مع احتفال العرب بالذكرى العاشرة لانتفاضاتهم، يجد العلماء تفسيرات لا نهاية لها لكيفية قراءة هذه الانتفاضات. إلا أنّ علماء الانتقال السياسي لم يجدوا هدفَهم المنشود: “ديمقراطيّة” الربيع العربي. فهل هي عشر سنوات ملأتها الثورة المضادّة أكثر من الثورة؟ وملأها الحكم الاستبدادي أكثر من الحكم الديمقراطي؟ من الصعب أن يتعمّق الباحث في هذا الثنائي الذي يدور بطرق مختلفة حول منوال مصير الانتفاضات العربيّة دون الاستفادة من المقارنات المنهجية والمتعمقة التي تتجاوز نطاق هذه الدراسة. ومع ذلك، فإنّ هذا المقال يترك بصمته على السؤال الأول، مع إشارة خاصة إلى تونس. وبذلك فإنّ هذا المقال لا يسعى إلى إجابات محدّدة عن “ثورة” تبدو أنّها ما زالت في طور الاكتشاف بحسب احتجاجات الأسابيع الماضية في أجزاء مختلفة من تونس. بل فكرة المقال هي تسليط الضوء على خصوصيّة التحوّل الديمقراطي في تونس و”الثورة”، مع تسجيل ملاحظات فارقة ذات قيمة قابلة للتعميم في السياقات الأخرى للربيع العربي.

إحدى الأفكار التي قد تكون ذات قيمة هنا هي ملاحظة كيف أنّ تونس تبدو وكأنّها انخرطت في عمليّة سريعة وفاشلة في سعيها نحو “الانتقال الثوري المعهود” على الرغم من اتّباعها الانتقال المنفذ دستوريًّا بمساعدة مجتمع مدنيّ قوي وحركة عمّالية عمرها قرن من الزمن.  ويتّصف هذا الانتقال بـالمعهود بسبب الموافقة عليه دستوريًّا وفق قواعد الاشتباك الديمقراطية، وهو ثوريّ بسبب فشل التحوّل الديمقراطي في ترويض الثورة.  إنّ المسابقات والاحتجاجات مستمرة. وبناء المؤسّسات وحده ليس كافيًا لإضفاء الطابع الروتيني على السياسة وتطبيع العلاقات بين الدولة والمجتمع على أساس العمليات والكوادر والمؤسسات الديمقراطية الشعبية – ويظهر ذلك في التجربة التونسية. تتمثّل الحلقة المفقودة لهذه السلسلة في إنشاء عمليّات موازية للعدالة التوزيعية -أي تسوية ساحة اللعب اقتصاديًّا أيضًا- وتكون هذه العمليّات ذات صلة وثيقة بإعادة إنتاج الانتقال الديمقراطي “الثوري المعهود”.

قد لا يكون تجسيد “الثورة” و/أو “الديمقراطية” وتعميمها من خلال إعطائها وجهًا إنسانيًّا بعد سلبها من قِبل الحكم الاستبدادي لزمن طويل، قد لا يكون كافيًا لإثبات كفاءة الإنسان. وبالتحديد ليس بالنسبة إلى منتقدي الثورة من العالم العربي الذين حوّروها إلى حكاية عذاب وكآبة وسرديات “إرهاب” ودول ومجتمعات فاشلة – وكأن الثورات سلسة أو دوّامة مستمرّة-، ولا بالنسبة إلى منتقديها من داخل العالم العربي الذين يندبون “الانتظام” المزعوم البائد (وحتى الدكتاتوريين الزائلين بالنسبة إلى البعض).