي مع السعودية وقطر. كما أنها في الوقت الحالي، تعمل من أجل ضمان التقارب مع الولايات المتحدة لكي تبقي على عملية السلام الهشة في سوريا.

وأيضاً تسعى تركيا لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإيران والعراق في إطار عمل متعلق بسياسة جديدة تسمى “مزيد من الأصدقاء، وقليل من الأعداء”. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية والرأي العام أيضاً يشعرون بالإحباط من موقف مسؤولي الاتحاد الأوروبي والمسؤولين الأميركيين تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة، فلا تزال أنقرة مستمرة في تعاونها الوثيق مع حلفاءها في الناتو في الحرب ضد تنظيم داعش. وبناء على ذلك، يُتوقع أن تساعد زيارة جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، القادمة لتركيا، والتي يتوقع أن تكون في أغسطس/ آب، على توطيد أواصر العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

صحيح أن بعض الدوائر داخل تركيا وخارجها تنظر إلى التقارب الأخير بين روسيا وتركيا باعتباره تحدياً أمام الغرب، لأن الدولتين لديهما في الوقت الحالي مشاكل ملحوظة في علاقاتهما مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بيد أنه ينبغي الإشارة إلى أن كلاً من أنقرة وموسكو على دراية أنه ينبغي عليهما أن يعملا سوياً مع دول الغرب لكي يصلوا إلى حل دائم للأزمة السورية. وعليه، فبدلاً من تفسير المصالحة الروسية التركية بأنها إشارة لتحول محور جديد في السياسة التركية الخارجية، ينبغي أن نعتبر تطبيع العلاقات بين روسيا وتركيا جزءاً لا يتجزأ من إطار عمل إقليمي موسع في الشرق الأوسط، وهو لا يضم دول المنطقة وحسب، بل أيضاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.