(تمت ترجمة هذا النص من النسخة الإنجليزية الأصلية)
المقدمة
في خضمّ الأزمة الأليمة التي تشهدها غزّة التي تبوّأت الصدارة في السياسات الشرق-أوسطيّة، وفي أعقاب عشرات الهجمات التي شنّتها الميليشيات المدعومة إيرانيًّا على القواعد الأمريكيّة في كلٍّ من العراق وسوريا، فإنَّ هنالك شائعات تروج من جديد بأنّ هناك انسحابًا أمريكيًا من البلدين الآنف ذكرهما. بيد أنّ المسألة لا تزال أبعد ما تكون عن الوضوح حتى الآن. ففي أعقاب الضربات الانتقاميّة التي قامت بها الولايات المتحدة ضدّ قوات الحشد الشعبيّ التي أودت بحياة قادة رفيعي المستوى في قوات الحشد الشعبيّ، التقى رئيس الوزراء العراقيّ محمد شياع السودانيّ بمسؤولين من التحالف الدوليّ لمحاربة داعش الذي تقوده الولايات المتحدة لإنهاء مهام التحالف في العراق. وفي أعقاب اللقاء، صدر بيان عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقيّ جاء فيه: “سيقوم الخبراء العسكريون بالإشراف على إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي ضد داعش بعد عقدٍ من بدايته وبعد نجاحه في تحقيق مهمته المرجوة بالتعاون مع القوات الأمنيّة والعسكريّة العراقيّة[1]“.
لطالما طالب المسؤولون العراقيّون دومًا الولاياتِ المتحدة بالانسحاب من العراق منذ اغتيال قاسم سليماني، وهو قائد فيلق القدس الإيرانيّ؛ الجناح الخارجي للحرس الثوريّ الإسلاميّ، في بغداد بداية عام 2020. وادَّعوا، في الآونة الأخيرة، أنَّه بما أن تنظيم الدولة (داعش) ليس له سيطرة إقليمية في البلاد وأنَّ التهديد قد تراجع بصورة كبيرة، فليس ثمَّة حاجة لأن تبقى الولايات المتحدة في البلاد. إذ إنَّ الانسحاب الأمريكيّ السابق قد باء بالفشل بعد خروج القوات الأمريكيّة من العراق عام 2011؛ إنهاءً للوجود العسكري الذي جاء على إثر الغزو الأمريكيّ للعراق عام 2003. وبعد انسحاب عام 2011، فسرعان ما ساء الوضع الأمنيّ في البلاد، وذلك نتيجة السياسات الطائفية لرئيس الوزراء العراقيّ آنذاك نوري المالكيّ، والتي أفضت إلى صعود تنظيم داعش في البلاد. وقد استولى التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي، بما في ذلك ثاني أكبر مدينة في العراق، مدينة الموصل، في فترة زمنية قصيرة للغاية في يونيو 2014. ومن ثم جاء بعد ذلك إعلان الخلافة. ثمّ، عادت الولايات المتحدة إلى العراق في عام 2014، مشكِّلةً التحالف الدوليّ ضد داعش، وظلّت قائمةً في البلاد حتى يومنا هذا، رغم إعلان العراق النصر في القتال ضد داعش وإنهاء سيطرة التنظيم على الأراضي في البلاد أواخر عام 2017[2]. ويجدر بالذكر هنا أنَّ القوات الأمريكية المتمركزة في العراق والبالغ عددها 2500 جندي تضطلعُ بأدوار استشاريّة وتدريبيّة؛ أي إنّهم لا يمتلكون أيّة مهمة قتالية.[3]
عواقب الانسحاب الأمريكيّ المحتمل من العراق
والحال أنَّ الانسحاب الأمريكيّ المحتمل من العراق على خلفيّة ضغط هجمات الجماعات المدعومة إيرانيًّا على القواعد الأمريكيّة سيعني تسليم البلاد بالكامل إلى إيران؛ وذلك بسبب نفوذ طهران الكبير في المشهد العراقيّ، سياسيًّا وعسكريًّا. إنّ سيناريو كهذا لن يكون مرحَّبًا به سواء من قبل أربيل أو تركيا المجاورة. إذ بقيت أربيل، لفترة طويلة، عاصمة إقليم كردستان العراق، تحت ضغط هجمات الميليشيات المدعومة من طهران. وبغض النظر عن هذا، تعاني أربيل من مشاكل اقتصادية، بل إنها غير قادرة على دفع رواتب[4] موظفي الحكومة بسبب الخلافات المتعلقة بالميزانية مع بغداد.
كما أنّ المحكمة الاتحادية العليا العراقية تضغط على أربيل من خلال أحكام عديدة بشأن قضايا مختلفة تتراوح من الاقتصاد إلى السياسة. ومن المعروف بالضرورة أنَّ المحكمة الفيدرالية تخضع لنفوذ إيران، وإيران تقلقل الوضع المستقل لإقليم كردستان العراق من خلال أحكام الأخيرة. وعلى خلفيّة الوضع الخطير في إقليم كردستان، كتب مسرور بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، رسالة إلى واشنطن[5]، دعا فيها إلى الوساطة الأمريكية، اجتنابًا لانهيار إقليم كردستان. وزار، في الآونة الأخيرة، رئيس الوزراء الكردي ّ واشنطن[6] مع الوفد المرافق له لحضور الاجتماعات. وأمَّا الغرض من الضغوط الاقتصادية والقضائية التي تمارسها بغداد فهو تركيع أربيل والاستسلام للمسار السياسيّ في طهران. ويخشى المسؤولون الأكراد في العراق من أن يؤدي الانسحاب المحتمل للقوات من البلاد إلى الإضرار بوضع الحكم الذاتيّ لإقليم كردستان العراق. وهكذا، فإنّ مثل هذا الوضع يتعارض بصورة كبيرة مع مصالح تركيا، آخذين بعين الاعتبار علاقة أنقرة القوية مع أربيل في ملفات مختلفة، من الاقتصاد إلى الأمن.
تعمَّقت المنافسة الجيوسياسيّة[7] بين أنقرة وطهران في المنطقة على مدار السنوات الماضية. ونظرًا لهذا السبب، فإنّ أنقرة لا تريد أن تكون العراق -سيّما المناطق السنيّة التي كان لأنقرة شيءٌ من النفوذ فيها تاريخيًا- أو أربيل واقعتين تحت الإمرة الإيرانيّة بالكامل. وفي حقيقة الأمر، فقد عقدت تركيا اجتماعات مع قادة قوات الحشد الشعبي مؤخرًا في العراق وأنقرة. ويشكل مشروع طريق التنمية -الذي لا تمثل إيران طرفًا فيه- جزءًا رئيسيًّا من المناقشات بين الجانبين. ولما كانت طهران قادرة بصورة كافية على تعطيل تحقق هذا المشروع؛ فإن أنقرة تسعى إلى التوصل لاتفاق مع كافة أطراف الحكومة العراقية، بما في ذلك قادة قوات الحشد الشعبي المدعومة إيرانيًا. حريصةٌ هي تركيا على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع قادة قوات الحشد الشعبي؛ لأن تركيا لا تود أن تُعطّل قوات الحشد الشعبي أو تضرّ بمشروع طريق التنمية، وهو المشروع الذي سيعمل على تنويع الاقتصاد العراقي. وعلى هذا النحو، تسعى تركيا إلى الحفاظ على مصالحها في العراق وتقديم قوات الحشد الشعبي كبديل، رغم أنه يكاد يكون من المستحيل على قوات الحشد الشعبي أن تتحرك خارج الفلك الإيراني كاملًا.
بزوغ عالم متعدد الأقطاب وانحسار الموثوقية الأمريكية
دائمًا ما كان المسؤولون الأمريكيون، قبل السابع من أكتوبر، يؤكدون أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت اليوم أكثر هدوءًا مما كانت قبل عقدين[8]. وقد اتضح أن هذا التقييم كان مخطئًا فيما يتعلق بعملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس، مما اضطر الولايات المتحدة إلى إعادة التركيز على الشرق الأوسط، رغم أنها قد منحت، لفترة طويلة، الاهتمام والأولوية لمنطقتي المحيط الهادئ والمحيط الهندي بسبب تنافس القوى العظمى مع الصين. تسعى كلٌّ من روسيا والصين على زيادة نفوذهما في الشرق الأوسط، ولو من خلال استراتيجيات ومجالات متباينة. علاوة على ذلك، فإن النظام العالمي متعدد الأقطاب[9] يلوح في الأفق يومًا وراء يوم. ومن غير المرجح، في هذه الأثناء، أن تشرع الولايات المتحدة منسحبة من العراق، إذ إنه أمر من شأنه أن يضر بمصداقيتها في نظر حلفائها. ويشكل الانسحاب الكارثي من أفغانستان تذكيرًا صارخًا في هذا الصدد. إن كثيرًا من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستفيد من التنافس بين القوى العظمى وتقيم علاقات متنامية مع روسيا والصين. وعليه؛ فإن تقليص الوجود لا يعني انسحابًا كاملاً للولايات المتحدة.
بمعنى ثانٍ، نظرًا إلى أزمة غزة (الوضع الإقليمي)، وبزوغ عالم متعدد الأقطاب بالأخذ في الاعتبار صعود روسيا والصين (الوضع الدوليّ)، والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فإن الأمر لم يعد كذلك. ومن المرجَّح للغاية فيما يبدو أن يأمر الرئيس بايدن بالانسحاب من العراق، في الفترة القريبة على أقلّ تقدير. ولعلّ الهدف من إجراء مناقشات حول إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق مع رئيس الوزراء العراقي، لم يكن سوى فتح مجال له للمناورة في مواجهة ضغوط الميليشيات المدعومة من طهران[10] على الحكومة العراقية.
المشهد السوريّ والانسحاب الأمريكيّ المحتمل
أمَّا الوضعُ في سوريا، فليس بأقلّ تعقيدًا. حيث يعني سحب القوات الأمريكية من سوريا التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية التي يمثل عمودها الفقريّ وحدات حماية الشعب، وهي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. والحال أنّ واشنطن لطالما دعمت التنظيم وبقوة منذ عام 2015 في إطار القتال ضد داعش في سوريا. ويوجد حاليًا حوالي 900 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا. وعلى الرغم من أن انسحاب هذه القوات قد يبدو تطورًا إيجابيًا بالنسبة إلى تركيا المجاورة لأوّل وهلة، إلا أن الانسحاب غير المنسَّق المماثل لسيناريو الانسحاب المفاجئ[11] كما في أفغانستان سيعني فتح مساحة أكبر لإيران وروسيا في سوريا. وحاليًا، ما يفصل بين القوات الأمريكية والميليشيات المدعومة إيرانيًّا هو نهر الفرات. يقع كلا الجانبين على ضفاف النهر المختلفة. وما أن تنسحب القوات الأمريكية، فإن الميليشيات المدعومة إيرانيًا سوف تتحرك من الضفة الغربية للنهر إلى الجزء الشرقي لملء الفراغ. لقد كان شرق سوريا يمثل منذ فترة طويلة نقطة ضعف قوات سوريا الديمقراطية. فقد وقعت اشتباكات بين العشائر العربية في دير الزور – المرتبط بعضها النظام – وقوات سوريا الديمقراطية لأسابيع بدءًا من أيلول 2023، وأسفرت الاشتباكات عن سقوط عشرات الضحايا والعديد من الجرحى من الطرفين. والحال أنّ إيران مستعدة لأن تستغلّ الانسحاب بالاستفادة من هذه القبائل أيضًا. ووفقًا لما ورد، فإن “قائد الحرس الثوري الإيرانيّ، حاج مهدي، هو المسؤول عن عمليات طهران في دير الزور، ويعمل بكل كفاءة على تجنيد القبائل[12]“.
وعلى الرغم مما يتردد من أن الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا بعد تأكدها من التوصل إلى اتفاق[13] بين حزب الاتحاد الديمقراطيّ وقوات سوريا الديمقراطيّة ونظام الأسد، بيد أنّ تصريحات الجانب الكردي تظهر خلاف ذلك الأمر. فقد ادعى مظلوم عبدي، وهو قائد قوات سوريا الديمقراطية، أن الولايات المتحدة لم تُشِر عليه بفتح قنوات مع دمشق من أجل الحماية حال الانسحاب. أضف إلى ذلك، أكد عبدي أنه تلقى “تأكيدات مشددة”[14] من المسؤولين الأمريكيين بأن الانسحاب الأمريكي من سوريا ليس مطروحًا للنقاش. وفي أوائل آذار/مارس، زار قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إريك كوريلا شمال شرق سوريا في جولته الإقليمية لمراقبة الوضع الأمنيّ في المنطقة[15] بصورة مباشرة والتقى بشركائه على الأرض. كما زار مخيمي الروج والهول الذي يؤوي عوائل معتقلي تنظيم داعش.
ويجدر بالذكر أيضًا أن الولايات المتحدة عارضت، إلى الآن، الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية/حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد. فضلًا على ذلك، تعارض رسميًا الولايات المتحدة شرعنة نظام الأسد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. فمثلًا، وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون[16] يمنع الولايات المتحدة من التطبيع مع نظام الأسد. كما يوسع مشروع القانون من عقوبات قيصر[17] المفروضة على سوريا.
وفي حال أنّ هذا هو الوضع في الولايات المتحدة، فليس بيِّنًا ما إذا كانت واشنطن ستقرر اتخاذ قرار الانسحاب، وهي خطوة لها أن توفر للأسد شرعية أكبر وتعزز حلفاءه في سوريا. كما يبقى غامضًا ما إذا كانت الولايات المتحدة قد قررت مؤخرًا تغيير موقفها تجاه الأسد، وإذا كان كذلك، فما الذي أفضى، بالضبط، إلى هذا القرار. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغيير مسار سياستها تجاه سوريا حتى الآن سيعني إفلاس سياسة واشنطن تجاه سوريا وقبولًا ضمنيًا بصحة مواقف روسيا وإيران فيما يتعلق بسوريا. وواشنطن، في الوقت الحالي على الأقل، يبدو أنها تتجنب أن تنجر وتنقاد إلى مثل هذا الموقف.
لقد شدد مظلوم عبدي، وهو قائد قوات سوريا الديمقراطية -التي تمثل أيضًا الحليف الرئيس للولايات المتحدة في سوريا- مؤخرًا أنهم لا يريدون أن تكون مناطقهم ساحة عراك[18] بين الولايات المتحدة وإيران. غير أن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية[19] أضحت بالفعل أهدافًا للميليشيات المدعومة إيرانيًا. حتى إن قوات سوريا الديمقراطية فقدت ستة أعضاء في هجوم للميليشيات المدعومة إيرانيًا. وقد زادت طهران تدريجيًا من نفوذها في سوريا منذ اندلاع الصراع في البلاد. ولذلك، فمن المرجح للغاية أن يعطي الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا -في حالة لم يتم التنسيق مع تركيا؛ صاحبة الوزن الثقيل في الأزمة السورية- اندفاعة أكبر لإيران في المقام الأول تليها روسيا لزيادة نفوذهما في البلاد. وحين تنسحب الولايات المتحدة من سوريا، فمن الراجح أن يميل ميزان القوى لصالح حلفاء الأسد ويكون الوضع ضد تركيا. هذا لا سيما إذا قامت الولايات المتحدة، كما يُزعم، بإجبار قوات سوريا الديمقراطية/حزب الاتحاد الديمقراطي على المصالحة مع نظام الأسد ومنحت دمشق الاعتراف الدستوري لحزب الاتحاد الديمقراطي/قوات سوريا الديمقراطية، وهو الأمر الذي يبدو مستبعدًا إلى حد كبير في الظروف الحالية، فإن أنقرة ستشعر بالانزعاج الشديد من خطوة كهذه. إن حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية قد أبرما اجتماعات عديدة مع نظام الأسد[20] على مدار السنوات الماضية.
بيد أن المفاوضات بين الجانبين بقيت غير محسومة، ولم يتحسن الوضع منذ ذلك الحين. أضف إلى ذلك، فإن الأسد اكتسب شرعية أكبر في العالم العربيّ، وهو يفكر الآن في أن تكون له اليد العليا في وجه أية مفاوضات في البلاد؛ مما يقلل من احتمال التوصل إلى اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام، في المستقبل القريب على الأقلّ.
والحال أنّه في سيناريو انسحاب محتمل مفاجئ وغير منسق، فليس هنالك ريب في أن نظام الأسد وحلفاءه سيكونون أشد اجتراء على مهاجمة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. ومنذ مطلع عام 2020، وحدود مناطق النفوذ في سوريا لم يصبها تغير. إن توازن القوى الحالي على الأرض يجعل من المكلف للغاية بالنسبة إلى الجهات الفاعلة المشاركة في الصراع مهاجمة خصومها. وحال انسحبت الولايات المتحدة، فإن توازن القوى هذا سوف يُعطَّل، وسيمسي نظام الأسد وحلفاؤه أكثر اجتراءً على مهاجمة المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة السورية. وستكون مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة, وإدلب التي تستضيف أكثر من 4 ملايين شخص، في خطر كبير حال تحقق هذا السيناريو. وقد يؤدي الهجوم المحتمل على مناطق سيطرة المعارضة إلى كارثة إنسانية جديدة في وقت ما تزال فيه مأساة غزة تتضح وتنجلي أكثر وأكثر. ولن يكون تدفق اللاجئين الجدد نحو تركيا سيناريو بعيد المنال في مثل هذه الحالة. ولن يؤثر مثل هذا السيناريو الكارثي على أنقرة فحسب، وإنما سيؤثر أيضًا على الدول الأوروبية.
خلاصة
اختصارًا: ما من ريب في أن الانسحاب غير المنسق والمفاجئ سيضع أنقرة في موقف إشكالي. وعليه؛ فإن السؤال المطروح هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ مثل هذا الإجراء اللاعقلاني في زمن بدأت العلاقات بين أنقرة وواشنطن تتحسن فيه.
لقد زار وزير الخارجية التركيّ، هاكان فيدان، مؤخرًا واشنطن مع وفده بدعوة من الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الآلية الاستراتيجية الأمريكية-التركية. وكان رئيس المخابرات التركية، إبراهيم كالين، موجودًا أيضًا في الولايات المتحدة للقاء نظيره ويليام بيرنز[21]. وعقب اجتماع بلينكن وفيدان، صدر بيان إيجابي[22] مشترك بينهما. إذ أكد الطرفان على تصميمهما المشترك على مكافحة الإرهاب. أضف إلى ذلك، حدثت تطورات إيجابية حاسمة، مثل حل مشكلة طائرات F-16، بعد موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي. وأيضًا لم تغلق الولايات المتحدة الباب تمامًا فيما يتعلق بعودة تركيا إلى برنامج F-35. وأعرب الجانبان عن إرادتهما زيادة حجم التجارة بين أنقرة وواشنطن إلى 100 مليار دولار، وهي التي تبلغ حاليًا أكثر من 30 مليار دولار[23].
ويبدو أنه في هذه الأثناء التي تتحسن العلاقات فيها بسرعة بشأن هذه القضايا الحاسمة، ليس مرجحًا أن تنخرط واشنطن في انسحاب غير منسق وفي غير أوانه من شأنه أن يضر بكل من واشنطن وأنقرة، في المستقبل القريب على الأقل. غير أنه إذا فاز دونالد ترامب في انتخابات 2024، فإن سيناريو الانسحاب، بغض النظر عن التنسيق والوقت، قد يصبح سيناريو أكثر واقعية. إذ يمكن لترامب أن يأمر بسحب القوات الأمريكية من العراق و/أو سوريا، هنالك حيث لا يرى ترامب سوى “الموت والرمال[24]“. وتجدر الإشارة إلى أن العراق هو المركز اللوجستي الرئيس للقوات الأمريكية في سوريا. لكن ما من شك أن الانسحاب من العراق سيؤثر على المشهد في سوريا. وفي مواجهة قرار الانسحاب المحتمل من سوريا، ستقاوم القيادة المركزية الأمريكية بلا ريب. ولكن إلى أي مدًى؟، وإلى متى؟، فإن هذا سؤال آخر. فعندما أعلن ترامب نيته سحب القوات من سوريا، استقال وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، جيمس ماتيس[25]، من منصبه بسبب عدم موافقته على هذا القرار أواخر عام 2018. ومهد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من سوريا الطريق أمام العملية التركية “ربيع السلام” في عام 2019. قد يفضي الانسحاب الأمريكي المُنسَّق من سوريا إلى عملية تركية جديدة في سوريا، مثلما حدث في عام [26]2019. إذ إن تركيا، ومنذ أشهر، تشن هجمات بطائرات بدون طيار على شخصيات تابعة لحزب العمال الكردستاني/قوات سوريا الديمقراطية في سوريا وتستهدف البنية التحتية والمنشآت وحقول النفط[27]، محاولةً لتجفيف المواقع المُدرَّة للدخل لصالح الإدارة الذاتية المسيطر عليها من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي.
وحده الزمن هو الكفيل بتحديد أيّ من السيناريوهات التي ذكرنا هي التي ستحدث حال الانسحاب الأمريكي من العراق وسوريا. أما الآن، فهناك العديد من الشكوك التي تكتنف مثل هذا القرار. وستكون نتائج انتخابات 2024 في الولايات المتحدة حاسمة. بيد أنه لا يزال هناك ما يقرب من عام على الانتخابات في الولايات المتحدة. وهذه الفترة طويلة بشكل استثنائي في الشرق الأوسط المضطرب؛ حيث قد تحدث الكثير من الديناميكيات الإقليمية والدولية الجديدة حتى حلول ذلك الوقت.
[1] – انظر https://twitter.com/IraqiPMO/status/1751207722911928460
[2] – انظر https://www.nytimes.com/2017/12/09/world/middleeast/iraq-isis-haider-al-abadi.html
[3] – انظر https://cv4a.org/the-overwatch/americans-in-iraq-continue-to-be-attacked-despite-non-combat-role
[4] – انظر https://www.rudaw.net/english/kurdistan/051020231
[5] – انظر https://www.al-monitor.com/originals/2023/09/letter-biden-barzani-warns-iraqi-kurdistans-collapse-urges-mediation
[6] – انظر https://gov.krd/english/government/the-prime-minister/activities/posts/2024/february/prime-minister-masrour-barzani-embarks-on-official-visit-to-washington
[7] – انظر: محمد أمين جنكيز، مستقبل العلاقات التركية-الإيرانية: منافسة جيوسياسية واردة أم تصعيد محتمل بين أنقرة وطهرانhttps://research.sharqforum.org/2022/09/20/iranian-turkish-relationship/
[8] – انظر https://www.theatlantic.com/international/archive/2023/10/israel-war-middle-east-jake-sullivan/67558
[9]– انظر https://research.sharqforum.org/2023/11/03/the-gaza-crisis-and-emerging-multipolar-world/
[10]– انظر https://www.voanews.com/a/us-troops-in-middle-east-what-are-they-doing-and-where-/7469452.htm
[11]– انظر https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/syria-withdrawal-turkey-us-h
[12] – انظر https://www.middleeasteye.net/news/kurds-fear-as-they-brace-us-pullout-northern-syr
[13] – انظر https://www.al-monitor.com/originals/2024/01/pentagon-floats-plan-its-syrian-kurd-allies-partner-assad-against-is
[14] – انظر: https://english.aawsat.com/arab-world/4845366-sdf-commander-no-withdrawal-us-forces-sy
[15] – انظر https://english.enabbaladi.net/archives/2024/03/centcom-commander-visits-us-bases-in-syri
[16] – انظر https://www.newarab.com/news/us-lawmakers-pass-anti-assad-syria-anti-normalisation-act
[17] – انظر المصدر السابق.
[18] – انظر https://syrianobserver.com/news/86459/syria-today-sdf-leader-says-syria-shouldnt-become-us-iran-battleground-unga-asks-israel-to-withdraw-from-golan.html
[19] – انظر https://www.al-monitor.com/originals/2024/02/6-kurdish-sdf-forces-killed-iran-linked-attack-syria-base-housing-us-troop
[20] – انظر: https://research.sharqforum.org/2020/06/20/north-and-east-syria/
[21] – انظر https://www.aa.com.tr/en/americas/turkish-intelligence-chief-to-hold-talks-in-us/315536
[22] – انظر: https://tr.usembassy.gov/joint-statement-on-the-u-s-turkiye-strategic-mechanism-2
[23] – انظر: https://www.aa.com.tr/en/turkiye/turkiye-us-have-entered-new-era-in-trade-relations-business-council-head/298634
[24] – انظر: https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/trump-syria-troop-withdrawal-us-sand-death-cabinet-meeting-military-a8709131.html
[25] – انظر https://edition.cnn.com/politics/live-news/james-mattis-resigns/index.htm
[26] – انظر https://www.fpri.org/article/2019/10/operation-peace-spring-and-u-s-strategy-in-syri
[27] – انظر https://research.sharqforum.org/2024/01/17/syria-in-2024-return-to-the-regional-focu