سياسات الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط: التغيُّرات والتَّبعات على السياسات الإقليمية

تمهيد: أصبح التحوُّل باتجاه سياسة اليمين المتطرِّف وزيادة دعم الاستبداد اتجاهَيْن يميِّزان السياسات الدولية. ويمكن ربط هذين الاتجاهين بظاهرة تراجع الليبرالية؛ حيث إنَّ وعودها بالازدهار الاقتصادي والديمقراطية التقدُّمية لم تنتقل إلى حيز التنفيذ. ويتجلَّى أثر هذين الاتجاهين عند النظر في سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد مِصر في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني. خلال السنوات الثماني الماضية، اتسمت سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه مصر بسِمتين: غضّ الطَّرف عن انتهاكات حقوق الإنسان غير المسبوقة التي ارتكبها النظام، والتركيز على تحقيق مكاسب اقتصادية عن طريق الصفقات التجارية، وممارسة تدابير إصلاح هيكلي ضخمة بغضِّ النظر عن تأثيرها في الشعب المصري. وعلى الرغم من ذلك، فمن المتوقَّع أن يؤدي هذا الاتجاه الحالي إلى زيادة التوتُّر السياسي والاجتماعي-الاقتصادي في كلٍّ من دول الاتحاد الأوروبي ومصر، وسيضع المنطقة في دائرة عنفٍ جديدة.

مقدِّمة 

شهِد العالم تقلُّبات مستمرَّة على مدار العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، ويتحدَّد ذلك بحسب الحدث الذي نعتبِره نقطة تحوُّل فعليَّة. ومن ذلك: ظهور النيولبرالية ووصولها إلى الهيمنة العالمية، حيث تُحكِم قبضتها على دولة تلو الأخرى من خلال هيمنة المؤسسات التي تملك الكلمة الأخيرة في الاقتصاد العالمي؛ متمثِّلةً في صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية (WTO). والمعارك التي ظفرت بها الأحزاب والجماعات اليمينيَّة المتطرِّفة وأتباعها من السياسيين، في جميع أنحاء العالم، ولكن بصورة ملحوظة ومخيفة أكثر في الديمقراطيات الغربية. وتوسُّع الحرب على الإرهاب واشِتدادها رغم فشلها فشلًا ذريعًا فاضحًا لأكاذيب النجاحات التي يستخدمها السياسيون لتسويق مساعيهم وترويجها إلى مواطنيهم الساخطين. واستمرار تصاعد العنف اليميني المتطرِّف والميليشيات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط. وتُعَدُّ هذه الاتجاهات الرئيسة التي تشكِّل الاقتصاد والسياسة العالمية، وكذلك حياة الناس اليومية في الوقت الحالي.

وفي مستهلِّ العقد الحالي، هبَّت رياح التغيير على الشرق الأوسط، موطن بعض أكثر الديكتاتوريات الضاربة بجذورها، سواء أكانت جمهوريات عسكرية أم ملكيات قبليَّة أم إمارات أم مشايخ. لكن ما بدا كأنَّه ربيع الأمل، لم يلبث إلَّا أن اجتاحه صيفٌ حار ملتهب من الفوضى والحرب الأهلية، بعضها لا تلوح نهايته في الأفق، وبعضها ينتهي بأحلامٍ محطَّمة بل وعودة ديكتاتورياتٍ أكثر شراسةً وانتقامًا.