العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا: تحليل للتشابه الجيوسياسي والعسكري بين المسرَحَين الأوكراني والسوري»
في ظل إصرار القيادة الروسية على تحقيق أهدافها في الهجوم على أوكرانيا تبرز الحاجة إلى الحديث عن التشابه الجيوسياسي والعسكري بين المسرحين الأوكراني والسوري لدى القيادة الروسية، هذا التشابه ساعد القيادة الروسية على اختبار نجاعة الخبرة العسكرية المُكتَسَبَة من سوريا في أوكرانيا
مقدمة: بعد مرور أكثر من شهر ونصف على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا والتي من الممكن أن تندرج ضمن المحاولات الروسية في إعادة تشكيل مناطق النفوذ الجيوسياسي ابتداءً من حرب جورجيا عام 2008 ثم حرب القرم 2014 وصولاً إلى العملية العسكرية الحالية في الشرق الأوكراني، تبرز ضرورة دراسة الأداء العملياتي والتكتيكي العسكري الروسي على مسارح العمليات في الساحة الأوكرانية التي تتطابق في عدة نواحي مع الساحة السورية التي انخرطت فيها القوات الروسية منذ سبعة سنوات. هذه العملية التي تُخاض على جغرافيا تشبه إلى حدٍّ كبير الجغرافية السورية جَعَلَ الاستلهام من الخبرة العسكرية الروسية في سورية أمراً ممكن التطبيق في المسرح الأوكراني وخاصة بعد التغييرات التي أجرتها القوات الروسية على هياكلها التنظيمية وعلى الأداء الفني لأسلحتها.
تهدف الورقة إلى تسليط الضوء على تطبيق القوات الروسية لخبرتها العسكرية المستمدة من الحرب السورية على مسارح العمليات العسكرية في أوكرانيا إضافة للتكتيكات المتبّعة في هذه المسارح، وتنبع أهمية ذلك في القدرة على تمكين القارئ من فهم واختبار مدى قدرة هذه الخبرات الروسية المكتسبة من سوريا على تحقيق الهدف السياسي الروسي المنشود في أوكرانيا ضمن معطيات جغرافية وعسكرية متقاربة مع المعطيات الجغرافية والعسكرية السورية.
تناولت عدد من الدراسات والمقالات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ضمن سياقات محددة تكتيكية أو عملياتية لكنها غير مُجمِلةَ للسياق العام للحرب، مثل أداء سلاح الجو الروسي أو تكتيكات القوات الأوكرانية أو الفروق في ديناميات القيادة والسيطرة بين القوتين المتصارعتين. يعوز ما سبق من الدراسات عدم ربط جميع ما سبق إضافة لعدم تناولها لعوامل أخرى كالعامل الجيوسياسي الدافع لهذه الحرب وتطابقه مع العامل الجيوسياسي السوري وكذلك الاستلهام الروسي من الأداء العسكري والسياسي لهُ في سوريا.
انطلاقاً مما سبق تجيب هذه الورقة على السؤال التالي: كيف استخدمت القيادة الروسية العسكرية والسياسية خبراتها وأساليبها العسكرية والسياسية التي اكتسبتها في سوريا في غزوها لأوكرانيا؟ وكيف استطاعت تحقيق بعض النجاح من خلال هذه الخبرات مقابل عدم نجاحها بسبب فقدان القراءة الدقيقة لجغرافيا الحرب الأوكرانية واعتمادها على فكرة الاستنساخ لبعض الخبرات المكتسبة من سوريا على الساحة الأوكرانية ظنّاً منها بوجود تشابه شديد بين حالة القوات الأوكرانية والمعارضة العسكرية السورية من ناحية الأداء الميداني العسكري والهيكلية الإدارية والدعم السياسي.
تناقش مقدمة الورقة التطابق الجيوسياسي لأوكرانيا وسوريا في عيون القيادة السياسية الروسية ما جعل وقوع هذه الحرب أمراً بديهاً لمن يقرأ عقليّة روسيا الجيوسياسية كما يصفها ألكسندر دوجين في كتابه. ثم تقدم الورقة أبرز نقاط التشابه والاختلاف العسكرية بين الساحة الأوكرانية والساحة السورية والتي استفادت منها روسيا في حربها على أوكرانيا. تنتقل الورقة بعدها إلى تقديم قراءة مفصّلة لتطبيق روسيا لخبراتها العسكرية المكتسبة من الحرب السورية على مستوى التكتيكات ومستوى مسارح العمليات العسكرية ضد القوات الأوكرانية. تحاول الورقة في القسم الرابع تقديم قراءة مفصّلة لأبرز العوائق الداخلية والخارجية التي كانت السبب في تعثّر القوات الروسية على مسرح الحرب الأوكرانية. تَختِمُ الورقة هذا البحث بقراءة آثار هذه الحرب على الساحة الدولية وخاصة الأوروبية، أضافة لتقييم الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا اعتماداً على خبرته المكتسبة من سوريا وكذلك السيناريو الأقرب للوقوع في المسرح العسكري الأوكراني، ونهايةً انعكاسات هذه الحرب على الساحة العسكرية السورية والفاعلين الدوليين والإقليميين فيها.
التطابق الجيوسياسي لأوكرانيا وسوريا في عيون روسيا
تعتبر القيادة الروسية من منطلقٍ جيوسياسي أن الحرب في أوكرانيا هي حربٌ دفاعية قريبة جغرافياً، والحرب السورية حرب دفاعية ب