قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية

أربعة انتخاباتٍ للكنيست في أقل من عامين، ويبدو أن إسرائيل مقبلةٌ على انتخاباتٍ خامسة، هذا ما ترجِّحه نتائج الانتخابات الإسرائيلية الحالية.

من المنتظر أن يبدأ الرئيس الإسرائيلي رأوفين ريفلين يوم الاثنين مباحثاته مع الأحزاب السياسية من أجل الاستقرار على مَن يختاره الرئيس لهذه المهمَّة، ليكلِّفه بها يوم الأربعاء القادم حسب التوقعات. ورغم أن القانون الإسرائيلي لا يتضمَّن ما يُلزم الرئيس باختيار زعيم الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد (نتنياهو 30 مقعدًا)، فإن العرف قد درج على تكليف زعيم الحزب صاحب أعلى المقاعد وإعطائه مهلة قدرها شهر لتشكيل الحكومة، تُمدَّد لشهر آخر إن لم يتمكَّن في الشهر الأول، فإن لم ينجح في مهمته يكلِّف الرئيس شخصيةً جديدةً بالمهلة نفسِها، فإن فشل كذلك يختار الكنيست شخصًا ثالثًا، وفي حال فشله تتمُّ الدعوة إلى انتخاباتٍ ثالثة في خلال ثلاثة أشهر.

إن التصريحات الصادرة عن القوى السياسية كافةً في إسرائيل تُعبِّر عن سعي الجميع لتجنُّب الذهاب إلى انتخاباتٍ جديدة، إلَّا أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات لن تؤدي على الأرجح إلى تجنُّب هذا السيناريو. إذ لم يفز أيٌّ من المعسكرين المتصارعين (مع نتنياهو 52 مقعدًا/ لا لنتنياهو 57 مقعدًا) بعدد المقاعد المطلوبة لتشكيل حكومة تحظى بموافقة الكنيست (61 صوتًا). وقد عكست نتائج الانتخابات خسائر واضحة بالنسبة إلى الأحزاب الكبيرة مقارنة بالانتخابات السابقة (مارس 2020)؛ فتراجع حزب الليكود من 36 مقعدًا إلى 30 مقعدًا في هذه الانتخابات، وتراجع حزب أزرق أبيض بزعامة بني جانتس من 33 مقعدًا إلى 8 مقاعد فقط.

وبغض النظر عن خطأ الاستراتيجية التي اتبعتها الأحزاب الكبيرة في دعايتها للانتخابات أو الأزمات الداخلية والجمود السياسي الذي أدى إلى خروج النتائج على ما جاءت عليه، فإن الواضح أن عملية التفتُّت الحاصلة التي أدت إلى تمكُّن 13 حزبًا من تجاوز عتبة دخول الكنيست (3.25% أي 4 مقاعد على الأقل) مقابل 8 أحزاب فقط في الانتخابات السابقة سوف تصعب من مهمَّة تشكيل الحكومة، إن لم تجعل الأمر مستحيلًا، في ظل الاختلافات الأيديولوجية الكبيرة بين الأحزاب السياسية، خاصةً في تكتل لا لنتيناهو الذي يضمُّ قوى متباينةً من اليمين والوسط واليسار.

يبدو هنا أن الحزبَيْن اللذين وقفا قبل الانتخابات موقف الحياد بين الكتلتَيْن الرئيستَيْن (مع/ضد نتنياهو): حزب يمينا بقيادة نفتالي بينيت وهو حزب يميني، والقائمة العربية الموحَّدة برئاسة منصور عباس وهي الممثلة للشق الجنوبي للحركة الإسلامية في أراضي 48، قد يكونان أكبر الرابحين من موقفهم ذلك؛ وهو الذي يظهر من خلال الإغراءات التي تُقدَّم للحزبَيْن.

بالنسبة إلى حزب يمينا الفائز بـ 7 مقاعد، فعلى الرغم مما صدر عن مصادر داخل الحزب بأن الحزب لن يوصي بلبيد ليكون رئيسًا للوزراء[1]، فإن ذلك -وفقًا لتقرير إخباري- لم يمنع لبيد الذي حلَّ حزبه “يوجد مستقبل” ثانيًا بـ 17 مقعدًا من أن يرسل رسالةً إلى حزب يمينا مفادها إمكانية قبوله بحكومة يكون فيها بينيت رئيسًا للوزراء، إذا تعهد الأخير بعدم الانضمام لحكومة يقودها نتنياهو، ولم يوضح التقرير إن كان عرض لبيد يعني أن ينفرد بينيت برئاسة الوزراء أم يتناوب عليها هو وبينيت. في السياق نفسِه، فإن جدعون ساعر رئيس حزب أمل جديد اليميني والمنشق عن الليكود والفائز بـ 6 مقاعد يحاول التوسط لتكوين ائتلافٍ حكوميٍّ يتناوب فيه بينيت ولبيد على رئاسة الوزراء. وفي الوقت نفسِه، تلقى بينيت عرضًا سخيًّا آخر من الليكود خلاصته أن يمنح نواب حزب يمينا السبعة مناصب رفيعة في الحكومات التي تُشكَّل، وأن يصبحوا على قائمة الليكود في الجولتين الانتخابيتين القادمتين، ما يعني اندماج حزب يمينا ضمن الليكود[2].

من الواضح أن بينيت يستغلُّ حاجة الكتلتَيْن إليه لتحقيق أكبر المكاسب الممكنة؛ فقد التقى بنتنياهو مساء الجمعة 2 أبريل لمدة 3 ساعات كاملة، وكانت التصريحات بعدها دبلوماسيةً بالأساس، وتتمحور حول ضرورة تشكيل حكومة مستقرة وبسرعة، كما أنه سوف يلتقي بلبيد يوم السبت 3 أبريل. إن معسكر لا لنتنياهو الذي أصبح مسماه معسكر التغيير في أعقاب الانتخابات لديه مخاوف بأن بينيت قد أبرم بالفعل صفقة أو ينوي ذلك مع نتنياهو، وأن لقاءاته مع معسكر التغيير مجرَّد مناورة تهدف بالأساس إلى الضغط على نتنياهو والحصول منه على أفضل عرض ممكن، خاصةً أن التقديرات تشير إلى أن بينيت يخشى أن يكون انضمامه لمعسكر التغيير سببًا في فقدان قبضته على اليمين[3]، وتعزيز فرص اليسار في أي انتخاباتٍ قادمة، خاصةً أن هذا المعسكر يضمُّ حزبي اليسار: العمل (7 مقاعد) وميرتس (6 مقاعد)، اللذين تمكَّنا من رفع مقاعد اليسار في هذه الانتخابات 13 مقعدًا مقارنة بـ 8 مقاعد في الانتخابات السابقة.

لكن مقاعد بينيت السبعة لن تكون كافيةً لنيل ثقة الكنيست، وهذا ينقلنا إلى القائمة العربية الموحدة، وهي صوت الحركة الإسلامية الشق الجنوبي، فقد فازت القائمة التي يترأسها منصور عباس بـ 4 مقاعد، وبهذه المقاعد الأربعة أصبحت القائمة بمثابة رمانة الميزان في الصحافة الإسرائيلية. وقد بدا عباس في خطابه (الخميس 1 أبريل) وكأنه يغازل الليكود دون أن يفصح عمَّن سترشحه قائمته لدى الرئيس ريفلين لمهمَّة تشكيل الحكومة: “إنني أمد يدي باسمي واسم كل أصدقائي من الجمهور العربي الذي انتخبنا من أجل حياة مشتركة.. نحن غير منحازين لأية كتلة، فهذا وقت التغيير”. وقد أثار خطاب عباس ردود فعل متباينة بين المتدينين المؤيدين في أغلبهم لنتنياهو بين رفضٍ للتعاون مع من يرفض من الأصل وجود إسرائيل (الحاخام حاييم دروكمان)، أو قبولٍ بالتعاون مع القائمة العربية على أساس المصالح المشتركة (الحاخام يتسحاق شيلات)[4]، أو الحاخام كافينسكي الزعيم الروحي للتيار الحريدي لليهود ذوي الأصول الليتوانية، والذي فضَّل التعاون مع العرب على التعاون مع اليسار الإسرائيلي؛ لِما بين الحريديم والعرب من قيمٍ دينية مشتركة، كاحترام الدين وقيم الأسرة والحفاظ على التقاليد[5].

لم يختلف الأمر بين السياسيين في معسكر نتنياهو؛ فبينما أيَّد ميكي زوهر عضو كنيست عن الليكود، والوزير تساحي هنجبي، إمكانية التنسيق مع القائمة العربية لتجنيب إسرائيل انتخاباتٍ خامسة، هاجم شلومو قرعي عضو كنيست آخر عن الليكود، وبتسلئيل سموطريتس رئيس الصهيونية الدينية الفائز بـ 6 مقاعد، هاجما تلك الأصوات التي تدعو إلى التنسيق مع مؤيدي الإرهاب[6]. وقال سموطريتس: “إن إقامة حكومة تعتمد على القائمة العربية هي كارثة ووصمة عار على الأجيال القادمة، ولن نسمح لذلك أن يحدث”، كما دعا كلًّا من بينيت وساعر لترك الحسابات الشخصية جانبًا والانضمام إلى كتلة اليمين من أجل تشكيل حكومة يمينية حقيقية[7].

وتبدو فرصة عرب 48 الفائزين جميعًا بـ 10 مقاعد (رغم خسارتهم خمسة مقاعد هذه المرة) للتأثير في السياسة الإسرائيلية كبيرةً للغاية هذه المرة إن أحسنت استغلالها؛ فالقوائم العربية الفائزة لو قررت مثلًا الوقوف على الحياد وعدم التصويت لصالح أي حكومة قادمة -وهو ما لن يحدث غالبًا- فإن ذلك سيعيق أيًّا من الكتلتَيْن عن تشكيل حكومة جديدة.

في ظل المعطيات السابقة، يبدو احتمال الذهاب إلى انتخاباتٍ خامسة هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا في ظل الخلافات الكبيرة بين الأحزاب الإسرائيلية، لكن توقيت الانتخابات سيكون مرتبطًا إمَّا بعدم قدرة الأحزاب على تشكيل ائتلافٍ حكوميٍّ في غضون 6 أشهر، ومن ثَمَّ يتمُّ الدعوة إلى انتخاباتٍ جديدة بعد ذلك بثلاثة أشهر، وإمَّا بفشل شبه مؤكد لأيِّ حكومة قادمة، وحينها يصبح تحديد موعد الانتخابات القادمة مرهونًا بموعد سقوط الحكومة. وفي تصريحٍ لها لقناة كان الإخبارية في 31 مارس، قالت أورلي عدس مديرة لجنة الانتخابات المركزية: “لقد انتهينا بالأمس من تصميم مظاريف الانتخابات للكنيست الخامسة والعشرين. لكننا نحتاج فقط إلى راحة لأسبوع أو أسبوعين لاستكمال بقية الاستعدادات”[8].

أما بالنسبة إلى نتنياهو الذي تولَّى رئاسة الحكومة الإسرائيلية بنسبة 20% من عمر دولة إسرائيل، فإنه وإن كانت تصريحاته تسير في نفس مسار تجنُّب الذهاب إلى انتخاباتٍ جديدة، إلَّا أنه لن يدَّخر جهدًا للبقاء في هذا المنصب خوفًا من الملاحقة القضائية، وإن اضطره ذلك للذهاب إلى انتخاباتٍ وراء أخرى.


 

[1]   גורמים בסביבת בנט: ימינה לא תמליץ על לפיד לראשות הממשלה. (הארץ 1/4/2021) https://www.haaretz.co.il/news/elections/.premium-1.9673143

[2] نتنياهو لساعر وبينيت: “عودا إلى البيت” لتشكيل حكومة يمين بقيادة الليكود. (The Times of Israel 1 / 4 / 2021)

https://ar.timesofisrael.com/%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%b9%d8%b1-%d9%88%d8%a8%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%aa-%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a7-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%aa-%d9%84/

[3]   בנט אחרי הפגישה עם נתניהו: “אמשיך במאמצים להקמת ממשלה טובה לישראל”. (מעריב 2/4/2021) https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-831447

[4]   מנסור עבאס נשא לאום מיוחד: “לא שייכים לאף גוש. זה הזמן לשינוי”. (מעריב 1/4/2021) https://www.maariv.co.il/elections-2021/Article-831138

[5]   הרב קניבסקי: עדיף ללכת עם הערבים מאשר עם השמאל. (موقع القناة 12 الإخبارية 1 / 4 / 2021)

https://www.mako.co.il/news-israel-elections/2021_q2/Article-52566b5536e8871027.htm?Partner=searchResults

[6]   עמית סגל: סמוטריץ’ שולל לחלוטין הקמת ממשלה בתמיכת עבאס: “תוציאו את זה מהראש”

. (موقع القناة 12 الإخبارية 25 / 3 / 2021) https://www.mako.co.il/news-israel-elections/2021/Article-422a144f6586871026.htm?sCh=31750a2610f26110&pId=173113802

[7]   סמוטריץ’ אחרי נאום עבאס: “לא נהיה שותפים לשום ממשלה שתסתמך על רע”ם או על תומכי טרור אחרים”. (موقع القناة 12 الإخبارية 2 / 4 / 2021)

https://www.mako.co.il/news-israel-elections/2021/Article-4f12c238db19871026.htm?sCh=31750a2610f26110&pId=173113802

[8]   https://twitter.com/kann_news/status/1377168580156878849