ملخص:
إن انتصار الإصلاحيين في الانتخابات الإيرانية قد حدا بالبعض في الدوائر السياسية الدولية والإقليمية إلى الشعور بشيء من الارتياح. ومع ذلك، فالسؤال لا يزال قائماً حول ما إذا كان الإصلاحيون سوف يكونون قادرين على حيازة السلطة الكافية لتغيير مسار إيران.
تقول هذه الورقة إنه على الرغم من إنجازات الإصلاحيين في الانتخابات، فإن عقبات سوف تواجههم فيما يتعلق بأية محاولات لتطبيع العلاقات الإيرانية مع جيرانها، والولايات المتحدة والغرب، أو تنفيذ أية إصلاحات داخلية كبيرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. هذه العقبات ترجع إلى عدد من العوامل الرئيسية:
أولاً: أن المحافظين المتشددين لا يزالون لاعبين مهيمنين في أكثر المؤسسات السياسية المؤثرة.
ثانياً: أن التحالف الذي كونه الإصلاحيون مع البراغماتيين، تحت زعامة رفسنجاني، تحالف هش لأنه تشكل بناءً على المصالح المشتركة، وقد يكون ضعيفاً لو تعارضت مصالح المعسكرين في المستقبل.
أخيراً: أن تأثير الجمهور على النتائج السياسية محدود، بمعنى أن شعبية الإصلاحيين لن تأخذهم إلى أبعد من هذا.
مقدمة
إن النتائج اللافتة لانتخابات البرلمان ومجلس الخبراء في إيران، التي عقدت في 26 فبراير/ شباط 2016، والتي عقدت جولتها الثانية بتاريخ 28 إبريل/ نيسان 2016، قد أوصلت، بلا ريب، رسالةً واضحةً من الشعب الإيراني يعبر فيها عن رغبته في الإصلاح والتغيير في المشهد السياسي لبلادهم. ذلك أن انتصار الإصلاحيين في البرلمان ومجلس الخبراء يعتبر علامةً على أن المعسكر الإصلاحي يهدف إلى تطبيق سياساته لإصلاح اسياسات الخارجية والشؤون الدولية لإيران.
وتأتي أهمية هذه الانتخابات في توقيتها، إذ جاءت الانتخابات البرلمانية بعد وقت قليل من “إطار صفقة إيران النووية وخطة العمل المشتركة الشاملة” التي وقعت بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى ألمانيا) في شهر يوليو/ تموز 2015، والتي تقضي بالحد من القدرات النووية الحساسة لإيران.
وفي غضون ذلك، وبسبب سوء الأحوال الصحية لخامنئي، يبدو كما لو أن مجلس الخبراء المنتخب الجديد ربما ينتهي به المطاف منتخِباً خليفة خامنئي، إذ أن الوظيفة الأساسية لمجلس الخبراء، دستورياً، هي اختيار المرشد الأعلى لإيران، وهم قادرون على فصله، نظرياً. وعلى الرغم من أن تلك السلطة لم تستخدم قط من قبل، فإن صحة المرشد الأعلى الحالي، البالغ من العمر ٧٦ عاماً، موضع تساءل، وربما يستخدم المجلس سلطته لتعيين مرشد أعلى جديد، قبل نهاية مدة خامنئي، الأمر الذي من شأنه أن يمثل سابقةً في تاريخ إيران ما بعد الثورة.
ومع ذلك، فليست تلك المرة الأولى التي يفوز فيها الإصلاحيون بأغلبية البرلمان. فقد حدث الشيء ذاته في البرلمان السادس عام 2001، الذي جرى بعد أن فازوا بالانتخابات الرئاسية لعام 1997، عندما وصل خاتمي لمنصب الرئاسة، إلا أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم بإصلاح الحياة السياسية والاجتماعية لإيران. ويبقى السؤال بلا إجابة: هل سوف يكون بإمكان الإصلاحيين تحقيق أهدافهم هذه المرة؟ أم أنهم سوف يكررون فشلهم السابق؟
من الضروري، للإجابة على هذا السؤال المهم، أن نفهم العوامل التي ساهمت في الفشل السابق للإصلاحيين، وأن ننظر إن كانت تلك العوامل لا تزال موجودة أم لا. يبدو أن هناك ثلاث عقبات أمام طموحات المعتدلين: أهمها الافتقار إلى داعم داخلي حاسم. وثانيها: تدخل قوات الحرس الثوري. وأخيرا: اللعبة الجيوسياسية.
الافتقار إلى داعم داخلي حاسم
إن أحد العوامل التي مثلت عائقاً خطيراً أمام تحقيق الإصلاحيين لأي إنجاز في الماضي كان عدم تشكيلهم لحزب سياسي قوي يستطيع الوقوف بثبات وراء نخبتهم السياسية الحاكمة. فعلى سبيل المثال، لم يحظ الرئيس محمد خاتمي، خلال فترتيه الرئاسيتين (1997 ـ 2005) بأي دعم حاسم من قبل أي حزب سياسي، على الرغم من حصوله على 70% من أصوات الجمهور، الأمر الذي أضعف من موقفه بشكل كبير.
ترك غياب حزب سياسي قوي في البرلمان الرئيس وحيداً ضعيفاً في مواجهة المحافظين، الذين لطالما كانوا أفضل في تنظيم أنفسهم والاصطفاف مع أحزاب سياسية. لذا فقد اضطر الإصلاحيون دائماً، من أجل تقوية موقفهم، إلى الاعتماد على شخصيات سياسية مؤثرة، مثل هاشم رفسنجاني، إلى جانب الاعتماد على التصويت الشعبي للوصول إلى السلطة من خلال منصب سياسي.
المصوتون
أظهرت التجربة أن دعم الجمهور لا يمكن الاعتماد عليه بسبب طريقة عمل النظام السياسي في إيران. فالجمهور في إيران ليسوا أحراراً في انتخاب المرشحين الذين يريدونهم لأن المرشحين أنفسهم لا يمكن ترشيحهم بحرية ونزاهة. ذلك أنه لا بد من فحص جميع المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو مؤسسة قوية لطالما تحكَّم فيها رجال الدين المحافظون المقربون من المرشد الأعلى. من ذلك أنه تم استبعاد نصف المرشحين المقترحين تقريباً لخوض الانتخابات البرلمانية الحالية، من قبل مجلس حماية الدستور. (سجل 12 ألف مرشح أسمائهم، لكن لم يسمح سوى لـ6200 مرشح منهم بدخول الانتخابات).
وكما ذكرنا بالأعلى، فإن النظام لا يسمح سوى بمساحة صغيرة للتصويت الشعبي لأن يكون له تأثير حقيقي على النتائج السياسية. وحتى لو تغير النظام، فسوف تظل أصواتهم مهمشة. ويترتب على ذلك أن أي فائدة قد يجنيها الإصلاحيون من الدعم الشعبي القوي لهم سوف تظل محدودة. هذه المحدودية يفهمها الجمهور فهماً جيداً، كما أظهرت ذلك الحركة الخضراء في 2009 التي عصت القواعد الانتخابية وحاولت الحث على إحداث تغييرات من خلال مظاهرات الشوارع. ومع ذلك، فإن الحركة قمعت بقوة من قبل الحرس الثوري الإيراني، ووضع قادتها، حسين موسوي، ومهدي كروبي، تحت الإقامة الجبرية. لقد أظهر رد الفعل الوحشي ذلك أن تسامح الدولة مع المعارضة محدود جداً.
هناك عامل آخر له دور في إضعاف قدرة الجمهور على أن يكون له تأثير قوي على السياسات الإيرانية، بالإضافة إلى النظام الانتخابي: وهو غياب مجتمع مدني نشط في إيران والذي يحرم الجمهور من حق التأثير الفعال في تشكيل الأجندة السياسية والاقتصادية لبلادهم. وعادة ما يقال إن وجود مجتمع مدني قوي هو شرط مسبق للحكم على دولة ما إن كانت ديمقراطيتها قويةً أم لا. فكما قال أبو طالبي (2000) فإن تعبير “المجتمع المدني” يستخدم اليوم للإشارة إلى الكيفية التي تعمل بها الأندية الخاصة والمنظمات والمجموعات، كعازل بين سلطة الدولة وحياة المواطنين. لكن في ظل غياب نشطاء فعالين ومنظمين للمجتمع المدني (مثل النقابات العمالية، والجمعيات المهنية، ومجموعات رجال الإعلام، ووسائل الإعلام المستقلة) فإن المجتمع يظل عرضةً للأهواء السلطوية للنخبة الحاكمة. من أجل ذلك، فإن ظهور وفعالية المجتمع المدني تكون ضعيفةً حين يكون المجتمع نفسه غير متطور (مثل انخفاض التطور الاجتماعي الاقتصادي، أو انخفاض نسبة التعليم بين البالغين) أو حين تكون الدولة مهيمنةً بشكل كبير، من خلال سيطرتها على الموارد.
لا تزال تلك المنظمات والمؤسسات هشةً في إيران. إذ يبدو أن النظام الذي يهيمن عليه رجال الدين في إيران لا يزال قادراً على إخضاع المجتمع المدني من خلال تكتيكين اثنين: الأول أن النظام قد وسم جهود خصومه، الذين يريدون توسيع الحقوق المدنية، بأنها غير إسلامية، ما يعني أن أولئك الذين يدعمون مثل تلك المطالب يعتبرون كفاراً هدفهم تفكيك النظام الإسلامي.
ثانياً: خلق النظام كيانات موازية يستطيع الاعتماد على ولائها، مثل مؤسسة المحرومين، ومؤسسة الشهداء، التي قدمت مساعدات مالية واجتماعية ضخمة لفقراء الريف والحضر، ولأسر قدامي المحاربين وأسر شهداء الثورة. كما أن هناك الحرس الثوري وقوات التعبئة (الباسيج)، التي تستخدم كقبضة حديدية لحماية مبادئ النظام الإسلامي وقمع من يشكل تهديداً له، داخلياً أو خارجياً.
وخلاصة القول إن النظام الانتخابي في إيران ليس من المرجح له أن يتغير في المستقبل المنظور، لأن النظام قد أنشأ بالفعل مؤسسات سياسية وظيفية قوية سوف تحافظ على أن يبقى نطاق تصويت الجمهور ضعيفاً قدر الإمكان. إن نسبة الذين يذهبون إلى صناديق الاقتراع في إيران كبيرة مقارنةً بدول ديمقراطية أخرى، لكن حسب الطريقة التي يدار بها النظام الإسلامي، فإن هذه الأصوات تستخدم لتقوية شرعية النظام على حساب المجتمع المدني. ومن ثم، فالإصلاحيون يحتاجون دائماً للحصول على دعم فاعلين سياسيين أقوياء في إيران من أجل تعزيز موقفهم في اللعبة السياسية.
فاعلون سياسيون أقوياء
خلال الفترة الأولى التي تحكم فيها الإصلاحيون بمنصب الرئاسية وأغلبية مقاعد البرلمان، كانوا مدعومين من قبل رفسنجاني ومجموعته البراغماتية. كان رفسنجاني، في ذلك الوقت، قد أنهى فترتي رئاسته وكان لا يزال يتمتع بنفوذ قوي في الساحة السياسية الإيرانية. من أجل ذلك قال ماكي إن رفسنجاني كان:
“يعمل كقوة خلف الكواليس في تناغم مع حزب خدّام البناء، وذلك ربما يسهل تحقيق الكثير من الإصلاحات التي يأمل خاتمي في تحقيقها. لكن لو رأى رفسنجاني تأرجح البندول بعيداً، مهدداً طموحه الكبير في أن يظل لاعباً ذا نفوذ داخل الجمهورية الإسلامية، فقد يصبح هو نفسه عدواً لحدوث الإصلاحات واسعة النطاق، التي يبدو أن المصوتين يريدونها”.
إن ما حاول ماكي إن يشرحه هنا أن البراغماتيين قد ينحازون لطرف آخر، أو على الأقل يظلون محايدين، لو رأوا أن تحالفهم التكتيكي مع الإصلاحيين قد يضر موقفهم. أحد الأمثلة على ذلك ما حدث أثناء الأزمة السياسية التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2009 مباشرة، والتي كانت بين المتشددين، الذين دعموا الرئيس السابق أحمدي نجاد، والحركة الخضراء. تبنى رفسنجاني، في تلك الواقعة، موقفاً حيادياً بوضوح. إن رفسنجاني “يجسد السياسيين الذين يتأرجحون بين دعم الحركة والوقوف بجانب المرشد الأعلى، على خامنئي”. كان الهدف الأكبر لرفسنجاني هو النجاة سياسياً، فقد فهم أنه لم يكن من الحكمة الدخول في مواجهة مباشرة مع أحمدي نجاد خصوصاً مع الدعم القوي الذي كان يتلقاه، من الحرس الثوري الإيراني بشكل كبير، ومن المرشد الأعلى أيضاً إلى حد ما.
ومع ذلك، فإن الموقف قد تغير الآن، إذ تحرك رفسنجاني وجماعته البراغماتية، ناحية الاصطفاف مع الإصلاحيين مرة أخرى. فقد عقدوا ائتلافاً مع الإصلاحيين في انتخابات 2016، بهدف منع المرشحين المتشددين والهيمنة على البرلمان ومجلس الخبراء. ولما كان رفسنجاني أشهر شخصية في التحالف وأكثرها نفوذاً، فقد عرفت قائمة أعضاء ذلك الائتلاف ب”قائمة رفسنجاني”، بدلاً من قائمة الأمل. كان من الواضح أن ذلك الائتلاف سوف يكون ناجحاً، وقد أكدت نتائج الانتخابات ذلك الأمر. فاز المرشحون من قائمة رفسنجاني بـ15 من أصل 16 مقعداً من محافظة طهران في مجلس الخبراء، وحصل رفسنجاني وروحاني على أعلى الأصوات. وفي غضون ذلك، فازت قائمة رفسنجاني ـ روحاني، في الانتخابات البرلمانية، بكل المقاعد الثلاثين في محافظة طهران.
وعلى الرغم من نجاح التحالف في طهران، إلا أن هذا النجاح لم يتكرر في أي مكان آخر في البلاد، بمعنى أن ذلك لم يكن نصراً حاسماً حقاً على المعسكر المحافظ. ومع أن الإصلاحيين، المدعومين من قبل البراغماتيين، لديهم الآن مساحة أكبر للتنفس يستطيعون فيها تطبيق سياساتهم، إلا أنه لن يكون لهم مطلق الحرية في إعادة تشكيل سياسة إيران واقتصادها. لا يزال للمحافظين اليد العليا في معظم المؤسسات السياسية والاقتصادية في إيران، بما في ذلك مجلس الخبراء الذي حافظوا على أغلبية المقاعد فيه، (تقريباً 75% من مقاعد مجلس الخبراء لا تزال تحت سيطرة المتشددين) على الرغم من تفضيل الانتخابات الأخيرة للإصلاحيين.
تدخل الحرس الثوري الإيراني
إن التحدي الأكبر الذي يواجهه الإصلاحيون، مع ذلك، ربما لا يكون تلك القيمة الضعيفة لتصويت الجمهور ولا “زواج المصلحة” مع المعسكر البراغماتي. في الواقع، إن المرجح أن المحافظين الأكثر تشدداً سوف يستمرون في الهيمنة على الحياة السياسية والاجتماعية الاقتصادية لإيران. فالمواقع الثلاثة التي لا يزال المحافظون يهيمنون عليها حصراً هي: المنصب التنفيذي (المرشد الأعلى)، القوات المسلحة (من خلال كبار الضباط)، وأقوى جماعات المصلحة، مؤسسة المحرومين. وكما هو معلوم، فإن البرنامج الانتخابي الرئيسي للإصلاحيين كان دائما التصالح مع الغرب (لا سيما الولايات المتحدة الأميركية)، وتوسيع الحريات الاجتماعية، وتحرير الاقتصاد. ويقول الإصلاحيون إن علاج المشكلات الاقتصادية والسياسية لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال “التواصل مع مجتمع ديمقراطي أكثر انفتاحاً”. هذه الأجندة تتصادم دائماً مع أجندة المرشد الأعلى، خامنئي، ووجهات نظره منذ الثورة الإسلامية.
ويعتقد خامنئي أن السياسات الإصلاحية قد تضر بالمبادئ المؤسسة للثورة الإسلامية وتمهد الطريق لتدخل القوى الكبرى الخارجية في الشؤون الداخلية الإيرانية، ومن ثم تهدد الاستقلال القومي. وقد شكك خامنئي، أثناء الفترة الأولى للإصلاحيين، في نوايا إصلاحات الرئيس خاتمي، إذ ادعى خامنئي أنها:
“تحظى بدعم متحمس من قوى خارجية، تشمل الولايات المتحدة وانجلترا. ما هي نوايا العدو عندما يعلن عن دعمه لإصلاحات إيرانية؟ الجواب: يسعى الأعداء الخارجيون إلى زعزعة وتدمير الجمهورية الإسلامية، تماما كما ساعدوا على تدمير الاتحاد السوفيتي من خلال إصلاحات غورباتشوف. لقد قال خاتمي ومسؤولون آخرون مراراً وتكراراً إن إصلاحاتهم إسلامية وثورية. حسن جداً، هذا أمر جيد. لكننا نحتاج تفسيرات أكثر دقة وأن تكون الصورة أكثر وضوحاً”.
كرر خامنئي النغمة ذاتها قبل استلام الفائزين في انتخابات فبراير/ شباط 2016 مناصبهم، وذلك في اجتماعه الأخير مع الأعضاء المنتهية ولايتهم في مجلس الخبراء. قال خامنئي حينها: “ينبغي أن تكون لنا علاقات مع العالم، باستثناء أميركا والنظام الصهيوني بالطبع، لكننا نحتاج أن نعرف أن العالم ليس مقصوراً على أوروبا والغرب”.
اعتقد بعض المراقبين أن الشائعات الأخيرة حول صحة المرشد الأعلى، ذي ال٧٦ عاماً، واحتمالية أن يختار مجلس الخبراء، حديث الانتخاب، خليفة له، سوف تكون أخباراً جيدةً للإصلاحيين. ومع ذلك، فإن ذلك التفاؤل ربما يكون غير مبرر. فعلى الرغم من الضربة التي تلقاها المحافظون في انتخابات مجلس الخبراء، التي جرت في شهر إبريل/ نيسان، فإنهم لا يزالون يتحكمون في 75% من المقاعد ولديهم ما يكفي من السلطة لتعيين المرشد الأعلى الجديد. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي ألا ننسى أن رفسنجاني، الذي قام بدور حاسم في اختيار المرشد الأعلى بعد وفاة الخميني، والذي من المفترض أن يقوم بالدور ذاته في انتخاب خليفة خامنئي، في الثمانين من عمره، وصحته ليست أفضل من صحة خامنئي. هذا ما حدا بالكثير من المراقبين للشك في “حدود صلاحيات الكتلة المعتدلة فيما يتعلق باختيار المرشد الأعلى القادم بنفسها”.
من الواضح أيضاً أن منصب المرشد الأعلى القادم، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل الشؤون الداخلية والخارجية لإيران، سوف يكون خطاً أحمر بالنسبة للمحافظين المتشددين. ويحظى المحافظون المتشددون، في ذلك الأمر، بالدعم القوي من قبل الحرس الثوري الإيراني، الذين حدد الدستور دورهم الأساسي بحماية النظام الإسلامي لإيران، ومنع التدخل الأجنبي والانقلابات من قبل أي حركة من “الحركات المنحرفة”. ومع ذلك، فقد توسع دور الحرس الثوري الإيراني إلى أبعد من المهمات الأمنية والعسكرية، فأصبح لاعباً أساسيا في المجالين السياسي والاقتصادي أيضاً. فعلى سبيل المثال، قام الحرس الثوري الإيراني بجلب المصوتين إلى أماكن الاقتراع في انتخابات 2005 الرئاسية للتصويت لصالح الرئيس محمود أحمدي نجاد. وقال أرجوماند في كتابه إن “نتيجة انتخابات 2005 الرئاسية يمكن وصفها بدقة بأنها أول انقلاب عسكري انتخابي يقوم به الحرس الثوري الإيراني بعد أن بدأ تدخلهم الأول في المجال السياسي، على سبيل التجريب، في انتخابات البلدية لعام 2003، والانتخابات البرلمانية لعام 2004”.
وأظهر الحرس الثوري الإيراني عام 2009 قدرته على قمع “الحركات المنحرفة” عن طريق السحق الوحشي لمظاهرات المعتدلين المؤيدة للديمقراطية، التي كانت جزءاً من الحركة الخضراء. وربما يكون نجاح الحرس الثوري الإيراني في إنهاء الحركة الخضراء قد أدى إلى “تحويل الجمهورية الإسلامية إلى دكتاتورية عسكرية يقودها الحرس الثوري”. وأدى هذا التدخل المتزايد للحرس الثوري لجعل النخبة السياسية الإيرانية رهينة في أيديهم. حتى خامنئي، الذي يشمل منصبه كمرشد أعلى، دور القائد الأعلى للقوات المسلحة بأكملها، أصبح قلقاً من تزايد دور الحرس الثوري في الشؤون السياسية والاقتصادية. فقد قال خامنئي في اجتماع عقد بتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول 2014 مع قادة الحرس الثوري:
“إن الحرس الثوري الإيراني هو حامي الثورة الإسلامية. لا أريد أن يفهم من هذا أن الحرس الثوري ينبغي لهم أن يكونوا حماة كل المجالات من علمية وفكرية وثقافية واقتصادية. لا… ليس من الضروري للحرس الثوري الإيراني أن يقحم نفسه في المجال السياسي لحمايته، لكن ينبغي لهم أن يحيطوا علما به … من الساذج تقليص التحديات التي تواجهها الثورة إلى مجرد التحديات السياسية والحزبية والفئوية. فهذه ليست التحديات الأساسية التي تواجه الثورة. هذه معركة بين الفصائل السياسية… أما التحدي الأكبر الذي تواجهه الثورة فهو إعطاء نظام جديد للإنسانية… أنتم حماة الثورة الإسلامية، ولا يعني هذا أنه ينبغي لكم أن تكونوا حاضرين في كل المجالات والحقول”.
ومن الممكن القول إنه طالما لم يشكل الإصلاحيون تهديداً وشيكاً على السيطرة المطلقة للمحافظين، فإن خامنئي سوف يفضل تقليص نفوذ الحرس الثوري الإيراني. لم يبق أي تهديد من ذلك النوع للإصلاحيين بعد سحق الحركة الخضراء. صحيح أن الرئيس روحاني أقرب للإصلاحيين منه إلى المحافظين، لكنه، في نهاية المطاف، أبعد ما يكون عن وصفه بأنه إصلاحي “خالص”. ذلك أن منصبه السابق أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي (من 1989 حتى 2005) قد أعطاه دورا مركزياً في التعامل السلمي مع الحرس الثوري الإيراني. فقد قرر روحاني استخدام نفوذ خامنئي للضغط على الحرس الثوري الإيراني لتقليص تدخلهم، بدلاً من المواجهة المباشرة معهم. وقال روحاني إن تسهيل رفع العقوبات الاجتماعية والاقتصادية المفروضة على إيران من قبل المجتمع الدولي سوف يجذب المستثمرين الأجانب. وسوف يكون لذلك فوائد ضخمة على الاقتصاد الإيراني من شأنها أن “تكون أسهل في التحقق لو وافق الحرس الثوري الإيراني على كبح شهيته الاقتصادية”.
وخلاصة القول، إن التدخل السياسي والاقتصادي للحرس الثوري الإيراني سوف يظل محدوداً طالما ظل التفاهم المتبادل مع الرئيس روحاني كما هو. وعلى الرغم من الانتقاد المعتدل للرئيس روحاني لدور الحرس الثوري في النطاق الداخلي، إلا أنه يظل بعيداً عن التدخل في السياسة الإقليمية للحرس الثوري الإيراني، خصوصا في سوريا والعراق واليمن، إذ لا يزال للحرس الثوري الإيراني اليد العليا في تشكيل وقيادة السياسة الخارجية لإيران تجاه جيرانها العرب.
وربما يقوم الإصلاحيون، بتشجيع من النتائج التي حازوا عليها في الانتخابات، بمحاولة تغيير هذا التفاهم المتبادل لصالحهم. إذ أن إحدى الاستراتيجيات الثابتة في المعسكر المعتدل هي سياسة الانفتاح تجاه المجتمع الدولي وجيران إيران، وهذا يعني أن الإصلاحيين يجب أن يكونوا قادرين على تغيير السياسة الإقليمية للحرس الثوري الإيراني من “المؤامرات العسكرية التخريبية” إلى الانسحاب البنّاء، وإلا فإن سياسة الانفتاح التي يتبنونها سوف تكون بلا معنى. ربما يكون من الصعب التنبؤ برد فعل الحرس الثوري الإيراني على أية جهود للحد من نفوذه، لكن المؤكد أن جنرالات الحرس الثوري لن يسمحوا للإصلاحيين بتخريب مصالحهم الإقليمية القوية وسوف يتدخلون لإنهاء الطموح الإصلاحي مرة أخرى.
اللعبة الجيوسياسية
شعر خاتمي بالارتياح من نتاج انتخابات عام 2000، عندما استولى الإصلاحيون على أغلبية مقاعد البرلمان، بعد الصراع الطويل بين المحافظين والإصلاحيين بقيادة خاتمي، أثناء فترته الرئاسية الأولى من 1997 حتى 2000، واعتقد الرئيس خاتمي أن البرلمان سوف يدعمه كما سوف يدعم الإصلاحيين، الذين اعتقدوا أنه قد حان الوقت للتحرك. ولكن، للمفارقة، جاءت النتيجة مخيبة لآمالهم لعدد من الأسباب.
فرص ضائعة
كان التحدي الذي واجه الإصلاحيين خارجياً، هذه المرة. ذلك أن عام 2001 لم يكن عاماً عادياً. كان من الواضح أن العالم على وشك دخول حقبة جديدة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. اتهمت إدارة الرئيس الأميركي بوش، في أعقاب الهجوم مباشرةً، تنظيم القاعدة وأمرت الجيش الأميركي بتنفيذ هجمة واسعة النطاق على أفغانستان، حيث كان يعتقد أنها مقر القاعدة.
أدان الرئيس خاتمي، والإصلاحيون، هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في أول الأمر، واعتبروها إرهاباً وعرضوا المساعدة، بشكل ضمني، على الولايات المتحدة. كانت وجهة نظر الإصلاحيين كالتالي:
“لقد أعطت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول إيران فرصةً لتنأى بنفسها عن ممارساتها السابقة وأن تفتح صفحة جديدة. وفوق كل شيء، كانت فرصة للتحرك بحزم في المجال الدبلوماسي لتحقيق مصالح إيران. لقد كانت الأزمة فرصة لإيران لاستخدام مصالحها المتداخلة مع الولايات المتحدة لبدء حوار طال انتظاره”.
ومع ذلك، فإن المحافظين، يوافقهم في ذلك المرشد الأعلى، قد رفضوا وجهة نظر الإصلاحيين بأن الأزمة ينبغي استخدامها قاعدةً للتقارب مع الولايات المتحدة والغرب. يقول شهرام شوبين:
“لقد منع آية الله خامنئي بشكل فعال استغلال الأزمة من قبل الإصلاحيين، الذين كانوا يأملون، بوضوح، في استخدامها لتعزيز الروابط مع الغرب وتحسين صورة إيران عموماً. لقد أدى تدخله وعدم رغبته في رؤية أي تعاون رسمي أو علني مع الولايات المتحدة، حتى عندما تلاقت المصالح، إلى وقف الخطوات التي كان من الممكن لها أن تؤدي إلى عملية من المصالحة. كان المرشد الأعلى واضحا: “ليست العلاقة مع أميركا فقط ضد مصالحنا الوطنية، بل التفاوض مع هذا البلد أيضا”.
من الممكن أن يقال هنا إن إدارة بوش قد منعت هذا التعارض من أن يعزز نفوذ الإصلاحيين الإيرانيين. فقد جعلت سياسة بوش التدخلية أحادية الجانب من الإصلاحيين الإيرانيين محلاً للريبة ودفعتهم للاصطفاف مع المحافظين وخامنئي.
فقد أعلن الرئيس بوش، بشكل مفاجئ، أن إيران جزء مما سماه “محور الشر” وأنها “تسعى بعدوانية لامتلاك أسلحة دمار شامل وتصدر الإرهاب”. تعاملت النخبة الحاكمة من كلا المعسكرين في إيران مع تلك الرسالة بشك وخوف عميقين، تفاقما مع اجتياح العراق والعقيدة الوقائية الجديدة لإدارة بوش، التي أرادت “دمقرطة” منطقة الشرق الأوسط عن طريق قلب الأنظمة الشمولية. لقد أدت تلك التطورات كلها، في واقع الأمر، إلى إقناع الإيرانيين أن هدف الولايات المتحدة في العراق هو الوصول إلى الحدود واستهداف إيران. ومن ثم، فرد فعل إدارة بوش على هجمات ١١ سبتمبر/ أيلول قد ساعد في الواقع على إضعاف الإصلاحيين الإيرانيين، على الرغم من الرغبة المبدئية لإيران في التعاون مع الولايات المتحدة.
مرة أخرى مال ميزان القوى بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران لصالح المحافظين. نتيجة لذلك تغير موقف الإصلاحيين، على سبيل المثال، مما يسمى بأسلحة الدمار الشامل. فقد سعى الإصلاحيون إلى تقليل نزاعاتهم مع المحافظين بخصوص القضية النووية، بعد أن وصلوا إلى نتيجة مفادها أن الحصول على قدرات نووية، كان في واقع الأمر، أمراً ضرورياَ من أجل ردع أي مغامرة أميركية ضد إيران. ومن ناحية أخرى، استخدم الحضور العسكري الأميركي المتزايد من قبل المحافظين المتشددين وقوداً لتقوية آلة دعايتهم وتعزيز موقفهم السياسي.
وخلاصة القول، إن سياسة إدارة بوش بإدخال إيران في “محور الشر” كان لها تأثير على إعادة توزيع ميزان القوى بين النخبة الإيرانية الحاكمة من خلال تقوية المحافظين والمتشددين وإضعاف المعتدلين والإصلاحيين. هذا العامل الخارجي، جنباً إلى جنب مع حيازة المحافظين على السلطة في أكبر المؤسسات السياسية المؤثرة في البلاد، أعاق جهود المعتدلين والإصلاحيين لتطبيق إصلاحاتهم السياسية والاجتماعية. وأدى هذا الفشل من جانب الإصلاحيين إلى الفوز الكاسح للمحافظين في انتخابات البرلمان السابع التي جرت عام 2004 والانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005.
مصالح مشتركة واحتياجات متبادلة
أثناء فترة حكم أحمدي نجاد من 2005 حتى 2013، شهدت علاقات إيران مع الغرب وجيرانها الإقليميين، توترات دبلوماسية متزايدة بخصوص مساعدتها الواضحة لجماعات “إرهابية”، وبرنامجها النووي، والخطب الملتهبة لرئيسها المتشدد ضد إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا النوع من التوتر، خصوصاً مع الولايات المتحدة، لم يتصاعد إلى أية مواجهة مادية مباشرة، لأن أميركا، فيما يقال، كانت تواجه بالفعل تحديات جساماً على كلتا الجبهتين في العراق وأفغانستان. في ذلك الوقت، كان آخر ما تحتاجه إدارة بوش فتح جبهة ثالثة للحرب ضد إيران.
في ضوء ذلك، إلى جانب الحاجة إلى شريك يمكن الاعتماد عليه لمواجهة قضية أثر السياسية الخارجية الأميركية الخارجية على المنطقة، بدأت مراكز الأبحاث في واشنطن في الدعوة إلى تحويل وجهات النظر الأميركية تجاه إيران. كانت تلك الدعوة مؤشراً على أن سياسة “الاحتواء المزدوج” الأميركية السابقة تجاه إيران وسياسة المواجهة لم تنجحا، وأنه قد حان الوقت للتفكير في مناهج جديدة. كان المنهج الجديد تحولاً عن المواجهة باتجاه التشارك. ويبدو أن هذا هو ما شكل الإطار النظري لسياسة الرئيس أوباما تجاه إيران، وساعد على بناء الثقة بين أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني.
ومن الممكن أن يقال هنا إن المصالح المشتركة والاحتياجات المتبادلة قد تقاربت بين إدارة أوباما ونظيره الإيراني، مع الوضع في الاعتبار أن السياسة الخارجية لإدارة أوباما في منطقة آسيا ـ والمحيط الهادئ “المحورية” تطلبت تقليص الحضور الأميركي في الشرق الأوسط، وسحب قواتها من العراق وأفغانستان. من أجل “تأمين” هذا الانسحاب، تطلعت إدارة أوباما للتعاون مع إيران، إذ كانت أكثر اللاعبين نفوذا في كلا البلدين في السنوات الأخيرة. في السياق ذاته، تابع روحاني علناً سياسة إعادة إدماج إيران في المجتمع الدولي وإعادة بناء اقتصادها. تطلب هذا الأمر رفع العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد إيران والتحرك ناحية تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي ما كان له أن يتحقق إلا من خلال اتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني.
انخرطت الولايات المتحدة ومجموعة 5+ 1 من جانب، وإيران من الجانب الآخر، في ماراثون من المفاوضات المكثفة، آخذين بعين الاعتبار هذه المصلحة المشتركة. وانتهت تلك المفاوضات بتوقيع “اتفاق تاريخي للحد من البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية في مقابل رفع العقوبات عنها” وذلك في شهر يوليو/ تموز 2015. ولما كان النقاش حول التأثير الإقليمي الاستراتيجي لهذه الصفقة خارج نطاق هذه الورقة البحثية، فمن الجدير بالذكر أن نشير ببساطة إلى أن التأثير المباشر لتلك الصفقة على المشهد السياسي الإيراني كان واضحاً: فقد أعطت تلك الصفقة للبراغماتيين والإصلاحيين وداعميهم مزيداً من التشجيع لرفع أصواتهم. ونتيجة لذلك، فازوا بأغلبية الانتخابات البرلمانية على حساب المحافظين.
لو استطاع رعاة هذا الاتفاق المحافظة عليه دون أية خروقات كبيرة، فسوف يعمل كخطوة أولى في الطريق الطويل لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. ومع ذلك، فإن تلك الصفقة الهشة بها الكثير من نقاط الضعف، التي يمكن استخدامها من قبل خصومها، الكثيرين من كلا المعسكرين، لتقويضها والتسبب في انهيارها. إحدى نقاط الضعف تلك أن المحادثات مع إيران لم تكن شاملة، وإنما كانت مقصورة بشكل أحادي على المسألة النووية، دون الأخذ في الاعتبار أن هناك مواضيع أخرى لا تزال مثيرة للجدل، مثل السياسة الخارجية لإيران، وخصوصاً مساندتها لمنظمات تصفها الولايات المتحدة والغرب بأنها منظمات إرهابية، بالإضافة إلى الإجراءات الملموسة التي تتخذها طهران لزعزعة الاستقرار في بعض الدول العربية.
وينبغي ألا ننسى أن مستوى عدم الثقة بين واشنطن وطهران لا يزال عالياً، وأن أي خطأ أو سوء فهم من جانب أي طرف، قد يؤدي إلى تدهور سريع للعلاقات مرة أخرى. فالصواريخ البالستية، على سبيل المثال، التي جربها الحرس الثوري الإيراني مؤخراً مع رسائل كتبت بالفارسية والعبرية (والتي يقال إن بعضها كانت ترجمته: يجب محو إسرائيل من على وجه الأرض) مؤشر جيد على الاختلافات والتوترات التي لا تزال موجودة بين إيران والولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن الممكن أن يقال إن إطلاق هذه الصواريخ كان لإعطاء رسالة داخلية لزيادة شعبية المحافظين قبل جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية.
سوف يظل خطر التدهور موجوداً بالطبع لو لم تتوسع المحادثات لتكون أكثر شمولاً من خلال جلب كل الموضوعات المهمة إلى طاولة الحوار. إن كلاً من الإصلاحيين والبراغماتيين واعون بأن ما جلب الصفقة إلى طاولة الحوار، في المقام الأول، وما أدى في النهاية إلى إقرارها، كان المصالح المشتركة بين إدارة أوباما غير الكفؤة وإيران. ومع ذلك، فإن تلك المصالح ليست دائمة. فالنخب الإيرانية المعتدلة واعية جداً بأن إيران، في الظروف الحالية، لديها فرصة تاريخية لتقوية علاقاتها بالمجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، قبل أن تتغير الأجواء الدولية والإقليمية خلاف رغبتهم. لقد كانت الصفقة النووية الإيرانية ثمرة وجهة نظر أوباما، ويبدو أن الرئيس القادم للولايات المتحدة من غير المرجح أن يشارك أوباما نفس وجهة النظر تلك، فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب، قد ندد بالاتفاقية بخشونة، بينما أعلنت المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، أن سياستها تجاه الإيرانيين سوف يكون قوامها “عدم الثقة والتأكد”. ويمكن أن يقال إن أي تدهور مستقبلي بين إيران والولايات المتحدة من المحتمل أن يؤدي إلى مرحلة جديدة من فشل المعتدلين، الأمر الذي من شأنه أن يمهد الطريق للهيمنة الكاملة للمحافظين.
الخلاصة
اصطف المعسكر الإصلاحي والبراغماتي مع الرئيس حسن روحاني، فحصلوا على نتائج قوية في انتخابات 2016 ونجحوا في الحصول على أغلبية البرلمان بواقع 143 مقعداً من أصل 290 مقعداً. بينما حصل المحافظون والمستقلون على 86 و61 مقعداً على الترتيب. وعلى الرغم من أن أغلبيتهم ليست مريحةً بشكل حاسم، فإنها كافية لإصدار بعض الحلول التشريعية المعتدلة. ومع ذلك، فالمحافظون لا يزالون قوة ضخمة، وبإمكانهم الحد من طموحات المعتدلين في تحقيق إصلاحات اجتماعية.
يستمد المحافظون قوتهم من حقيقة أنهم لا يزالون يتحكمون في مؤسسات سياسية ذات نفوذ مثل مجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، ورؤساء القوات المسلحة، بالإضافة إلى وقوف المرشد الأعلى، خامنئي، إلى جانبهم. هذه الحقيقة تعطي الإصلاحيين هامشاً ضيقاً للمناورة. وباستثناء الأجندة النووية، فمن غير المرجح أن يحقق الإصلاحيون أية تقدم خصوصاً فيما يتعلق بالإصلاحات الاجتماعية، وحقوق الإنسان، أو السياسة الخارجية على وجه الخصوص.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية المثيرة للجدل، فليس للصفقة النووية تأثير مباشر على السلوك الخارجي لإيران. لا تزال إيران ترسل بالمزيد من القوات إلى سوريا، متعهدةً بقتال “الإرهابيين” حتى النهاية، وقد عادت لسياستها التقليدية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية عن طريق اللجوء لدعم حركات المقاومة، ولا سيما حركة الجهاد الإسلامي، التي التقى قائدها بخامنئي في إيران مؤخراً، وأخيراً عن طريق الإصرار على أن تكون المحادثات مع الأميركيين مقصورة على المسألة النووية وعدم توسيعها لتشمل مواضيع أخرى.
داخلياً، ظهر في الآونة الأخيرة منتقدون أقوياء للإصلاحيين. فقد ظهر خلاف مرير إلى العلن بين المرشد الأعلى، خامنئي، ورفسنجاني، السياسي المؤثر الذي حصل على أعلى الأصوات في الانتخابات الأخيرة، بخصوص تجارب الصواريخ الأخيرة. وفي السياق ذاته، قبل أيام قليلة من الجولة الثانية من الانتخابات، حذر مهدي عبدي، أحد أعضاء المجلس التنسيقي لجماعة حزب الله الإيرانية الأصولية، المرتبطة بدوائر أيديولوجية إيرانية، قادة المعسكر البراغماتي، بما فيهم رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، والرئيس السابق محمد خاتمي، من عدم تقويض مكانة المرشد الأعلى علي خامنئي. أرسل أولئك المنتقدون رسالة واضحة مفادها أن المحافظين المتشددين لن يظهروا أي تسامح في اللعبة السياسية مع الإصلاحيين، وسوف يفعلون كل ما بإمكانهم من أجل تقويضهم.
وعلى الجانب الآخر، فإن حقيقة أن النصر الانتخابي الأخير الذي أحرزه الإصلاحيون يرجع جزئياً إلى التحالف الذي كونوه مع المعسكر البراغماتي بزعامة رفسنجاني قد يكون له دور أيضاً في تقويض خططهم للإصلاح. فلطالما كان للمعسكر البرجماتي أجندته السياسية الخاصة، وسوف يظل مصطفاً مع الإصلاحيين ما دام ذلك الاصطفاف يخدم مصالحه فحسب. وفي هذا الصدد، يبدو من الواضح أن الائتلاف بين الإصلاحيين والبراغماتيين سوف يظل هشاً.
ومع ذلك، فإن الدعم الذي يأخذه الإصلاحيون في الحسبان، بكل جدية ممكنة، هو دعم الجمهور، وهو دعم قوي كما يمكن أن نرى من نتائج الانتخابات الأخيرة. وقد زادت شعبية الرئيس روحاني والإصلاحيين بعد توقيع الاتفاقية النووية وما ترتب عنها من رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ومع ذلك، فالنظام السياسي الإيراني لا يقيم كبير وزن للتصويت الشعبي كوسيلة حاسمة، إذ أن الشعب الإيراني مسموح له بالتصويت على المرشحين الذين تمت الموافقة عليهم وفحصهم من قبل مجلس الخبراء ذي الأغلبية المحافظة. وما دام النظام يعمل بتلك الطريقة، فإن تأثير الجمهور على النتائج السياسية سوف يظل مهمشاً ما لم تحدث إصلاحات مهمة تغير القواعد الأساسية في جذور النظام، وذلك أمر غير محتمل الحدوث، على المدى القريب على الأقل.
أخيراً، فإن النغمة التصالحية للدبلوماسية التي طبقها الرئيس أوباما تجاه إيران تعد عاملاً كبيراً يصب في مصلحة الإصلاحيين. أثمرت تلك الدبلوماسية الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية في مجموعة 5+1. وغني عن القول إن تلك الدبلوماسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأوباما، ولذلك فإنه من المقبول بشكل واسع أن هناك احتمالية كبيرة أن يتخلى الرئيس الجديد للبيت الأبيض عن هذه الدبلوماسية. إن أية عودة للسياسات الأميركية القديمة تجاه إيران سوف تشكل ضربة كبيرة للإصلاحيين، إذ سوف تسمح للمحافظين بالهيمنة عليهم مرة أخرى.
وعلى الرغم من وجهة النظر المتشائمة تلك، إلا أن النتيجة النهائية لانتخابات 2016 في إيران تبقى مؤشراً مهماً على اتجاه الرأي العام الإيراني ناحية المزيد من السياسات الإصلاحية، والعلاقات التصالحية والرغبة في إحداث تغييرات اجتماعية اقتصادية. ومما لا شك فيه أن طريق التغيير طويل، ونتائج الانتخابات الأخيرة ليست إلا خطوة واحدة إضافيةً في ذلك الطريق.